الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرسان قيس.
ولما انهزمت قيس يوم المرج، نادى منادي مروان بن الحكم، ألا لا يتبع أحد، ودخل دمشق مروان، ونزل في دار معاوية بن أبي سفيان، واجتمع عليه الناس، وتزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية، لخوفه من خالد.
ولما انهزمت القيسية وقتل الضحاك وبلغ ذلك أهل حمص، وعليها النعمان ابن بشير الأنصاري، خرج هارباً بامرأته وأهله، فخرج أهل حمص وقتلوا النعمان بن بشير وردوا برأس النعمان وأهله إِلى حمص.
ولما بلغ زفر بن الحارث، وهو بقنسرين، يدعو لابن الزبير، خبر الهزيمة، خرج من قنسرين وأتى قرقيسيا، فغلب عليها، واستوسق الشام لمروان بن الحكم، ثم خرج إِلى جهة مصر وبعث قدامه عمرو بن سعيد بن العاص، فدخل مصر وطرد عامل ابن الزبير عنها، وبايع لمروان بن الحكم أهلها، ولما ملك مروان مصر، رجع إِلى دمشق، وخرجت سنة أربع وستين ومروان خليفة بالشام ومصر، وابن الزبير خليفة في الحجاز والعراق واليمن.
وفي هذه السنة أعني سنة أربع وستين هدم ابن الزبير الكعبة، وكانت حيطانها قد مالت من ضرب المنجنيق، فهدمها وحفر أساسها، وأدخل الحجر فيها، أعادها على ما كانت عليه أولاً.
ثم دخلت سنة خمس وستين وفاة مروان بن الحكم وتوفي بأن خنقته أم خالد بن يزيد بن معاوية زوجته، وصاحت مات فجأة، وذلك لثلاث خلون من رمضان، من هذه السنة، أعني سنة خمس وستين، ودفن بدمشق، وعمره ثلاث وستون سنة، وكانت مدة خلافته تسعة أشهر وثمانية عشر يوماً.
شيء من أخباره كان النبي صلى الله عليه وسلم، قد طرد أباه الحكم، إِلى الطائف، ولم يزل طريداً في أيام أبي بكر وعمر، إِلى أن رده عثمان، كما ذكرنا، ومروان هو الذي قتل طلحة بسهم نشاب في حرب الجمل.
أخبار عبد الملك
وهو خامس خلفائهم، لما مات مروان، بويع ابنه عبد الملك بن مروان، في ثالث رمضان من هذه السنة، عني سنة خمس وستين، عقب موت مروان، واستثبت له الأمر بالشام ومصر، وقيل إِنه لما أتته الخلافة، كان قاعداً والمصحف في حجره، فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك. ثم دخلت سنة ست وستين.
خروج المختار بن أبي عبيد الثقفي
وفي هذه السنة، خرج المختار بالكوفة، طالباً بثأر الحسين، واجتمع إِليه جمع كثير، واستولى على الكوفة، وبايعه الناس بها على كتاب الله وسنة رسوله، والطلب بدم أهل البيت وتجرد المختار لقتال قتلة الحسين، وطلب شمر بن ذي الجوشن حتى ظفر به وقتله، وبعث إِلى خولي
الأصبحي، وهو صاحب رأس الحسين، فاحتاط بداره، وقتله وأحرقه بالنار، ثم قتل عمر بن سعد بن أبي وقاص، صاحب الجيش، الذين قتلوا الحسين، وهو الذي أمر أن يداس صدر الحسين وظهره بالخيل، وقتل ابن عمر المذكور، واسمه حفص، وبعث برأسهما إلى محمد بن الحنفية بالحجاز، وذلك في ذي الحجة من هذه السنة، ثم إِن المختار اتخذ كرسياً، وادعى أن فيه سراً، وأنه لهم مثل التابوت لبني إِسرائيل ولما أرسل المختار الجنود لقتال عبيد الله بن زياد، خرج بالكرسي على بغل يحمله في القتال. ثم دخلت سنة سبع وستين.
مقتل عبيد الله بن زياد وفي هذه السنة في المحرم، أرسل المختار الجنود لقتال عبيد الله بن زياد، وكان قد استولى على الموصل، وقدم على الجيش إِبراهيم بن الأشتر النخعي، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وانهزمت أصحاب ابن زياد، وقتل عبيد الله بن زياد، قتله إِبراهيم بن الأشتر في المعركة، وأخذ رأسه وأحرق جثته، وغرق في الزاب من أصحاب ابن زياد المنهزمين أكثر ممن قتل، وبعث إِبراهيم برأس ابن زياد، وبعدة رؤوس معه إِلى المختار، وانتقم الله للحسين بالمختار، وإن لم تكن نية المختار جميلة.
