الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
أسماء السُّور
• علاقة هذا النوع بأنواع علوم القرآن الأخرى:
موضوع (أسماء السور) يرتبط بالمكي والمدني من جهة أن من يحكي السور المكية والمدنية يذكر اسم السورة.
وله ارتباط بموضوع (فضائل السور)؛ لأن الفضيلة إذا ذُكرت ذُكر معها اسم السورة لا محالة.
وله ارتباط بموضوع (أسباب النُّزول) إذا كان سبب النزول يتعلق بسورة؛ فإن ذاكر السبب يذكر اسم السورة.
أسماء السُّور
يظهر أن تسمية السور كان قديماً جدّاً، حيث كان مع بدايات النُّزول، فالتسمية كانت مكية المنشأ؛ لأن الصحابة المكيين قد رووا أحاديث كثيرة فيها أسماء للسور، ومن ذلك حديث جعفر الطيار رضي الله عنه مع النجاشي ملك الحبشة، حيث قرأ عليه سورة مريم.
والمقصود من التسمية تمييز المسمى عمن يشابهه، ويمكن تقسيم التسميات ـ من حيث المسمِّي ـ إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كثير، ومن أمثلته:
1 -
ما رواه مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه.
اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان ـ أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف ـ تُحَاجَّان عن أصحابهما.
اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة (1)» (2).
2 -
وما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم» (3).
(1) البطلة: السحرة.
(2)
صحيح مسلم برقم (804).
(3)
صحيح البخاري برقم (4704).
القسم الثاني: ما ثبتت تسميته عن الصحابي، ومثال ذلك ما رواه البخاري بسنده عن سعيد بن جبير قال:«قلت لابن عباس رضي الله عنهما: سورة الحشر. قال: قل: سورة بني النضير» (1).
القسم الثالث: تسمية من دون الصحابي إلى وقتنا هذا، وغالب تسمياتهم تأتي حكاية لبداية السورة؛ كقولهم: سورة (أرأيت)، سورة (لم يكن)، وهكذا؛ حيث إنه لم يرد النهي عن تسمية السور بأسماء تدلُّ عليها، وعلى هذا مضى السلف والخلف، حتى صار ما رأيتَ من تسمية السورة بحكاية أولها، وذلك هو الغالب على الكتاتيب، ودور تحفيظ القرآن الكريم.
ومما يحسن عِلْمُه في هذا الموضوع ما يأتي:
1 -
أن بعض السور لها أكثر من اسمٍ، وهي إما أن تكون مما أُخِذَ عن الصحابة، أو يكون شيءٌ منها مما ثبت عنهم أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم اشتهر عند المتأخرين اسم آخر.
2 -
أن تسميات السور لها علاقة بشيء مذكور في السورة، وهي على أقسام:
• منها ما يكون موضوعه مذكوراً في السورة؛ كسورة (التوبة)؛ سُمِّيت بهذا الاسم لورود موضوع التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم والذين معه والذين خُلِّفوا، في قوله تعالى:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 117 - 118].
• ومنها ما يكون لفظ الاسم وارداً فيها، وعلى هذا أغلب التسميات؛
(1) صحيح البخاري برقم (4029).
كتسمية سورة (التوبة) بسورة (براءة)؛ لأنَّ افتتاحها بهذا اللفظ في قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1].
• ومنها ما يكون حكاية لمطلع السورة، وهو على قسمين:
الأول: أن يكون حكاية لألفاظ أول السورة بنصِّها؛ كقولهم: سورة قل هو الله أحد.
الثاني: أن يُشتق اسم من ألفاظ أول السورة؛ كقولهم: سورة الزلزلة.
3 -
أن بعض السور التي تعددت أسماؤها قد يكون بسبب من الأسباب المذكورة في الفقرة السابقة، وقد تكون واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تكون واردة عن الصحابة، وقد تكون عمن دونهم.
ومن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما سبق في تسمية الفاتحة، حيث قال صلى الله عليه وسلم:«أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم» ، وهي تُسمَّى بهذه الأسماء الثلاثة.
