الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
تسمية المصحف
سبق التنبيه على أنَّ في القرآن إشارات إلى أنه سيكون مكتوباً في صُحفٍ، ومن ذلك الآيات التي وردت باسم الكتاب، مثل قوله تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، وأما ما ورد بلفظ الصحف ففي مثل قوله تعالى:{كَلَاّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ *فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ *فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} [عبس: 11 - 13]، وذلك على أن المراد بها صحف الكَتَبَة من الصحابة رضي الله عنهم (1)، وقوله تعالى:{رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً *فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة: 2، 3].
بل كانت بعض كتب الله السابقة مما أطلِق عليها هذا الاسم بدلالة قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا يَاتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَاتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى} [طه: 133]، وقوله تعالى:{أَمْ لَمْ يُنَبَّا بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى *وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 36، 37]، وقوله تعالى:{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى *صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 18، 19].
وهذه الآيات فيها الإشارة الواضحة إلى تسمية المصحف، نِسبةً إلى الصُّحف التي يُكتب فيها كلام الله، ومنها القرآن الكريم الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
(1) وقع خلاف بين المفسرين في المراد بالسفرة هل هم الملائكة أو كتبة الوحي من الصحابة؟، ويُبنى عليه الاختلاف في الصحف، هل هي التي بيد الملائكة، أو هي صحف الكتبة من الصحابة؟ ينظر في هذا: الاختلاف كتب التفسير؛ كتفسير الطبري وابن كثير.
فالقرآن: كلام الله تعالى، والمصحف: هو الصحف التي كُتِب فيها كلام الله تعالى.
وقد ورد في الأحاديث ما يشير إلى التداخل بين هذين اللفظين من جهة صحة إطلاق أحدهما وإرادة المعنى الآخر، فقد روى الإمام أحمد بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو» (1).
وهو عند البخاري (ت256هـ)، وغيره بلفظ:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو» (2).
وقد عنون البخاري (ت256هـ) في صحيحه لهذا الحديث بهذا العنوان: (باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو)(3).
وفي تبويب النووي لصحيح مسلم: (باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار)(4)، وكذا عنون له أبو داود في سننه (5).
والمراد بالنهي عن السفر بالقرآن: المكتوب في المصحف لا المحفوظ في الصدور، وهذا إذا خيف عليه أن يناله العدو لقلة الجيش المسلم ونحو ذلك وإلا فلا مانع منه، وهذا يدل على جواز إطلاق المصحف على القرآن، والقرآن على المصحف، والله أعلم.
وهذه التسمية قد انتشرت بين الصحابة وشاعت كما هو ظاهر من الآثار عنهم، منها:
1 -
روى الإمام مالك، عن نافع: «أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل عبد الله بن عمر عما لفظ البحر، فنهاه عن أكله.
(1) المسند (7:2، 55) وأصله في صحيح البخاري كما سيأتي.
(2)
صحيح البخاري برقم (2990).
(3)
انظر: البخاري مع فتح الباري (6:133).
(4)
صحيح مسلم (3:149).
(5)
سنن أبي داود (3:82).
قال نافع: ثم انقلب عبد الله، فدعا بالمصحف، فقرأ:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [الأنعام: 96].
قال نافع: فأرسلني عبد الله بن عمر إلى عبد الرحمن بن أبي هريرة: إنه لا بأس بأكله» (1).
2 -
وروى مسلم بسنده عن أبي الأحوص قال: «كنا في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبد الله وهم ينظرون في مصحف، فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم.
فقال أبو موسى: أما لئن قلت ذاك؛ لقد كان يَشهد إذا غِبْنَا، ويؤذن له إذا حُجبنا» (2).
ولو استقصيت في الآثار التي وردت فيها التسمية لربت على الخمسين أثراً، وليس ذلك مقصداً هنا، وإنما المقصد التنبيه على أنه لا حاجة للصحابة في أن يبحثوا عن اسم لما يقومون به من عملٍ، خلافاً لما أورِد من قصص لا سند لها؛ كالخبر الذي ذكره الزركشي (ت794هـ)، قال: «فائدة: ذكر المظفري (3) فى تاريخه: لما جمع أبو بكر القرآن قال: سمُّوه، فقال بعضهم: سمُّوه إنجيلا، فكرهوه.
وقال بعضهم: سمُّوه السِّفْر، فكرهوه من يهود.
فقال ابن مسعود: رأيت للحبشة كتاباً يدعونه المصحف، فسَمَّوه به» (4).
• * *
(1) الموطأ برقم (1071).
(2)
صحيح مسلم برقم (2461).
(3)
المظفري: شهاب الدين إبراهيم بن عبد الله الحموي (ت642هـ).
(4)
البرهان في علوم القرآن، للزركشي (1:281 - 282).