الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم الأنساب، والأنواء، والتواريخ، وتعبير الرؤيا، وكان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فيها يد طولى، وكانت الجاهلية تفعل أشياء جاءت شريعة الإسلام بها، فكانوا لا ينكحون الأمهات والبنات، وكان أقبح شيء عندهم الجمع بين الأختين، وكانوا يعيبون المتزوج بامرأة أبيه، ويسمونه الضْيزن، وكانوا يحجون البيت ويعتمرون ويحرمون ويطوفون ويسعون، ويقفون المواقف كلها ويرمون الجمار، وكانوا يكبسون في كل ثلاثة أعوام شهراً، ويغتسلون من الجنابة، وكانوا يداومون على المضمضة والاستنشاق، وفرق الرأس والسواك، والاستنجاء وتقليم الأظافر، ونتف الإبط وحلق العانةْ والختان، وكانوا يقطعون يد السارق اليمنى.
أحياء العرب وقبائلهم
وقد قسمت المؤرخون العرب إلى ثلاثة أقسام بائدة وعاربة ومستعربة.
أما البائدة فهم العرب الأول، الذين ذهبت عنا تفاصيل أخبارهم، لتقادم عهدهم، وهم عاد وثمود وجرهم الأولى، وكانت على عهد عاد، فبادوا ودرست أخبارهم، وأما جرهم الثانية فهم من ولد قحطان، وبهم اتصل إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، ولم يبق من ذكر العرب البائدة إلا القليل، على ما نذكره الآن. وأما
العرب العاربة
، فهم عرب اليمن، من ولد قحطان.
وأما العرب المستعربة فهم ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
ما نقل من أخبار العرب البائدة
وهم طسم وجديس، وكانت مساكن هاتين القبيلتين في اليمامة من جزيرة العرب. وكان الملك عليهم في طسم، واستمروا على ذلك برهة من الزمان، حتى انتهى الملك من طسم إلى رجل ظلوم غشوم، قد جعل سنّته أن لا تُهدى بكْر من جديس إلى بعلها حتى يدخل عليها فيفترعها، ولما استمر ذلك على جديس، أنفوا منه واتفقوا على أن دفنوا سيوفهم في الرمل، وعملوا طعاماً للملك، ودعوه إليه، فلما حضر في خواصه من طسم، عمدت جديس إلى سيوفهم، وقتلوا الملك، وغالبوا طسم، فهرب رجل من طسم وشكا إلى تبع ملك اليمن، وقيل هو حسان بن سعد، واستنصر به، وشكا ما فعله جديس بملكهم، فسار ملك اليمن إلى جديس، وأوقع بهم فأفناهم، فلم يبق لطسم وجديس ذكر بعد ذلك.
العرب العاربة
وهم بنو قحطان بن عابر بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح، فمنهم بنو جرهم بن قحطان، وكانت مساكنهم بالحجاز، ولما اسكن إبراهيم الخليل ابنه إسماعيل عليهما السلام مكة، كانت جرهم نازلين بالقرب من مكة، فاتصلوا بإسماعيل وتزوج منهم، وصار من ولد إسماعيل العرب المستعربة لأن أصل إسماعيل ولسانه كان عبرانياً، ولذلك قيل له ولولده
العرب المستعربة.
وأما ملوك جرهم فقد تقدم ذكرهم في الفصل الرابع مع ملوك العرب.
ومن العرب العاربة بنو سبأ واسم سبأ عبد شمس، فلما أكثر الغزو والسبي سمي سبأ، وهو ابن يشحب بن يعرب بن قحطان، وقد مر نسب قحطان، وكان لسبأ عدّة أولاد، فمنهم حمير وكهلان وعمرو وأشعر.
وعاملة بنو سبأ، وجميع قبائل عرب اليمن وملوكها التبابعة، من ولد سبأ المذكور، وجميع تبابعة اليمن من ولد حمير بن سبأ، خلا عمران وأخيه مزيقيا، فإنهما ابنا عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، والأزد من ولد كهلان بن سبأ، وفي ذلك خلاف، أما التبابعة فقد تقدم ذكرهم في الفصل الرابع مع ملوك العرب، فأغنى عن الإعادة، وأمّا هنا فنذكر أحياء عرب اليمن وقبائلهم المنسوبين إلى سبأ المذكور، ونبدأ بذكر بني حمير بن سبأ، فإذا انتهوا، ذكرنا كهلان بن سبأ، وكذلك حتى نأتي على ذكر بني سبأ إن شاء الله تعالى.
