الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهجرة النبوية
على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
وهي ابتداء التاريخ الإسلامي، أما لفظة التاريخ فإِنه محدث في لغة العرب؛ لأنه معرب من ماه روز، وبذلك جاءت الرواية، روى ابن سليمان عن ميمون بن مهران أنه رفع إِلى عمر بن الخطاب في خلافته رضي الله تعالى عنه صك محله شعبان فقال: أي شعبان؟ أهذا هو الذي نحن فيه؟ أو الذي هو آت؟ ثم جمع وجوه الصحابة وقال: إن الأموال قد كثرت وما قسمنا منها غير موقت، فكيف التوصل إِلى ما نضبط به ذلك؟ فقالوا: نحب أن نتعرف ذلك من رسوم الفرس، فعندها استحضر عمر الهرمزان سأله عن ذلك، فقال: إِن لنا به حساباً نسميه ماه روز، وَمعناه حساب الشهور والأيام، فعربوا الكلمة فقالوا مؤرخ، ثم جعلوا اسمه التاريخ واستعملوه، ثم طلبوا وقتاً يجعلونه أولاً لتاريخ دولة الإسلام، واتفقوا على أن يكون المبدأ سنة هذه الهجرة، وكانت الهجرة من مكة إِلى المدينة شرفهما الله، وقد تصوم من شهور هذه السنة وأيامها المحرم وصفر وثمانية أيام من ربيع الأول. فلما عزموا على تأسيس الهجرة رجعوا القهقري ثمانية وستين يوماً، وجعلوا مبدأ التاريخ أول المحرم من هذه السنة، ثم أحصوا من أول يوم في المحرم إِلى آخر يوم من عمر النبي صلى الله عليه وسلم فكان عشر سنين وشهرين، وأما إِذا حسب عمره من الهجرة حقيقة فيكون قد عاش بعدها تسع سنين وأحد عشر شهراً واثنين وعشرين يوماً وقد وضعنا زايجة تتضمن ما بين الهجرة وبين التواريخ القديمة المشهورة من السنين، وإذا أردت أن تعرف ما بين أي تاريخين شئت منها فانظر إلى ما بينهما وبين الهجرة، وأنقص أقلهما من أكثرهما؛ فمهما بقي يكون ذلك هو ما بينهما مثاله إِذا أردنا أن نعرف ما بين مولد المسيح ومولد رسول الله صلوات الله عليهما وسلامه نقصنا ما بين مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الهجرة وهو ثلاث وخمسون سنة وشهران وثمانية أيام من ستمائة وإحدى وثلاثين سنة، يبقى خمسمائة وثمان وسبعون سنة تنقص شهرين وثمانية أيام هي جملة ما بين مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مولد المسيح ابن مريم صلوات الله وسلامه عليهما وكذلك أي تاريخين أردت من هذه الدائرة.
التواريخ القديمة المشهورة، من السنين بين الهجرة وبين آدم، على مقتضى التوراة اليونانية، واختيار المؤرخين، ستة آلاف ومائتان وست عشرة سنة، وعلى مقتضى التوراة اليونانية، واختيار المنجمين، حسبما أثبتوا في الزيجات، خمسة آلاف وتسعمائة وسبع وستون سنة، وعلى مقتضى التوراة العبرانية، واختيار المؤرخين، أربعة آلاف وسبعمائة وإحدى وأربعون سنة، وأما على اختيار المنجمين، ينقص عنه مائتان وتسع وأربعون سنة، وعلى مقتضى التوراة السامرية، واختيار المؤرخين، خمسة آلاف ومائة وسبع وثلاثون سنة، وأما على اختيار المنجمين، فينقص ما ذكر، كذلك جاء الأمر في جميع التواريخ إلى قبل بخت نصر.
بين الهجرة وبين الطوفان على اختيار المؤرخين، ثلاث آلاف وتسعمائة وأربع وسبعون سنة، وكان الطوفان لستمائة سنة مضت من عمر نوح، وعاش نوح بعده ثلاثمائة وخمسين
سنة، وعلى اختيار المنجمين، ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وعشرون سنة، حسبما قرره أبو معشر وكوشيار وغيرهما في الزيجات والتقاويم، بين الهجرة وبين تبلبل الألسن على اختيار المؤرخين، ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربع سنين وأما على اختيار المنجمين، فتنقص عنه مائتين وتسعاً وأربعين سنة، حسبما تقدم ذكره.
بين الهجرة وبين مولد إِبراهيم الخليل على اختيار المؤرخين ألفان وثمانمائة وثلاثة وتسعون سنة، وأما على اختيار المنجمين، فتنقص عته مائتين وتسعاً وأربعين سنة بين الهجرة وبين بناء الكعبة على يد إِبراهيم الخليل وولده إِسماعيل، ألفان وسبعمائة ونحو ثلاث وتسعين سنة، وكان ذلك بعد مضي مائة سنة من عمر إبراهيم وهو القريب والله أعلم.
بين الهجرة وبين وفاة موسى عليه السلام، على اختيار المؤرخين، ألفان وثلاثمائة وثمان وأربعون سنة، وأما على اختيار المنجمين فتنقص عنه مائتين وتسعاً وأربعين سنة، بين الهجرة وبين عمارة بيت المقدس على اختيار المؤرخين، ألف وثمانمائة وقريب سنتين وكان فراغه لمضي أحد عشر سنة من ملك سليمان، ولمضي خمسمائة وست وأربعين سنة لوفاة موسى، وأما على اختيار المنجمين، فتنقص عنه مائتين وتسعاً وأربعين سنة.
