المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولالتعريف بالمصحف من حيث العلماء والمصادر التي اعتمدتها اللجنة - المحرر في علوم القرآن

[مساعد الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌الفصل الأولمفهوم علوم القرآن

- ‌أولاً: معنى (علوم):

- ‌ثانياً: معنى (القرآن):

- ‌المراد بعلوم القرآن:

- ‌الفصل الثانينشأة علوم القرآن

- ‌نشأة علوم القرآن

- ‌تدوين علوم القرآن:

- ‌المرحلة الأولىبذور هذا العلم منذ نشأته إلى نهاية القرن الثاني

- ‌المرحلة الثانيةالجمع الجزئي لعلوم القرآن من القرن الثالث إلى ظهور كتاب «البرهان في علوم القرآن» للزركشي

- ‌المرحلة الرابعةما بعد «الإتقان» للسيوطي

- ‌الفصل الثالثالفرق بين علوم القرآن وأصول التفسير

- ‌الباب الثانينزول القرآن وجمعه

- ‌المبحث الأولكيفية الوحي

- ‌المبحث الثانيأنواع الوحي

- ‌الفصل الثانينزول القرآن

- ‌المبحث الأولابتداء النُّزول وكيفيته

- ‌المبحث الثانيأول ما نزل من القرآن

- ‌المبحث الثالثنزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌ علاقة هذا النوع بأنواع علوم القرآن الأخرى:

- ‌نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌الفصل الثالثالمكي والمدني

- ‌المبحث الأولطرق تعبير السلف عن النُّزول

- ‌المبحث الثالثفوائد معرفة المكي والمدني

- ‌الفصل الرابعأسباب النُّزول

- ‌المبحث الأولالمراد بأسباب النُّزول

- ‌المبحث الثانيقصص القرآن وأسباب النُّزول

- ‌المبحث الثالثصيغ عبارات أسباب النُّزول

- ‌المبحث الرابعفوائد أسباب النُّزول

- ‌المبحث الخامسقواعد في أسباب النُّزول

- ‌الفصل الخامسجمع القرآن

- ‌المبحث الأولالجمع في الصدور

- ‌المبحث الثانيالجمع في السطور

- ‌ المرحلة الثالثة *في عهد عثمان رضي الله عنه

- ‌الباب الثالثعلوم السور

- ‌الفصل الأولأسماء السُّور

- ‌الفصل الثانيعدد آي السور

- ‌الفصل الثالثفضائل السور

- ‌الفصل الرابعترتيب السور

- ‌الفصل الخامسموضوعات السور ومقاصدها

- ‌الباب الرابعالمصحف…عناية الأمة

- ‌الفصل الأولعناية العلماء بالمصحف

- ‌المبحث الأولتسمية المصحف

- ‌المبحث الثانيرسم المصحف

- ‌المبحث الثالثضبط المصحف

- ‌المبحث الرابعتجزئة المصحف

- ‌المبحث الخامسوقوف المصحف ورموزها

- ‌المبحث الأولالتعريف بالمصحف من حيث العلماء والمصادر التي اعتمدتها اللجنة

- ‌المبحث الثانياصطلاحات الضبط لمصحف المدينة النبوية

- ‌الخاتمة

- ‌ملحق: جدول العلاقات بين أنواع علوم القرآن

- ‌المراجع

الفصل: ‌المبحث الأولالتعريف بالمصحف من حيث العلماء والمصادر التي اعتمدتها اللجنة

‌المبحث الأول

التعريف بالمصحف من حيث العلماء والمصادر التي اعتمدتها اللجنة

1 -

قالت اللجنة: «كُتِبَ هذا المصحف وضُبط على ما يوافق رواية حفص بن سليمان الأسدي الكوفي لقراءة عاصم بن أبي النَّجود الكوفي التابعي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأُبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم» .

القضايا والفوائد العلمية في هذا النص:

الأولى: الإشارة إلى أن الضبط يوافق الرواية، وقد مرَّ التنبيه على هذا، بحيث لو كان المصحف سيكتب على رواية أخرى لاختلف الضبط بناءً على اختلاف الرواية.

الثانية: حفص وعاصم كوفيان، وأبو عبد الرحمن السُّلمي كوفيٌّ، وهو قد تلقى القراءة عن علماء الصحابة في المدينة كما هو ظاهر من إسناده الرواية عنهم.

وأبو عبد الرحمن السُّلمي (عبد الله بن حبيب بن رُبيعة) ممن وقف نفسه على إقراء القرآن الكريم، فعلَّمه في مسجد الكوفة، كان يقرئ القرآن بالكوفة من خلافة عثمان رضي الله عنه إلى إمرة الحجاج، قال أبو إسحاق السبيعي:«أقرَأَ أبو عبد الرحمن السلمي القرآن في المسجد أربعين سنة» (1).

الثالثة: يمكن الرجوع إلى إسناد رواية حفص عن عاصم في أمَّات

(1) تهذيب الكمال (14:409).

ص: 271

كتب القراءات التي تذكر الأسانيد؛ كـ «السبعة» لابن مجاهد (ت324هـ)، و «التذكرة» لابن غلبون (ت399هـ)، و «جامع البيان» للداني (ت444هـ)، و «الإيضاح» للأندرابي (ت450هـ)، وغيرها كثير جدّاً.

2 -

قالت اللجنة: «وأخِذَ هجاؤه مما رواه علماء الرسم عن المصاحف التي بعث بها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه عنه إلى البصرة والكوفة والشام ومكة، والمصحف الذي جعله لأهل المدينة، والمصحف الذي اختصَّ به نفسه، وعن المصاحف المنتسخة منها.

وقد رُوعي في ذلك ما نقله الشيخان: أبو عمرو الداني وأبو داود سليمان بن نجاح، مع ترجيح الثاني عند الاختلاف».

القضايا والفوائد العلمية في هذا النص:

الأولى: أشار النصُّ إلى القول الصحيح في عدد المصاحف التي كتبها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهي ستة مصاحف كما هو مذكور، وقد سبقت الإشارة إلى هذا (1).

الثانية: بيَّن طريقة نقل الرسم، وهي إما بالنظر في أحد هذه المصاحف الستة، وإما بالنظر في المصاحف التي استُنسخت منها وعلى وفقِها، وذلك أمر اختصَّ به العارفون من علماء القرآن كالعَلمين المذكورين: الداني (ت444هـ) وأبي داود (ت496هـ).