بني حمير بن سبأ من بني حمير التبابعة ملوك اليمن، وقد تقدم ذكرهم في الفصل الرابع، ومنهم: قضاعة، وهو قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ، وقيل قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ، وكان قضاعة المذكور مالكاً لبلاد الشحر، وقبر قضاعة في جبل الشحر.
ومن قضاعة أيضاً كلب وهم بنو كلب بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة، وكانت بنو كلب في الجاهلية ينزلون دومة الجندل وتبوك وأطراف الشام. ومن مشاهير كلب زهير بن جباب الكلبي، وقد ذكره صاحب كتاب الأغاني وأورد له شعراً، ومنهم: زهير بن شريك الكلبي وهو القائل:
ألا أصبحت أسماء في الخمر تعذل
…
وتزعم أني بالسفاه موكل
فقلت لها كفى عتابك نصطبح
…
وإلا فبيني فالتعزب أمثل
ومنهم: حارثة الكلب، وهو أبو زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد أصاب ابنه زيداً شبي في الجاهلية، فصار إِلى خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فوهبته من النبي عليه السلام، وأنشد ابن عبد البر في كتاب الصحابة لحارثة المذكور يبكي ابنه زيد لما فقده:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل
…
أحي يرجى أم أتى دونه الأجل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها
…
ويعرض ذكراه إذا قارب الطفل
وإن هبّت الأرواح هيجن ذكره
…
فيا طول ما حزني عليه ويا وجل
ثم اجتمع بزيد أبوه حارثة، وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختاره على أبيه وأهله.
ومن قبائل قضاعة بلي ومن قبائل قضاعة
تنوخ، وكان بينهم وبين اللخميين ملوك الحيرة حروب، ومن قضاعة بهرا، ومن قضاعة جهينة وهي قبيلة عظيمة ينسب إليها بطون كثيرة، وكانت منازلها بأطراف الحجاز الشمالي، من جهة بحر جدة.
ومن قبائل قضاعة بنو سليح، وكان لهم بادية الشام، فغلبتهم عليها ملوك غسان، وأبادوا بني سليح.
ومن قبائل قضاعة بنو نهد، رمن مشاهيرهم الصقعب بن عمرو النهدي، وهو أبو خالد بن الصقعب، وكان رئيساً في الإسلام.
ومن قضاعة بنو عذرة، ومنهم عروة بن حزام، وجميل صاحب بثينة.
ومن بطون حمير بنو شعبان، ومنهم الشعبي الفقيه، واسمه عامر. انتهى الكلام في بني حمير بن سبأ بني كهلان بن سبأ وصار من بني كهلان المذكور أحياء كثيرة، والمشهور منها سبعة وهي: الأزد، وطي، ومدحج، وهمذان، وكندة، ومراد، وأنمار، أما الأزد فهم من ولد الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ. ولنذكر قبائل الأزد حتى ينتهوا، ثم نذكر قبائل طي، ثم مذحج، ثم من بعده إلى آخرهم.
أما قبائل الأزد فمنهم: الغساسنة ملوك الشام، وهم بنو عمرو بن مازن بن الأزد، ومن الأزد الأوس والخزرج أهل يثرب، والمسلمون منهم هم الأنصار، رضي الله عنهم،. ومن الأزد: خزاعة وبارق ودوس والعتيك وغافق، فهؤلاء بطون الأزد.
