المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر الطبقة الثانية - المختصر في أخبار البشر - جـ ١

[أبو الفداء]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأولعمود التواريخ القديمة

- ‌وذكر الأنبياء على الترتيب

- ‌ذكر نوح وولده

- ‌ذكر هود وصالح

- ‌ذكر إبراهيم الخليلصلوات الله عليه

- ‌ذكر بني إبراهيم

- ‌ذكر لوط‌‌ عليه السلام

- ‌ عليه السلام

- ‌ عليهما السلام

- ‌ذكر إسحاق بن إبراهيم

- ‌ذكر أيوب

- ‌ذكر يوسف

- ‌ عليه السلام

- ‌ذكر شعيب

- ‌ذكر موسى

- ‌ذكر حكام بني إسرائيل ثم ملوكهم

- ‌ذكر يوشع

- ‌أهوذ

- ‌باراق بن أبي نعيم

- ‌كذعون بن يواش

- ‌ أبيمالخ

- ‌يفتح الجرشي

- ‌أبصن

- ‌آلون

- ‌شمشون بنمانوح

- ‌إيثامور بن هارون

- ‌ شمويل النبي

- ‌ داود

- ‌طالوت بن قيش

- ‌عليه السلام أصغر بني أبيه، وكان يرعى غنم أبيه وأخوته، فطلبه طالوت

- ‌ سليمان

- ‌رحبعم

- ‌ يربعم

- ‌أفيا

- ‌أسا

- ‌يهوشافاط

- ‌يهورام

- ‌‌‌أحزياهو

- ‌أحز

- ‌عثليا هو

- ‌عثليا هو يؤاش

- ‌أمصيا

- ‌عزياهو

- ‌ يوثم

- ‌حزقيا

- ‌سنحاريب

- ‌أسرحدون

- ‌منشاثم ملك بعده ابنه

- ‌يهوياحوز

- ‌يهوياقيم

- ‌ بخت نصر

- ‌ صدقيا

- ‌ذكر يونس بن متى‌‌عليه السلام

- ‌عليه السلام

- ‌ذكر إرميا

- ‌ذكر نفل التوراة

- ‌ذكر زكريا وابنه يحيىعليهما السلام

- ‌ عليه السلام

- ‌ذكر عيسى بن مريم

- ‌ ذكر خراب بيت المقدسالخراب الثاني

- ‌الفصل الثانيذكر ملوك الفرس

- ‌طبقة أولى

- ‌ذكر الطبقة الثانية

- ‌الإسكندر بن فيلبس

- ‌ ملوك الطوائف

- ‌ذكر الطبقة الثالثة

- ‌ذكر الطبقة الرابعة

- ‌الفصل الثالثذكر فراعنة مصر واليونان والروم

- ‌الفراعنة

- ‌ذكر ملوك اليونان

- ‌ذكر ملوك الروم

- ‌الفصل الرابعملوك العرب قبل الإسلام

- ‌ملوك اليمن

- ‌ملوك العرب الذين كانوا في غير اليمن

- ‌ابتداء ملك اللخميين ملوك الحيرة

- ‌ ملوك غسان

- ‌ملوك جرهم

- ‌ملوك كندة

- ‌عدة من ملوك العرب

- ‌الفصل الخامسذكر الأمم

- ‌أمة السريان والصابئينمن كتاب أبي عيسى المغربي

- ‌أمة القبط وهم من ولد حام بن نوح

- ‌أمّة الفرسومساكنهم وسط المعمور

- ‌أمة اليونان

- ‌أمة اليهود

- ‌أمة النصارىوهم أمة المسيح

- ‌عليه السلام

- ‌الأمم التي دخلت في دين النصارى

- ‌أمم الهند

- ‌أمة السند

- ‌أمم السودانوهم من ولد حام

- ‌أمم الصين

- ‌بني كنعان

- ‌ البربر

- ‌أمة عاد

- ‌العمالقة

- ‌أمم العرب وأحوالهم قبل الإسلام

- ‌أحياء العرب وقبائلهم

- ‌ العرب العاربة

- ‌ما نقل من أخبار العرب البائدة

- ‌ رسول الله

- ‌ مولده

- ‌الفصل السادسالتاريخ الإسلامي

- ‌صلى الله عليه وسلم وذكر شيء من شرف بيته الطاهر

- ‌‌‌ صلى الله عليه وسلم

- ‌ صلى الله عليه وسلم

- ‌نسب رسول الله

- ‌رضاع رسول الله

- ‌رضاعه من حليمة السعدية

- ‌سفرة رسول الله‌‌صلى الله عليه وسلم

- ‌صلى الله عليه وسلم

- ‌تجديد قريش عمارة الكعبة

- ‌مبعث رسول الله

- ‌أول من أسلم من الناس

- ‌رضي الله عنه

- ‌الهجرة الأولىوهي هجرة المسلمين إِلى أرض الحبشة

