الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر زكريا وابنه يحيى
عليهما السلام
من كتاب ابن سعيد المغربي: زكريا من ولد سليمان بن داود عليهما السلام، وكان نبياً ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، قال: وكان نجاراً، وهو الذي كفل مريم أم عيسى، وكانت مريم بنت عمران بن ماتان من ولد سليمان بن داود، وكانت أم مريم اسمها حنة وكان زكريا متزوجاً أخت حنة. واسمها إيساع فكانت زوج زكريا خالة مريم، ولذلك كفل زكريا مريم.
فلما كبرت مريم بنى لها زكريا غرفة في المسجد، فانقطعت مريم في تلك الغرفة للعبادة. وكان لا يدخل على مريم غير زكريا فقط.
وأرسل الله تعالى جيريل فبشر زكريا بيحيى مصدقاً بكلمة من الله، تعني عيسى بن مريم، ثم أرسل الله تعالى جبريل ونفخ في جيب مريم، فحبلت بعيسى، وكانت قد حبلت خالتها إيساع بيحيى، وولد يحيى قبل المسيح بستة أشهر، ثم ولدت مريم عيسى. فلما علمت اليهود أن مريم ولدت من غير بعل اتهموا زكريا بها، وطلبوه، فهرب واختفى في شجرة عظيمة، فقطعوا الشجرة وقطعوا زكريا معها، وكان عمر زكريا حينئذ نحو مائة سنة، وكأن قتله بعد ولادة المسيح، وكانت ولادة المسيح لمضي ثلاثمائة وثلاث سنين للإسكندر، فيكون مقتل زكريا بعد ذلك بقليل.
وأما يحيى ابنه فإنه نبئ صغيراً، ودعا الناس إلى عبادة الله، ولبس يحيى الشعر، واجتهد في العبادة حتى نحل جسمه وكان عيسى بن مريم قد حرم نكاح بنت الأخ؛ وكان لهرذوس وهو الحاكم على بني إسرائيل بنت أخ وأراد أن يتزوجها حسبما هو جائز في دين اليهود فنهاه يحيى عن ذلك، فطلبت أم البنت من هرذوس أن يقتل يحيى، فلم يجبها إلى ذلك، فعاودته، وسألته البنت أيضاً، وألحتا عليه، فأجابهما إلى ذلك وأمر بيحيى، فذبح لديهما.
وكان قتل يحيى قبل رفع المسيح بمدة يسيرة، لأن عيسى
عليه السلام
إنما ابتدأ بالدعوة لما صار له ثلاثون سنة؛ ولما أمره الله أن يدعو الناس إلى دين النصارى، غمسه يحيى في نهر الأردن، ولعيسى نحو ثلاثين سنة. وخرج من نهر الأردن، وابتدأ بالدعوة.
وجميع ما لبث المسيح بعد ذلك ثلاث سنين، فذبح يحيى كان بعد مضي ثلاثين سنة من عمر عيسى، وقبل رفعه، وكان رفع عيسى بعد نبوته بثلاث سنين، والنصارى تسمي يحيى المذكور يوحنا المعمدان لكونه عمد المسيح حسبما ذكر.
ذكر عيسى بن مريم
عليه السلام
أما مريم فاسم أمها حنة زوج عمران وكانت حنة لا تلد، واشتهت الولد، فدعت بذلك، ونذرت إن رزقها الله ولداً، جعلته من سدنة بيت المقدس، فحبلت حنة، وهلك زوجها عمران، وهي حامل، فولدت بنتا وسمتها مريم، ومعناه: العابدة. ثم حملتها وأتت بها إلى المسجد، ووضعتها عند الأحبار وقالت: دونكم هذه المنذورة، فتنافسوا فيها لأنها بنت عمران - وكان من
أئمتهم - فقال زكريا: أنا أحق بها لأن خالتها زوجتي.
