الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بن كلدة فقال الحارث: أكلنا طعاماً مسموماً سُم سنة، فماتا بعد سنة، وعن عائشة رضي الله عنها، أنه اغتسل وكان يوماً بارداً، فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة، وأمر عمر أن يصلي بالناس، وعهد بالخلافة إِلى عمر، ثم توفي في مساء ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان بقين من جمادى الآخر، سنة ثلاث عشرة، فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال، وعمره ثلاث وستون سنة، وغسلته زوجته أسماء بنت عميس، وحمل على السرير الذي حمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه عمر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين القبر والمنبر، وأوصى أن يدفن إِلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر له وجعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حسن القامة؛ خفيف العارضين؛ معروق الوجه؛ غائر العينين؛ ناتئ الجبهة؛ أحنى؛ عاري الأشاجع؛ يخضب بالحناء والكتيم.
خلافة عمر بن الخطاب
بن نفيل بن عبد العزى رضي الله عنه
بويع بالخلافة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وأول خطبة خطبها قال: يا أيها الناس، والله ما فيكم أحداً أقوى عندي من الضعيف بم حتى آخذ الحق له، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه. ثم أول شيء أمر به أن عزل خالد بن الوليد عن الإِمرة، وولى أبا عبيدة على الجيش والشام، وأرسل بذلك إِليهما، وهو أول من سميَّ بأمير المؤمنين. وكان أبو بكر يخاطب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم سار أبو عبيدة ونازل دمشق، وكانت منزلته من جهة باب الجابية، ونزل خالد من جهة باب توما وباب شرقي، ونزل عمرو بن العاص بناحية أخرى، وحاصروهما قريباً من سبعين ليلة، وفتح خالد ما يليه بالسيف، فخرج أهل دمشق وبذلوا الصلح لأبي عبيدة من الجانب الآخرة وفتحوا له الباب، فأمنهم ودخل والتقى مع خالد في وسط البلد، وبعث أبو عبيدة بالفتح إِلى عمر، وفي أيامه فتح العراق.
ثم دخلت سنة أربع عشرة، فيها في المحرم أمر عمر ببناء البصرة، فاختطت، وقيل في سنة خمس عشرة، وفيها توفي أبو قحافة أبو أبي بكر الصديق وعمره سبع وتسعون سنة، وكانت وفاته بعد وفاة ابنه أبي بكر.
ثم دخلت سنة خمس عشرة فيها فتحت حمص بعد دمشق؛ بعد حصار طويل، حتى طلب الروم الصلح، فصالحهم أبو عبيدة على ما صالح أهل دمشق، ثم سار إِلى حماة، قال القاضي جمال الدين ابن واصل رحمه الله تعالى في التاريخ الذي نقلنا هذا منه: إِن حماة كانت في زمن داود وسليمان عليهما السلام مدينة عظيمة، قال: وقد وجدت ذكرها في أخبار داود وسليمان في كتاب أسفار الملوك الذي بأيدي اليهود، وكذلك كانت في زمن اليونان، إِلا أنها في زمن الفتوح وقبله كانت صغيرة هي وشيرز، وكانا من عمل حمص، وكانت حِمص كرسي مملكة هذه البلاد، وقد ذكرهما امرؤ القيس في قصيدته التي أولها:
سما لك شوق بعدما كان اقصرا
ويقول من جملتها:
عمر وقال: افتد نفسك وإلا أمرته أن يلطمك، فقال جبلة: كيف ذلك وأنا ملك وهو سوقة، فقال عمر: إِن الإسلام جمعكما وسوى بين الملك والسوقة في الحد. فقال جبلة: كنت أظن أني بالإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال عمر: دع عنك هذا. فقال جبلة أتنصر. فقال عمر: إِن تنصرت ضربت عنقك. فقال أنظرني ليلتي هذه، فأنظره، فلما جاء الليل سار جبلة بخيله ورجاله إِلى الشام، ثم صار إِلى القسطنطينية، وتبعه خمس مائة رجل من قومه، فتنصروا عن آخرهم، وفرح هرقل بهم وأكرمه، ثم ندم جبلة على فعله ذلك وقال:
تنصرت الأشراف مِنْ عار لطمة
…
وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفنيَ فيها لجاج ونخوة
…
وبعت لها العينَ الصحيحة بالعورْ
فيا ليتَ أمي لم تلدني وليتني
…
رجعت إِلى القولِ الذي قاله عمرْ
وكان قد مضى رسول عمر إلى هرقل، وشاهد ما هو فيه جبلة من النعمة، فأرسل جبلة خمس مائة دينار لحسان ابن ثابت، وأوصلها عمر إليه، ومدحه حسان ابن ثابت بأبيات منها:
إِن ابن جفنة من بقية معشرِ
…
لم يعرُّهم أباؤهم باللوم
لم ينسني بالشام إذ هَو ربها
…
كلا ولا متنصراً بالروم
يعطي الجزيل ولا يراه عنده
…
إِلا كبعض عطية المذموم
ثم دخلت سنة سبع عشرة فيها اختطت الكوفة، وتحوّل سعد إليها، وفي هذه السنة اعتمر عمر وأقام بمكة عشرين ليلة، ووسع في المسجد الحرام، وهدم منازل قوم أبوا أن يبيعوها، وجعل أثمانها في بيت المال، وتوج أم كلثوم بنت علي ابن أبي طالب، وأمها فاطمة رضي الله عنهما.
