الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم اتفقوا على أن يحكّموا أول داخل من باب الحرم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول داخل، فحكموه، فأمرهم أن يضعوا الحجر في ثوب، وأن يمسك كل قبيلة بطرف من أطرافه، وأن يرفعوه إِلى موضعه، ففعلوا ذلك، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وصوله إِلى موضعه، فوضعه بيده موضعه، ثم أتموا بناء الكعبة، وكانت تكسى القباطي ثم كسيت البرود، وأول من كساها الديباج الحجاج ابن يوسف، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حين رضيت قريش بحكمه خمساً وثلاثين سنة قبل مبعثه بخمس سنين.
مبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، بعثه الله تعالى إِلى الأسود والأحمر، رسولاً ناسخاً بشريعته الشرائع الماضية، فكان أول ما ابتدئ به من النبوة الرؤيا الصادقة، وحبب الله تعالى إليه الخلوة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في جبل حراء من كل سنة شهراً، فلما كانت سنة مبعثه، خرج إِلى حراء في رمضان للمجاورة فيه، ومعه أهله. حتى إِذا كانت الليلة التي أكرمه الله سبحانه وتعالى فيها جاءه جبريل عليه السلام فقال له: اقرأ. قال له فما أقرأ قال: " اقرأ باسم ربك الذي خلق " العلق: 1 " إِلى قوله " علم الإِنسان ما لم يعلم " " العلق: 5 " فقرأها. ثم إِن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إِلى وسط الجبل، فسمع صوتاً من جهة السماء: يا محمد أنت رسول الله، وأنا جبرائيل، فبقي واقفاً في موضعه يشاهد جبرائيل حتى انصرف جبرائيل، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى خديجة فحكى لها ما رأى، فقالت: أبشر فوالذي نفس خديجة بيده، إنفي لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم انطلقت خديجة إِلى ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها، وكان ورقة قد نظر في الكتب وقرأها، وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته ما أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ورقة: قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى بن عمران، وإنه نبي هذه الأمة، فرجعت خديجة إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة. ولما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف، طاف بالبيت أسبوعاً، ثم انصرف إِلى منزله، ثم تواتر الوحي إِليه أولاً فأولاً، وكان أول الناس إِسلاماً خديجة، لم يتقدمها أحد، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إِلا أربع: آسية زوجة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ".
أول من أسلم من الناس
لا خلاف في أن خديجة أول من أسلم، واختلف فيمن أسلم بعدها، فذكر صاحب السيرة وكثير من أهل العلم، أن أول الناس إِسلاماً بعدها، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعمره
تسع سنين، وقيل عشر سنين، وقيل إِحدى عشرة سنة، وكان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل الإسلام، وذلك أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب كثير العيال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس:" إِن أخاك أبا طالب كثير العيال، فأنطلق لنأخذ من بنيه ما يخفف عنه به " فأتيا أبا طالب وقالا: نريد أن نخفف عنك، فقال أبو طالب: اتركا لي عقيلاً واصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، فضمه إِليه، وأخذ العباس جعفراً، فلم يزل علي مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبياً، فصدقه علي، ولم يزل جعفر مع العباس حتى أسلم، من شعر علي في سبقه:
سبقتكم إِلى الإسلام طراً
…
غلاماً ما بلغت أوان حلمي
وذكر صاحب السيرة، أن الذي أسلم بعد علي زيد بن حارثة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشتراه وأعتقه، ثم أسلم بعد زيد أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، وهو عبد الله بن أبي قحافة، واسم أبي قحافة عثمان، وذهب آخرون إِلى أن أول الناس إِسلاماً أبو بكر، ثم أسلم بعد أبي بكر عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وكان إِسلامهم بأن دعاهم أبو بكر إِلى الإسلام، وجاء بهمٍ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وصدقوه، رضي الله عنهم، فهؤلاء أول الناس إيماناً، ثم أسلم أبو عبيدة، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح، وعبيدة بن الحارث، وسعيد بن زيد بن عمرو، وابن نفيل بن عبد العزى، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر.
وكانت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى الإسلام سراً ثلاث سنين، ثم بعدها أمر الله رسوله بإِظهار الدعوة، ولما نزل " وأنذر عشيرتك الأقربين " " الشعراء: 214 " دعا النبي صلى الله عليه وسلم علياً فقال: " اصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملا لنا عساً من لبن، واجمع لي بني المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ". ففعل ما أمره ودعاهم، وهم أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس، وأحضر علي الطعام فأكلوا حتى شبعوا. قال علي: لقد كان الرجل الواحد منهم ليأكل جميع ما شبعوا كلهم منه، فلما فرغوا من الأكل، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم، بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: أشد ما سحركم صاحبكم، فتفرق القوم، ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " يا علي قد رأيت كيف سبقني هذا الرجل إِلى الكلام فاصنع لنا في غد كما صنعت اليوم، واجمعهم ثانياً " فصنع علي في الغد كذلك، فلما أكلوا وشربوا اللبن، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أعلم إِنساناً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إِليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي