المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر القاضي إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي - المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

[النباهي]

فهرس الكتاب

- ‌الْبَاب الأول فِي الْقَضَاء وَمَا ضارعه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْخِصَال الْمُعْتَبرَة فِي الْقُضَاة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي التحذير من الحكم بِالْبَاطِلِ أَو الْجَهْل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الثَّانِي فِي سير بعض الْقُضَاة الماضين وفقر من أنباء الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين

- ‌فصل

- ‌ذكر عبد السَّلَام بن سعيد بن حبيب الملقب بسحنون قَاضِي إفريقية

- ‌ذكر القَاضِي ابْن سماك الهمذاني

- ‌ذكر القَاضِي إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد الْأَزْدِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي عمر مُحَمَّد بن يُوسُف

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر الباقلاني

- ‌ذكر القَاضِي عبد الْوَهَّاب

- ‌ذكر القَاضِي مهْدي بن مُسلم

- ‌ذكر القَاضِي عنترة بن فلاح

- ‌ذكر القَاضِي يحيى بن زيد

- ‌ذكر القَاضِي مُعَاوِيَة بن صَالح الْحَضْرَمِيّ

- ‌ذكر القَاضِي نصر بن ظريف الْيحصبِي

- ‌ذكر القَاضِي يحيى بن معمر

- ‌ذكر القَاضِي المصعب بن عمرَان

- ‌نبذ من أَخْبَار مُحَمَّد بن بشير الْمعَافِرِي وَبَعض سيره

- ‌ذكر القَاضِي الْفرج بن كنَانَة

- ‌ذكر القَاضِي سعيد بن سُلَيْمَان الغافقي

- ‌ذكر القَاضِي معَاذ بن عُثْمَان الشَّعْبَانِي

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن زِيَاد اللَّخْمِيّ

- ‌نبذ من أَخْبَار سُلَيْمَان بن الْأسود الغافقي

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عِيسَى

- ‌فصل

- ‌ذكر القَاضِي أسلم بن عبد الْعَزِيز

- ‌ذكر القَاضِي أَحْمد بن عبد الله بن أبي طَالب

- ‌ذكر القَاضِي أَحْمد بن بَقِي بن مخلد

- ‌ذكر مُنْذر بن سعيد ونبذ من أخباره

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن السَّلِيم

- ‌نبذ من أنباء مُحَمَّد بن يبْقى بن زرب

- ‌ذكر الْحسن بن عبد الله الجذامي قَاضِي رية

- ‌ذكر القَاضِي ابْن برطال وَالْقَاضِي أبي الْعَبَّاس بن ذكْوَان

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْمطرف بن فطيس

- ‌ذكر القَاضِي يحيى بن وَافد اللَّخْمِيّ

- ‌ذكر مُحَمَّد بن الْحسن الجذامي النباهي قَاضِي مالقة

- ‌ذكر القَاضِي إِسْمَاعِيل بن عباد وَابْنه مُحَمَّد

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْوَلِيد سُلَيْمَان الْبَاجِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْوَلِيد يُونُس بن مغيث

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن مَنْظُور

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْأَصْبَغ عِيسَى بن سهل

- ‌ذكر القَاضِي مُوسَى بن حَمَّاد

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن أَحْمد بن رشد

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأنْصَارِيّ المالقي

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن المالقي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْفضل عِيَاض الْيحصبِي

- ‌ذكر عِيسَى بن الملجوم قَاضِي فاس

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحَاج

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم بن حمدين

- ‌ذكر القَاضِي حمدين بن حمدين

- ‌ذكر القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله الوحيدي

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ الْمعَافِرِي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْمطرف عبد الرَّحْمَن الشّعبِيّ

- ‌ذكر القَاضِي عبد الْحق بن غَالب بن عَطِيَّة

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن سماك العاملي

- ‌ذكر القَاضِي عبد الْمُنعم بن الْفرس

- ‌ذكر القَاضِي الْحسن بن هاني اللَّخْمِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن أبي زمنين

- ‌ذكر القَاضِي ابْن رشد الْحَفِيد

- ‌ذكر القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله بن حوط الله الْأنْصَارِيّ

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن النباهي

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن حسن بن صَاحب الصَّلَاة

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْخطاب أَحْمد بن وَاجِب الْقَيْسِي