أما خزاعة فإنها لما انخزعت عن غيرها من قبائل اليمن الذين تفرقوا بأيدي سبأ من سيل العرم، ونزلت ببطن مر على قرب من مكة، سميت خزاعة، وحصل لهم سدانة البيت والرياسة ولما أصطلح رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش في عام الحديبية، دخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعهده، وقد اختلف في نسب خزاعة بين المعدية واليمانية، والأكثر أنها يمانية، والذي تنسب إليه خزاعة هو كعب ابن عمرو بن لحي بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وقد تقدم ذكر عمرو مزيقياء في الفصل الرابع مع تبابعة اليمن. ما زالت سدانة البيت في خزاعة، حتى انتهت إلى رجل منهم يقال له أبو عبثان، وكان في زمان قصي بن كلاب، فاجتمع مع قصي في الطائف على شرب فأسكره قصي، وخدع أبا عبثان الخزاعي المذكور، واشترى منه مفاتيح الكعبة بزق خمر وأشهد عليه، فتسلم قصي المفاتيح، وأرسل ابنه عبد الدار بن قصي بها إلى مكة، فلما وصل إليها رفع صوته وقال: معاشر قريش، هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل عليه السلام، قد ردها الله عليكم من غير عار ولا ظلم فلما صحا أبو لبثان ندم حيث لا ينفعه الندم، فقيل أخسر من أبي عبثان، وأكثرت الشعراء القول في ذلك فمنه:
باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت
…
بزق خمر فبئست صفقة البادي
باعت سدانتها بالنزر وانصرفت
…
عن المقام وظل البيت والنادي
وجمع قصي أشتات قريش وظهر على خزاعة، وأخرجها عن مكة، إلى بطن مر.
ومن خزاعة: بنو المصطلق الذين غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما بارق: فهم من ولد عمرو مزيقياء الأزدي. نزلوا جبلاً بجانب اليمن يقال له بارق، فسموا به. ومن مشاهيرهم معقر بن حمار البارقي، ذكره صاحب الأغاني، وهو صاحب القصيدة التي من جملتها البيت المشهور:
وألقت عصاها واستقر بها النوى
…
كما قر عيناً بالإياب المسافر
وأما دوس: فهو ابن عدنان بن عبد الله بن وهزان بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد. وسكنت بنو دوس إحدى الشروات المطلة على تهامه، وكانت لهم دولة بأطراف العراق، وأول من ملك منهم: مالك بن فهم بن غنم ابن دوس. وقد تقدم ذكر مالك بن فهم المذكور، ومن ملك بعده في الفصل الرابع، المشتمل على ذكر ملوك العرب.
ومن الدوس أبو هريرة وقد اختلف في اسمه، والأكثر أن اسمه عمير بن عامر، وأمّا العتيك وغافق فقبيلتان مشهورتان في الإسلام، وهم من ولد الأزد.
ومن الأزد أيضاً بنو الجلندى ملوك عمان، والجلندى لقب لكل من ملك منهم عمان، وكان ملك عمان في أيام الإسلام قد انتهى إلى حبقر وعبد ابني الجلندى وأسلما مع أهل عمان على يد عمرو بن العاص. انتهى الكلام في الأزد.
الحي الثاني من بني كهلان وهم قبائل طي، ولما تفرقت اليمن بسبب سيل العرم، نزلت طي بنجد الحجاز، في جبلي أجأ وسلمى، فعرفا بجبلي طي إلى يومنا هذا.
وأما طي فهو أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ.
فمن بطون طي جديلة وتيهان وبولان وسلامان وهني وسدوس بضم السين.
وأمّا سدوس التي في قبائل ربيعة بن نزار، فمفتوحة السين.
ومن سلامان بنو بحتر ومن هني إياس بن قبيصة الذي ملك بعد النعمان، ومن طي عمرو بن المشيح وهو من بني ثعل الطائي، وكان عمرو أرمى وقته، وفيه يقول امرؤ القيس:
رب رام من بني ثعله
…
مخرج كفيه من ستره
ومن بني ثعل الطائي أيضاً: زيد الخيل، وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير.
ومن طي حاتم طي المشهور بالكرم.
