الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاة يزيد بن الوليد بن عبد الملك وفي هذه السنة، توفي يزيد الناقص المذكور، لعشر بقين من ذي الحجة، وكانت خلافته خمسة أشهر واثني عشر يوماً، وكان موته بدمشق، وكان عمره ستاً وأربعين سنة، وقيل ثلاثون سنة، وقيل غير ذلك.
وكان أسمر طويلاً، صغير الرأس جميلاً، ولما مات يزيد بن الوليد، قام بالأمر بعده إبراهيم أخوه وهو ثالث عشر خلفائهم، غير أنه لم يتم له الأمر، وكان يسلم عليه بالخلافة تارة، وتارة بالإمارة، فمكث أربعة أشهر وقيل سبعين يوماً.
وفيها توفي عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
وفيها توفي أبو جمرة صاحب ابن عباس، جمرة بالجيم والراء المهملة.
ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائة، فيها سار مروان بن محمد
بن مروان بن الحكم
، أمير ديار الجزيرة، إِلى الشام لخلع إبراهيم بن الوليد، ولما وصل إِلى قنسرين، اتفق معه أهلها، وساروا معه، ولما وصل مروان إِلى حمص، بايعه أهلها، وصاروا معه أيضاً، ولما قرب مروان من دمشق، بعث إِبراهيم إِلى قتاله الجنود، مع سليمان بن هشام بن عبد الملك، وكانت عدتهم مائة وعشرين ألفاً، وعدة عسكر مروان بن محمد ثمانين ألفاً، فاقتتلوا من ارتفاع النهار إلى العصر، وكثر القتل بينهم، وانهزم عسكر إبراهيم، ووقع القتل فيهم والأسر، وهرب سليمان فيمن هرب إلى دمشق، واجتمعوا مع إِبراهيم، وقتلوا ابني الوليد بن يزيد وكانا في السجن، ثم هرب إبراهيم واختفى، ونهب سليمان بن هشام بيت المال، وقسمه في أصحابه، وخرج من دمشق.
بيعة مروان بن محمد
بن مروان بن الحكم
وهو رابع عشر خلفاء بني أمية وآخرهم، وفي هذه السنة، أعني سنة سبع وعشرين ومائة، بويع لمروان المذكور في دمشق بالخلافة، ولما استقر له الآمر، رجع إِلى منزله بحران، وأرسل إِبراهيم المخلوع بن الوليد، وسليمان بن هشام، فطلبا من مروان الأمان، فأمنهما، فقدما عليه ومع سليمان أخوته وأهل بيته فبايعوا مروان بن محمد.
وفي هذه السنة، عصي أهل حمص على مروان، فسار مروان من حران إلى حمص، وقد سد أهلها أبوابها، فأحدق بالمدينة، ثم فتحوا له الأبواب وأظهروا طاعته، ثم وقع بينهم قتال، فقتل من أهل حمص مقتلة، وهدم بعض سورها، وصلب جماعة من أهلها.
ولما فتح حمص جاءه الخبر بخلاف أهل الغوطة، وأنهم ولوا عليهم يزيد بن خالد القسري، وأنهم قد حصروا دمشق، فأرسل مروان عشرة آلاف فارس، مع أبي الورد بن الكوثر، وعمرو بن الصباح، وساروا من حمص، ولما وصلوا إلى قرب دمشق، حملوا على أهل الغوطة، وخرج من بالبلد عليهم أيضاً، فانهزم أهل الغوطة، ونهبهم العسكر وأحرقوا المزة وقرى غيرها.
ثم عقيب ذلك خالفت أهل فلسطين، ومقدمهم ثابت بن نعيم، فكتب مروان إِلى أبي الورد يأمره بالسير إليه، فسار إِليه وهزمه على طبرية، ثم
اقتتلوا على فلسطين، فانهزم ثابت بن نعيم، وتفرق أصحابه، وأسر ثلاثة من أولاده، فبعث بهم أبو الورد إِلى مروان، وأعلمه بالنصر.
ثم سار مروان بن محمد إِلى قرقيسيا، فخلعه سليمان بن هشام بن عبد الملك، واجتمع إِليه من أهل الشام سبعون ألفاً، وعسكر بقنسرين، وسار إِليه مروان من قرقيسيا، والتقوا بأرض قنسرين، وجرى بينهم قتال شديد، ثم انهزم سليمان بن هشام وعسكره، واتبعهم خيل مروان يقتلون ويأسرون، فكانت القتلى من عسكر سليمان تزيد على ثلاثين ألفاً، ثم إِن سليمان وصل إِلى حمص، واجتمع إِليه أهلها وبقية المنهزمين، فسار إِليهم مروان وهزمهم ثانية، وهرب سليمان إلى تدمر، وعصى أهل حمص، فحاصرهم مروان مدة طويلة، ثم طلبوا الأمان، وسلموا إِلى مروان من كان عليهم من الولاة، من جهة سليمان، فأجابهم إِلى ذلك ومنهم.
وفي هذه السنة، أعني سنة سبع وعشرين ومائة، مات محمد بن واسع الأزدي الزاهد.
وفيها مات عبد الله بن إسحاق. مولى الحضرمي من خلفاء عبد شمس، وكنيته أبو بحر، وكان إِماماً في النحو واللغة، وكان يعيب الفرزدق في شعره، وينسبه إلى اللحن، فهجاه الفرزدق بقوله:
ولو كان عبد الله مولى هجوته
…
ولكن عبد الله مولى مواليا
فقال له عبد الله: وقد لحنت أيضاً في قولك مولى مواليا، يل ينبغي أن تقول مولى موالي.