- ‌ذكر القَاضِي إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْأنْصَارِيّ الغرناطي

- ‌ذكر القَاضِي أَحْمد بن يزِيد بن بقى الْأمَوِي

- ‌ذكر القَاضِي ربيع بن عبد الرَّحْمَن بن ربيع الْأَشْعَرِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي الرّبيع سُلَيْمَان الكلَاعِي

- ‌ذكر القَاضِي أَحْمد بن الغماز

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله بن عَسْكَر

- ‌ذكر القَاضِي يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن ربيع الْأَشْعَرِيّ

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن غَالب الْأنْصَارِيّ

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن أضحى الْهَمدَانِي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن ربيع الْأَشْعَرِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد الأشبرون

- ‌ذكر القَاضِي غَالب بن حسن بن سيد بونة

- ‌ذكر القَاضِي أَحْمد بن الْحسن الجذامي

- ‌ذكر القَاضِي أبي عَليّ بن النَّاظر

- ‌ذكر القَاضِي الْحسن بن الْحسن الجذامي النباهي

- ‌ذكر القَاضِي أبي جَعْفَر المزدغي وَبَعض قُضَاة فاس بعده

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن يَعْقُوب المرسي

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله بن عبد الْملك المراكشي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْعَبَّاس الغبريني

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله بن عبد الْمُهَيْمِن الْحَضْرَمِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي إِسْحَاق الغافقي

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد اللَّخْمِيّ الْقُرْطُبِيّ

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن مَنْصُور التلمساني

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ الْجُزُولِيّ ابْن الْحَاج

- ‌ذكر القَاضِي أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم التسولي شَارِح الرسَالَة

- ‌ذكر القَاضِي أبي تَمام غَالب بن سيد بونة الْخُزَاعِيّ

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هِشَام

- ‌ذكر القَاضِي أبي جَعْفَر أَحْمد بن فركون

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر يحيى بن مَسْعُود الْمحَاربي وَابْنه أبي يحيى

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن يحيى بن بكر الْأَشْعَرِيّ

- ‌ذكر القَاضِي عُثْمَان بن مَنْظُور

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَيَّاش

- ‌ذكر القَاضِي أبي جَعْفَر أَحْمد بن برطال

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم الْخضر بن أبي الْعَافِيَة

- ‌ذكر القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله بن يحيى الْأنْصَارِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن شبرين

- ‌ذكر القَاضِي أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يحيى بن زَكَرِيَّاء

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن عبيد الله بن مَنْظُور الْقَيْسِي

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الطنجالي

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام المنستيري

- ‌ذكر القَاضِي أبي البركات الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاج البلفيقي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم بن سَلمُون

- ‌ذكر القَاضِي أبي عَمْرو عُثْمَان بن مُوسَى الْجَانِي

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله الْمقري التلمساني

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد الفشتالي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم الشريف الغرناطي

الفصل: ‌ذكر القاضي إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي

فِي بليتي.، وَكنت أَيَّام تِلْكَ المحنة. وَلما تَابَ الْأَمِير وتخلى عَن الْملك وَتوجه للْجِهَاد، أَتَاهُ عِيسَى بن مِسْكين؛ فَقَالَ لَهُ: إِن الله عافاك مِمَّا كنت فِيهِ. فشاركني فِي الْخُرُوج عَمَّا أدخلتني فِيهِ؛ فقد كبر سني، وَضعف بدني. وعَلى الْأَثر وَقع انْفِصَاله. وَكَانَت ولَايَته ثَمَانِيَة أَعْوَام وَنصف عَام.

‌ذكر القَاضِي ابْن سماك الهمذاني

وَولى من أَصْحَاب سَحْنُون الْقَضَاء بإفريقية أَبُو الْقَاسِم حماس بن مَرْوَان بن سماك الهمذاني الْفَقِيه الزَّاهِد. وَكَانَ من زهده وتواضعه يفتح الْقَنَاة بِنَفسِهِ، على مَا حَكَاهُ عِيَاض وَغَيره، وَيكسر الْحَطب على بَاب دَاره، وَالنَّاس حوله يختصمون إِلَيْهِ ويسألونه. وَكَانَ يلبس الصُّوف الخيش. وَلم يركب دَابَّة فِي الْبَلَد، أَيَّام ولَايَته؛ فَإِذا خرج إِلَى منزله بالبادية على حمَار، يشْتَد دون خف، يتقوت مِمَّا يَأْتِيهِ من مَاله؛ وَلم يَأْخُذ على الْقَضَاء أجرا.