وهذا التعدد في الأسماء يرجع إلى ذات واحدة، لكن كل اسم فيها يحمل من الصفة ما لا يحمله الاسم الآخر، وهذا هو سبب تعدد المسميات للشيء الواحد، والله أعلم.
ومن الوارد عن الصحابة، ما رواه مسلم بسنده عن سعيد بن جبير: «قلت لابن عباس: سورة التوبة؟ قال: آلتوبة؟! قال: بل هي (الفاضحة) ما زالت تنْزل (ومنهم، ومنهم) حتى ظنوا أن لا يبقى منهم أحد إلا ذُكِرَ فيها.
قال: قلت: سورة الأنفال؟ قال: تلك سورة بدر.
قال: قلت: فالحشر؟ قال: نزلت في بني النضير» (1).
ولا شكَّ أن المتأمل في أسماء السور يجد لطائف من العلم، وتبرز له استفسارات تدعوه إلى البحث، فعلى سبيل المثال: لِمَ سُمِّيت سورة النمل بهذا الاسم، ولم تُسمَّ بسورة سليمان، وهو نبي عظيم من أنبياء بني إسرائيل؟!
(1) صحيح مسلم برقم (3031).
ومثل هذا النظر مدعاة للتدبر في أسماء السور، لكن لا يخفاك أنه قد لا يخلو من تكلف، والله أعلم.
• * *
قراءات مقترحة في موضوع: أسماء السور
1 -
«مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور» ، للبقاعي (ت885هـ).
2 -
«التحرير والتنوير» ، للطاهر بن عاشور (ت1393هـ)، حيث يذكر عند مقدمة كل سورة اسم السورة أو أسماءها إن كان لها أكثر من اسم.
3 -
«أسماء سور القرآن وفضائلها» ، رسالة جامعية للدكتورة منيرة محمد ناصر الدوسري، وهي مطبوعة.
• ومما يلاحظ أن معرفة ما سُمِّيت به السورة يمكن الرجوع فيه إلى المصادر الآتية:
• الأحاديث النبوية التي يرد فيها أسماء للسور.
• الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين وأتباعهم، خصوصاً ما ورد في ذكر السور المكية والمدنية.
• المصاحف العتيقة، حيث يُذكر فيها أسماء للسور.
• كتب الأحاديث المسندة، حيث يرد فيها تسميات كثيرة للسور.
• تفاسير العلماء، حيث يقدمون السورة بقولهم: تفسير سورة كذا.
ويمكن القيام بعمل إحصاء وجدولة لهذه الأسماء من خلال هذه المراجع وغيرها.
بحوث مقترحة في موضوع: أسماء السور
1 -
تحرير التسميات، وجمع النصوص النبوية الصريحة في تسمية السور مباشرة دون صيغة (السورة التي يُذكر فيها كذا) التي اعتمدها بعض العلماء، فقد ذكر البيهقي بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«لا تقولوا سورة البقرة ولكن قولوا السورة التي يذكر فيها البقرة» .
ثم ذكر بسنده من طريق البخاري بسنده عن الأعمش قال: «سمعت الحجاج يقول على المنبر: السورة التي يُذكر فيها البقرة، والسورة التي يُذكر فيها آل عمران، والسورة التي يُذكر فيها النساء.
قال: فذكرت ذلك لإبراهيم، قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع ابن مسعود حين رمى جمرة العقبة فاستبطن الوادي، حتى إذا حاذى الشجرة اعترضها، فرمى سبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم قال: ها هنا ـ والذي لا إله غيره ـ قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة» (1).
2 -
العناية بمناسبة التسميات مع موضوع السورة، خصوصاً إذا كان المسمي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أسماء فإنه يحتاج إلى عناية ودراسة بخلاف غيره من الأقسام؛ لأنَّ المسميَ هو الشارعُ، والشارعُ لا يصدر عنه إلا ما يوافق الحكمة، فالبحث عن الحكمة في مثل هذا الموضوع من البحوث المطلوبة، مع ما يعتورها من الغموض، والله الموفق.
3 -
هل كان من تميُّز القرآن عن الكتب السابقة تسمية سوره؟
4 -
علاقة تسمية السورة بالمقصد الأساس للسورة.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (1750).