- ‌نقض الصحيفة

- ‌الإسراء

- ‌ رضي الله عنها

- ‌وفاة أبي طالب

- ‌وفاة خديجة

- ‌سفره إلى الطائف

- ‌عرض رسول الله نفسه على القبائل

- ‌ابتداء أمر الأنصاررضي الله عنهم

- ‌الهجرة النبويةعلى صاحبها أفضل الصلاة والسلام

- ‌تزويج النبي بعائشةصلى الله عليه وسلم بعائشة بنت أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهما

- ‌المؤاخاة بين المسلمين

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌غزوة بني قينقاع من اليهود

- ‌غزوة قرترة الكدر

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة بني النضير من اليهود

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة بدر الثانية

- ‌غزوة الخندقوهي غزوة الأحزاب

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة ذي قرد

- ‌غزوة بني المصطلق

- ‌عمرة الحديبية

- ‌صلى الله عليه وسلم وقريش

- ‌غزوة خيبر

- ‌رسل النبي إلى الملوكصلى الله عليه وسلم إِلى الملوك

- ‌عمرة القضاء

- ‌إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص

- ‌نقض الصلح وفتح مكة

- ‌غزوة خالد بن الوليد على بني خزيمة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف

- ‌غزوة تبوك

- ‌حج أبي بكر الصديقرضي الله عنه بالناس

- ‌ صلى الله عليه وسلم

- ‌إرسال علي بن أبي طالب إِلى اليمن

- ‌ حجة الوداع

- ‌وفاة رسول الله

- ‌ صلى الله عليه وسلم

- ‌ رضي الله عنه

- ‌خبر الأسود العنسي

- ‌أخبار أبي بكر الصديق وخلافته

- ‌وفاة أبي بكررضي الله عنه

- ‌خلافة عمر بن الخطاببن نفيل بن عبد العزى رضي الله عنه

- ‌مقتل عمررضي الله عنه

- ‌ رضي الله عنه

- ‌خلافة عثمان

- ‌مهلك يزد جرد بن شهريار بن برويز

- ‌ رضي الله عنه

- ‌أخبار علي بن أبي طالب

- ‌مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة

- ‌مسيرة علي إلى البصرة

- ‌وقعة الجمل

- ‌وقعة صفين

- ‌ رضي الله عنه

- ‌مقتل علي بن أبي طالبرضي الله عنه

- ‌صفته

- ‌شيء من فضائله

- ‌تسليم الحسن الأمر إِلى معاوية

- ‌خلفاء بني أمية

- ‌أخبار معاوية بن أبي سفيان

- ‌أخبار يزيدابنه وهو ثاني خلفائهم، وأم يزيد ميسون بنت بحدل الكليبة، بويع بالخلافة

- ‌ بن معاوية

- ‌بحوارين من عمل حمص

- ‌أخبار معاوية بن يزيد

- ‌أخبار مروان بن الحكموهو رابع خلفائهم، وقام مروان بالشام في أيام ابن الزبير، واجتمعت إِليه

- ‌أخبار عبد الملك

- ‌ولاية الوليد بن عبد الملك

- ‌ بن مروان

- ‌أخبار سليمان بن عبد الملك

- ‌أخبار عمر بن عبد العزيز‌‌بن مروان بن الحكم بن أبي العاص

- ‌بن مروان بن الحكم بن أبي العاص

- ‌ رضي الله عنه

- ‌أخبار يزيد بن عبد الملك

- ‌أخبار هشام بن عبد الملك

- ‌أخبار الوليد بن يزيد‌‌‌‌بن عبد الملك

- ‌‌‌بن عبد الملك

- ‌بن عبد الملك

- ‌أخبار يزيد بن الوليد

- ‌ بن مروان بن الحكم

- ‌بيعة مروان بن محمد

- ‌خلفاء بني العباسأبو العباس السفاح

- ‌وأخباره إلى أن قتل

- ‌خلافة المنصور

الفصل: ‌ذكر الطبقة الثانية

والعرب أنه منهم. والفرس يجعلونه قبل الطوفان لأنهم لا يعترفون بالطوفان.

