الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل لا بد من أشهر وأيام مع ذلك.
بخت نصر
فلما ذكروا لكل شخص مدة صحيحة سالمة من الكسر، نقصت جملة السنين القدر المذكور - أعني ستاً وعشرين سنة وكسوراً - وحيث انتهينا إلى ولاية بخت نصر، فنؤرخ منه ما بعده - إن شاء الله تعالى - وكان ابتداء ولاية بخت نصر في سنة تسع وسبعين وتسعمائة لوفاة موسى عليه السلام.
وفي السنة الأولى من ولاية بخت نصر، سار إلى نينوى - وهي مدينة قبالة الموصل، بينهما دجلة - ففتحها وقتل أهلها وخربها.
وفي السنة الرابعة من ملكه - وهي السابعة من ملك يهوياقيم - سار بخت نصر بالجيوش إلى الشام، وغزا بني إسرائيل، فلم يحاربه. يهوياقيم ودخل تحت طاعته، فبقاه بخت نصر على ملكه، وبقي يهوياقيم تحت طاعة بخت نصر ثلاث سنين، ثم خرج عن طاعته، وعصى عليه، فأرسل بخت نصر وأمسك يهوياقيم، وأمر بإحضاره إليه فمات يهوياقيم في الطريق من الخوف، فتكون مدة يهوياقيم نحو إحدى عشرة سنة، ويكون انقضاء ملك يهوياقيم في أوائل سنة ثمان لابتداء ملك بخت نصر - يهوياقيم بفتح المثناة من تحتها وضم الهاء وواو ساكنة وياء مثناة من تحتها وألف وقاف مكسورة، وياء مثناة من تحتها ساكنة وميم.
لما أخذ يهوياقيم المذكور إلى العراق، استخلف مكانه ابنه - وهو يخنيو - فأقام يخنيو موضع أبيه مائة يوم، ثم أرسل بخت نصر من أخذه إلى بابل - يخنيو بفتح المثناة من تحتها وفتح الخاء المعجمة وسكون النون، وضم المثناة من تحتها، ثم واو.
ولما أخذ بخت نصر يخنيو إلى العراق أخذ معه أيضاً جماعة من علماء بني إسرائيل، من جملتهم دانيال وحزقال النبي، وهو من نسل هارون، وحال وصول يخنيو سجنه بخت نصر، ولم يبرح مسجوناً حتى مات بخت نصر، ولما أمسك بخت نصر يخنيو نصب مكانه على بني إسرائيل عم يخنيو المذكور، وهو
صدقيا
.
صدقيا
واستمر صدقيا تحت طاعة بخت نصر، وكان إرميا النبي في أيام صدقيا، فبقي يعظ صدقيا وبني إسرائيل، ويهددهم ببخت نصر، وهم لا يلتفتون.
وفي السنة التاسعة من ملك صدقيا عصى على بخت نصر، فسار بخت نصر بالجيوش، ونزل على بارين ورفنية، وبعث الجيوش مع وزيره، واسمه نبو زرذون - بفتح النون وضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الزاي والراء المهملة وسكون الألف وضم الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخرها نون - إلى حصار صدقيا بالقدس، فسار الوزير الكذكور بالجيش وحاصر صدقيا مدة سنتين ونصف، أولها عاشر تموز من السنة التاسعة لملك صدقيا، وأخذ بعد حصاره المدة المذكورة القدس بالسيف، وأخذ صدقيا أسيراً، وأخذ معه جملة كثيرة من بني إسرائيل، وأحرق القدس، وهدم البيت الذي بناه سليمان، وأحرقه وأباد بني إسرائيل قتلا وتشريداً.
فكان مدة ملك صدقيا نحو إحدى عشرة سنة، وهو آخر ملوك بني إسرائيل.