‌ذكر القَاضِي إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد الْأَزْدِيّ

وَمن أيمة الْفِقْه على مَذْهَب مَالك بن أنس، ومشيخة الحَدِيث، وأعلام الْقُضَاة، إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد الْأَزْدِيّ. قَالَ الفرغاني التأريخي: لَا نعلم أحدا من أهل الدُّنْيَا بلغ مبلغ آل حَمَّاد بن زيد، وَلم يصل أحد من الْقُضَاة إِلَى مَا وصلوا إِلَيْهِ من اتِّخَاذ الْمنَازل، والضياع، وَالْكِسْوَة، والآلة، ونفاذ الْأَمر فِي جَمِيع الْآفَاق. وَمن كتاب تقريب المسالك، بِمَعْرِِفَة أَعْلَام مَذْهَب مَالك، وَقد ذكرهم فِيهِ، فَقَالَ: كَانَت هَذِه الْبَيْت، على كَثْرَة رجالها، وشهرة أعلامها، من أجل بيُوت الْعلم بالعراق، وَأَرْفَع مَرَاتِب السودد فِي الدّين وَالدُّنْيَا؛ وهم نشرُوا هَذَا الْمَذْهَب هُنَاكَ، وعنهم اقتبس وَتردد الْعلم فِي طبقاتهم وبيتهم نَحْو ثَلَاثمِائَة عَام، من زمَان جدهم الإِمَام مُحَمَّد بن زيد وأخيه سعيد. وَلما ولى عبد الله بن سُلَيْمَان الوزارة للمعتضد، وَكَانَ سيء الرَّهْن فيهم لما أَرَادَ الْإِيقَاع بهم وأعمال الْحِيلَة، فَلم يقدر على ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق؛ فَفتح الْبَاب لعبد الله فِي ذَلِك؛ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! بَنو حَمَّاد مشاغيل بِخِدْمَة

ص: 32

السُّلْطَان، وَأَسْبَاب النَّفَقَات، والمظالم عَن الحكم. فَلم يقْدَح ذَلِك فيهم. وَلم يزل بِهِ بعد مُدَّة حَتَّى جعله، وَولى أَبَا حَازِم الْحَنَفِيّ قَضَاء الشرقية، وَعلي بن أبي الشَّوَارِب قَضَاء مَدِينَة الْمَنْصُور؛ وَكَانَ ابْن الطّيب، مؤدب المعتضد، يعظم أَمر آل حَمَّاد، وَيَقُول: حَسبك أَن لَهُم بتادريا سِتّمائَة بُسْتَان؛ غير مَا لَهُم بِالْبَصْرَةِ وَسَائِر النواحي. وَكَانَ فيهم على اتساع الدُّنْيَا رجال صدق وأيمة ورع وَعلم وَفضل. وَفِي إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق المترجم لَهُ أَولا، قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد: هُوَ شيخ المالكيين فِي وقته، وَإِمَام تَامّ الْإِمَامَة، يقْتَدى بِهِ. وَكَانَ النَّاس يصيرون إِلَيْهِ؛ فيقتبس كل فريق مِنْهُ علما لَا يُشَارِكهُ فِيهِ الْآخرُونَ: فِيمَن قوم يحملون الحَدِيث، وَمن قوم يحملون علم الْقُرْآن، وَالْقِرَاءَة، وَالْفِقْه، وَغير ذَلِك. وَقد نقل عَنهُ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي تَذكرته أَشْيَاء من الْعَرَبيَّة. قَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ، وسمى من بلغ دَرَجَة الِاجْتِهَاد، فَقَالَ: وَلم تحصل هَذِه الدرجَة بعد مَالك إِلَّا لإسماعيل القَاضِي. وَذكره الْمُقْرِئ أَبُو عَمْرو الداني فِي طَبَقَات الْقُرَّاء فَقَالَ: أَخذ الْقِرَاءَة عَن قالون؛ وَله فِيهِ حرف. وَحكى أَبُو عَمْرو أَيْضا عَن أبي المثاب القَاضِي قَالَ: كنت عِنْد إِسْمَاعِيل يَوْمًا؛ فَسئلَ لم جَازَ التبديل على أهل التَّوْرَاة، وَلم يجز على أهل الْقُرْآن؛ فَقَالَ: قَالَ الله تَعَالَى فِي أهل التَّوْرَاة: " بِمَا استحفظوا من كتاب الله ". فَوكل الْحِفْظ إِلَيْهِم. وَقَالَ فِي الْقُرْآن: " إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون. " فَلم يجز التبديل عَلَيْهِم. فَذكر ذَلِك الْمحَامِلِي فَقَالَ: مَا سَمِعت كلَاما أحسن من هَذَا. وَقد روى أَن نَصْرَانِيّا سَأَلَ مُحَمَّد بن وضاح عَن هَذِه الْمَسْأَلَة؛ فَأجَاب بِمثل هَذَا الْجَواب. وَحصل لإسماعيل هَذَا فِي الْقُلُوب من الْقبُول مَا لم يحصل لغيره من أهل زَمَانه. قَالَ يُوسُف بن يَعْقُوب: قَرَأت فِي توقيع المعتضد إِلَى عبد الله بن سُلَيْمَان بن وهب الْوَزير: اسْتَوْصِ بالشيخين الخيرين الفاضلين إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق الْأَزْدِيّ ومُوسَى بن إِسْحَاق خيرا؛ فَإِنَّهُمَا مِمَّن، إِذا أَرَادَ الله بِأَهْل الأَرْض سوءا، دفع عَنْهُم بدعائهما!