ثم ملك أفريذون بن أثفيان، وهم من ولد جمشيذ قيل إنه التاسع من ولده، وكان إبراهيم الخليل في أول ملك أفريذون، وقد قيل إن أفريذون هو ذو القرنين، المذكور في القرآن ولما ملك أفريذون سار في الناس بأحسن سيرة، ورد جميع ما اغتصبه الضحاك على أصحابه، وكان لأفريذون ثلاثة أولاد، فقسم الأرض بينهم أثلاثاً، أحدهم إيرج وجعل له العراق والهند والحجاز، وجعله صاحب التاج والسرير وفوض إليه الولاية على أخويه.

والثاني: شرم وجعل له الروم وديار مصر والمغرب، والثالث طوج، وجعل له الصين والترك والمشرق جميعه، فلما مات أفريذون وثب طوج وشرم على إيرج فقتلاه واقتسما بلاده وملكا الأرض، ثم نشأ ابن لإيرج يقال له: منوجهر - بميم مفتوحة ونون مضمومة وواو ساكنة وجيم بين الجيم والشين مكسورة وهاء ساكنة وراء مهملة - فحقد المذكور على عميه وجمع العساكر وتغلب على ملك أبيه إيرج. ولما قوي منوجهر المذكور سار نحو الترك وطلب بدم أبيه، فقتل طوج، ثم قتل شرم عميه وأدرك ثأره منهما.

ثم نشأ من ولد طوج بن أفريذون المذكور فراسياب بن طوج، وجمع العسكر وحارب منوجهر بن إيرج وحاصره بطبرستان، ثم اصطلح وضربا بينهما حداً لا يتجاوزه واحد منهما، وهو نهر يلخ، وفي أيام منوجهر ظهر موسى عليه السلام، وذكروا أن فرعون موسى وهو الوليد بن الريان كان عاملا لمنوجهر ومطيعاً له، ثم هلك منوجهر فتغلب فراسياب على مملكة فارس، وأكثر الفساد وخرب البلاد.

ثم ظهر زو بن طهماسب وهو من أولاد منوجهر فتسارع الناس إليه وطرد فراسياب عن مملكة فارس حتى رده إلى بلا الترك بعد حروب كثيرة، وسار زو بأحسن سيرة حتى عمر وأصلح ما كان خربه فراسياب، واستخرج للسواد نهر، وسماه الزاب وبنى على حافته مدينة، وكان لزو وزير يقال له: كرشاسف من أولاد طوج بن أفريذون، وقد حكي أنهما اشتركا في الملك. انتهت الفيشداذية.

‌ذكر الطبقة الثانية

الكيانية: ولما هلك كرشاسف ملك بعده كيقباذ بن زو وسلك سيرة أبيه، في الخير وعمارة البلاد، ثم هلك كيقباذ، وملك بعده كيكاؤوس بن كينيه بن كيقباذ المذكور، فتشدد على إعدامه، وقتل خلقاً من عظماء البلاد، وولد له ولد نهاية في الجمال، وكان يفتن بحسنه وسماه سياوش بسين مهملة مكسورة وياء مثناة من تحتها وألف وواو مكسورة وشين منقوطة.

ثم إن أباه كيكاؤوس سلمه إلى رستم الشديد، الذي كان نائباً على سجستان ومملكتها، فربى سياوش كما ينبغي، وأتى به إلى والده وهو نهاية في الأدب والفروسية، ففرح به والده فرحاً عظيماً، وولاه مملكته، وكان لكيكاؤوس زوجة مبدعة في الحسن، فهويت سياوش وأعلمته،

ص: 41

فامتنع ولم تزل تراجعه حتى طاوعها، فعشقها وعشقته عشقاً مبرحاً.