وأما الحي الثالث من بني كهلان، فهم بنو مذحج مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ. ولمذحج بطون كثيرة، فمنها: خولان وجنب، ومن جنب معاوية الخير الجنبي صاحب لواء مذحج في حرب بني وائل، وكان مع تغلب، وكان مذحج أود قبيلة الأفوه الأودي الشاعر، ومن مذحج بنو سعد العشيرة، وسمي بذلك لأنه لم يمت حتى ركب معه من ولده
وولد ولده ثلاثمائة رجل، وكان إذا سئل عنهم يقول: هؤلاء عشيرتي، دفعاً للعين عنهم، فقيل له سعد العشيرة لذلك، ومن بطون سعد العشيرة جعف وزبيد قبيلة عمرو بن معدي كرب ومن بطون مذحج أيضاً النخع ومنهم الأشتر النخعي، واسمه مالك بن الحارث، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن النخع سنان بن أنس قاتل الحسين، ومنهم أيضاً القاضي شريك، ومن مذحج عنس بالنون، وهي قبيلة الأسود الكذاب الذي ادعى النبوة باليمن، وعنس أيضاً رهط عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الحي الرابع من بني كهلان وهم همدان فهم من ولد ربيعة بن حيان بن مالك بن زيد بن كهلان، ولهم صيت في الجاهلية والإسلام.
وأما الحي الخامس من بني كهلان وهم كندة، فهم بنو ثور وثور المذكور هو كندة بن عفير بن الحارث من ولد زيد بن كهلان، وسمي كندة لأنه كندابا، أي كفر نعمته، وبلاد كندة باليمن تلي حضرموت، وقد تقدم ذكر ملوك كندة في الفصل الرابع عند ذكر ملوك العرب، ومن كندة حجر بن عدي صاحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو الذي قتله معاوية صبراً، ومنهم القاضي شريح، ومن بطون كندة السكاسك والسكون بنو شرس بن كندة، فمن السكون معاوية بن خديج قاتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما، ومنهم حصين بن نمير السكوني، الذي صار صاحب جيش يزيد بن معاوية بعد مسلم بن عقبة، نوبة وقعة الحرة بظاهر مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما الحي السادس من أحياء بني كهلان وهم بنو مراد فبلادهم إلى جانب زبيد، من جبال اليمن، وإليه ينتسب كل مرادي من عرب اليمن.
وأما الحي السابع من أحياء بنو كهلان فهم بنو أنمار بن كهلان ولأنمار فرعان، وهما بجيلة وخثعم، وبجيلة هي رهط جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقال لجرير المذكور يوسف الأمة، لحسنه، وفيه قيل:
لولا جرير هلكت بجيلة
…
نعم الفتى وبئست القبيلة
انتهى الكلام في بني كهلان بن سبأ.
بني عمرو بن سبأ أما القبائل المنتسبة إلى عمرو بن سبأ فمنهم: لخم بن عدي بن عمرو بن سبأ، ومن لخم بنو الدار رهط تميم الداري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لخم المناذرة ملوك الحيرة، وهم بنو عمرو بن عدي بن نصر اللخمي، وكانت دولتهم من أعظم دول ملوك العرب. وقد تقدم ذكرهم في الفصل الرابع مع باقي ملوك العرب، فأغنى عن الإعادة، ومن
أن المسيح ناسوت كلي، وهو قديم أزلي من قديم أزلي، وقد ولدت مريم إلهاً أزلياً، والقتل والصلب وقعا على الناسوت واللاهوت معاً، وأطلقوا لفظ الأبوة والبنوة على الله تعالى وعلى المسيح حقيقة، وذلك لما وجدوا في الإنجيل: إنك أنت الابن الوحيد، ولما رووا عن المسيح أنه قال حين كان يصلب: أذهب إلى أبي وأبيكم.
وحرموا أريوس لما قال: القديم هو الله تعالى والمسيح مخلوق، واجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة بالقسطنطينية، بمحضر من قسطنطين ملكهم، وكانوا ثلاثمائة ثلاثة عشر رجلاً، واتفقوا على هذه الكلمة اعتقاداً ودعوة وذلك قولهم: نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى، وبالابن الواحد يسوع المسيح ابن الله الواحد بكر الخلائق كلها، وليس بمصنوع، إله حق من إله حق، من جوهر أبيه، الذي بيده اتفقت العوالم، وكل شيء الذي من أجلنا وأجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسد من روح القدس، وولد من مريم البتول، وصلب ودفن ثم قام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء، ونؤمن بروح القدس الواحد، روح الحق الذي يخرج من أبيه، وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا، وبجماعة واحدة قدسية مسيحية جاثليقية، وبقيام أبداننا، وبالجياة الدائمة أبد الآبدين.