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين ومائة، فيها أرسل مروان بن محمد، يزيد بن هبيرة إِلى العراق، لقتال من به من الخوارج، وكان بخراسان نصر بن سيار، والفتنة بها قائمة، بسبب دعاة بني العباس.
وفيها مات عاصم بن أبي النجود، صاحب القراة، والنجود الحمارة الوحشية.
ظهور دعوة بني العباس ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة، فيها ظهرت دعوة بني العباس بخراسان، وكان يختلف أبو مسلم الخراساني من خراسان، إلى إِبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان يُسمى إِبراهيم الإمام، ومنه إلى خراسان، ليستلم منه إِبراهيم الأحوال، فلما كانت هذه السنة، استدعى إِبراهيم أبا مسلم من خراسان، فسار إِليه، ثم أرسل إليه إِبراهيم أن ابعث إِلي بما معك من المال مع قحطبة، وارجع إلى أمرك من حيث وافاك كتابي، ووافاه الكتاب بقومس، فامتثل أبو مسلم ذلك، وأرسل ما معه إِلى إِبراهيم مع قحطبة، ورجع أبو مسلم إلى خراسان، فلما وصل إِلى مرو أظهر الدعوة لبني العباس، فأجابه الناس، وأرسل إِلى بلاد خراسان بإظهار ذلك، وذلك بعد أن كان قد سعى في ذلك سراً مدة طويلة، ووافقه الناس في الباطن، وأظهروا ذلك في هذه السنة، وجرى بين أبي مسلم، وبين نصر بن سيار، أمير خراسان من جهة بني أمية، مكاتبات ومراسلات يطول شرحها، ثم جرى بينهما قتال، فقتل أبو مسلم بعض عمال نصر بن سيار، على بعض بلاد خراسان، واستولى على ما بأيديهم، وكان أبو مسلم من أهل خطرنية من سواد الكوفة، وكان قهرماناً لإِدريس معقل العجلي، ثم صار إِلى
أن ولاه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الأمر في استدعاء الناس في الباطن، ثم مات محمد، فولاه ابنه إِبراهيم الإمام بن محمد ذلك، ثم الأئمة من ولد محمد، ولما قوى أبو مسلم على نصر بن سيار، ورأى نصر أن أمر أبي مسلم كلما جاء في قوة، كتب إلى مروان بن محمد يعلمه بالحال، وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وكتب أبيات شعر وهي:
أرى تحتَ الرماد وميضَ نارٍ
…
وأوشك أن تكون لها ضرامُ
فإِن لم يُطفها عقلاءُ قوم
…
يكون وقودها جثث وهامُ
فقلت من التعجب ليتَ شعري
…
أأيقاظ أمية أم نيامُ
وكان مقام إِبراهيم الإمام وأهله بالشراة، من الشام، بقرية يقال لها الحميمة، والحميمة، بضم الحاء المهملة، وميم مفتوحة، وياء مثناهْ من تحتها ساكنة، ثم ميم وهاء، هي عن الشوبك أقل من مسيرة يوم، بينها وبين الشوبك وادي موسى، وهي من الشوبك قبلة بغرب، وتلك البقعة التي هي من الشوبك، إِلى جهة الغرب، والقبلة، يقال لها الشراة.
ولما بلغ مروان الحال، أرسل إِلى عامله بالبلقاء، أن يسير إِليه إبراهيم بن محمد المذكور، فشدّه وثاقاً، وبعث به إِليه، فأخذه مروان وحبسه في حران، حتى مات إِبراهيم في حبسه، وكان مولده في سنة اثنتين وثمانين.
ثم دخلت سنة ثلاثين ومائة، في هذه السنة، دخل أبو مسلم مدينة مرو ونزل في قصر الإمارة، في ربيع الآخر، وهرب نصر بن سيار من مرو، ثم وصل قحطبة من عند الإمام إِبراهيم بن محمد إِلى أبي مسلم، ومعه لواء كان قد عقده له إِبراهيم، فجعل أبو مسلم قحطبة في مقدمته، وجعل إِليه العزل والاستعمال، وكتب إلى الجنود بذلك.
وفيها أعني سنة ثلاثين ومائة، وقيل سنة ست وثلاثين، توفي ربيعة الرأي ابن فروج، فقيه أهل المدينة، أدرك جماعة من الصحابة، وعنه أخذ العلم الإمام مالك.
ثم دخلت سنة إِحدى وثلاثين ومائة، فيها مات نصر بن سبار بساوة، قرب الري، وكان عمره خمساً وثمانين سنة، وفيها، أيضاً توفي أبو حذيفة، واصل بن عطاء الغزال المعتزلي، وكان مولده سنة ثمانين للهجرة، وكان يشتغل على الحسن البصري، ثم اعتزل عنه، وخالف في قوله في أصحاب الكبائر من المسلمين، أنهم ليسوا مؤمنين ولا كافرين، بل لهم منزلة بين المنزلتين، فسمي وأصحابه معتزلة، وكان واصل المذكور، يلثغ بالراء، ويتجنب اللفظ بالراء في كلامه، حتى ذكر ذلك في الأشعار فمنه في المديح:
نعم تجنب لا يوم العطاء كما
…
تجنب ابن عطاء لثغة الراء
ولم يكن واصل بن عطاء غزّالا، وإنما كان يلازم الغّزالين، ليعرف المتعففات من النساء، فيحمل صدقته لهن.
وفيها أعني سنة إِحدى وثلاثين ومائة، توفي بالبصرة مالك بن دينار، من موالي بني أسامة بن ثور القرشي، العالم الناسك الزاهد المشهور، وما أحسن ما وري باسم مالك المذكور، واسم أبيه دينار، بعض الشعراء، في ملك اقتتل مع أعدائه، وانتصر عليهم،