ويمكن القول بأن مصدر الرسم بالنسبة لنا هو نقل العلماء من هذه المصاحف المعتمدة، ومن طَالع كتبهم ـ مثل كتاب «الوسيلة شرح العقيلة» للسخاوي (ت643هـ) ـ ظهر له شدَّة عنايتهم بمقابلة المصاحف، والتعرُّف على الرسم الصحيح فيها، وذلك موضوع يحتاج إلى عناية الباحثين ليُبرزوا مدى عناية علماء القرآن بقضايا الرسم.

الثالثة: أشار النص إلى علمين من أعلام القرآن، وهما:

(1) ينظر: (ص242).

ص: 272

الأول: الداني (ت444هـ)، وهو أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، رحل إلى المشرق وأخذ عن علمائه، وكان أكبر اعتنائه بعلوم القرآن من قراءات وتوجيهها، ورسم وضبط المصحف وغيرها، وله كتب كثيرة معتمدة في هذا العلم، فكتاب «التيسير في القراءات» (1) هو الأصل الذي اعتمده الشاطبي في نظمه، وكتابه «البيان في عدِّ آي القرآن» (2) عمدة في علم عدِّ آي القرآن واختلاف العادِّين فيه، وكتابه «المحكم في نقط المصاحف» (3) عمدة في علم الضبط، وكتابه «المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار» (4) عمدة في علم الرسم، وله غيرها كثير، فهو كبير في هذا الشأن، وقطب من أقطاب علماء القرآن.

الثاني: أبو داود سليمان بن نجاح (ت496هـ) من بلنسية، كان أبوه مولى للأمير الأموي هشام بن عبد الحكم الأندلسي.

اعتنى بعلوم القرآن، وكان له شأوٌ بالغٌ فيها، وكان الداني (ت444هـ) من شيوخه الذين تلقى عليهم العلم، وله من الكتب في هذا العلم «التبيين لهجاء التنْزيل» وقد أودع فيه جملة من علوم القرآن كهجاء مصاحف الأمصار والقراءات والأصول والتفسير والأحكام والرد على الملحدين والتقديم والتأخير والوقف والابتداء والناسخ والمنسوخ والغريب والمشكل.

ومن المطبوع له كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنْزيل» (5)، وهو كتاب نفيس للغاية، ولا يستغني عنه دارسٌ للضبط أو الرسم أبداً.

وكان رحمه الله ممن انتهت إليهم الرئاسة في علوم القرآن، والإتقان للرسم

(1) طُبِع بتحقيق المستشرق أتوبرتزل، وقد حُقِّق في الجامعة الإسلامية أيضاً، لكنه لم يُطبع بعد.

(2)

طُبِع بتحقيق الدكتور غانم قدوري الحمد.

(3)

طُبِع بتحقيق الدكتور عزة حسن.

(4)

طُبِع بتحقيق محمد أحمد دهمان.

(5)

طُبِع بتحقيق الدكتور أحمد شرشال، وقد اعتنى بإخراجه أيما اعتناء، والكتاب من مطبوعات مجمع الملك فهد بالمدينة النبوية.

ص: 273

والضبط والقراءات، وله مناقب جمة (1).

الثالثة: أشار النص إلى تقديم رأي التلميذ أبي داود (ت496هـ) على رأي شيخه الداني (ت444هـ) حال الاختلاف، وفي هذا مسألتان:

المسألة الأولى: السبب الموجب للاختلاف في الرسم:

يحسن التنبُّه في هذه المسألة إلى أنَّ الاختلاف موجود ومحدود في رسم المصاحف، وذلك يعود أصلاً إلى التغاير في الرسم عند الصحابة، وقد سبق ذكر هذا الموضوع عند الحديث عن رسم المصحف، لكن قد يقع خلاف آخر في توصيف العلماء أو اختيارهم، ومن أسباب اختلافهم:

1 -

أن يكون أحدهم وصف موضعاً، وغيره وصف موضعاً آخر للكلمة، والرسم فيهما متغاير عند من كتبه من الصحابة.

2 -

أن يكون أحدهم قد وصف رسم لفظ في مصحفٍ، والآخر يصف نفس اللفظة في مصحف آخر يغاير برسمه المصحف الأول، وكلاهما من المصاحف المعتبرة، والاختلاف فيهما يرجع إلى ما سبق من اختلاف التنوع في الرسم عند الصحابة.

وفي هذه الحال تجد أنَّ العلماء قد يجتهدون في الاختيار بين الرسمين، مع يقينهم بصحتهما، لكنهم يقيسون على علل عندهم توجِب التقديم، وما دام الاختلاف ثابت في هذه المصاحف فالأمر فيه سعة ـ ولله الحمد ـ بحيث يختار العالم رسماً دون رسمٍ، ولا يعني هذا إبطال الرسم الآخر؛ لأن الإبطال لا يأتي إلا على القول الباطل أو الفاسد، وذلك خلاف ما هم بصدده من تغاير الرسم.

وقد نبَّه أبو داود (ت496هـ) على هذه الفكرة في كتابه «مختصر التبيين لهجاء التنْزيل» (2)، ومن هذه المواضع:

(1) ينظر في ترجمته ما كتبه الدكتور أحمد شرشال في مقدمة تحقيقه لكتاب أبي داود «مختصر التبيين لهجاء التنْزيل» (1:67 - 123).

(2)

ينظر في: الاختيار عند أبي داود ما ذكره الشيخ أحمد شرشال في حديثه عن منهج =

ص: 274

1 -

عند قوله تعالى: {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 57]، قال أبو داود (ت496هـ):«قال: و {نِعْمَةُ رَبِّي} بالهاء، هذه روايتنا عن ابن الأنباري، ورأيت الغازي بن قيس وعطاء الخرساني قد رسموها (نعمت) بالتاء، وكلاهما حسن، فليكتب الكاتب ما أحبَّ من ذلك، فهو في سعة لمجيء الروايتين عنهم بذلك» (1).