وفي هذه السنة، أعني سنة سبع وستين، ولى ابن الزبير أخاه مصعباً البصرة، ثم سار مصعب إِلى البصرة، بعد أن طلب المهلب بن أبي صفرة من خراسان، فقدم إِليه بمال وعسكر كثير، فسارا جميعاً إلى قتال المختار بالكوفة، وجمع المختار جموعه والتقيا، فتمت الهزيمة بعد قتال شديد على المختار وأصحابه، وانحصر المختار في قصر الإِمارة بالكوفة، ودخل مصعب الكوفة وحاصر المختار، وما زال المختار يقاتل حتى قتل، ثم نزل أصحابه من القصر على حكم مصعب، فقتلهم جميعهم، وكانوا سبعة آلاف نفس، وكان مقتل المختار في رمضان سنة سبع وستين، وعمره سبع وستون سنة.
وفي هذه السنة، أعني سنة سبع وستين للهجرة، وقيل سنة إِحدى وسبعين، وقيل سنة تسع وستين، وقيل سنة ثمان وستين، توفي بالكوفة أبو بحر الضحاك بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة، وكان يعرف الضحاك المذكور بالأحنف، وهو الذي يضرب به المثل في الحلم، وكان سيد قومه، موصوفاً بالعقل، والدهاء والعلم، والحلم والذكاء، أدرك عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولم يصحبه، ووفد على عمر بن الخطاب في أيام خلافته، وكان من كبار التابعين، وشهد مع علي وقعة صفين، ولم يشهد وقعة الجمل، مع حد الفريقين، والأحنف: المائل؛ سمي بذلك لأنه كان أحنف الرجل، يطأ على جانبها الوحشي، وقدِم الأحنف المذكور على معاوية في خلافته، وحضر عنده في وجوه الناس، فدخل رجل من أهل الشام، وقال خطيباً، وكان آخر كلامه أن لعن علي بن أبي طالب، فأطرق الناس، وتكلم الأحنف، فقال: يا أمير المؤمنين، إِن هذا القائل لو يعلم أن رِضاك في لعن المرسلين، للعنهم، فاتق الله ودع عنك علياً، فقد لقي ربه، وأفرد في قبره، وكان والله الميمونة نقيبته العظيمة مصيبته، فقال معاوية: يا أحنف
لقد أغضيت العين على القذى، فأيم الله لتصعدنّ المنبر ولتلعنه، وطوعاً أو كرهاً، فقال الأحنف: أو تعفيني فهو خير لك، فألح عليه معاوية، فقال الأحنف: أما والله لا نصفنك في القول، قال: وما أنت قائل، قال أحمد الله بما هو أهله وأصلي على رسوله وأقول: أيها الناس، إِن أمير المؤمنين معاوية، أمرني أن ألعن علياً، ألا وِإن علياً ومعاوية اختلفا فاقتتلا، وادّعى كل منهما أنه مبغي عليه، فإِذا دعوت فأمنوا. ثم أقول: اللهم العن أنت وملائكتك ملك وجميع خلقك، الباغي منهما على صاحبه، والعن الفئة الباغية، اللهم العنهم لعناً كثيراً، أمنوا رحمكم الله. يا معاوية أقوله ولو كان فيه ذهاب روحي، فقال معاوية: إِذن نعفيك من ذلك، ولم يلزمه به.
ثم دخلت سنة ثمان وستين فيها توفي عبد الله بن عباس بالطائف، وكان محمد ابن الحنفية مقيماً بالطائف أيضاً، فصلى على ابن عباس، وأقام محمد بن الحنفية بالطائف إِلى أن قدم الحجاج بن يوسف إِلى مكة، وكان مولد عبد الله بن عباس قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم فقهه في الدين، وعلمه الكلمة والتأويل، فكان كذلك، وكان يسمى الحبر، لكثرة علومه. ثم دخلت سنة تسع وستين وما بعدها إِلى سنة إِحدى وسبعين.
مقتل مُصعب بن الزَّبير في هذه السنة، أعني سنة إِحدى وسبعين، تجهز عبد الملك، وسار إِلى العراق، وتجهز مصعب لملتقاه، واقتتل الجمعان، وكان أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك، وصاروا معه في الباطن، فتخلوا عن مصعب، وقاتل مصعب حتى قتل، هو وولده وكان مقتل مصعب بدير الجاثليق، عند نهر دجيل، وكان عمر مصعب ستاً وثلاثين سنة: وكان مقتله في جمادى الآخرة سنة. إِحدى وسبعين.
