الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيهم فأبيت، وهذا الرهط لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر؛ حتى يقوم له غيرنا، وأيم الله لا يناله إِلا بشر لا ينفع معه خير.
ثم جمع عبد الرحمن الناس بعد أن أخرج نفسه عن الخلافة، فدعا علياً فقال: عليك عهد الله وميثاقه، لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده فقال: أرجو أن أفعل وأعمل مبلغ علمي وطاقتي، ودعا بعثمان وقال له مثل ما قال لعلي، فرفع عبد الرحمن رأسه إِلى سقف المسجد ويده في يد عثمان وقال: اسمع وأشهد، اللهم إِني جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان وبايعه، فقال علي ليس هذا أول يوم تظاهرتم علينا فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان إِلا ليرد الأمر إِليك، والله كل يوم هو في شأن. فقال عبد الرحمن: يا علي، لا تجعل على نفسك حجةً وسبيلاً، فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله. فقال المقداد بن الأسود لعبد الرحمن: والله لقد تركته، يعني علياً، وإنه من الذين يقضون بالحق، وبه يعدلون. فقال: يا مقداد لقد اجتهدت للمسلمين، فقال المقداد: إني لأعجب من قريش، إِنهم تركوا رجلاً ما أقول ولا أعلم أن رجلا أقضى بالحق، ولا أعلم منه، فقال عبد الرحمن: يا مقداد، اتق الله، فإني أخاف عليك الفتنة، ثم لما أحدث عثمان رضي الله ما أحدث من توليته الأمصار للأحداث من أقاربه، روي أنه قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كله فعلك. فقال: لم أظن هذا به؛ لكن لله علي أن لا أكلمه أبداً، ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان رضي الله عنهما، ودخل عليه عثمان عائداً في مرضه فتحول إِلى الحائط ولم يكلمه.
خلافة عثمان
رضي الله عنه
وبويع عثمان رضي الله عنه لثلاث مضين من المحرم، من هذه السنة، أعني سنة أربع وعشرين، وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة. ولما بويع رقي المنبر وقام خطيباً فحمد الله وتشهد ثم أرتج عليه فقال: إِن أول كل أمر صعب، وإن أعش فسآتيكم الخطب على وجهها، ثم نزل وأقر عثمان ولاة عمر سنة، لأنه كان أوصى بذلك، ثم عزل المغير بن شعبة عن الكوفة، وولاها سعد بن أبي وقاص، ثم عزله وولى الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان أخا عثمان من أمه.
ثم دخلت سنة خمس وعشرين فيها توفي أبو ذر الغفاري واسمه جندب بن جنادة، وكان بالشام ينكر على معاوية جمع المال، ويتلو " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله " " التوبة: 34، " الآية، فكتب معاوية إِلى عثمان يشكوه، فكتب إِليه عثمان أن أقدم المدينة، فقدم إِلى المدينة، واجتمع الناس عليه، فصار يذكر ذلك ويكثر الشناعة على من كنز الذهب والفضة، فنفاه عثمان إِلى الربدة وقيل كانت وفاته
بالربدة سنة إِحدى وثلاثين.
ثم دخلت سنة ست وعشرين فيها عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر وولاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، وكان أخا عثمان من الرضاعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دم عبد الله بن سعد المذكور يوم الفتح، وشفع فيه عثمان، حتى أطلقه رسول اللَه صلى الله عليه وسلم.
وفي أيام عثمان فتحت إِفريقية، وكان المتولي لذلك عبد الله بن سعد بن أبي سرح المذكور، وبعث بالخمس إِلى عثمان، فاشتراه مروان بن الحكم بخمس مائة ألف دينار، فوضعها عنه عثمان، وهذا من الأمور التي أنكرت عليه، ولما فتحت إِفريقية، أمر عثمان عبد الله نافع بن الحصين أن يسير إِلى جهة الأندلس، فغزى تلك الجهة، وعاد عبد الله بن نافع إِلى إِفريقية، فأقام بها من جهة عثمان، ورجع عبد الله ابن سعد إِلى مصر.
ثم دخلت سنة سبع وعشرين وسنة ثمان وعشرين فيها استأذن معاوية عثمان في غزو البحر، فأذن له، فسير معاوية إِلى قبرس جيشاً وسار إِليها أيضاً عبد الله ابن سعد من مصر، فاجتمعوا عليها وقاتلوا أهلها، ثم صولحوا على جزية سبعة آلاف دينار في كل سنة، وكان هذا الصلح بعد قتل وسبي كثير من أهل قبرس.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين فيها عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وولاها ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز، ثم عزل الوليد بن عقبة من الكوفة، بسبب أنه شرب الخمر وصلى بالمسلمين الفجر أربع ركعات وهو سكران، ثم التفت إِلى الناس وقال: هل أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: مازلنا معك في زيادة منذ اليوم، وفي ذلك يقول الحطيئة:
شهدا الحطيئة يوم يلقى ربه
…
أن الوليد أحق بالعذر
نادى وقد فرغت صلاتهم
…
أأزيدكم سكراً وما يدري
فأبوا أبا وهب ولو أذنوا
…
لقرنت بين الشفع والوتر
ثم دخلت سنة ثلاثين فيها بلغ عثمان ما وقع في أمر القرآن من أهل العراق، فإنهم يقولون: قرآننا أصح من قرآن أهل الشام، لأننا قرأنا على أبي موسى الأشعري، وأهل الشام: يقولون قرآننا أصح لأنّا قرأنا على المقداد بن الأسود، وكذلك غيرهم من الأمصار فأجمع رأيه ورأي الصحابة، على أن يحمل الناس على المصحف الذي كتب في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وكان مودعاً عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وتحرق ما سواه من المصاحف التي بأيدي الناس، ففعل ذلك ونسخ من ذلك المصحف مصاحف، وحمل كلاً منها إِلى مصر من الأمصار، وكان الذي تولى نسخ المصاحف العثمانية بأمر عثمان، زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي.
وقال عثمان: إِن اختلفتم في كلمة فاكتبوها بلسان قريش، فإِنما نزل القرآن