2 -

وقال في قوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} : «وأنا أستحبُّ كتاب ذلك بغير ألف لجميع القراء موافقة لبعض المصاحف ولقراءة الكوفيين، فمن ضبط لغيرهم جعل الألف بالحمراء بين الجيم والعين، وإن كتب الناسخ للعربيين والحرميين بالألف على قراءتهم أيضاً فحسن، إذ لم تبلغنا رواية إنه كُتِب في مصحف من مصاحف الأمصار بوجه ما، وإنما جاءت الرواية مبهمة أن ذلك في بعض المصاحف كذا وفي بعضها كذا، من غير تسمية مصر بعينه مخصوص به، فلذلك أوجب إطلاق الناسخ على ذلك فاعلمه» (2).

وهذه الحيثية في التغاير قد نبَّه عليها العالمون بالرسم، ومنهم علم الدين السخاوي (ت643هـ) في كتابه «الوسيلة إلى كشف العقيلة» ، حيث أورد قول الشاطبي:

وبين نافعهم في رسمهم وأبي

عبيد الخلف في بعض الذي أثرَا

ثمَّ قال معلقاً: «اعلم أن رسم المصاحف إنما حصل منه ما حصل بالنقل عن جماعة؛ نظر بعضهم مواضع فأخبر بها، ونظر آخرون غير تلك المواضع فأخبروا بها، واتفقوا في مواضع.

فإن قلنا في هذا الكتاب: رواه نافع، فليس ذلك لأن غيره قد روى خلاف ذلك، وإنما نعني به أن ذلك من القبيل الذي رواه نافع.

= أبي داود (1:285 وما بعدها).

(1)

مختصر التبيين لهجاء التنْزيل (4:1036).

(2)

مختصر التبيين لهجاء التنْزيل (3:506 - 507).

ص: 275

وكذلك إذا قلنا: في الإمام كذا، إنما نعني به ما رواه أبو عبيد عن ذلك المصحف الذي استخرجه.

وإذا قلنا: قال نصير، فذلك أيضاً قبيلٌ لم يذكره غيره. واتفاقهم مذكورٌ أيضاً.

ثمَّ إن أبا عبيد خالف نافعاً في مواضع يسيرة، فربما ظنَّ ظانٌّ أن ذلك تعارض، وإنما يتعارض النقلان لو كان المصحف واحدٌ.

فإن قيل: فنافع يروي عن مصحف المدينة، وأبو عبيد عن مصحف عثمان، وهو الذي كان عنده بالمدينة أيضاً، فكيف يقع في ذلك اختلاف؟

قلت: اختلاف هذين الإمامين ـ مع ما هم عليه من العدالة والإتقان والضبط ـ يدلُّ على أن المصحف الذي رآه أحدهما غير الذي ينقل عنه الآخر.

وما المانع أن يكون عثمان رحمه الله اتَّخذ لنفسه مصحفاً، وجعل لأهل المدينة مصحفاً؟

وهذا هو الظاهر؛ لأنه لم يكن ليجعل للناس إماماً يقتدون به، ثمَّ يختصُّ هو به من دونهم» (1).

المسألة الثانية: السبب الموجب لتقديم قول أبي داود (ت496هـ) على قول شيخه (2):

إن أبا داود (ت496هـ) كان من أعلى وأجلِّ تلاميذ الداني (ت444هـ)، وقد استفاد منه كثيراً، لكنه كان أكثر تدقيقاً وشمولاً ومصادرَ في علم الرسم من الداني، يقول الدكتور أحمد شرشال في هذا المعنى: «وأبو داود أكثر

(1) الوسيلة إلى كشف العقيلة، للسخاوي، تحقيق: الدكتور مولاي محمد الإدريسي (83 - 84).

(2)

تنظر أقوال العلماء في هذه المسألة في مقدمة الدكتور أحمد شرشال لكتاب «مختصر التبيين في هجاء التنْزيل» أثناء حديثه عن موازنة مختصر التبيين بغيره من كتب الرسم (1:328 - 332).

ص: 276

من تتبع ظواهر هجاء جميع مصاحف الأمصار بالوصف والعدِّ والتقطيع والوزن، فكان وصفه دقيقاً لم يَرْقَ إليه وصف آخر، الأمر الذي خلا منه المقنع» (1).

ومما يحسن التنبُّه له أنَّ التلميذ أبا داود (ت496هـ) أخذ في الضبط بطريقة الخليل (ت170هـ)، وهي التي اشتهرت واستمرت بعده، وأخذ شيخه أبو عمرو الداني (ت444هـ) بضبط أبي الأسود (ت69هـ)، وهذا من دواعي تقديمه عند المتأخرين على شيخه؛ لأنهم اعتمدوا طريقة الخليل.

3 -

قالت اللجنة: «وأخذت طريقة ضبطه مما قرره علماء الضبط حسب ما ورد في كتاب «الطراز على ضبط الخرَّاز» للإمام التَّنَسِي، مع الأخذ بعلامات الخليل بن أحمد وأتباعه من المشارقة، بدلاً من علامات الأندلسيين والمغاربة».

القضايا والفوائد العلمية في هذا النص:

الأولى: الخراز ونظمه في الضبط:

الخرَّاز: نسبة إلى عمل الخرازة، وهو محمد بن محمد بن إبراهيم الشريشي (2) الأموي (ت بعد 711هـ)، سكن فاس، ومات فيها. قال عنه ابن الجزري (ت833هـ):«إمام كامل مقرئ» (3).

أما نظمه في الضبط، فقد جعله ذيلاً لنظمه في الرسم الذي أسماه «عمدة البيان في رسم القرآن» ، ثم غيَّر في نظم «عمدة البيان» لما لوحظ عليه فيه، ولأشياء وهم فيها وسمَّاه «مورد الظمآن في رسم القرآن» ، وأبقى

(1) مقدمة المحقق الدكتور أحمد شرشال لمختصر التبيين (1:329).

(2)

نسبة إلى شريش، قال محمد بن عبد المنعم الحميري في كتابه «الروض المعطار في خبر الأقطار» (ص340):(شريش من كور شذونه بالأندلس، بينها وبين قلشانة خمسة وعشرون ميلاً، وهي على مقربة من البحر). وضبطها ياقوت في معجم البلدان (3:340)، فقال:(بفتح أوله وكسر ثانيه، ثم ياء مثناه من تحت).

(3)

غاية النهاية (2:237).