ص: 33

وَقَالَ يقظويه: كنت عِنْد الْمبرد؛ فَمر بِهِ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق؛ فَوَثَبَ الْمبرد إِلَيْهِ وَقبل يَده وَأنْشد: فَلَمَّا بصرنا بِهِ مُقبلا

حللنا الحبي وابتدرنا القياما فَلَا تنكرن قيامي لَهُ

فَإِن الْكَرِيم يجل الكراما قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وأنشدنا إِسْمَاعِيل القَاضِي لنَفسِهِ: لَا تعتبن على النوائب

فالدهر يرغم كل عَاتب واصبر على حدثانا

إِن الْأُمُور لَهَا عواقب وَلَكِن صَافِيَة قذى

وَلكُل خَالِصَة شوائب كم فُرْجَة مطوية

لَك بَين أثْنَاء النوائب ومسرة قد أَقبلت

من حَيْثُ تنْتَظر المصائب قَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي: مَا عرض لي هم فادح، فَذكرت هَذِه الأبيات، إِلَّا وَوجدت من روح الله مَا يحل عقالي، وينعم بالي؛ ثمَّ تؤول عَاقِبَة مَا أحذره فَاتِحَة مَا أوثره. وَذكر بَعضهم قَالَ: اجْتمع أَبُو الْعَبَّاس بن شُرَيْح القَاضِي، وَأَبُو بكر بن دَاوُود الإصبهاني، وَأَبُو الْعَبَّاس الْمبرد على بَاب القَاضِي إِسْمَاعِيل. فَأذن لَهُم؛ فَتقدم ابْن شُرَيْح، وَقَالَ: قدمني الْعلم وَالسّن وَتَأَخر الْمبرد وَقَالَ: أخرني الْأَدَب وَقَالَ ابْن دَاوُود: إِذا صحت الْمَوَدَّة سَقَطت المعاذير. وَأول مَا ولى قَضَاء الْجَانِب الشَّرْقِي، فِي أَيَّام المتَوَكل، سنة 246، إِلَى سنة 262، فَجمعت لَهُ بَغْدَاد كلهَا؛ فَكَانَ يَدعِي قَاضِي الْقُضَاة. قَالَ وَكِيع فِي كِتَابه فِي الْقُضَاة: وَأما شَدَائِد إِسْمَاعِيل فِي الْقَضَاء، وَحسن مذْهبه فِيهِ، وسهولة الْأَمر عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ يلتبس على غَيره، فَهُوَ شَيْء شهرته تغنى عَن ذكره. وَكَانَ فِي أَكثر أوقاته، وَبعد فروغه من الْخُصُوم، متشاغلاً بِالْعلمِ، لِأَنَّهُ اعْتمد على حَاجِبه أبي عمر مُحَمَّد بن يُوسُف، وَعلي كَاتبه أبي الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بالباز

