الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
الفرق بين علوم القرآن وأصول التفسير
إذا رجعت إلى بعض الكتب التي صُدِّرت عناوينها بأصول التفسير، ونظرت إلى مادتها فإنك ستجد أغلب مباحثها في علوم القرآن، ككتاب «الفوز الكبير في أصول التفسير» (1) لأحمد بن عبد الرحيم الدهلوي (ت1176هـ)، وكتاب «أصول في التفسير» للشيخ محمد بن عثيمين (ت1422هـ)، فهل (أصول التفسير) هي (علوم القرآن)؟
لا شكَّ أنَّ اختلاف الإضافات تدلُّ على اختلاف المصطلحات، إلا إذا كان المضاف إليه له أكثر من نظير في معناه؛ كالذي سبق في مصطلح «علوم التَّنْزيل» ، ومصطلح «علوم الكتاب» ، وأمثالها (2).
لكن الأمر هنا يختلف فالتفسير غير القرآن، لذا فأصول التفسير ليست هي علوم القرآن.
وإذا تأمَّلت الأمر وجدت أنَّ التفسير جزءٌ من علوم القرآن، بل هو أكبر علومه.
فالتفسير ـ الذي هو بيانُ القرآنِ وشرحُه وإيضاحُه ـ من علوم القرآن، وفي علوم القرآن غير التفسير من العلوم، وقد تكون بعض علومه مشتركة بين التفسير وعلوم القرآن، وهذا أمر معتاد، فكل ما هو من علوم التفسير، فهو من علوم القرآن قطعاً، وقد يكون إفراد هذه العلوم بعناوين مستقلة في كتب علوم القرآن مظنَّة الخلط الذي يقع بين المصطلحين؛ كعلم «غريب القرآن» الذي كتب فيه كتاباً مستقلاً جمهور من علماء اللغة المتقدمين،
(1) أغلب مسائل الكتاب في أنواع من علوم القرآن، منها: العلوم الخمسة التي بينها القرآن العظيم بطريق التنصيص «علم الجدل، علم الأحكام، وعلم التذكير بآلاء الله، وعلم التذكير بآيام الله، وعلم التذكير بالموت وما بعد الموت» الفوز الكبير (ص19).
(2)
ينظر: (ص25).
وشاركهم فيه كثير من المتأخرين، هو من علوم التفسير لأن التفسير لا يقوم بدونه، وهو من باب أولى من علوم القرآن أيضاً.
لكن علم (عدِّ الآي) من علوم القرآن وليس من علوم التفسير؛ لأن علم التفسير يقوم بدونه.
أما أصول التفسير فإنه أخصُّ من علوم التفسير، والمسائل التي تُدرسُ في الأصول غالباً ما تمثِّل شكل القاعدة التي يندرج تحتها أمثلة متعددة، وتكون من مبادئ هذا العلم، ويغلب عليها الجانب التطبيقي، ومن عرفها فإنه يسهل عليه ممارسة علم التفسير.
وأصول التفسير تشتمل على المبادئ والأسس التي يحتاج إليها من يريد قراءة التفسير أو من يريد التفسير؛ ليعرف بها القول الصواب من الخطأ.
ويمكن اختصار القول هنا بما يأتي:
1 -
إن كانت المعلومة ـ من علوم القرآن ـ لا أثر لها في فهم المعنى، فهي من علوم القرآن وليست من علوم التفسير؛ كمعرفة فضائل سورة الإخلاص، فإنها من علوم القرآن لكن معرفتها أو جهلها لا يؤثر في فهم المعنى.
2 -
وإن كانت من المعلومات التي تؤثر في فهم المعنى؛ كمعرفة غريب الألفاظ، فهذا من علوم التفسير، ومن علوم القرآن من باب أولى.
وإن كانت المعلومة تمثِّل أصلاً أو أساساً يُرجع إليه لمعرفة التفسير من حيث الصحة والبطلان، ومن حيث توجيه أقوال المفسرين، فإنها تكون من أصول التفسير، ومن باب أولى أن تكون من علوم التفسير، فعلوم القرآن.
ومثال ذلك: أن يعرف طالب علم التفسير مصطلح السلف في النسخ؛ لأن عدم معرفة مصطلحهم تؤثر في فهم تفسيراتهم وتوجيهها إذا وردت عن أحدهم في موطن لا يصلح للنسخ كالأخبار، فإذا وردت عبارة النسخ في
تفسير واحد من السلف في خبر من الأخبار أجزم بأنه لا يريد النسخ الاصطلاحي، بل يريد التنبيه على وقوع رفعٍ لجزء من معنى الآية؛ كأن يكون بيان مجمل، أو تخصيص عموم، أو تقييد مطلق، أو بيان وقوع استثناءٍ .. الخ.
ومن الأمثلة الواردة في إطلاق السلف لفظ النسخ على الخبر، ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ) في قوله تعالى:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224]، قال أبو جعفر النحاس (ت338هـ)«قد أدخل هذه الآيات بعض الناس في الناسخ والمنسوخ، حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن هشام، قال: حدثنا عاصم بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} قال: «نسختها الآية التي بعدها» ؛ يعني: {إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء: 227]» (1).
فقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] خبرٌ، والخبرُ لا يُنسخ، بمعنى رفعه بالكلية، وليس هذا مراد ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ) بالنسخ هنا النسخ الكلي، وإنما مراده النسخ الجزئي، وهو تخصيص العموم الذي في قوله تعالى:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] بالاستثناء الوارد بعده في قوله تعالى: {إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء: 227]، والله أعلم.
وفي الختام، فإنَّ علم أصول التفسير جزء من علوم التفسير، وعلوم التفسير جزء من علوم القرآن، والله أعلم.
(1) الناسخ والمنسوخ للنحاس، تحقيق الدكتور سليمان اللاحم (2:572).