وفي الآخر علم كيكاؤوس بذلك، فمنعِ ولده منْ دخولِ دارِه وضرَبَ الزَّوجة وحبسها ثم ترضاها، وأفرجَ عنها، فأرسلتْ مع بعض الخصيانِ إِلى سياوش تقول: إِنْ عاهْدتَني أنك تتزوج بي قتلتُ أباك، فعرف الخصي كياؤوسَ بذلك، فأسر بحبسها ومنع سياوش من الدخولِ إِليه.

فسأل سياوش رستماً الذي ربّاه أنْ يشفعَ إلى أبيه أنْ يُرسِله إِلى حربِ فراسياب ملك الترك فأرسلَه مع جيش، فصالحه فراسيابُ على ما أراد، فأرسلَ يُعلم بذلك أباهُ كيكاؤوس، فأنكر عليه وقال: لا بدَّ منَ الحرب.

ولم يمكن سياوش الغدر بفراسياب، ولا الرجوع إِلى والده لما ذكر، فهرب سياوشُ إلى فراسياب، فأكرمَهُ وزوّجَهُ ابنته، ثم إِنّ أولادَ فراسيابَ أغروا والدهُم بقتلِ سياوش، وقالوا: لا يكونُ عاقبتُه عليك خيراً، فقتلهُ.

وكانتْ بنت فراسياب حُبْلى منه، فأراد أبوها قتلها، ثم تركها فولدَتْ ابناً. وسمع كيكاؤوس بذلك فقتل زوجتَهُ التي كان هذا الأمر بسببها، وأرسلَ قوماً شطاراً في زي التجارِ بالمالِ، وأمرهم بسرقة ابنِ سياوش وزوجتَه، فسرقوهما وأحضروهما. وكان اسمُ الولدُ المذكورُ كيخسرو، أعني ولد سياوش.

ثم إِن كيكاؤوس قررَ المُلكَ لولد ولده كيخسرو ابن المذكور، ثمَ هلكَ كيكاؤوس واستمر ولد ولدِه كيخسرو المذكًورُ في الملك.

ولمّا مَلكَ كيخسرو وقوي أمرهُ قصدَ جدّهُ أبا أمَّه، وهو فراسيابُ ملكُ التركِ طالباً بثارِ أبيه سياوش، وجرَتْ بينهما حروب كثيرة آخرها أنّ كيخسرو ظفر بفراسياب وأولادِهِ وعسكَرِهِ، فقتلهُمُ ونهبَ أموالهُمُ وبلادَهُمُ آخذاً بثأرِ أبيهٍ سياوش.

ولمّا أدرك كيخسرو ثأره واستقرّ في ملكه تزهّدَ، وخرج عنِ الدنيا، ولما أصر على ذلك سألهُ وجوهُ الدولة في أن يعينَ للملْكَ من يختار، وكان لهراسفَ حاضراً وهو منْ مَرازبته، فجعلهُ وصيهُ وأقبلَ الناسُ عليهَ، وفقد كيخسرو، وكان مدةَ ملك كيخسَرو ستين سنة، ثم ملك لهراسف ويقالُ: إِنَّه ابن أخي كيكاؤوس، فاتخذَ سريراً من ذهب مرصعاً بالجوهرِ، فكانَ يجلسُ عليه، وبنيتُ له بأرض خراسان مدينةَ بَلخ، وسكنها لقتال الترك وكان في زماَن لهراسف بختَ نصر وجعلهُ لهُراسفُ أصبهبذاً على العراقَ والأهواز وعلى الرّومِ من غربيّ دجلة، فأتى دمشقُ وصالحهُ أهلها وصالحهُ بنو إِسرائيَلَ بالقدس ثمّ غدروا به، فسار إِليهم بخُتَ نصرَ راجعاً، وسبى ذريتَهم وخرب بيت المقدسَ، وهربَ من سلم منهم إِلى مصر، فأنفذ بختَ نصر في طلبهم إِلى ملك مصْر وقال: هؤلاءِ عبيدي قد هربوا إِليكَ فابعثْ إِلي بهم: فقال فرعون مصر: إِنما هؤلاءِ أحرارُ، وامتنعَ من تسليمهم إِليه، فسار بختُ نصر إلى مصرَ وقتْل الملِك وسبى أهل مصر، ثم سار المذكور إلى الَمغرب حتى بلغ أقاصيهما، وخرب البلاد وسبى، ثم عاد إِلى فلسطين والأردن، فسبى وقتل، وحضر مع بخت نصر من بني إِسرائيل دانيال النبي، وغيره من أولاد الأنبياء عليهم السلام، وحمل إِلى لهراسف من المغرب والشام وبيت المقدس أموالاً عظيمة، وقد اختلف

