الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له ذلك، فبرك وسمى، ثم أكل، وتواردها الناس، كلما صدر عنها قوم جاء ناس، حتى صدر أهل الخندق عنها.
وروى سلمان الفارسي قال: كنت قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أعمل في الخندق، فتغلظ علي الموضع الذي كنت أعمل فيه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة المكان، أخذ المعول وضرب ضربة، فلمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب أخرى فلمعت برقة أخرى، ثم ضرب أخرى فلمعت برقة أخرى، قال: فقلت بأبي أنت وأمي، ما هذا الذي يلمع تحت المعول، فقال:" أرأيت ذلك يا سلمان فقلت: نعم. فقال: " أما الأولى، فإن الله فتح علي بها اليمن، وأما الثانية: فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب، وأما الثالثة: فإن الله فتح علي بها المشرق "، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق، وأقبلت قريش في أحابيشها ومن تبعها من كنانة، في عشرة آلاف وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد، وكان بنو قريظة وكبيرهم كعب بن أسد، قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم فما زال عليهم أصحابهم من اليهود حتى نقضوا العهد، وصاروا مع الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعظم عند ذلك الخطب واشتد البلاء، حتى ظن المؤمنون كل الظن، ونجم النفاق، حتى قال معتب بن قشير: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط وأقام المشركون بضعاً وعشرين ليلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقابلهم، وليس بينهم قتال غير المراماة بالنبل، ثم خرج عمرو بن عبد ود من ولد لؤي بن غالب يريد المبارزة، فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له عمرو: يا ابن أخي والله ما أحب أن أقتلك. فقال علي: لكني والله أحب أن أقتلك، فحمي عمرو عند ذلك ونزل عن فرسه فعقره، وأقبل إلى علي وتجاولا وعلا عليهما الغبرة، وسمع المسلمون التكبير، فعلموا أن علياً قتله، وانكشفت الغبرة وعلي على صدر عمرو يذبحه، ثم إن الله تعالى أهب ريح الصبا، كما قال الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها " " الأحزاب: " وكان ذلك في أيام شاتية. فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح أبنيتهم، ورمى الله الاختلاف بينهم، فرحلت قريش مع أبي سفيان، وسمعت غطفان ما فعلت قريش فرحلوا راجعين إلى بلادهم.
غزوة بني قريظة
ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، انصرف عن الخندق راجعاً إلى المدينة، ووضع المسلمون السلاح، فلما كان الظهر، أتى جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلي العصر إلا ببني قريظة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه برايته إلى بني قريظة، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على
بئر من آبارهم، وتلاحق الناس، وأتى قوم بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصل أحد العصر إلا ببني قريظة، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك، وحاصر بني قريظة خمساً وعشرين ليلة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، ولما اشتد بهم الحصار، نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا حلفاء الأوس، فسأل الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم في إطلاقهم، كما أطلق بني قينقاع، حلفاء الخزرج بسؤال عبد الله بن أبي بن أبي سلول المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا ترضون أن يحكم فيهم سعد بن معاذ وهو سيد الأوس "،. فقالوا: إلى، ظناً منهم أن يحكم بإطلاقهم، فأمر بإحضار سعد، وكان به جرح في أكحله من الخندق، فحملت الأوس سعداً على حمار قد وطأوا له عليه بوسادة، وكان رجلاً جسيماً، ثم أقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون لسعد: يا أبا عمرو أحسن إلى مواليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم. والمهاجرون يقولون: إنما أراد صلى الله عليه وسلم الأنصار، والأنصار يقولون: قد عم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، فقاموا إليه وقالوا: يا أبا عمرو، إن رسول الله قد حكمك في مواليك. فقال سعد: أحكم فيهم، أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة "، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وحبس بني قريظة في بعض دور الأنصار، وأمر فحفر لهم خنادق، ثم بعث بهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، وكانوا سبعمائة رجل يزيدون أو ينقصون عنها قليلاً. ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني قريظة فأخرج الخمس، واصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو، فكانت في ملكه حتى ماتت، ولما انقضى أمر بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ فمات، رضي الله عنه، وجميع من استشهد من المسلمين في حرب الخندق ستة نفر، منهم سعد بن معاذ، ما بعد حرب بني قريظة على ما وصفناه، وكان سعد بن معاذ لما جرح على الخندق، قد سأل الله تعالى أن لا يميته حتى يغزو بني قريظة، لغدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاندمل جرحه حتى فرغ من غزو بني قريظة كما سأل الله تعالى، ثم انتقض جرحه ومات، رحمه الله تعالى، وفي حرب بني قريظة، لم يستشهد غير رجل واحد، وكانت غزوة بني قريظة في ذي القعدة، سنة خمس، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حتى خرجت السنة.
ثم دخلت سنة ستة فيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى إلى بني لحيان، طلباً بثأر أهل الرجيع فتحصنوا برؤوس الجبال، فنزل عسفان تخويفاً لأهل مكة، ثم رجع إلى المدينة.