ص: 277

نظمه في الضبط ذيلاً له أيضاً (1)، فجاء بعده مباشرة، قال الخراز في نهاية نظم الرسم:

قد انتهى والحمد لله على

ما منَّ مِن إنعامه وأكملا

في صفر سنة إحدى عشرة

من بعد سبعمائة للهجرة

خمسين بيتاً مع أربعمائة

وأربعاً تبصرة للنشأة

عسى برشدهم به أن أرشدا

من ظلم الذنب إلى نور الهدى

بجاه سيد الورى (2) الشفيع

محمد ذي المحتِد الرفيع

صلى عليه ربنا عز وجل

وآله ما لاح نجم أو أفل

ثم تلاه بذيله في الضبط فقال:

هذا تمام نظم رسم الخط

وها أنا أتبعه بالضبط

كيما يكون جامعاً مفيداً

على الذي ألفيته معهوداً

مستنبطاً من زمن الخليل

مشتهراً في أهل هذا الجيل

ولقد حظي نظم الخراز في الضبط بعناية فائقة ممن جاء بعده؛ لما يتميز به من ميزات متعددة، وقد ذكر الدكتور أحمد شرشال محقق كتاب «الطراز في شرح ضبط الخراز» قيمة هذا النظم وأهميته في أربع نقاط (3):

1 -

أنه بالغ في مدحه والثناء عليه جماعة من علماء الرسم والضبط.

2 -

توافرهم على درسه وتدريسه؛ لعنايتهم به.

3 -

إقبالهم عليه بالشرح والتعليق والحواشي.

4 -

نقلهم عنه وإسنادهم إليه.

(1) ينظر في هذا: ترجمة الدكتور أحمد شرشال للمؤلف في تقديمه لكتاب «الطراز في شرح ضبط الخراز» (ص97، 98).

(2)

للعلماء كلام في هذه العبارة، وهي التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، ينظر في:«قاعدة التوسل والوسيلة» ضمن المجلد الأول من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن مواضع الكلام على هذه العبارة ما وقع في (ص211) منه.

(3)

ينظر: قسم الدراسة التي قدَّمها الدكتور أحمد شرشال لكتاب الطراز في «شرح ضبط الخراز» (ص106).

ص: 278

الثانية: التَّنَسي وطرازه:

التَّنسيُّ نسبة إلى مدينة تَنَس (1)، وهو محمد بن عبد الله بن عبد الجليل الأموي (ت899هـ)، عالم مشارك في عدد من العلوم كالتفسير، والأدب، والحديث، والفقه، وغيرها.

وأما شرحه، فهو بعنوان «الطراز في شرح ضبط الخراز» ، ولما كان النظم المشروح قد اعتمد على ضبط الخليل الذي اعتمده أبو داود سليمان بن نجاح (ت496هـ)، فإن الشرح لم يخرج عن أصول ضبط النظم، لذا فإن الناظم قد لا يذكر في المسألة إلا رأي أبي داود (ت496هـ) دون غيره، فيقتصر الشارح على هذا ولا يزيد، إلا تتمات مما لم يذكره الناظم (2).

وشرحه قد لقي القبول بخلاف الشروح الأخرى التي وقع فيها ترجيحات مخالفة لما عليه أهل الشأن، فلما كان موافقاً كان محلاً للقبول (3).

ويمكن إيجاز أهم ما يتعلق بمنهج المؤلف وأسلوبه في شرحه في الآتي (4):

أـ تفسير ألفاظ الناظم وتوضيحها.

ب ـ التعليل والتوجيه لأغلب الأحكام المتعلقة بالضبط.

ج ـ إيراده بعض التتمات المهمة التي أهملها الناظم، ويصدرها عادة بعنوان (تنبيه، تنبيهان، تنبيهات) على حسب عددها.

د ـ العناية بكلام المتقدمين في هذا المجال، وردِّه على أخطاء المتأخرين في ما يتعلق بالنظم.

(1) قال ياقوت في معجم البلدان (2:48): (تَنَس: بفتحتين والتخفيف والسين المهملة

وهي آخر إفريقية مما يلي المغرب، بينها وبين وهران ثماني مراحل

).

(2)

نبَّه على هذا محقق كتاب الطراز؛ الدكتور أحمد شرشال (ص147).

(3)

قسم الدراسة من كتاب الطراز (ص148).

(4)

ينظر تفصيل هذا عند الدكتور أحمد شرشال في تقديمه للطراز (ص155).

ص: 279

الثالثة: الفرق بين علامات الضبط بين المشارقة والمغاربة:

لما كان المصحف المطبوع برواية المشارقة وقراءتهم، فإن الضبط جاء بما يناسب هذه الرواية، فضبط على ضبط المشارقة، أما لو كانت الرواية من روايات المغاربة؛ كالمصحف المطبوع ـ في مجمع الملك فهد بالمدينة النبوية ـ برواية ورش عن نافع، لكان ضبطه على علامات المغاربة، ولذا جاء في تعريف اللجنة بمصحف ورش ما نصُّه:«وأخذت طريقة ضبطه مما قرره علماء الضبط على حسب ما ورد في كتاب «الطراز على ضبط الخراز» للإمام التَّنَسِي وغيره مع الأخذ بعلامات المغاربة بدلاً من علامات المشارقة، مع مراعاة ما جرى به العمل عند المغاربة».

ويمكن لطالب العلم أن يلتمس الفرق بين الضبطين بالموازنة بين ما كتبته اللجنتان العلميتان التابعتان لمجمع الملك فهد اللتان أعدتا مصحف حفص، ومصحف ورش، ويكفي ذكر مثال لذلك، وهو طريقة المغاربة في كتابة الفاء والقاف، قالت اللجنة:«فرَّق المغاربة بين القاف وبين الفاء بوضع نقطة القاف فوقها، ونقطة الفاء تحتها، وجرت اللجنة على هذا» .

وهذا ظاهرُ الفرق بين المشارقة الذين يضعون نقطة واحدةً على الفاء، ونقطتين على القاف، أما المغاربة فيكتفون للقاف بنقطة واحدة تكون في الأعلى، ويجعلون للفاء نقطة في الأسفل.

4 -

قالت اللجنة: «واتُّبعت في عدِّ آيه طريقة الكوفيين عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعدد آي القرآن على طريقتهم 6236 آية» .