فأخذها زكريا، وضمها إلى إيساع خالتها، فلما كبرت مريم أفرد لها زكريا غرفة حسبما تقدم ذكره، وأرسل الله جبريل، فنفخ في مريم فحبلت بعيسى، وولدته في بيت لحم وهي قرية قريبة من القدس سنة أربع وثلاثمائة لغلبة الإسكندر. ولما جاءت مريم بعيسى تحمله، قال لها قومها:" لقد جئت شيئاً فرياً "" مريم 117 " وأخذوا الحجارة ليرجموها، فتكلم عيسى وهو في المهد معلقاً في منكبها - فقال " إني عبد الله آتاني الكتاب، وجعلني نبياً، وجعلني مباركاً أينما كنت "" مريم: 30 - 31 "، فلما سمعوا كلام ابنها تركوها.
ثم إن مريم أخذت عيسى، وسارت به إلى مصر، وسار معه ابن عمها يوسف ابن يعقوب بن ماتان النجار. وكان يوسف المذكور نجاراً حكيماً، ويزعم بعضهم أن يوسف المذكور كان قد تزوج مريم، لكنه لم يقربها، وهو أول من أنكر حملها، ثم علم وتحقق براءتها، وسار معها إلى مصر، وأقاما هناك اثنتي عشرة سنة ثم عاد عيسى وأمه إلى الشام، ونزلا الناصرة وبها سميت النصارى - وأقام بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة، فأوحى الله تعالى إليه وأرسله إلى الناس.
من كتاب أبي عيسى ولما صار لعيسى ثلاثون سنة، صار إلى الأردن، وهو نهر الغور المسمى بالشريعة فاعتمد، وابتدأ بالدعوة، وكان يحيى بن زكريا هو الذي عمده، وكان ذلك لستة أيام خلت من كانون الثاني لمضي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة للإسكندر. وأظهر عيسى عليه السلام المعجزات، وأحيا ميتاً يقال له عازر بعد ثلاثة أيام من موته، وجعل من الطين طائراً قيل هو الخفاش، وأبرأ الأكمه والأبرص، وكان يمشي على الماء. وأنزل الله تعالى عليه المائدة، وأوحى إليه الإنجيل.
من كتاب أبي عيسى المغربي وكان عيسى عليه السلام يلبس الصوف والشعر، ويأكل من نبات الأرض، وربما تقوت من غزل أمه.
وكان الحواريون الذين اتبعوه اثني عشر رجلاً، وهم شمعون الصفا وشمعون القنابي، ويعقوب بن زندي، ويعقوب بن حلقي، وقولوس، ومارقوس وأندرواس، وتمريلا، ويوحنا، ولوقا، وتوما، ومتى وهؤلاء الذين سألوه نزول المائدة، فسأل عيسى ربه عز وجل، فأنزل عليه سفرة حمراء مغطاة بمنديل؛ فيها سمكة مشوية، وحولها البقول ما خلا الكراث، وعند رأسها ملح، وعند ذنبها خل ومعها خمسة أرغفة على بعضها زيتون، وعلى باقيها رمان وتمر، فأكل منها خلق كثير ولم تنقص، ولم يأكل منها ذو عاهة إلا برئ، وكانت تنزل يوماً وتغيب يوماً أربعين ليلة.
قال ابن سعيد: ولما أعلم الله المسيح أنه خارج من الدنيا، جزع من ذلك فدعا الحواريين، وصنع لهم طعاماً وقال أحضروني الليلة، فإن لي إليكم حاجة، فلما اجتمعوا بالليل عشاهم، وقام يخدمهم، فلما فرغوا من الطعام، أخذ يغسل أيديهم، ويمسحها بثيابه فتعاظموا ذلك فقال: من رد علي شيئاً مما أصنع، فليس مني فتركوه حتى فرغ فقال لهم: إنما فعلت هذا ليكون لكم أسوة بي في خدمة بعضكم بعضاً، وأما حاجتي إليكم؛ فأن تجتهدوا لي في الدعاء
إلى الله أن يؤخر أجلي. فلما أرادوا ذلك ألقى الله عليهم النوم، حتى لم يستطيعوا الدعاء، وجعل المسيح يوقظهم ويؤنبهم فلا يزدادون إلا نوماً وتكاسلاً، وأعلموه أنهم مغلوبون عن ذلك، فقال المسيح: سبحان الله يذهب بالراعي، ويتفرق الغنم، ثم قال لهم: الحق أقول لكم: ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة، ويأكلن ثمني.