بين الهجرة وبين ابتداء ملك بختنصر ألف وثلاثمائة وتسع وستون سنة، وليس فيه خلاف، بين الهجرة وبين خراب بيت المقدس ألف وثلاثمائة وخمسون سنة، وكان لمضي تسعهَ عشرة سنة لبختنصر واستمر خراباً سبعين سنة ثم عمر.
بين الهجرة وبين غلبة الإِسكندر على دارا ملك الفرس، تسعمائة وأربع وثلاثون سنة وكانت أيضاً ابتداء ملكه على الفرس. وبقي الإسكندر بعد غلبته على دارا نحو سبع سنين.
بين الهجرة وبين فيلبس تسعمائة وسبع وعشرون سنة، وهو أخو الإسكندر أصغر منه باثني عشر سنة، وملك بعده على مقدونية ذكره ببطلميوس.
بين الهجرة وبين غلبة أغسطس على قلوبطرا ملكة مصر، ستمائة واثنان وخمسون سنة، وكانت بسنة اثنتي عشرة من ملك أغسطس.
بين الهجرة وبين مولد المسيح عليه السلام، ستمائة وإحدى وثلاثون سنة وكان بسنة أربع وثلاثمائة لغلبة الإسكندر، ولإِحدى وعشرين سنة مضت من غلبة أغسطس على قلوبطرا.
بين الهجرة وبين خراب بيت المقدس الثاني، خمسمائة وثمان وخمسون سنة وكان لمضي أربعين سنة من رفع المسيح عليه السلام وهو تاريخ لشتة اليهود إِلى الآن.
بين الهجرة وبين أول ملك أدريانس خمسمائة وسبع سنين. بين الهجرة وبين قيام أزدشير بن بابك، أربعمائة واثنان وعشرون سنة، وهو أيضاً تاريخ انقراض ملوك الطوائف.
بين الهجرة وبين أول ملك دوقلطيانس ثلاثمائة وتسع وثلاثون سنة وهو آخر عبدة الأصنام ملوك الروم.
بين الهجرة وبين مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاثة وخمسون سنة وشهرين وثمانية أيام.
بين
الهجرة وبين مبعث رسول الله، ثلاث عشرة سنة وشهران وثمانية أيام.
بين الهجرة وبين وفاة رسول الله، تسع سنين وأحد عشر شهراً واثنان وعشرون يوماً وهي بعد الهجرة.
حديث الهجرة
وأما ما كان من حديث الهجرة، فإِنه لما علمت قريش أنه قد صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنصار، وأن أصحابه بمكة قد لحقوا بهم، خافوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى المدينة، فاجتمعوا واتفقوا على أن يأخذوا من كل قبيلة رجلاً، ليضربوه بسيوفهم ضربة رجل واحد، ليضيع دمه في القبائل، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر علياً أن ينام على فراشه، وأن يتشح ببرده الأخضر، وأن يتخلف عنه ليؤدي ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الودائع إِلى أربابها، وكان الكفار قد اجتمعوا على باب النبي صلى الله عليه وسلم يرصدونه، ليثبوا عليه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة تراب وتلا أول " يس "، وجعل ذلك التراب على رؤوس الكفار، فلم يروه، فأتاهم آت وقال: إِن محمداً خرج ووضع على رؤوسكم التراب، وجعلوا ينظرون فيرون علياً عليه برد النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون محمد نائم، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي فعرفوه. وأقام علي بمكة حتى أدّى ودائع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقصد النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من داره، دار أبي بكر رضي الله عنه، وأعلمه بأنّ الله قد أذن بالهجرة، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، قال الصحبة: فبكى أبو بكر رضي الله عنه فرحاً، واستأجرا عبد الله بن أرقط، وكان مشركاً، ليدلهما على الطريق، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إِلى غار ثور، وهو جبل أسفل مكة، فأقاما فيه ثم خرجا من الغار بعد ثلاثة أيام، وتوجها إِلى المدينة ومعهما عامر بن فهير مولى أبي بكر الصدّيق، وعبد الله بن أرقط الدليل، وهو كافر.
وجدت قريش في طلبه، فتبعه سراقة بن مالك المدلجي، فلحق النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: يا رسول الله أدركنا الطلب. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحزن إِن الله معنا، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على سراقة، فارتطمت فرسه إِلى بطنها في أرض صلبة. فقال سراقة: ادع الله يا محمد أن يخلصني، ولك أنْ أرد الطلب عنك، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فخلص، ثم تبعه، فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فترطم ثانياً، وسأل الخلاص وأن يرد الطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له، وقال: كيف بك يا سراقة إِذا سورت بسوار كسرى برويز، فرجع سراقة ورد كل من لقيه عن الطلب. أن يقول كفيتم ما هاهنا.
وقدم المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من سنة إِحدى، وذلك يوم الاثنين الظهر، فنزل قباءْ على كلثوم بن الهدم، وأقام بقباء الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجد قباء وهو الذي نزل فيه: