المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نبذ من أخبار محمد بن بشير المعافري وبعض سيره - المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

[النباهي]

فهرس الكتاب

- ‌الْبَاب الأول فِي الْقَضَاء وَمَا ضارعه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْخِصَال الْمُعْتَبرَة فِي الْقُضَاة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي التحذير من الحكم بِالْبَاطِلِ أَو الْجَهْل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الثَّانِي فِي سير بعض الْقُضَاة الماضين وفقر من أنباء الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين

- ‌فصل

- ‌ذكر عبد السَّلَام بن سعيد بن حبيب الملقب بسحنون قَاضِي إفريقية

- ‌ذكر القَاضِي ابْن سماك الهمذاني

- ‌ذكر القَاضِي إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد الْأَزْدِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي عمر مُحَمَّد بن يُوسُف

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر الباقلاني

- ‌ذكر القَاضِي عبد الْوَهَّاب

- ‌ذكر القَاضِي مهْدي بن مُسلم

- ‌ذكر القَاضِي عنترة بن فلاح

- ‌ذكر القَاضِي يحيى بن زيد

- ‌ذكر القَاضِي مُعَاوِيَة بن صَالح الْحَضْرَمِيّ

- ‌ذكر القَاضِي نصر بن ظريف الْيحصبِي

- ‌ذكر القَاضِي يحيى بن معمر

- ‌ذكر القَاضِي المصعب بن عمرَان

- ‌نبذ من أَخْبَار مُحَمَّد بن بشير الْمعَافِرِي وَبَعض سيره

- ‌ذكر القَاضِي الْفرج بن كنَانَة

- ‌ذكر القَاضِي سعيد بن سُلَيْمَان الغافقي

- ‌ذكر القَاضِي معَاذ بن عُثْمَان الشَّعْبَانِي

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن زِيَاد اللَّخْمِيّ

- ‌نبذ من أَخْبَار سُلَيْمَان بن الْأسود الغافقي

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عِيسَى

- ‌فصل

- ‌ذكر القَاضِي أسلم بن عبد الْعَزِيز

- ‌ذكر القَاضِي أَحْمد بن عبد الله بن أبي طَالب

- ‌ذكر القَاضِي أَحْمد بن بَقِي بن مخلد

- ‌ذكر مُنْذر بن سعيد ونبذ من أخباره

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن السَّلِيم

- ‌نبذ من أنباء مُحَمَّد بن يبْقى بن زرب

- ‌ذكر الْحسن بن عبد الله الجذامي قَاضِي رية

- ‌ذكر القَاضِي ابْن برطال وَالْقَاضِي أبي الْعَبَّاس بن ذكْوَان

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْمطرف بن فطيس

- ‌ذكر القَاضِي يحيى بن وَافد اللَّخْمِيّ

- ‌ذكر مُحَمَّد بن الْحسن الجذامي النباهي قَاضِي مالقة

- ‌ذكر القَاضِي إِسْمَاعِيل بن عباد وَابْنه مُحَمَّد

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْوَلِيد سُلَيْمَان الْبَاجِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْوَلِيد يُونُس بن مغيث

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن مَنْظُور

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْأَصْبَغ عِيسَى بن سهل

- ‌ذكر القَاضِي مُوسَى بن حَمَّاد

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن أَحْمد بن رشد

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأنْصَارِيّ المالقي

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن المالقي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْفضل عِيَاض الْيحصبِي

- ‌ذكر عِيسَى بن الملجوم قَاضِي فاس

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحَاج

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم بن حمدين

- ‌ذكر القَاضِي حمدين بن حمدين

- ‌ذكر القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله الوحيدي

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ الْمعَافِرِي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْمطرف عبد الرَّحْمَن الشّعبِيّ

- ‌ذكر القَاضِي عبد الْحق بن غَالب بن عَطِيَّة

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن سماك العاملي

- ‌ذكر القَاضِي عبد الْمُنعم بن الْفرس

- ‌ذكر القَاضِي الْحسن بن هاني اللَّخْمِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن أبي زمنين

- ‌ذكر القَاضِي ابْن رشد الْحَفِيد

- ‌ذكر القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله بن حوط الله الْأنْصَارِيّ

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن النباهي

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن حسن بن صَاحب الصَّلَاة

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْخطاب أَحْمد بن وَاجِب الْقَيْسِي

- ‌ذكر القَاضِي إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْأنْصَارِيّ الغرناطي

- ‌ذكر القَاضِي أَحْمد بن يزِيد بن بقى الْأمَوِي

- ‌ذكر القَاضِي ربيع بن عبد الرَّحْمَن بن ربيع الْأَشْعَرِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي الرّبيع سُلَيْمَان الكلَاعِي

- ‌ذكر القَاضِي أَحْمد بن الغماز

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله بن عَسْكَر

- ‌ذكر القَاضِي يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن ربيع الْأَشْعَرِيّ

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن غَالب الْأنْصَارِيّ

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن أضحى الْهَمدَانِي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن ربيع الْأَشْعَرِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد الأشبرون

- ‌ذكر القَاضِي غَالب بن حسن بن سيد بونة

- ‌ذكر القَاضِي أَحْمد بن الْحسن الجذامي

- ‌ذكر القَاضِي أبي عَليّ بن النَّاظر

- ‌ذكر القَاضِي الْحسن بن الْحسن الجذامي النباهي

- ‌ذكر القَاضِي أبي جَعْفَر المزدغي وَبَعض قُضَاة فاس بعده

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن يَعْقُوب المرسي

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله بن عبد الْملك المراكشي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْعَبَّاس الغبريني

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله بن عبد الْمُهَيْمِن الْحَضْرَمِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي إِسْحَاق الغافقي

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد اللَّخْمِيّ الْقُرْطُبِيّ

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن مَنْصُور التلمساني

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ الْجُزُولِيّ ابْن الْحَاج

- ‌ذكر القَاضِي أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم التسولي شَارِح الرسَالَة

- ‌ذكر القَاضِي أبي تَمام غَالب بن سيد بونة الْخُزَاعِيّ

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هِشَام

- ‌ذكر القَاضِي أبي جَعْفَر أَحْمد بن فركون

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر يحيى بن مَسْعُود الْمحَاربي وَابْنه أبي يحيى

- ‌ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن يحيى بن بكر الْأَشْعَرِيّ

- ‌ذكر القَاضِي عُثْمَان بن مَنْظُور

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَيَّاش

- ‌ذكر القَاضِي أبي جَعْفَر أَحْمد بن برطال

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم الْخضر بن أبي الْعَافِيَة

- ‌ذكر القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله بن يحيى الْأنْصَارِيّ

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن شبرين

- ‌ذكر القَاضِي أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يحيى بن زَكَرِيَّاء

- ‌ذكر القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن عبيد الله بن مَنْظُور الْقَيْسِي

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الطنجالي

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام المنستيري

- ‌ذكر القَاضِي أبي البركات الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاج البلفيقي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم بن سَلمُون

- ‌ذكر القَاضِي أبي عَمْرو عُثْمَان بن مُوسَى الْجَانِي

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله الْمقري التلمساني

- ‌ذكر القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد الفشتالي

- ‌ذكر القَاضِي أبي الْقَاسِم الشريف الغرناطي

الفصل: ‌نبذ من أخبار محمد بن بشير المعافري وبعض سيره

من جرى عَلَيْهِ قلم القَاضِي {فقف عِنْد أمره} فَإِنَّهُ أشبه بِنَا وَأولى بك {وَأقَام على حسن رَأْيه فِي القَاضِي، وَلم يعرضه. وَقَول الْأَمِير: إربع على ظلعك} مَعْنَاهُ: إِنَّك ضَعِيف فانته عَمَّا لَا تُطِيقهُ {قَالَ صَاحب الْأَفْعَال: أربعت على الشَّيْء: عطفت عَلَيْهِ؛ وَمِنْه: إربع على نَفسك: قَالَ أَبُو عُثْمَان: مَعْنَاهُ: الزم أَمرك وشأنك. قَالَ: وتمثل الْمَأْمُون، حِين وضع رَأس مُحَمَّد المخلوع بَين يَدَيْهِ، بقول الشَّاعِر: يَا صَاحب الْبَغي إِن الْبَغي مصرعة

فاربع عَلَيْك فَخير القَوْل أعدله فَلَو بغى جبل يَوْمًا على جبل

لاندك مِنْهُ أعاليه وأسفله وَقَالَ الْهَرَوِيّ: فِي حَدِيث بَعضهم، إِنَّه لَا يربع على ظلعك من لَيْسَ يحزنهُ أَمرك. سَمِعت أَبَا مُحَمَّد الْقرشِي يَقُول: مَعْنَاهُ: لَا يُقيم عَلَيْك، فِي حَال ضعفك، من لَيْسَ يحزنهُ أَمرك، أَي لَا يهتم بشأنك إِلَّا من يحزنهُ حالك. قَالَ: وَأَصله من ربع الرجل يربع ربوعاً إِذا أَقَامَ بالْمقَام. والظلع العرج كَأَنَّهُ يَقُول: لَا يُقيم على عرجك، إِذا تخلفت عَن أَصْحَابك، إِلَّا من يهتم بشأنك. وَكَانَ المصعب يشاور فِي شَأْنه صعصعة بن سَلام، وَعبد الرَّحْمَن بن مُوسَى، وَعبد الْملك بن الْحسن، والغازي بن قيس، وأمثالهم. وَقَالَ فِيهِ ابْن عبد الْبر، وَقد ذكره: يكنى أَبَا مُحَمَّد؛ شأمي الأَصْل، دخل الأندلس فِي أَيَّام عبد الرَّحْمَن؛ واستقضاه هِشَام وَكَانَ يرْوى عَن الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره. وَكَانَ لَا يُقَلّد مذهبا، وَيقْضى بِمَا يرَاهُ صَوَابا. وَكَانَ خيرا فَاضلا.

‌نبذ من أَخْبَار مُحَمَّد بن بشير الْمعَافِرِي وَبَعض سيره

كَانَ هَذَا الرجل رحمه الله} مِمَّن لَقِي مَالك بن أنس عِنْد توجهه إِلَى حج بَيت الله الْحَرَام. فَلَمَّا عَاد إِلَى الأندلس، استقضاه الحكم بن هِشَام؛ وَقبل قَضَاءَهُ على شُرُوط: مِنْهَا نَفاذ حكمه على كل أحد، من الْأَمِير إِلَى حارس السُّوق؛ وَأَنه إِذا ظهر لَهُ الْعَجز من

ص: 47

نَفسه، أعفى، وَأَن يكون رزقه كفافاً من المَال الفئ. وَكَانَ من صُدُور الْقُضَاة، وَذَوي الْمذَاهب الجميلة، شَدِيد الشكيمة، ماهر الْعَزِيمَة. قَالَ أَحْمد بن خَالِد: وَكَانَ أول مَا أنفذه فِي قَضَائِهِ التسجيل على الْأَمِير الحكم؛ فِي رحى القنطرة، إِذْ قيم عَلَيْهِ فِيهَا، وَثَبت عِنْده من الْمُدعى وَسمع من بَينته مَا اعذر بِهِ إِلَى الْأَمِير الحكم؛ فَلم يكن عِنْده مدفع. فسجل فِيهَا، وَأشْهد على نَفسه. فَلَمَّا مَضَت مدَّته، ابتاعها ابتياعاً صَحِيحا. فَكَانَ الحكم بعد ذَلِك يَقُول: رحم الله مُحَمَّد بن بشير {لقد أحسن فِيمَا فعل بِنَا على كره منا: كَانَ بِأَيْدِينَا شَيْء مشتبه؛ فصححه لنا، وَصَارَ حَلَالا، طيب الْملك فِي أعقابنا} وَمِمَّا يذكر عَلَيْهِ أَن رجلا كَانَ يُدَلس فِي كتب الوثائق، وَإنَّهُ عقد وَثِيقَة بَاطِل على رجل من التُّجَّار، وَقَامَ بذلك عِنْد مُحَمَّد بن بشير. فَلَمَّا صَحَّ لَدَيْهِ تدليسه، أَمر بِقِطْعَة؛ فَقطعت يَده. وَكَانَ إِذا اخْتلفت عَلَيْهِ الْفُقَهَاء بقرطبة، وأشكل عَلَيْهِ الْأَمر فِي قَضِيَّة، كتب إِلَى عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بِمصْر، وَإِلَى عبد الله بن وهب، وأشباههما؛ وَرُبمَا قبل الشَّاهِد على التوسم. وَنقل عَن عبيد الله بن يحيى عَن أَبِيه أَنه قَالَ لمُحَمد بن بشير: إِن الْحَالَات تَتَغَيَّر، وَلَا تثبت. فَإِذا عدل عنْدك الرجل بِحكم شَهَادَته، ثمَّ تطاول أمره، وَشهد عنْدك ثَانِيَة، فكلفه التَّعْدِيل، وَأخر فِيهِ الْكَشْف؛ فاعمل بِحَسب الَّذِي يَبْدُو لَك. فَقبل ذَلِك مِنْهُ ابْن بشير. فَلَمَّا أشعر النَّاس بِهِ أخذُوا حذرهم مِنْهُ. وَمن كتاب مُحَمَّد بن حَارِث، حَدِيث أَحْمد بن خَالِد؛ قَالَ: سمعنَا مُحَمَّد بن وضاح يَقُول: وكل سعيد الْخَيْر بن الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة عِنْد القَاضِي مُحَمَّد بن بشير وَكيلا يُخَاصم عَنهُ فِي شَيْء اضْطر إِلَيْهِ. وَكَانَت بِيَدِهِ فِيهِ وَثِيقَة، فِيهَا شَهَادَات من أهل الْقبُول، وَقد أَتَى عَلَيْهِم الْمَوْت؛ فَلم يكن فِيهَا من الْأَحْيَاء إِلَّا الْأَمِير الحكم بن هِشَام وَشَاهد آخر مبرز. فَشهد ذَلِك الشَّاهِد عِنْد القَاضِي، وَضربت الْآجَال على وَكيله فِي شَاهد ثَان رجى بِهِ الْخِصَام فَدخل سعيد الْخَيْر بِالْكتاب إِلَى الْأَمِير الحكم، وَأرَاهُ شَهَادَته فِي الْوَثِيقَة وَكَانَ قد كتبهَا قبل الْإِمَارَة، فِي حَيَاة وَالِد وعرفه مَكَان حَاجته إِلَى أَدَائِهَا عِنْد قاضيه، خوفًا من بطول حَقه. وَكَانَ الحكم يعظم سعيد الْخَيْر عَمه، وَيلْزم مبرته؛ فَقَالَ لَهُ: يَا عَم! إِنَّا

ص: 48

لسنا من أهل الشَّهَادَات؛ فقد التبسنا من فتن هَذِه الدُّنْيَا بِمَا لَا تجهله؛ ونخشى أَن توقفنا مَعَ القَاضِي موقف مخزاة، كُنَّا نفديه بملكنا. فصر فِي خصامك إِلَى مَا صيرك الْحق إِلَيْهِ {وعلينا خلف مَا انتقصك} فَأبى عَلَيْهِ سعيد الْخَيْر، وَقَالَ: سُبْحَانَ الله {وَمَا عَسى أَن يَقُول قاضيك فِي شهادتك، وَأَنت وليته، وَهُوَ حَسَنَة من حَسَنَاتك} وَلَقَد لزمك فِي الدّيانَة أَن تشهد لي بِمَا عَلمته، وَلَا تكتمني مَا أَخذ الله عَلَيْك {فَقَالَ لَهُ الْأَمِير: بلَى} إِن ذَلِك لمن حَقك كَمَا تَقول. وَلَكِنَّك تدخل بِهِ علينا دَاخِلَة؛ فَإِن أعفيتنا مِنْهُ، فَهُوَ أحب إِلَيْنَا؛ وَإِن اضطررنا، لم يمكننا عقوقك. فعزم عَلَيْهِ سعيد الْخَيْر عزم من لم يشك أَن قد ظفر بحاجته. وضايقته الْآجَال؛ فألج عَلَيْهِ؛ فَأرْسل الْأَمِير الحكم عِنْد ذَلِك عَن فقيهين من فُقَهَاء حَضرته، وَخط شَهَادَته تِلْكَ بِيَدِهِ فِي قرطاس، وَختم عَلَيْهِ بِخَاتمِهِ، وَدفعهَا إِلَى الفقهين، وَقَالَ لَهما: هَذِه شهادتي بحطى تَحت طابعي {فأدياها إِلَى القَاضِي} فَأتيَاهُ بهَا إِلَى مَجْلِسه، فِي وَقت قعوده للسماع من الشُّهُود فإدياها إِلَيْهِ؛ فَقَالَ لَهما: قد سَمِعت مِنْكُمَا؛ فقوما راشدين {وانصرفا. وجارت دولة وَكيل سعيد الْخَيْر؛ فَتقدم إِلَيْهِ مذلاً، واثقاً بالخلاص؛ فَقَالَ لَهُ: أَيهَا القَاضِي} قد شهد عنْدك الْأَمِير أصلحه الله {فَمَا تَقول؟ فَأخذ القَاضِي كتاب الشَّهَادَة، وَنظر فِيهِ؛ ثمَّ قَالَ للْوَكِيل: هَذِه شَهَادَة لَا تعْمل بهَا عِنْدِي} فجيء بِشَاهِد عدل {فدهش الْوَكِيل، وَمضى إِلَى مُوكله؛ وأعلمه؛ فَركب من فوره إِلَى الْأَمِير الحكم وَقَالَ لَهُ: ذهب سلطاننا وأزيل بهاؤنا} ويجترئ هَذَا القَاضِي على رد شهادتك، وَالله تَعَالَى قد استخلفك على خلقه، وَجعل الْأَمر فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَيْك {هَذَا مَا لَا يَنْبَغِي أَن تحتمله عَلَيْهِ} وَجعل يغريه بِالْقَاضِي، ويحرضه على الْإِيقَاع بِهِ. فَقَالَ لَهُ الحكم: وَهل شَككت أَنا فِي هَذَا؟ يَا عَم {القَاضِي، وَالله} رجل صَالح، لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم {فَقل الَّذِي يجب عَلَيْهِ، وَيلْزمهُ، ويسد بَابا كَانَ يصعب علينا الدُّخُول مِنْهُ} فَأحْسن الله عَنَّا وَعَن نَفسه جزاءه {فَغَضب سعيد الْخَيْر من قَوْله، وَقَالَ لَهُ: هَذَا حسبي مِنْك} فَقَالَ لَهُ: نعم {قد قضيت الَّذِي كَانَ عَليّ؛ وَلست، وَالله} أعارض القَاضِي فِيمَا أحتاط بِهِ لنَفسِهِ، وَلَا أخون الْمُسلمين فِي قبض يَد مثله {وَلما عوتب ابْن بشير فِيمَا أَتَاهُ من ذَلِك، قَالَ لمن عاتبه: يَا عَاجز} أَلا تعلم أَنه لَا بُد من الْإِعْذَار فِي الشَّهَادَات؟ فَمن كَانَ يجترى على

ص: 49

الدّفع فِي شَهَادَة الْأَمِير لَو قبلتها؟ الدّفع فِي شَهَادَة الْأَمِير لَو قبلتها؟ وَإِن لم اعذر، بخست الْمَشْهُود عَلَيْهِ بعض حَقه {وَكَانَ القَاضِي مُحَمَّد بن بشير لَا يُجِيز الشَّهَادَة على الْخط فِي غير الأحباس، وَلَا يرى الْقَضَاء بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد. وَلذَلِك اعتل عِنْد شَهَادَة الْأَمِير الحكم فِي خُصُومَة عَمه سعيد الْخَيْر بِمَا اعتل. وَمَسْأَلَة الْيَمين مَعَ الشَّاهِد مِمَّا اخْتلف فِيهِ أهل الْعلم؛ فَأَما مَالك، فَإِنَّهُ كَانَ يرى ذَلِك؛ وَأما اللَّيْث، فَإِنَّهُ كَانَ يرى أَن كل حق لم يشْهد عَلَيْهِ عَدْلَانِ بِاللَّه تَعَالَى لم يرد إِتْمَامه. قَالَ عبيد الله بن يحيى: وَكَانَ أبي رحمه الله} يحْتَج بقول اللَّيْث. ويحكى عَن مُحَمَّد بن بشير أَنه لم يحكم فِي ولَايَته بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد، وَلَا حكما وَاحِدًا. وَفِي أَحْكَام ابْن أبي زِيَاد: قَالَ مُحَمَّد بن عمر بن لبَابَة: قد علم القَاضِي حفظه الله {اخْتِلَاف أهل الْعلم، وَمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك، وَأَصْحَابه من الْيَمين مَعَ الشَّاهِد، وَمَا ذهب إِلَيْهِ قُضَاة بلدنا مُنْذُ دَخلته الْعَرَب، من أَنهم لَا يرَوْنَ الْيَمين مَعَ الشَّاهِد، وَلَا يقضون بِهِ. فليتخير القَاضِي مَا أرَاهُ الله. وَإِنِّي لمتوقف على الِاخْتِيَار فِي هَذَا، لما ظهر لي من فَسَاد النَّاس، وَقلة الدعة فِي الشَّهَادَة. وَمن نَوَازِل أبي الْأَصْبَغ بن سهل: قَالَ ابْن حبيب: حَدثنِي ابْن أبي أويس، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، وَعَن يُونُس بن يزِيد، عَن سَلمَة بن قيس، أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم} اسْتَشَارَ جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام فِي الْقَضَاء بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد؛ فَأمره بذلك. وَعَن عَليّ بن أبي طَالب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {قضى فِي الْحُقُوق بِهِ؛ وَقضى بذلك عَليّ وَشُرَيْح. قَالَ مَالك: مَضَت بِهِ السّنة؛ يحلف الطَّالِب مَعَ شَاهده، وَيسْتَحق حَقه؛ فَإِن نكل، حلف الْمَطْلُوب، وَإِلَّا غرم. وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَال خَاصَّة، لَا فِي الْحُدُود، وَلَا فِي النِّكَاح، وَلَا فِي الطَّلَاق، وَلَا فِي الْعتاق وَالسَّرِقَة والفرية. وَأجْمع عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد من الْحِجَازِيِّينَ وَغَيرهم، أَنه لَا يقْضى بِهِ إِلَّا الْأَمْوَال والديون وَغَيرهمَا. وَقَالَهُ عَمْرو بن دِينَار، وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم} وَقَالَ ابْن حبيب، عَن مطرف، عَن مَالك: يجوز الْيَمين مَعَ الشَّاهِد فِي الْحُقُوق، والجراح عمدها وخطئها، وَفِي المشاتمة، مَا عدا الْحُدُود من الْفِرْيَة وَالسَّرِقَة وَالطَّلَاق. قَالَ: وحَدثني أصبغ بن الْفرج، عَن ابْن وهب، عَن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ يقْضى بِهِ فِي المشاتمة وَفِي الْجراح الْعمد وَالْخَطَأ، وَلَا يُجِيزهُ