هذا هو الاتفاق الأول على هذه الكلمات، ووضعوا شرائع النصارى واسم الشريعة عندهم الهيمانوت.
وأما النسطورية فهم أصحاب نسطورس، وهم عند النصارى كالمعتزلة عندنا، خالفت النسطورية الملكانية في اتحاد الكلمة، فلم يقولوا بالامتزاج، بل إن الكلمة أشرقت على جسد المسيح كإشراق الشمس في كوة، أو على بلور، وقالت النسطورية أيضاً: إن القتل وقع على المسيح من جهة ناسوته، لا من جهة لاهوته، خلافاً للملكانية.
وأما اليعقوبية وهم أصحاب يعقوب البردغادي وكان راهباً بالقسطنطينية، فقالوا إن الكلمة انقلبت لحماً ودماً، فصار الإله هو المسيح.
قال ابن حزم: واليعقوبية يقولون: إن المسيح هو الله قتل وصلب ومات، وإن العالم بقي ثلاث أيام بلا مدبر، وعنهم أخبر القرآن العزيز بقوله تعالى:" لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم "" المائدة: 72، " ومن كتاب ابن سعيد المغربي قال: البطارقة للنصارى بمنزلة الأئمة أصحاب المذاهب للمسلمين، والمطارنة مثل القضاة، والأساقفة مثل المفتين، والقسيسون بمنزلة القراء، والجاثليق بمنزلة الإمام الذي يؤم في الصلاة، والشمامسة بمنزلة المؤذنين وقومة المساجد، وأما صلوات النصارى فإنها سبع، عند الفجر والضحى والظهر والعصر والمغرب والعشاء ونصف الليل، يقرؤون فيها بالزبور المنزل على داود تبعاً لليهود في ذلك، والسجود في صلاتهم غير محدود، قد يسجدون في الركعة الواحدة خمسين سجدة، ولا يتوضؤون للصلاة، وينكرون الوضوء على المسلمين واليهود، ويقولون الأصل طهارة القلب.
ومما نقلناه من كتاب نهاية الإدراك في دراية الأفلاك للخرقي في الهيئة، أن للنصارى أعياداً وصيامات، فمنها صومهم الكبير، وهو صوم تسعة وأربعين يوماً، أولها يوم الاثنين وهو أقرب اثنين إلى الاجتماع الكائن فيما بين اليوم الثاني من شباط، إلى اليوم الثامن من آذار، فأي اثنين كان أقرب إليه، إما قبل الاجتماع وإما بعده، فهو رأس صومهم، وفطرهم أبداً يكون يوم الأحد الخمسين من هذا الصوم، وسبب تخصيصهم هذا الوقت بالصوم، أنهم يعتقدون أن البعث والقيامة في مثل يوم الفصح، وهو اليوم الذي قام فيه المسيح من قبره بزعمهم.
ومن أعيادهم الشعانين الكبير وهو يوم الأحد الثاني والأربعون من الصوم، وتفسير الشعانين التسبيح، لأن المسيح دخل يوم الشعنينة المذكورة إلى القدس، راكب أتان يتبعها جحش، فاستقبله الرجال والنساء والصبيان وبأيديهم ورق الزيتون، وقرؤوا بين يديه التوراة إلى أن دخل بيت المقدس، واختفى عن اليهود يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء، وغسل في يوم الأربعاء أيدي صحابه الحواريين وأرجلهم، ومسحها في ثيابه، وكذلك يفعله القسيسون بأصحابهم في هذا اليوم، ثم أفصح في يوم الخميس بالخبز والخمر، وصار إلى منزل واحد من أصحابه، ثم خرج المسيح ليلة الجمعة إلى الجبل، فسعى به يهوذا وكان أحد تلامذته إلى كبراء اليهود، وأخذ منهم ثلاثين درهماً رشوة، ودلهم عليه، فألقى الله شبه المسيح على المذكور، فأخذوه وضربوه ووضعوا على رأسه إكليلاً من الشوك، وأنالوه كل مكره وعذبوه بقية تلك الليلة، أعني ليلة الجمعة إلى أن أصبحوا فصلبوه بزعمهم أنه المسيح، على ثلاث ساعات من يوم الجمعة، على قول متى ومرقوس ولوقا، وأما يوحنا فإنه زعم أنه صلب على مضي ست ساعات من النهار المذكور، ويسمى جمعة الصلوب وصلب معه لصان على جبل يقال له الجمجمة واسمه بالعبرانية كاكله وماتوا على ما زعموا في الساعة التاسعة، ثم استوهب يوسف النجار، وهو ابن عم مريم المسيح من قائد اليهود هيروذس، واسمه فيلاطوس، وكان ليوسف المذكور منزلة ومكانة عنده فوهبه إياه فدفنه يوسف في قبر كان أعده لنفسه، وزعمت النصارى أنه مكث في القبر ليلة السبت ونهار السبت وليلة الأحد ثم قام صبيحة يوم الأحد الذي يفطرون فيه، ويسمون النصارى ليلة السبت بشارة الموتى بقدوم المسيح.