ص: 42

المؤرخون في بخت نصر، هل كان ملكاً مستقلاً بنفسه أم كان نائباً للفرس؟ والأصح عند الأكثر أنه كان نائباً للهراسف المذكور، وسار بالجيوش نيابة عنه، وفتح له البلاد، ثم غزا بخت نصر العرب، وكان في زمن معد بن عدنان، فقصده طوائف من العرب مسالمين، فأحسن إِليهم بخت نصر وأنزلهم شاطئ الفرات وبنوا موضع معسكرهم، وسموه الأنبار، واستمروا كذلك مدة حياة بخت نصر.

ومما جرى لبخت نصر رؤياه التي أريها رقد أثبتها اليهود في كتبهم، وكذلك المؤرخون من المسلمين. قالوا: رأى صنماً رأسه من ذهب، وصدره وذراعاه من فضة، وبطنه وفخذاه من نحاس، وساقاه وقدماه من حديد، وأصابع قدميه بعضها حديد وبعضها خزف، وأن حجراً انقطعت من جبل، من غير يد، قاطعة له، وصكت الصنم، فاندق الحديد والنحاس وغيره، وصار جميع ذلك مثل الغبار، وألوت به ريح عاصفة، ثم صارت الحجر التي صكت الصنم جبلا عظيماً امتلأت منه الأرض كلها.

فقال بخت نصر: لا أصدق تعبير ما رأيته إِلا ممن يخبرني بما رأيت، وكتم بخت نصر ذلك، وسأل العلماء والسحرة والكهنة عن ذلك، فلم يطق أحد أن ينبئه بذلك، حتى سأل دانيال، فخبره دانيال بصورة رؤياه كما رآها بخت نصر، ولم يخلط منها بشيء.

ثم عبرها له دانيال، فقال: الرأس ملكك، وأنت بين الملوك بمنزلة رأس الصنم الذهب، والذي يقوم بعدك دونك، بمنزلة الفضة من الذهب، ويكون كل متأخر أقل ممن قبله، مثلما النحاس دون الفضة، والحديد دون النحاس، وأما الأصابع التي بعضها حديد وبعضها خزف، فإن المملكة تصير آخر الوقت مختلطة، مختلفة، بعضها قوي وبعضها ضعيف، ثم إِنّ الله تعالى، يقيم بعد ذلك مملكة لا تبيد إلى آخر الدهر. هذا تعبير رؤياك، فخر بخت نصر ساجداً لدانيال، وأمر له بالخلع وأن يقرب له القرابين.

وقد اختلف في مدة ولاية بخت نصر، والذي اختاره أبو عيسى وأثبته أن بخت نصر تولى أو ملك سبعاً وخمسين سنة، وشهراً وثمانية أيام.

وتفسير بخت نصر بالعربية، عطارد، وهو ينطق، سمي بذلك لتقريبه الحكماء والعلماء، وحبه أهل العلم.

ولما هلك ولي مُلك الفرس بعد بخت نصر، ابنه أولاق سنة واحدة وقتل.

ثم ولي بعده - بلطشاصر سنتين، وبلطشاصر هو ابن ابن بخت نصر، ثم إِنه جلس للشراب، واحتفل بلطشاصر في مجلس عمله، وجمع فيه ألف نفس من أصحابه، وجعل فيه من آنية الذهب ما يفوت الحصر، فرأى على ضوء الشمع يد إنسان تكتب على الحائط، فتغير بلطشاصر لذلك، واضطرب ذهنه، واصطكت ركبتاه، فدعا دانيال وقال له: ما رأى، فقال دانيال: إِنك لما عظَمت الذهب، والفضْة والنحاس والحديد، وليس فيها ما ينصرك، ولم تعظم الإِله، الذي بيده نسمتك، وروحك، وجميع تصاريف أمورك، أرسل كفهُ يداً كتبتَ ما معناه: اكشف واعرى، أي أن مملكتك كشفت وعريت وجعلت لأهل فارس، فقُتل بلطاشاصر في تلك الليلة، وبه انقرضت دولة بني بخت نصر.