ص: 50

فِي الْفِرْيَة وَالطَّلَاق وَالْعتاق وأشباهه. ثمَّ قَالَ القَاضِي: ومسائل هَذَا الْبَاب كَثِيرَة. وَالْمرَاد مِنْهُ الْإِعْلَام بالمذاهب فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين. وَمَا جرى بِهِ الْعَمَل فِي الأندلس وَقد ذَكرْنَاهُ، وَمن صَحَّ نظهر فِي أَحْوَال النَّاس الْيَوْم والمعرفة باخْتلَاف الشَّهَادَات لم تطب نَفسه على الْقَضَاء، وَلَا مَعَ الشَّاهِد المبرز فِي الْعَدَالَة والنباهة. وَالله الْمُوفق للصَّوَاب {وَترك الحكم بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد مَعَ الْيَمين من الْمسَائِل الْأَرْبَع الَّتِي خَالف أهل الأندلس فِيهَا قَدِيما مَذْهَب مَالك بن أنس؛ وَهِي أَن لَا يحكموا بالخلطة، وَلَا بِالشَّاهِدِ الْيَمين. وأجازوا كِرَاء الأَرْض بالجزء مِمَّا يخرج مِنْهَا، وَهُوَ مَذْهَب اللَّيْث بن سعد، وأجازوا غرس الشّجر فِي الْمَسَاجِد، وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ. وَلم يزل مُحَمَّد بن بشير مُتَوَلِّيًا خطة الْقَضَاء إِلَى أَن توفّي سنة 198. قَالَ عَنهُ بَقِي بن مخلد، وَقد ذكره، وَأثْنى عَلَيْهِ: كَانَت لَهُ فِي قضاياه مَذَاهِب ودقائق، لم تكن لأحد قبله بالأندلس، وَلَا بفاس، وَلَا بِمن تقدم من صُدُور هَذِه الْأمة رحمه الله وأرضاه} وَمن المطالب الَّتِي للْقَاضِي على سُلْطَانه، حَسْبَمَا شَرطه ابْن بشير مُحَمَّد بتوليته، والإعانة لَهُ على مَا أَهله إِلَيْهِ من الْقيام بخطته، وإمضاء أَحْكَام الْحق على جِهَته والأقربين من عشيرته، فضلا عَن خوله وحاشيته. وَقد كَانَ الْخَلِيفَة الْمَدْعُو بالمنصور، من بنى الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، بالمثابة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا من شموخ أَنفه وسمو سُلْطَانه. فَمَا زَاده التذلل للْحكم الشَّرْعِيّ إِلَّا رفْعَة إِلَى رفعته، وَعزة إِلَى عزته. فقد جرى حَتَّى الْآن الْمثل بِمَا حدث لَهُ مَعَ مُحَمَّد بن عمرَان، قَاضِي الْمَدِينَة فِي وقته: وَذَلِكَ أَنه لما وصل إِلَيْهَا حَاجا، تظلم مِنْهُ الجمالون، وصاحوا على القَاضِي. قَالَ الشَّيْبَانِيّ: فَكنت كَاتبه؛ فَأمرنِي أَن أكتب إِلَى الْمَنْصُور رقْعَة فِي الْحُضُور مَعَ من تظلم مِنْهُ. فَقلت: تعفيني من هَذَا {فَإِنَّهُ يعرف خطي} فَقَالَ: إِذا لَا يحملهَا غَيْرك {فَكتب، تمّ ختم الْكتاب، ومضيت، ودفعته إِلَى الرّبيع، واعتذرت. وَقَالَ: لَا عَلَيْك} وَدخل بِالْكتاب، ثمَّ خرج؛ فَقَالَ: أَيهَا النَّاس! إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يقْرَأ عَلَيْكُم السَّلَام؛ وَيَقُول لكم: قد دعيت إِلَى مجْلِس الحكم الشَّرْعِيّ؛ فَقَالَ يَتبعني أحد مِنْكُم، وَلَا يكلمني، وَلَا يقم إِلَى إِذا خرجت.