وكان مصعب صديق عبد الملك بن مروان قبل خلافته، وتزوج مصعب سكينة الحسين، وعائشة بنت طلحة، وجمع بينهما في عقد نكاحه.
ثم دخل عبد الملك الكوفة وبايعه الناس، واستوسق له ملك العراقين.
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين، فيها جهز عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي في جيش إِلى مكة، لقتال عبد الله بن الزبير، فسار الحجاج في جمادى الأولى من هذه السنة، ونزل الطائف، وجرى بينه وبين أصحاب ابن الزبير حروب، كانت الكرة فيها على أصحاب ابن الزبير، وآخر الأمر أنه حصر ابن الزبير بمكة، ورمى البيت الحرام بالمنجنيق، ودام الحصار حتى خرجت هذه السنة.
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين، والحجاج محاصر لابن الزبير، وأبى ابن الزبير أن يسلم نفسه، وقاتل حتى قتل، في جمادى الآخرة، من هذه السنة، بعد قتال سبعة أشهر، وكان عمر ابن الزبير حين قتل نحو ثلاث وسبعين سنة، وهو أول من ولد من المهاجرين بعد الهجرة، وكانت مدة خلافته تسع سنين، لأنه بويع له سنة أربع وستين، لما مات يزيد بن معاوية، وكان عبد الله بن الزبير كثير العبادة، مكث أربعين سنة لم ينزع ثوبه عن ظهره.
وفي هذه السنة، بعد مقتل
ابن الزبير، بويع لعبد الملك بالحجاز واليمن، واجتمع الناس، على طاعته.
وفي هذه السنة أعني سنة ثلاث وسبعين، توفي عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، وكان موته بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر، وعمره سبع وثمانون سنة.
ثم دخلت سنة أربع وسبعين، فيها هدم الحجاج الكعبة، وأخرج الحجر عن البيت، وبنى البيت على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على ذلك إلى الآن، واستمر الحجاج أميراً على الحجاز.
ثم دخلت سنة خمس وسبعين، فيها أرسل عبد الملك إِلى الحجاج بولاية العراق، فسار من المدينة إِلى الكوفة، وخرج في أيام ولاية الحجاج العراق شبيب الخارجي، وكثرت جموعه، وجرى له مع الحجاج حروب كثيرة، آخرها أن جموع شبيب تفرقت، وتردّى به فرسه من فوق جسر، وسقط شبيب في الماء وغرق، وكذلك خرج على الحجاج، عبد الرحمن بن الأشعث، واستولى على خراسان، ثم سار إِلى جهة الحجاج، وغلب على الكوفة، وكثرت جموعه وقويت شوكته، وفي ذلك يقول بعض أصحابه:
شطب نوى من داره بالإِيوان
…
إِيوان كسرى ذي القرى والزنجان
من عاشق أضحى بزابلستان
…
إِن ثقيفاً منهم الكذابات
كذابها الماضي وكذاب ثان
…
إنا سمونا للكفور الفتان
حتى طغى في الكفر بعد الإِيمان
…
بالسيد الغطريف عبد الرحمن
سار بجمع كالدبا من قحطان
…
بجحفل جم شديد الأركان
فقل الحجاج ولي الشيطان
…
يثبت لجمع مذحج وهمذان
فإِنهم ساقوه كأس الديفان
…
وملحقوه بقرى ابن مروان
ثم أمد عبد الملك الحجاج بالجيوش من الشام، وآخر الأمر أن جموع عبد الرحمن تفرقت، وانهزم، ولحق بملك الترك، وأرسل الحجاج يطلبه من ملك الترك، ويتهدده بالغزو إِن أخره، فقبض ملك الترك على عبد الرحمن المذكور، وعلى أربعين من أصحابه، وبعث بهم إِلى الحجاج، فلما نزل في مكان في الطريق، ألقى عبد الرحمن نفسه من سطح فمات.
ثم دخلت سنة ست وسبعين وما بعدها إلى إحدى وثمانين، فيها توفي أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب، المعروف بابن الحنفية.
ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين فيها توفي المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وكان من الأجواد المشهورين بالكرم والشهامة، وكان الحجاج قد ولى المهلب خراسان، ومات المهلب بمرو الرود، واستخلفَ بعده ابنه يزيد بن المهلب، ولما دنت من المهلب الوفاة، أحضر السهام لأولاده وقال: أتكسرونها مجتمعة؟ قالوا: لا قال أتكسرونها متفرقة؟ قالوا: نعم، قال هكذا أنتم.
وفي هذه السنة أعني سنة اثنتين وثمانين توفي خالد بن يزيد بن معاوية، وكان من المعدودين في بني أمية بالسخاء والفصاحة والعقل.
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين،