الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
الجمع في الصدور
أما الجمع في الصدور، فهو تيسير حفظه للمسلمين، فتراهم في شتى بقاع الأرض يترنَّمون بهذا القرآن حفظاً، وبعضهم لا يكاد يعرف العربية لا قراءة ولا كتابة، وتلك مزية لا تجدها لغير القرآن.
وموضوع حفظه في الصدور من الوضوح بمكان، لذا لا يحتاج الأمر إلى كثير تقرير له، ولقد نصَّت آياتٌ على تيسير هذا الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثمَّ على أمته التي ستحمل عنه هذا الكتاب الكريم، ومن ذلك قوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى *إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} [الأعلى: 6 - 7]، وقوله تعالى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ *إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ *فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ *ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19].
وأخرج البخاري بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنْزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه ـ فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما ـ وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما فحرك شفتيه ـ فأنزل الله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ *إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}. قال: جمعه في صدرك وتقرأه، {فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}. قال: فاستمع له وأنصت، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}. ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه» (1).
(1)(يعالج) من المعالجة وهي محاولة الشيء بمشقة. (التنزيل) تنزيل القرآن عليه. (وكان =
وكان من نعمة الله على عباده المسلمين أن رتَّب لهم الأجر على حفظه، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة، منها:
1 -
ما أخرجه البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: «أيهم أكثر أخذاً للقرآن» . فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال:«أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» . وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم» (1).
2 -
روى الإمام أحمد بسنده عن زر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارْقَ ورَتِّلْ كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منْزلتك عند آخر آية تقرؤها» (2).
= مما يحرك شفتيه) أي: كانت الشدة من كثرة تحريكه شفتيه وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك خشية أن ينسى ما أوحي إليه. (به) بالقرآن. (لتعجل به) لتأخذه على عجل مسارعة إلى حفظه خشية أن ينفلت منه شيء. (جمعه له) جمع الله تعالى للقرآن. (وتقرأه) وأن تقرأه بعد انتهاء وحيه. (قرآنه) قراءته كما أنزل فلا يغيب عنك منه شيء. (بيانه) استمرار حفظك له بظهوره على لسانك وقيل بيان مجملاته وتوضيح مشكلاته وبيان ما فيه من حلال وحرام وغير ذلك.
والحديث في صحيح البخاري برقم (5) وقد تقدم.
(1)
صحيح البخاري برقم (1343).
(2)
المسند (2:192)؛ وأخرجه أيضاً أبو داود (1464)؛ والترمذي (2914) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (3780). وصححه أيضاً ابن حبان (766)؛ والحاكم (1:553) وسكت عنه الذهبي.