القضايا والفوائد العلمية في هذا النص:

الأولى: سبقت الإشارة إلى علم العدِّ (1)، وإلى ذكر الأمصار التي ينتمي إليها العدُّ، ومنها عدُّ أهل الكوفة، وقد ذكرت اللجنة سند هذا العدِّ فوقفوه على عليٍّ رضي الله عنه، والله أعلم.

(1) ينظر: (ص175).

ص: 280

الثانية: عدد الآي عند كل فريق من العادين:

ذكرت اللجنة عدد الآي عند الكوفيين، وهو (6236)، وقد وقع الخلاف بين العلماء في العد، قال طاهر الجزائري: «وأما عدد أي القرآن فقد اتفق العادُّون على أنه (ستة آلاف ومئتا آية وكسر)، إلا أن هذا الكسر يختلف مبلغه باختلاف أعدادهم، فهو في عدد المدني الأول: سبع عشرة، وبه قال نافع.

وفي عدد المدني الأخير: أربع عشرة عند شيبة، وعشر عند أبي جعفر.

وفي عدد المكي: عشرون.

وفي عدد الكوفي: ست وثلاثون، وهو مروي عن حمزة الزيات.

وفي عدد البصري: خمس، وهو مروي عن عاصم الجحدري، وفي رواية عنه أربع، وبهذا قال أيوب المتوكل البصري، وفي رواية البصريين أنهم قالوا تسع عشرة، وروي نحو ذلك عن قتادة.

وفي عدد الشامي: ست وعشرون، وهو مروي عن يحيى بن الحارث الذماري» (1).

5 -

قالت اللجنة: «وقد اعتُمد في عد الآي على ما ورد في كتاب «البيان» للإمام أبي عمرو الدانيّ، و «ناظمة الزهر» للإمام الشاطبي، وشرحيها للعلامة أبي عيد رضوان المخللاتي والشيخ عبد الفتاح القاضي، و «تحقيق البيان» للشيخ محمد المتولي، وما ورد في غيرها من الكتب المدونة في علم الفواصل».

القضايا والفوائد العلمية في هذا النص:

الأولى: كتاب البيان لأبي عمر الداني:

اسمه الكامل «البيان في عد آي القرآن» ، وهو كتاب مطبوع (2) وهو

(1) التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الإتقان، لطاهر الجزائري، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة (ص207).

(2)

بتحقيق الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد، نشر مركز المخطوطات والتراث والوثائق بالكويت.

ص: 281

من أنفس كتب العدِّ، والداني كعادته يقدم لكتابه بما عنده من الآثار التي في موضوع كتابه، وقد ذكر فيه أبواباً مهمة معززة بالآثار؛ مثل:(ذكر السنن والآثار التي فيها ذكر الآي)(ذكر السنن والآثار التي فيها ذكر العشور) (ذكر من جاء عنه عقد الآي في الصلاة

) (ذكر من كان يعدُّ الآي من أئمة القراءة ويعلِّمه ويحثُّ عليه

) إلخ. ثم ذكر عد كل سورة، وما وقع فيه الاختلاف بين العادين، ويقدم لكل سورة بذكر المكي والمدني، وذكر نظيرها في العدد، وعدد كلماتها وحروفها، وذكر فواصلها.

الثانية: الشاطبي وكتابه «ناظمة الزهر» :

الشاطبي: القاسم بن فيرُّة بن خلف الرعيني، أبو القاسم، إمام القراء، تصدَّر للإقراء بمصر، وإليه انتهت رياستها، كان ضريراً، ومات في القاهرة (ت590هـ).

وله كتب نفيسة في علوم القرآن، ومن أشهرها نظمه في القراءات الذي أسماه «حرز الأماني ووجه التهاني» ، وله نظم في العدِّ والفواصل، وهو المذكور في كلام اللجنة واسمه «ناظمة الزُّهر» ، وقد قال في مطلعها:

بدأت بحمد الله ناظمة الزُّهر

لتجني بعون الله عيناً من الزَّهر

وقد ذكر العد الكوفي الذي اتبعته اللجنة في هذا المصحف، فقال:

ولما رأى الحفاظ أسلافهم عُنُوا

بها دوَّنوها عن أولي الفضل والبرِّ

فعن نافع عن شيبة ويزيد أوْ

وَل المدني إذ كلُّ كوفٍ به يُقري

وقد اعتنى بالعدِّ أقوام من العلماء قبل الشاطبي (ت590هـ) وبعده، وقد ذكر جماعة منهم في منظومته، وقد سبقت الإشارة إليهم في موضوع عد الآي.

الثالثة: أبو عيد رضوان المخللاتي وكتابه «إرشاد الكاتبين» :

هو رضوان بن محمد بن سليمان المُخللاتي (ت1311هـ)، عالم بالقراءات والرسم العثماني، من أجلِّ أعماله كتابةُ المصحف على قواعد

ص: 282

الرسم العثماني (1)، وقد عوَّل العلماء من بعده على مصحفه هذا (2).

وعنوان كتابه «إرشاد القراء والكاتبين في معرفة رسم الكتاب المبين» ، وهو كما هو ظاهر من عنوانه في علم الرسم، وقد استفاد منه في عمله للمصحف.

الرابعة: الشيخ عبد الفتاح القاضي وشرحه لناظمة الزهر:

هو عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي، ولد بدمنهور بمصر عام 1325هـ، عالم بالقراءات والتفسير والعربية والفقه، أقرأ وعلّم، وأسهم إسهاماً كبيراً في نهضة الدراسات القرآنية، كما أسهم في وضع مناهج الكليات والمعاهد القرآنية التي تعد من أكبر وأهم الإنجازات القرآنية أثراً في زماننا. توفي عام 1403هـ بعد حياة حافلة بخدمة كتاب الله، وقد بلغت مؤلفاته رحمه الله خمسة وعشرين كتاباً، ما بين منظوم ومنثور، ثلاثة منها في الفقه والفرائض، والباقي في علوم القرآن.

أما شرحه لناظمة الزهر فاسمه «بشير اليسر شرح ناظمة الزهر في علم الفواصل» ، ويمتاز بالإيجاز وحسن الترتيب والتركيز على المهمات؛ فقد درج فيه على أن يبدأ بشرح الكلمات لغة، ثم يبين معنى البيت وما فيه من مسائل هذا الفن؛ مفصلاً محل الاتفاق ومحل الاختلاف (3).

