الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وقوله صلى الله عليه وسلم له:" أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى " وقال عليه السلام " أقضاكم علي " والقضاء يستدعي معرفة أبواب الفقه كلها، بخلاف قوله:" أفرضكم زيد "، وأقرأكم أبي، ولم يبن علي بناء أصلاً، وكان قد ضاع لعلي درع فوجده مع نصراني، فأقبل به إِلى شريح القاضي وجلس إِلى جانبه وقال: لو كان خصمي مسلماً لساويته، وقال: هذه درعي، فقال النصراني ما هي إلا درعي فقال شريح لعلي: ألك بينة؟ فقال علي لا، وهو يضحك. فأخذ النصراني الدرع ومشى يسيراً ثم عاد وقال: أشهد أن هذه أحكام الأنبياء، ثم أسلم واعترف أن الدرع سقطت من علي عند مسيره إِلى صفين، ففرح علي بإسلامه ووهبه الدرع وفرساً. وشهد مع علي قتال الخوارج، فقتل رحمه الله تعالى.
وحمل علي في ملحفته تمراً اشتراه بدرهم، فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك، فقال: أبو العيال أحق بحمله.
وكان يقسم ما في بيت المال كل جمعة، حتى لا يترك فيه شيئاً، ودخل مرة إلى بيت المال فوجد الذهب والفضة، فقال: يا صفراء اصفري ويا بيضاء ابيضي وأغري غيري، لا حاجة لي فيك.
وقصده أخوه لأبيه وأمه عقيل بن أبي طالب يسترفده، فلم يجد عنده ما يطلب، ففارقه ولحق بمعاوية حباً للدنيا، وكان مع معاوية يوم صفين، فقال له معاوية يمازحه: يا أبا يزيد أنت اليوم معنا. فقال عقيل: ويوم بدر كنت أيضاً معكم، وكان عقيل يوم بدر مع المشركين هو وعمه العباس.
أخبار الحسن ابنه ولما توفي علي رضي الله عنه بايع الناس ابنه الحسن، وكان عبد الله بن العباس قد فارق علياً قبل مقتله، وأخذ من البصرة مالاً وذهب إِلى مكة، وجرت بينه وبين علي مكاتبات في ذلك، ولما تولى الحسن الخلافة، كتب إليه ابن عباس يقوي عزيمته على جهاد عدوه، وكان أول من بايع الحسن، قيس ابن سعد بن عبادة الأنصاري، فقال: أبسط يدك على كتاب الله وسنة رسوله وقتال المخالفين، فقال الحسن: على كتاب الله وسنة رسوله، فإنهما ثابتان، وبايعه الناس، وكان الحسن يشترط أنكم سامعون مطيعون، تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت، فارتابوا من ذلك وقالوا: ما هذا لكم بصاحب، وما يريد إِلا القتال. ثم دخلت سنة إِحدى وأربعين.
تسليم الحسن الأمر إِلى معاوية
قيل: كان علي قبيل موته، قد بايعه أربعون ألفاً من عسكره على الموت، وأخذ في التجهز إِلى قتال معاوية، فاتفق مقتله، ولما بويع الحسن، بلغه مسير أهل الشام إِلى قتاله مع معاوية، فتجهز الحسن في ذلك الجيش، الذين كانوا قد بايعوا أباه، وسار عن الكوفة إِلى لقاء معاوية، ووصل إِلى المدائن، وجعل الحسن على مقدمته قيس بن سعد في اثني عشر ألفاً، وقيل بل الذي جعله على مقدمته عبيد الله ابن عباس، وجرى في عسكره فتنة، قيل حتى نازعوا الحسن بساطاً كان تحته، فدخل المقصورة البيضاء بالمدائن، وازداد لذلك العسكر بغضاً ومنهم ذعراً.
ولما رأى الحسن ذلك، كتب إِلى معاوية، واشترط
عليه شروطاً وقال إِن أجبت إليها فأنا سامع مطيع، فأجاب معاوية إِليها، وكان الذي طلبه الحسن أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة، وخراج دارا بجرد من فارس، وأن لا يسب علياً، فلم يجبه إلى الكف عن سبّ علي، فطلب الحسن أن لا يشتم علياً، وهو يسمع، فأجابه إِلى ذلكَ، ثم لم يف له به، وقيل إِنه وصله بأربعمائة ألف درهم، ولم يصل إِليه شيء من خراج دارا بجرد، ودخل معاوية الكوفة، فبايعه الناس، وكتب الحسن إِلى قيس بن سعد، يأمره بالدخول في طاعة معاوية، ثم جرت بين قيس وعبيد الله بن عباس، وبين معاوية، مراسلات، وآخر الأمر أنهما بايعا ومن معهما، وشرطا أن لا يطالبا بمال ولا دم، ووفى لهما معاوية بذلك، ولحق الحسن بالمدينة وأهل بيته، وقيل كان تسليم حسن الأمر إِلى معاوية في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، وقيل في ربيع الآخر، وقيل في جمادى الأولى، وعلى هذا فتكون خلافته على القول الأول، خمسة أشهر ونحو نصف شهر، وعلى الثاني ستة أشهر وكسراً، وعلى الثالث سبعة أشهر وكسراً.
روى سفينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يعود ملكاً عضوضاً ". وكان آخر الثلاثين يوم خلع الحسن نفسه من الخلافة، وأقام الحسن بالمدينة إِلى أن توفي بها في ربيع الأول، سنة تسع وأربعين، وكان مولده بالمدينة سنة ثلاث من الهجرة، وهو أكبر من الحسين بسنة، وتزوج الحسن كثيراً من النساء، وكان مطلاقاً، وكان له خمسة عشر ولداً ذكراً، وثماني بنات، وكان يشبه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه إلى سرته، وكان الحسين يشبه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرته إِلى قدمه.
وتوفي الحسن من سم سقته زوجته جعدة بنت الأشعث، قيل فعلت ذلك بأمر معاوية، وقيل بأمر يزيد بن معاوية، ووعدها أنه يتزوجها إِن فعلت ذلك، فسقته السم وطالبت يزيد أن يتزوجها فأبى.
وكان الحسن قد أوصى أن يدفن عند جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفي أرادوا ذلك، وكان على المدينة مروان بن الحكم من قبل معاوية، فمنع من ذلك، وكاد يقع بين بني أمية وبين بني هاشم بسبب ذلك فتنة، فقالت عائشة رضي الله عنها: البيت بيتي ولا آذن أن يدفن فيه، فدفن بالبقيع، ولما بلغ معاوية موت الحسن خر ساجداً. فقال بعض الشعراء:
أصبح اليوم ابن هند شامتاً
…
ظاهر النخوة إِذ مات الحسن
يا ابن هند إِن تذق كأس الردى
…
تكُ في الدهر كشيء لم يكن
لست بالباقي فلا تشمت به
…
كل حي للمنايا مرتهن
ومن فضائل الحسن في الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما "، وروى أنه قال عن الحسن:" إِن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين "، وروي أنه مر بالحسن والحسين وهما يلعبان، فطأطأ لهما عنقه وحملهما، وقال:" نعم المطية مطيتهما، ونعم الراكبان هما ".