ولهم الأحد الجديد وهو أول أحد بعد الفطر، ويجعلونه مبدأ للأعمال وتاريخاً للشروط والقبالات.
ولهم عيد السلاقا ويكون يوم الخمسين، بعد الفطر بأربعين يوماً، وفيه تسلق المسيح مصعداً إِلى السماء، من طور سيناء.
ولهم عيد الفنطي قسطي وهو يوم الأحد بعد السلاقا بعشرة أيام. واسمه مشتق من الخمسين بلسانهم، وفيه تجلى المسيح لتلامذته وهم السليحيون، ثم تفرقت ألسنتهم وتوجهت كل فرقة إلى موضع لغتها.
ولهم الدنح وهو سادس كانون الثاني، وهو اليوم الذي غمس فيه يحيى بن زكريا الميسح في نهر الأردن.
من قصيدته التي منها:
وكنا ولاة البيت من بعد نابت
…
نطوف بذاك البيت والأمر ظاهر
ومنها:
كأن لم يكن بين الحجون إِلى الصفا
…
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
إلى نحن كنا أهلها فأبادنا
…
صروف الليالي والجدود العواثر
ثم ولد لقيذار ابنه حمل بن قيذار، ثم ولد لحمل نبت بن حمل، ويقال له نابت، وقيل نبت بن قيذار، وقيل نبت بن إِسماعيل وفي ذلك خلاف كثير، ثم ولد لنبت سلامان بن نبت، ثم ولد لسلامان الهميسع بن سلامان بن نبت، ثم ولد للهميسع اليسع بن الهميسع، ثم ولد لليسع أدد بن اليسع بن الهميسع، ثم ولد لأدد ابنه أد بن أدد، ثم ولد لأد ابنه عدنان بن أد بن أدد، وقيل عدنان بن أدد، ثم ولد لعدنان معد، ثم ولد لمعد نزار، ثم ولد لنزار أربعة منهم مضر على عمود النسب النبوي وثلاثة خارجون عن عمود النسب، أولهم إِياد، وكان أكبر من مضر، وإلى إِياد بن نزار المذكور يرجع كل إِيادي من بني معد، وفارق إِياد الحجاز وسار بأهله إِلى أطراف العراق، فمن بني إِياد كعب بن مامة الإيادي، وكان يضرب بجوده المثل، وقس بن ساعدة الإيادي، وكان يضرب بفصاحته المثل.
والثاني من بني نزار ربيعة بن نزار، ويعرف بربيعة الفرس، لأنه ورث الخيل من ماله أبيه، وولد لربيعة المذكور أسد وضبيعة ابنا ربيعة، فولد لأسد جديلة وعنزة، ومن جديلة وائل، ومن وائل بكر وتغلب ابنا وائِل، فمن تغلب كليب ملك بني وائِل الذي قتله جساس، فهاجت بسبب قتله الحرب بين بني وائِل وبين بني بكر وبين بني تغلب حسبما تقدم ذكره في الفصل الرابع، ومن بكر بن وائل بنو شيبان، ومن رجالهم مرة وابنه جساس قاتل كليب، وطرفة بن العبد الشاعر، ومن بكر أيضاً المرقشان الأكبر والأصغر، ومن بكر بن وائل أيضاً بنو حنيفة، ومنهم مسيلمة الكذاب.