وفي هذه السنة كانت واقعة المغيرة بن شعبة، وهي أن المغيرة كان عمر قد ولاه البصرة، وكان في قبالة العليّة التي فيها المغيرة بن شعبة، علية فيها أربعة وهم: أبو بكرة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه لأمه زياد بن أبيه، ونافع بن كلدة، وشبل بن معبد، فرفعت الريح الكوة عن العلية، فنظروا إِلى المغيرة وهو على أم جميل بنت الأرقم بن عامر بن صعصعة، وكانت تغشى المغيرة، فكتبوا إلى عمر بذلك، فعزل المغيرة واستقدمه مع الشهود، وولى البصرة أبا موسى الأشعري، فلما قدم إِلى عمر، شهد أبو بكرة ونافع وشبل على المغيرة بالزنا، وأما زياد بن أبيه فلم يفصح شهادة الزنا، وكان عمر قد قال، قبل أن يشهد: أرى رجلاً أرجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال زياد: رأيته جالساً بين رجلي امرأة ورأيت رِجلين مرفوعتين كأذني حمار، ونفساً يعلو وإستاً تنبو عن ذكر، ولا أعرف ما وراء ذلك. فقال عمر هل رأيت الميل في المكحلة؟ قال: لا. فقال: هل تعرف المرأة؟ قال: لا. ولكن أشبهها. فأمر عمر بالثلاثة الذين شهدوا بالزنا أن يحدوا حد القذف، فجلدوا، وكان زياد أخا أبي بكرة لأمه،
فلم يكلمه أبو بكرة بعدها.
وفيها فتح المسلمون الأهواز، وكان قد استولى عليها الهرمزان، وكان من عظماء الفرس، ثم فتحوا رام هرمز، وتستر وتحصن الهرمزان في القلعة، وحاصروه، فطلب الصلح على حكم عمر، فأنزل على ذلك، وأرسلوا به إِلى عمر ومعه وفد، منهم أنس بن مالك، والأحنف بن قيس، فلما وصلوا به إِلى المدينة، ألبسوه كسوته من الديباج المذهب، ووضعوا على رأسه تاجه وهو مكلل بالياقوت، ليراه عمر والمسلمون، فطلبوا عمر فلم يجدوه، فسألوا عنه، فقيل جالس في المسجد، فأتوه وهو نائم فجلسوا دونه، فقال الهرمزان: أين هو عمر: قالوا: هوذا. قال: فأين حرسه وحجابه، قالوا ليس له حارس ولا حاجب، واستيقظ عمر على جلبة الناس، فنظر إِلى الهرمزان وقال: الحمد لله الذي أذل بالإسلام هذا وأشباهه وأمر بنزع ما عليه، فنزعوه وألبسوه ثوباً ضيقاً، فقال له عمر: كيف رأيت عاقبة الغدر، وعاقبة أمر الله، فقال الهرمزان: نحن وإياكم في الجاهلية لما خلى الله بيننا وبينكم غلبناكم، ولما كان الله الآن معكم غلبتمونا.
ودار بينهما الكلام، وطلب الهرمزان ماء فأتي به، فقال: أخاف أن تقتلني ولنا أشرب، فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشرب، فرمى بالإناء فانكسر، فقصد عمر قتله، فقالت الصحابة: إِنك أمنته بقولك لا بأس عليك إِلى أن تشرب، ولم يشرب ذلك الماء، وآخر الأمر أنّ الهرمزان أسلم وفرض له عمر ألفين.
ثم دخلت سنة ثماني عشرة فيها حصل في المدينة والحجاز قحط عظيم، فكتب عمر إِلى سائر الأمصار يستعينهم، فكان ممن قدم عليه، أبو عبيدة من الشام، بأربعة آلاف راحلة من الزاد، وقسم عمر ذلك على المسلمين، حتى رخص الطعام بالمدينة، ولما اشتد القحط، خرج عمر ومعه العباس وجمع الناس واستسقى مستشفعاً بالعباس، فما رجع الناس حتى تداركت السحب وأمطروا، وأقبل الناس يتمسحون بأذيال العباس رضي الله عنه.
وفي هذه السنة أعني سنة ثمان عشرة، كان طاعون عم الناس بالشام، مات به أبو عبيدة بن الجراح، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، واستخلف أبو عبيدة على الناس معاذ بن جبل الأنصاري، فمات أيضاً بالطاعون، واستخلف عمرو بن العاص، ومات من الناس في هذا الطاعون خمسة وعشرون ألف نفس، فطال مكثه شهراً، وطمع العدو في المسلمين، وأصاب بالبصرة مثله.
وفي هذه السنة سار عمر إِلى الشام فقسم مواريث الذين ماتوا ثم رجع إِلى المدينة في ذي القعدة.
ثم دخلت سنة تسع عشرة وسنة عشرين فيها فتحت مصر والإسكندرية على يد عمرو بن العاص والزبير بن العوام، فنازلا عين شمس، وهي بقرب المطرية، وكان لها جمعهم، ففتحاها، وبعث عمرو بن العاص أبرهة بن الصباح إلى الفرماء، وضرب عمرو فسطاطه موضع جامع عمرو بمصر الآن واختطت مصر، وبني موضع الفسطاط الجامع المعروف