الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني
نزول القرآن وجمعه
الفصل الأول: الوحي.
الفصل الثاني: نزول القرآن.
الفصل الثالث: المكي والمدني.
الفصل الرابع: أسباب النزول.
الفصل الخامس: جمع القرآن.
الوحي
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: كيفية الوحي.
المبحث الثاني: أنواع الوحي.
• علاقة هذا النوع بأنواع علوم القرآن الأخرى:
الكلام في الوحي ـ كما هو ظاهر ـ مرتبط بعلم (نزول القرآن)، وهو كالمقدمة له، ولا يصلح تأخير بحثه فيكون بعد بحث (نزول القرآن)؛ لأن موضوع (كيفية نزوله) في علم (نزول القرآن) مرتبط بكيفية الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم.
الوحي
نزل جبريل عليه السلام بالقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وكان ذلك أول بدءٍ للوحي بنُزول القرآن الكريم، لذا كان الحديث عن الوحي ونزول القرآن متلازمين لا ينفكان، وسيكون الحديث هنا عن الوحي من حيث كونه أساس نزول القرآن، ثمَّ عن نزول القرآن الكريم.
قال ابن فارس (ت395هـ): «الواو والحاء والحرف المعتل أصل يدل على إلقاء علم في خفاءٍ، أو غيره إلى غيرك. فالوحي: الإشارة، والوحي: الكتابة والرسالة، وكل ما ألقيته إلى غيرك حتى عَلِمَهُ فهو وحي؛ كيف كان
…
» (1).
وكل ما ذُكر من أنواع الوحي ـ كالإلهام، والرمز، والإشارة، والأمر، والكتابة ـ فإنها لا تخرج عن معنى (إلقاء علمٍ في خفاء).
أما الوحي الوارد في الكتاب والسنة فقد ورد في مواضع كثيرة تربو على المائة موضع (2)، وهو على أنواع متعددة، وقد ذكرت آية سورة الشورى أعلى هذه الأنواع التي يقع فيها سماع كلام الله، قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَاّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ
(1) مقاييس اللغة، مادة (وحى)، وقريب من ذلك ما ذكره الراغب الأصفهاني: «أصل الوحي: الإشارة السريعة، ولتضمُّن السرعة قيل: أمرٌ وحيٌ، وذلك يكون بالإعلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرَّدٍ عن التركيب، وبإشارةٍ ببعض الجوارح، وبالكتابة
…
». مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان داودي (ص858).
(2)
يلاحظ في ورود الوحي أنه قد يكون بلفظ الوحي ومشتقاته، أو بعبارة تدل على الوحي؛ كالنُّزول، وغيرها، في مثل قوله تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193].
رَسُولاً فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51].
ذكرت هذه الآية ثلاثة أنواع من أنواع الوحي، وهي كالآتي:
1 -
أن يلقي كلامه على النبي بكيفية غير معتادة فيعيه.
2 -
أن يكلمه مباشرة من وراء حجاب، فلا يرى النبي ربه، لكن يسمع كلامه، وقد وقع هذا لموسى عليه السلام في بدء وحيه، وفي ميعاده مع ربه لأخذ الشريعة التي كانت في الألواح. وحصل لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم في معراجه، حيث أخذ الأمر بالصلاة عن ربه مباشرة.
3 -
أن يرسل رسولاً من الملائكة، وغالباً ما يكون المرسَل جبريل عليه السلام إن كان الأمر يتعلق بالنبوة والشريعة (1)، وقد يرسل غيره لأمور أخرى، كما هو وارد في الآثار.
والوحي الذي يُنْزله الله بواسطة الملك جبريل على نبي من أنبيائه هو الغالب على الوحي إلى الأنبياء، فنُزول الملك جبريل عليه السلام على أحد من البشر إيذانٌ ببدء الوحي.
وهو من أمور الغيب التي يختص بها النبي المرسل، لذا فإن الاجتهاد في تقريب صورة الوحي إلى الأذهان بأمر من الأمور المحسوسة غير دقيق، ولا يمكن تقريب صورة الوحي هذه، كما اجتهد في تقريبها بعض المعاصرين.
كما أن ما يحكيه بعضهم من كيفية إتيان الملك للرسول صلى الله عليه وسلم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية، فذلك مما لا دليل عليه.
ومن ثَمَّ، فالوحي بلغة القرآن والسنة: إعلام الله لنبي من أنبيائه
(1) من الملاحظ أنه لم ترد تفاصيل في كيفية وحي الله لأنبيائه، لكن هناك آثار تدل على أن المكلف بالوحي جبريل عليه السلام، ولم يخرج عن هذا الأسلوب من الإعلام بالنبوة سوى موسى عليه السلام حيث كان الوحي إليه مباشراً من الله، لذا لُقِّب بكليم الله، وكذا نزول الشريعة عليه، حيث أخذ الألواح في ميعاده مع ربه بعد تمام أربعين ليلة.
• بكيفية معينة ـ بنبوته، وما يتبعها من أوامر ونواهٍ وأخبار.
والآيات الدالة على الوحي بهذا المعنى كثيرة، منها قوله تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163]، وكقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: 7]، وغيرها من الآيات التي ينصُّ فيها على وحيه لأنبيائه أو وحيه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ إما بلفظ الوحي ومشتقاته، وإما بغيره مما يدل عليه كلفظ النُّزول ومشتقاته.