وأما عنزة بن أسد بن ربيعة المذكور، فمنه بنو عنزة، وهم أهل خيبر، ومن بني عنزة القارظان.
وأما ضبيعة بن ربيعة فمن ولده المتلمس الشاعر، ومن قبائِل ربيعة النمر ولجيم والعجل وبنو عبد القيس، وهو من ولد أسد بن ربيعة، ومن بني ربيعة سدوس واللهازم.
والثالث أنمار بن نزار، ومضى أنمار إلى اليمن فتناسل بنوه بتلك الجهات، وحسبوا من العرب اليمانية، ثم ولد لمضر المقدم الذكر إِلياس بن مضر على عمود النسب، وولد له خارجاً عن عمود النسب قيس عيلان بن مضر، ويقال: قيس بن عيلان بن مضر، وعيلان بالعين المهملة، قيل إِن عيلان فرسه، وقيل كلبه، وقيل بل عيلان هو أخو إِلياس، واسم عيلان إِلياس بن مضر، وولد لعيلان قيس بن عيلان، وقد جعل الله تعالى لقيس المذكور من الكثرة أمراً عظيماً، فمن ولده: قبائل هوازن ومن هوازن
بنو سعد بن بكر بن هوازن الذين كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيعاً، ومن قبائل قيس بنو كلاب وصار منهم أصحاب حلب، وكان أولهم صالح بن مرادس، ومن قيس قبائل عقيل الذين كان منهم ملوك المَوْصِل، المقلد وقرواش وغيرهما، ومن ولد قيس أيضاً بنو عامر وصعصعة وخفاجة، وما زالت لخفاجة إِمرة العراق من قديم وإلى الآن، ومن هوازن أيضاً بنو ربيعة بن عامر بن صَعْصَعة بن معاوية بنٍ بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. ومن هوازن أيضاً جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، ومن جشم دريد ابن الصمة، ومن قيس أيضاً بكر وبنو هلال وثقيف، واسم ثقيف عمرو بن منبه بن بكر بن هوازن، وقد قيل: إِن ثقيفاً من إِياد، وقيل من بقايا ثمود، وهم هل الطائف.
ومن قيس أيضاً بنو نمير وبأهلة ومازن وغطفان، وهو ابن سعد بن قيس عيلان، ومن قيس أيضاً بنو عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وكان بين عبس وذبيان حرب داحس المقدم ذكرها في الفصل الرابع، ومن بني عبس أيضاً عنترة العبسي ودعاه أبوه شداد بعد الكبر، ومن قيس أشجع، وهم أيضاً من ولد غطفان. ومن قيس أيضاً قبائل سليم، ومن قيس أيضاً بنو ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان. ومن بني ذبيان المذكورين بنو فزارة، فمنهم حصن بن حذيفة بن بدر الذي يمدحه زهير بقوله شعر:
تراه إِذا ما جئته متهللا
…
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وأسلم حصن، ثم نافق، وكان بين بني ذبيان وبين عبس الحرب المشهورة بحرب داحس، وهو اسم حصان تسابقوا به واختلفوا بسبب السباق، فثارت الحرب بينهم أربعين عاماً، ومن بني ذبيان أيضاً النابغة الذبياني الشاعر المشهور. ومن قبائل قيس عدوان بن عمرو بن قيس عيلان، وكانوا ينزلون الطائف قبل ثقيف، ومنهَم ذو الإصبع العدواني الشاعر.
انتهى الكلام على قيس بن مضر الخارج عن عمود النسب.