الخامسة: محمد المتولي وكتابه «تحقيق البيان» :

المتولي: أحمد بن محمد بن عبد الله، الشهير بالمتولي، عالم

(1) طُبِع هذا المصحف بمطبعة محمد أبي زيد بمصر سنة 1308هـ، ويوجد منه نسختان بدار الكتب المصرية.

(2)

تنظر ترجمته في كتاب الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات، للدكتور إبراهيم الدوسري (ص125 - 127).

(3)

تنظر ترجمة الشيخ عبد الفتاح القاضي والتعريف بآثاره في مقال بعنوان «العلامة الشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله وأثره في الدراسات القرآنية» للدكتور عبد العزيز عبد الفتاح القارئ، العدد الأول من مجلة كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية، (ص297 - 320)، وقد صدر عام 1402 - 1403هـ، ولم يصدر منها بعده عدد آخر.

ص: 283

متخصص بالقراءات، شيخ قراء الديار المصرية في زمنه، كان ضريراً (ت1313هـ)، له كتب كثيرة في القراءات وتحريرها.

وأما كتابه فهو «تحقيق البيان في عدِّ آي القرآن» ، وقد اختصره من كتاب «لطائف الإشارات لفنون القراءات» للقسطلاني (ت923هـ)، وقد اختصر منه في هذا الكتاب ثلاث قضايا:

1 -

وقت نزول كل سورة، وكونها مكية أو مدنية.

2 -

عدد آي كل سورة جملة؛ معزوة إلى أئمة الأمصار باختصار.

3 -

رؤوس الآي المختلف فيها والمتفق عليها من أول القرآن إلى آخره (1).

السادسة: الفواصل:

أشار الشاطبي (ت590هـ) في «ناظمة الزُّهر» إلى أنَّ الفاصلة هي الكلمة الأخيرة التي تُختم بها الآية؛ كالروي بالنسبة للشعر.

وقال في «ناظمة الزُّهر» ـ ضمن أبيات عن الفواصل ـ:

وها أنا بالتمثيل أُرخي زمامه

لعلك تمطوها ذلولاً بلا وعر

كما (العالمين)(الدين) بعد (الرحيم) (نسـ

ـتعين) (عظيم)(يؤمنون) بلا كدر

(1) أفاده الدكتور إبراهيم الدوسري في كتابه «الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات» (ص322 - 323). وقد نبَّه على وقوع وهم عند لجنة التعريف بالمصحف المصري، وتبِعهم على هذا مصحف المدينة النبوية في النسخة الأولى التي كانت لجنتها العلمية برئاسة الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القاري، حيث جعلوا كتابه مصدراً لأخذ أوائل أجزائه

إلخ، قال: (إلا أن الحداد ـ عفا الله عنه ـ وقع في الوهم حينما ذكر أن من المصادر التي رجع إليها في بيان بدايات الأجزاء والأحزاب كتاب تحقيق البيان للمتولي

فلقد اطلعت على أكثر من نسخة من تحقيق البيان، فلم أجد فيها بيان الأجزاء والأحزاب، ولو على سبيل الإيماء والإشارة.

وقد تنبَّه لذلك مراجعو مصحف قطر، فلم يذكروا تحقيق البيان ضمن المصادر في بيان الأجزاء والأحزاب) (ص366 - 367).

قلت: وكذا حُذِف من هذه النسخة من مصحف المدينة النبوية الذي عُدِّل فيه الخط، وحُذِف منه الوقوف الممنوع، ورأس لجنته العلمية الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي إمام وخطيب الحرم النبوي.

ص: 284

6 -

قالت اللجنة: «وأُخذ بيان أجزائه الثلاثين، وأحزابه الستين، وأنصافها وأرباعها من كتاب «غيث النفع» للعلامة الصفاقسي، وغيره من الكتب».

مضى الحديث عن تحزيب القرآن، وذكر مصدر التحزيب

السفاقسي وكتابه «غيث النفع» :

السفاقسي (1): علي بن محمد النوري، أبو الحسن (ت1118هـ)، كان عالماً بالقراءات وما يتصل بها، فكتب فيه كتابه هذا، وله كتاب نفيس في التجويد بعنوان «تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين عما يقع لهم من الخطأ حال تلاوتهم لكتاب الله المبين» ، وكان له مشاركة في بعض العلوم؛ كالفقه والتوحيد.

وكتابه «غيث النفع في القراءات السبع» ، قال محمد الشاذلي النيفر عن هذا الكتاب: «حرر في هذا الكتاب القراءات السبع التي ذكرها أبو القاسم الشاطبي، وبيَّن في كتابه هذا ما يتعلق بها، وقد مشى على طريقة المختصين كالشيخ أبي الخير محمد بن محمد بن محمد الجزري، فحرر الطرق معرضاً عما شذَّ، وعمَّا لا يوجد؛ كما يفعله كثير من المتساهلين القارئين بما يقتضيه الضرب الحسابي، وإنما أعرض عن ذلك؛ لأنه غير مخلص عند الله عز وجل، وذكر أن شيخه كان يحذره من ذلك كثيراً

وسمى كتابه «غيث النفع في القراءات السبع» ، وذكر فوائد في مطلع كتابه، منها ما ذكره في مصطلح الكتاب أنه رتبه على حسب السور والآيات، ولا يترك من أحكام الفرش شيئاً إلا ما تكرر كثيراً، وصار من البدهيات؛ كالنبي، وهو، وهي.

وأما الأصول، فالمهم وما يحتاج إلى تحقيق، فلا يترك منه شيئاً، وأما المتكرر ـ كالمد وميم الجمع وترقيق الراء وتفخيم اللام لورش ـ فلا يطول به.

(1) كذا كتبتها اللجنة، وقد تكتب بالصاد (الصفاقسي)، وهي من بلاد تونس.

ص: 285

ومن اصطلاحه أنه يكتب لفظ القرآن العظيم بالحمرة، وغيره بالأسود؛ ليتميز المتبوع من التابع، ويذكر كل ربع على انفراده؛ لأنه أعون للناظر وأقرب للسلامة من الوقوع في الخطأ.