ص: 34

الْأَشْهب، فَكَانَا يحْملَانِ عَنهُ أَكثر أمره، من لِقَاء السُّلْطَان وَغَيره، وَأَقْبل هُوَ على الحَدِيث وَالْعلم. وَكَانَ شَدِيدا على أهل الْبدع يرى استنابتهم، حَتَّى ذكر أَنهم تحاموا بِبَغْدَاد فِي أَيَّامه، وَخرج دَاوُود بن عَليّ من بَغْدَاد إِلَى الْبَصْرَة لإحداثه منع الْقيَاس. وَحبس أَبَا زيد إِذْ أنكر عَلَيْهِ بعض مَا حدث بِهِ. وَقد تقدم صدر هَذَا الْكتاب أَنه كَانَ يَقُول: من لم تكن لَهُ فراسة، لم يكن لَهُ أَن يَلِي الْقَضَاء. وَقيل لَهُ: لَا تؤلف كتابا فِي أدب الْقَضَاء؟ فَقَالَ: اعْدِلْ وَمد رجليك فِي مجْلِس الْقَضَاء {وَهل للْقَاضِي أدب غير الْإِسْلَام؟ قَالَ أَبُو طَالب الْمَكِّيّ، وَقد ذكره: كَانَ إِسْمَاعِيل من عُلَمَاء الدُّنْيَا، وسَادَة الْقُضَاة، وعقلائهم. وَكَانَ مؤاخياً لأبي الْحسن بن أبي الْورْد أحد عُلَمَاء الْبَاطِن. فَلَمَّا ولي إِسْمَاعِيل الْقَضَاء، هجره ابْن أبي الْورْد. ثمَّ اضْطر أَن دخل عَلَيْهِ فِي شَهَادَة؛ فَضرب بِيَدِهِ كتف إِسْمَاعِيل، وَقَالَ: إِن علما أجلسك هَذَا الْمجْلس، لقد كَانَ الْجَهْل خيرا مِنْهُ} فَوضع إِسْمَاعِيل رِدَاءَهُ على وَجهه، وَبكى حَتَّى بله. وَلما كَانَت محنة غُلَام الْخَلِيل، ومطالبة الصُّوفِيَّة بِبَغْدَاد، ونسبتهم إِلَى الزندقة، وَأمر الْخَلِيفَة بِالْقَبْضِ عَلَيْهِم، وَكَانَ فِيمَن قبض عَلَيْهِ شيخهم إِذْ ذَاك أَبُو الْحسن النَّوَوِيّ، فَلَمَّا دخلُوا على الْخَلِيفَة، أَمر بِضَرْب أَعْنَاقهم؛ فَتقدم النَّوَوِيّ مبتدئاً إِلَى السياف ليضْرب عُنُقه. فَقَالَ لَهُ: مَا دعَاك إِلَى هَذَا دون أَصْحَابك؟ قَالَ آثرت حياتهم على حَياتِي بِهَذِهِ اللحظة {فَرفع الْأَمر إِلَى الْخَلِيفَة؛ فَرد أَمرهم إِلَى قَاضِي الْقُضَاة إِسْمَاعِيل. فَقدم إِلَيْهِ النَّوَوِيّ وَسَأَلَهُ عَن مسَائِل من الْعِبَادَات. فَأَجَابَهُ؛ ثمَّ قَالَ لَهُ: وَبعد هَذَا، لله عباد يسمعُونَ بِاللَّه، وينطقون بِاللَّه، وَيَصْدُرُونَ بِاللَّه، ويردون بِاللَّه، ويأكلون بِاللَّه، وَيلبسُونَ بِاللَّه} فَلَمَّا سمع إِسْمَاعِيل مقَالَته، بَكَى. ثمَّ دخل على الْخَلِيفَة؛ فَقَالَ: إِن كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم زنادقة، فَلَيْسَ فِي الأَرْض موحدون! فَأمر بإطلاقهم. ولإسماعيل جملَة تواليف فِي فنون الْعلم. وَحكى أَنه توفّي فَجْأَة، وَقت صَلَاة الْعشَاء الآخر لثمان بَقينَ فِي ذِي الْحجَّة سنة 383، وَهُوَ قَاض. وَحكى الْكَاتِب ابْن أَزْهَر: ارْتَفع الْمَطَر. فَخرج إِسْمَاعِيل إِلَى الْمصلى؛ فصلى رَكْعَتَيْنِ بسبح " وَهل أَتَاك "

ص: 35