ولنرجع إِلى سياقة ملك لهراسف، ثم مَلَك بعده ابنه

ص: 43

كي بشتاسف، وهو الذي يزعمون أنه باق في كنكدز ولما ملك بشتاسف بنى مدينة - فسا، وظهر في أيامه زرادشت بزاي منقوطة مفتوحة، وراء مهملة، وألف، ودال مضمومة، مهملة وشين منقوطة ساكنة، وتاء مثناه من فوقها. وهو صاحب كتاب المجوس.

وتوقفت بشتاسف عن الدخول في دينه، ثم صدقه ودخل فيه، وجرى بين بشتاسف وبين خرزاسف ملك الترك حروب عظيمة، قتل بينهما فيها خلق كثير، بسبب زرداشت، ودخول بشتاسف في دينه، انتصر فيها بشتاسف على خرزاسف ملك الترك.

ثم إِن بشتاسف تنسك، وانقطع للعبادة في جبل يقال له طميذر، ولقراءة كتاب زرادشت، ثم فُقد.

وكان لبشتاسف ولد يقال له إِسفنديار، هلك في حياة أبيه، وخلف ولداً يقال له أزدشير بهمن بن إِسفنديار بن بشتاسف، ولما تزهد بشتاسف وفقد مَلكَ ابن ابنه أزدشير بهمن المذكور وانبسطت يده حتى ملك الأقاليم السبعة، من كتاب أبي عيسى.

وأزدشير بهمن المذكور، اسمه بالعبرانية كورش، ويقال كيرش، وهو الذي أمر بعمارة بيت المقدس بعد أن خربه بخت نصر، فعمره أزدشير وأمر بني إِسرائيل بالرجوع إِليه، ولا دليل على أنّ أزدشير المذكور هو كورش أقوى من كلام أشعيا النبي عليه السلام، فإِنه يقول في الفصل الثاني والعشرين من كتابه، حكاية عن الله تعالى أنا القائل لكورش: داعي الذي يتم جمع محباتي، ويقول لأورشليم عودي مبنية، ولهيكلها كن مزخرفاً، مزيناً، هكذا قال الرب لمسيحه كورش، الذي أخذ بيمينه لتدبير الأمم وتحنى لك ظهور الملوك سائراً، تفتح الأبواب أمامه فلا تغلق، وأسير أنا قدامك، وأسهل لك الوعور، وأكسر أبواب النحاس، وأحبوك بالذخائر التي في الظلمات ولم يكن أحد في ذلك الزمان بهذه الصفة التي ذكرها أشعيا، أعني ملك الأقاليم والحكم على الأمم، وغير ذلك مما ذكره غير أزدشير بهمن، فتعين أن يكون هو كيرش.

وكان أزدشير بهمن كريماً متواضعاً علامته على كتبه بقلمه، من أزدشير بهمن عبد الله وخادم الله والسايس لأمركم.

وغزا رومية في ألف ألف مقاتل وبقي كذلك إِلى أن هلك، وتفسير بهمن بالعربية الحسن النية، وكان بهمن متزوجاً بابنته خماني؛ وذلك حلال على دين المجوس، فتوفي بهمن وهي حامل منه بدارا وكانت قد سألت بهمن ن يعقد التاج على ما في بطنها، ويخرج ابنه ساسان بن بهمن من الملك، فأجابها بهمن وأوصى به أكابر دولته، ففعلوا ذلك، وساست خماني الملك بعده أحسن سياسة، وعظم ذلك على ساسان، فلحق بإِصطخر، وتزهد وتجرد من حلية الملك واتخذ غنماً وتولى بنفسه رعيها، وساسان المذكور هو أبو الأكاسرة.

ثم وضعت خماني ولداً وسمته دارا وهو ابنها وأخوها، ولما اشتد سلمت الملك إِليه وعزلت نفسها، فتولى دارا بن بهمن الملك، فضبطه بشجاعة وحسن سياسة وولد لدارا ابن فسماه دارا باسم نفسه.

ثم هلك دارا وولي الملك ابنه دارا بن دارا، وكان

ص: 44