ولنرجع إلى ذكر إلياس بن مضر. وولد لإلياس مدركة على عمود النسب، وولد له خارجاً عن عمود النسب طابخة بن إِلياس، وبعضهم ينسب مدركة وطابخة إِلى أمهما خندف، واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن إِلحاف بن قضاعة، وجميع ولد إلياس من خندف المذكورة، وإليها ينسبون دون أبيهم، فيقولون بنو خندف، ولا يذكرون إِلياس بن مضر، وصار من طابخة الخارج عن عمود النسب عدة قبائل، فمنهم بنو تميم بن طابخة والرباب وبنو ضبة وبنو مزينة، وهم بنو عمرو بن إِد بن طابخة، نسبوا إِلى أمهم مزينة ابنة كلب بن وبرة، ثم ولد لمدركة ابن إِلياس المذكور خزيمة بن مدركة على عمود النسب، وولد لمدركة خارجاً عن عمود النسب هذيل بن مدركة، ومن هذيل المذكور جميع قبائل الهذليين.
فمنهم عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو ذؤيب الهذلي الشاعر، وغيره، ثم ولد لخزيمة بن مدركة المذكور كنانة بن خزيمة على عمود النسب، وولد له خارجاً عن عمود النسب الهون وأسد ابنا خزيمة، فمن الهون عضل وهي قبيلة أبوهم عضل بن الهون بن خزيمة، ومنه أيضاً الديش بن الهون، وهو أخو عضل، ويقال لهاتين القبيلتين وهما عضل والديش القارة. وأما أسد بن خزيمة فمنه الكاهلية ودودان وغيرهما، وإليه يرجع كل أسدي، ثم ولد لكنانة بن خزيمة المذكور النضر بن كنانة على عمود النسب، وكان للنضر المذكور عدة أخوة ليسوا على عمود النسب، وهم ملكان وعبد مناة وعمرو وعامر ومالك أولاد كنانة، فصار من ملكان بنو ملكان، وصار من عبد مناة عدة بطون وهم: بنو غفار رهط أبي ذر. وبنو بكر، ومن بني بكر الدئل رهط أبي الأسود الدؤلي، ومن بطون عبد مناة أيضاً بنو ليث وبنو الحارثة وبنو مدلج وبنو ضمرة، وصار من عمرو بن كنانة العمريون.
ومن أخيث عامر العامريون. ومن مالك ين كنانة بنو فراس. ومن بطون كنانة الأحابيش، وكان الحليس بن عمرو ريس الأحابيش نوبة أحد، ومن لم يقف على ذلك، إِذا سمع ذكر الأحابيش في نوبة أحد، ظن أنهم من الحبشة، وليس كذلك، بل هم عرب من بني كنانة، كذا ذكره في العقد، وهؤلاء أخوة النضر بن كنانة، وولدهم، وأما النضر المذكور فقد قيل إِنه قريش، والصحيح أن قريشاً هم بنو فهر الذي سنذكره، وولد لنضر المذكور مالك بن النضر على عمود النسب، ولم يشتهر له ولد غيره، ثم ولد لمالك فهر بن مالك على عمود النسب. وفهر المذكور هو قريش، فكل من كان من ولده فهو قرشي، ومن لم يكن من ولده فليس قرشياً، وقيل سمي قريشاً لشدته، تشبيهاً له بدابة من دواب البحر، يقال لها القرش، تأكل دواب البحر وتقهرهم، وقيل إِن قصي بن كلاب لما استولى على البيت وجمع أشتات بني فهر سموا قُرَيشاً، لأنه قرش بني فهر أي جمعهم حول الحرم، فقيل لهم قريش. - كذا نقله ابن سعيد المغربي - فعلى هذا يكون لفظة قريش، اسماً لبني فهر، لا لفهر نفسه، ولم يولد لمالك غير فهر المذكور على عمود النسب، وولد لفهر غالب على عمود النسب، وولد له خارجاً عن عمود النسب ولدان وهما محارب والحارث ابنا فهر، فمن محارب بنو محارب، ومن الحارث بنو الخلج، ومنهم أبو عبيدة بن الجراح أحد العشرة، رضي اللهّ تعالى عنهم، ثم ولد لغالب لؤي على عمود النسب، وولد له خارجاً عن عمود النسب تيم الأدرم، والأدرم الناقص الذقن. ومن تيم المذكور بنو الأدرم، ثم ولد للؤي المذكور ستة أولاد، وهم كعب على عمود النسب، وأخوته الخمسة خارجون عن عمود النسب، وهم سعد وخزيمة والحارث وعامر وأسامة، أولاد لؤي بن غالب، ولكل منهم ولد