ويشير إلى انتهاء الربع بآخر كلمة منه، مع ذكر حكم الوقف عليها، وبيان هل هي من الفواصل أم لا ـ والفاصلة: آخر الكلمة من الآية ـ، وحرر الأحزاب والأنصاف والأرباع، ولم يذهب إلا على المتفق عليه المشهور» (1).

7 -

قالت اللجنة: «وأخذ بيان مكيّه ومدنيّه في الجدول الملحق بآخر المصحف من كتب التفسير والقراءات.

ولم يُذكر المكي، والمدني بين دفتي المصحف أول كل سورة اتباعاً لإجماع السلف على تجريد المصحف مما سوى القرآن الكريم، حيث نُقل الأمر بتجريد المصحف مما سوى القرآن عن ابن عمر، وابن مسعود، والنخعي، وابن سيرين: كما في «المحكم» للداني، وكتاب «المصاحف» لابن أبي داود وغيرهما، ولأن بعض السور مختلَف في مكيتها ومدنيتها، كما لم تُذكر الآيات المستثناة من المكي والمدني؛ لأن الراجح أن ما نزل بعد الهجرة فهو مدني وإن نزل بمكة، ولأن المسألة فيها خلاف محله كتب التفسير وعلوم القرآن الكريم».

القضايا والفوائد العلمية في هذا النص:

أولاً: سبق الحديث عن المكي والمدني مفصلاً في أول هذا الكتاب، بما يغني عن إعادته هاهنا.

ثانياً: جعلت اللجنة المكي والمدني مُلحقاً بآخر المصحف في جدول خاصٍّ، خلافاً للمصحف المصري الذي كان يذكر رقم السورة في ترتيب

(1) مقدمة محمد الشاذلي النيفر لكتاب تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين عما يقع لهم من الخطأ حال تلاوتهم لكتاب الله المبين (ص17)، وقد ذكر بعد ذلك اعتماد لجنة المصحف الشريف في مصر على هذا الكتاب (ص18).

ص: 286

المصحف فاسم السورة فالمكي والمدني والمستثنى منها فعدد الآيات فترتيب نزولها؛ يذكر ذلك كله مع اسم السورة.

ومن أمثلة ذلك في المصحف المصري: «36 سورة يس مكية إلا آية 45 فمدنية، وآياتها 83 نزلت بعد الجن» .

وقد اعترضت اللجنة على وضع هذه المعلومات سوى اسم السورة، وعللت ذلك بأنه يذكر في مكان خطِرٍ هو محل تحذير السلف، ولأن هذه المعلومات مختلف فيها، ومحلها كتب التفسير وعلوم القرآن التي يكون فيها التفصيل وذكر الراجح بالدليل، أما النص القرآني فلا يضاف إليه ما يكون قابلاً للاجتهاد يحتمل الصواب والخطأ (1).

وقد أشار الدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة في بحثه عن «ترتيب نزول السور القرآنية» إلى وقوع اللبس عند بعض الأكاديميين فضلاً عن العامة، حتى لقد رأوه مما لا مجال لخلافه، يقول: «إن من الأمور التي لفتت نظرنا ـ منذ زمن ليس باليسير ـ ما نراه في طبعات مصاحفنا المختلفة وتقدمتها على نص السورة من السور الكريمة الحديث عن ترتيب نزولها، حتى لكأن ذلك قضية مسلمة لا مرية فيها من قِبَلِ الجميع، أو أنه الصحيح المعول عليه من أقوال أهل العلم المسندة بأوثق البراهين

حتى إننا قد رأينا بعض أبنائنا من أعضاء هيئة التدريس المتخصصين في التفسير وعلوم القرآن من أبناء هذه الكلية المرموقة ـ كلية أصول الدين (2) ـ وغيرهم قد أفردوا هذا المطلب بالحديث، فكان لديهم ما نراه في تقدمة المصحف لنص السورة أمراً غير قابل للمناقشة

» (3).

وهذه الملاحظة من أستاذ متخصص تدعم ما قامت به اللجنة من تجريد المصحف من مثل هذه القضايا.

(1) ينظر: التقرير العلمي عن مصحف المدينة النبوية (ص31 - 40).

(2)

بجامعة الأزهر.

(3)

بحثان حول سور القرآن، للدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة (ص49).

ص: 287

ولما لم يكن المقصد من إثبات السور المكية والمدنية أوليّاً بالنسبة للجنة = اكتفوا بذلك في جدول، ولم يستطردوا بذكر المستثنى من السور؛ لأن في ذلك خلاف كبير، ومحله كتب علوم القرآن والتفسير.

8 -

قالت اللجنة: «وأخذ بيان وقوفه مما قررته اللجنة المشرفة على مراجعة هذا المصحف على حسب ما اقتضته المعاني مسترشدة في ذلك بأقوال المفسرين وعلماء الوقف والابتداء: كالداني في كتابه «المكتفى في الوقف والابتدا» ، وأبي جعفر النحّاس في كتابه «القطع والائتناف» وما طُبع من المصاحف سابقاً».

القضايا والفوائد العلمية في هذا النص:

الأولى:

ذكرت اللجنة مصدر تحديد الوقوف، وهو المعاني، فالمعنى هو الأصل، والوقف تبع له، ولا يمكن معرفة المعنى إلا بالاطلاع على علم التفسير والنحو القراءات؛ لأنَّ هذه العلوم الثلاثة هي العلوم التي لها أثر في تحديد الوقوف، وكلها ترجع إلى أصل واحدٍ، وهو بيان المعنى.

الثانية: المكتفى في الوقف والابتداء:

كتاب «المكتفى» من أنفس كتب الوقف والابتداء (1)، وقد اختار الداني (ت444هـ) أربعة وقوف هي التام والكافي والحسن والقبيح، وقد استفاد من كتاب «إيضاح الوقف والابتداء» لابن الأنباري (ت328هـ)، كما استفاد في التفسير من تفسير يحيى بن سلام البصري، وكان يذكر اختياراته.