وأما من تولى بعده من بني إسرائيل، بعد إعادة عمارة بيت المقدس - على ما سنذكره - فإنما كان له الرئاسة بيت المقدس فحسب، لا غير ذلك، فيكون انقضاء ملوك بني إسرائيل، وخراب بيت المقدس على يد بخت نصر سنة عشرين من ولاية بخت نصر تقريباً،
وهي السنة التاسعة والتسعون وتسعمائة لوفاة موسى عليه السلام، وهي أيضاً سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة مضت من عمارة بيت المقدس، وهي مدة لبثه على العمارة، واستمر بيت المقدس خراباً سبعين سنة، ثم عمر على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وإلى هنا انتهى نقلنا عن كتب اليهود المعروفة بالأربعة والعشرين المتواترة عندهم، وقربنا في ضبط هذه الأسماء غاية ما أمكننا، فإن فيها أحرفاً ليست من حروف العربية، وفيها إمالات ومدات لا يمكن أن تعلم بغير مشافهة، لكن ما ذكرناه من الضبط، هو أقرب ما يمكن، فليعلم ذلك.
ومن تجارب الأمم لابن مسكويه قال: إن بخت نصر لما غزا القدس وخربه وأباد بني إسرائيل، هرب من بني إسرائيل جماعة، قاموا بمصر عند فرعون، فأرسل بخت نصر إلى فرعون مصر يطلبهم منه، وقال: هؤلاء عبيدي، وقد هربوا إليك، فلم يسلمهم فرعون مصر، وقال: ليس هم بعبيدك، وإنما هم أحرار، وكان هذا هو السبب لقصد بخت نصر غزو مصر، وهرب منهم جماعة إلى الحجاز، وأقاموا مع العرب.
من كتاب أبي عيسى: إن بخت نصر لما فرغ من خراب القدس وبني إسرائيل، قصد مدينة صور، فحاصرها مدة، وإن أهل صور جعلوا جميع أموالهم في السفن، وأرسلوها في البحر، فسلط الله تعالى على تلك السفن ريحاً، فغرقت أموالهم عن آخرها.
وجد بخت نصر في حصارها، وحصل لعسكره منهم جراحات كثيرة وقتل، وما زال على ذلك حتى ملكها بالسيف، وقتل صاحب صور، لكنه لم يجد فيها من المكاسب ماله صورة.
ثم سار بخت نصر إلى مصر، والتقى هو وفرعون الأعرج، فانتصر بخت نصر عليه، ومتله وصلبه، وحاز أموال مصر وذخائرها، وسبا من كان بمصر من القبط وغيرهم، فصارت مصر بعد ذلك خراباً أربعين سنة، ثم غزا بلاد المغرب، وعاد إلى بلاده ببابل، وسنذكر أخبار بخت نصر ووفاته. مع ملوك الفرس - إن شاء الله تعالى. وأما بيت المقدس فإنه عمر بعد لبثه على التخريب سبعين سنة، وعمره بعض ملوك الفرس - واسمه عند اليهود كيرش - وقد اختلف في كيرش المذكور: من هو؟. فقيل: دارا بن بهمن، وقيل: بل هو بهمن المذكور، وهو الأصح، ويشهد لصحة ذلك كتاب إشعيا على ما سنذكر ذلك عند ذكر أزدشير بهمن المذكور مع ملوك الفرس إن شاء الله تعالى.
ولما عادت عمارة بيت المقدس، تراجعت إليه بنو إسرائيل من العراق وغيره، وكانت عمارته في أول سنة سبعين لابتداء ولاية بخت نصر. ولما تراجعت بنو إسرائيل إلى القدس كان من جملتهم عزير وكان بالعراق، وقدم معه من بني إسرائيل ما يزيد على ألفين من العلماء وغيرهم، وترتب مع عزير في القدس مائة وعشرون شيخاً من علماء بني إسرائيل.
وكانت التوراة قد عدمت منهم إذ ذاك، فمثلها الله تعالى في صدر العزير، ووضعها لبني إسرائيل يعرفونها بحلالها وحرامها، فأحبوه حباً شديداً، وأصلح العزير أمرهم، وأقام بينهم على ذلك.
من كتب اليهود: إن العزير لبث مع بني إسرائيل في القدس يدبر أمرهم، حتى توفي