وكانت اليهود قد جدت في طلبه، فحضر أحد الحواريين إلى هرذوس الحاكم على اليهود وإلى جماعة من اليهود وقال: ما تجعلون لي إذا دللتكم على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهماً فأخذها ودلهم عليه فرفع الله تعالى المسيح إليه، وألقى شبهه على الذي دلهم عليه.
قال ابن الأثير في الكامل: وقد اختلفت العلماء في موته قبل رفعه فقيل: رفع ولم يمت، وقيل بل توفاه الله ثلاث ساعات، وقيل: سبع ساعات، ثم أحياه، وتأول قائل هذا قوله تعالى:" إني متوفيك "" آل عمران: 55، ".
ولما أمسك اليهود الشخص المشبه به ربطوه، وجعلوا يقودونه بحبل، ويقولون له: أنت كنت تحيي الموتى، أفلا تخلص نفسك من هذا الحبل؟ ويبصقون في وجهه، ويلقون عليه الشوك وصلبوه على الخشب، فمكث على الخشب ست ساعات ثم استوهبه يوسف النجار من الحاكم الذي كان على اليهود، وكان اسمه فيلاطوس، ولقبه هرذوس، ودفنه في قبر كان يوسف المذكور قد أعده لنفسه ثم أنزل الله المسيح من السماء إلى أمه مريم وهي تبكي عليه، فقال لها: إن الله رفعني إليه ولم يصبني إلا الخير، وأمرها فجمعت له الحواريين، فبثهم في الأرض رسلاً عن الله، وأمرهم أن يبلغوا عنه ما أمر الله به، ثم رفعه الله إليه، وتفرق الحواريون حيث أمرهم وكان رفع المسيح لمضي ثلاثمائة وست وثلاثين سنة من غلبة الإسكندر على دارا.
قال الشهرستاني: ثم إن أربعة من الحواريين وهم: متى ولوقا ومرقس ويوحنا، اجتمعوا وجمع كل واحد منهم إنجيلاً، وخاتمة إنجيل متى أن المسيح قال: إني أرسلتكم إلى الأمم كما أرسلني أبي إليكم، فاذهبوا وادعوا الأمم باسم الأب والابن روح القدس.
وكان بين رفع المسيح ومولد النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة وخمس وأربعون سنة تقريباً، وكانت ولادة المسيح أيضاً لمضي ثلاث وثلاثين سنة من أول ملك أغسطس، ولمضي إحدى وعشرين سنة من غلبته على قلوبطرا لان أغسطس لمضي اثنتي عشرة سنة من ملكه، سار من رومية، وملك ديار مصر، وقتل قلوبطرا ملكة اليونان.
وبعد إحدى وعشرين سنة من غلبته على قلوبطرا ولد المسيح عليه السلام، وقيل غير ذلك، ولكن هذا هو الأقوى، وكانت مدة ملك أغسطس ثلاثاً وأربعين سنه.
وعاش المسيح إلى أن رفع ثلاثاً وثلاثين سنة، فيكون رفع المسيح بعد موت أغسطس بثلاث وعشرين سنة، فيكون رفع المسيح في أواخر السنة الأولى من ملك غانيوس.
وأما أمة عيسى فهم النصارى، وسيذكرون مع باقي الأمم في الفصل الخامس إن