الثالثة: القطع والائتناف للنحاس:

كتاب «القطع والائتناف» من المراجع المهمة في كتب الوقف؛ لأنه يذكر أقوال المتقدمين واختياراتهم في الوقف كالإمام نافع والإمام يعقوب

(1) طُبع الكتاب في تحقيقين: تحقيق الدكتور يوسف مرعشلي، نشر مؤسسة الرسالة، وتحقيق الدكتور جايد زيدان خلف نشر وزارة الأوقاف والشئون الدينية بالعراق.

ص: 288

من القراء، وقد استفاد من كتب النحو والتفسير والوقف والابتداء؛ إلا أن النحاس لم يُعرِّف بمصطلحات الوقوف عنده كما هو الشأن في أئمة هذا العلم.

الرابعة: ما طبع من الوقوف سابقاً:

أهم مصادر هذا المصحف في طبعته الثانية ـ وكذا الأولى ـ هو ما اعتمدته اللجنة (المصحف المصري)، وقد جاء في التقرير العلمي عن مصحف المدينة النبوية: «

وبعضهم اتبع اصطلاحات القراء المصريين؛ كمعظم المصاحف التي طُبِعت في الشام وغيرها، وعلى رأسها المصحف الذي كتبه الشيخ محمد بن علي بن خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية في وقته.

فاختارت أن تمضي في رموز الوقف على هذا المذهب، فالرموز فيه موجزة ومحررة ودقيقة

وقد استعرضنا في اللجنة مواضع هذه الرموز في المصحف موضعاً موضعاً، فما وجدناه صحيحاً أبقيناه كما كُتِب، وما وجدنا عليه أي إشكال ناقشناه في اجتماعات اللجنة مستفيدين من المصادر، حتى يترجح لنا فيه وجه الصواب، وتتجلى حجته، فنثبت الرمز حسبما ترجح لدينا.

وبلغت المواضع التي خالف فيها مصحف المدينة النبوية المصحفَ الذي كتبه الشيخ محمد بن علي بن خلف الحسيني خمسةً وخمسين وخمسمائة موضع، وهي محصورة في قوائم موجودة في المجمع» (1).

وقد وقع خلاف في الوقوف بين الطبعة الثانية والطبعة الأولى، وذلك في الأمور الآتية:

1 -

حذف الوقف الممنوع بالكلية.

2 -

حذف بعض المواضع من بعض الوقوف.

3 -

إضافة بعض مواضع جديدة في الوقوف.

(1) التقرير العلمي عن مصحف المدينة النبوية (ص50 - 51).

ص: 289

ويظهر اعتمادهم على المصحف المصري من جهة أن اللجنة الحالية اعتمدت للوقف العلامات (الرموز)، التي في المصحف المصري سوى الوقف الممنوع الذي حذفوه، وإن كانت خالفته في عدد كبير من المواطن، خصوصاً فيما يتعلق بالوقف اللازم.

ومن باب الفائدة، فإن لجنة المصحف المصري قد جعلت وقوف محمد بن طيفور السجاوندي (ت560هـ) أصلاً لها، لكنها لم تخترها كلها، ولم تعتمد ما اختارته منها بحذافيره، بل كان هناك اجتهاد من واضع الوقوف، وهو الشيخ الحسيني (ت1357هـ)، فقد جاء في التعريف بالمصحف المصري الموجود في آخره:«وأُخذ بيان وقوفه وعلاماته مما قرره الأستاذ محمد بن علي الحسيني ـ شيخ المقارئ المصرية سابقاً ـ، على حسب ما اقتضته المعاني التي ترشد إليها أقوال أئمة التفسير» (1).

9 -

قالت اللجنة: «وأُخِذ بيان مواضع السكتات عند حفص من الشاطبية وشراحها، وتعرف كيفيتها بالتلقي من أفواه الشيوخ» .

القضايا والفوائد العلمية في هذا النص:

الأولى: السكت: الوقف على الكلمة زمناً يسيراً جدّاً دون تنفس.

الثانية: قد بيَّنت اللجنة في مبحث (اصطلاحات الضبط) موضوع السكتات بالتفصيل، قالت: «ووضع السين فوق الحرف الأخير من بعض الكلمات يدل على السكت على ذلك الحرف في حال وصله بما بعده سكتة يسيرة من غير تنفس.

وورد عن حفص عن عاصم السكت بلا خلاف من طريق الشاطبية على ألف {عِوَجًا} بسورة الكهف، وألف {مَرْقَدِنَا} بسورة يس، ونون {مَنْ رَاقٍ} بسورة القيامة، ولام {بَلْ رَانَ} بسورة المطففين.

ويجوز في هاء {مَالِيَهْ} بسورة الحاقة وجهان:

(1) التعريف بالمصحف (المصحف المصري)(ص526).

ص: 290

أحدهما: إظهارها مع السكت، وثانيهما: إدغامها في الهاء التي بعدها في لفظ {هَلَكَ} .

وقد ضُبِط هذا الموضع على وجه الإظهار مع السكت؛ لأنه هو الأرجح، وذلك بوضع السكون على الهاء الأولى مع تجريد الهاء الثانية من علامة التشديد للدلالة على الإظهار، ووُضِع حرف السين على هاء {مَالِيَهْ} للدلالة على السكت عليها سكتة يسيرة بدون تنفس؛ لأن الإظهار لا يتحقق وصلاً إلا بالسكت».

الثالثة: الشاطبية:

هي منظومة للأمام القاسم بن فيرُّة بن خلف الرعيني، أبو القاسم (ت590هـ)، وقد سبق ذِكره عند ذكر منظومته في عدِّ الآي «ناظمة الزُّهر» ، وقد جعل كتاب «التيسير في القراءات السبع» للداني (ت444هـ) أصلاً لنظمه الذي سماه «حرز الأماني ووجه التهاني» ، وزاد على التيسير زيادات؛ عُرفت بزيادات القصيد.

وقد قال الشاطبي في ذلك:

وفي يُسرها (التيسير) رُمْتُ اختصاره

فأجنت بعون الله منه مؤمَّلا

وألفافها زادت بنشر فوائد

فَلَفَّتْ حياءً وجهَها أن تُفضَّلا

الرابعة: قولهم: «من أفواه المشايخ» : هذا فيه إشارة إلى أنَّ الضبط لا يغني عن المشافهة، وما الضبط في مثل هذا إلا دلالة على وصف المقروء، لا على كيفية نطقه التي لا تُعرف إلا بالتلقي.

ص: 291