ص: 51

قَالَ: ثمَّ برز، وَبَعض وزرائه بَين يَدَيْهِ، وَأَنا خَلفه، وَهُوَ فِي مئزر ورداء؛ فَلم يقم إِلَيْهِ أحد. فَلَمَّا دخل الْمَسْجِد، بَدَأَ بالقبر؛ فَسلم على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {ثمَّ قَالَ للربيع: أخْشَى أَن تدخل ابْن عمرَان مَتى هَيْبَة، فيتحول عَن مَجْلِسه. وَلَئِن فعل، لَا ولي لي ولَايَة أبدا} ثمَّ سَار إِلَى القَاضِي. فَلَمَّا رَآهُ، وَكَانَ متكياً، أطلق رِدَاءَهُ عَن عَاتِقه، ثمَّ احتبى ودعا بالخصوم، ثمَّ قضى لَهُم بحقهم، وانفصل الْخَلِيفَة إِلَى مَحَله. فَلَمَّا وصل أَمر الرّبيع بإحضار القَاضِي، فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ: جَزَاك الله عَن دينك وَعَن نَفسك وَعَن خليفتك أحسن جَزَائِهِ {وَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم. فبقى هَذَا الْفِعْل من الْمَنْصُور عبد الله العباسي معدوداً، على مر الْأَيَّام، فِي مناقبه، مَعْرُوفا من فضائله، مرسوماً فِي كتاب حَسَنَاته. وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يكون شَدِيد التثبت فِيمَا أسْند إِلَيْهِ من أَمَانَته، غير هائب فِي الْحق لسلطانه، وَلَا مُتبعا لَهُ فِيمَا يقْدَح فِي وَجه ورعه وَظَاهر أَحْكَامه. ولقضاة الْعدْل فِي هَذَا الْبَاب أَخْبَار حسان، مِنْهَا قصَّة أَحْمد بن أبي دَاوُود مَعَ الواثق، فِي المسالة الَّتِي أغراه بهَا كَاتبه عبد الْملك بن الزيات، ورام إغضابه عَلَيْهِ؛ وَهِي مَسْأَلَة الْأَعْرَاب الَّذين كتب لَهُ فيهم عتاب بن عتاب؛ فَإِنَّهُم كسروا السجْن، وهربوا، فَقطعُوا الطَّرِيق، وارتكبوا العظائم، وانتهكوا الْمَحَارِم؛ وَلَقَد ظفر بهم. وَوَافَقَ الدواة الَّتِي كَانَ الواثق يكْتب بهَا بَين يَدي قاضيه ابْن أبي دَاوُود؛ فَقَالَ لَهُ: قدمهَا إِلَيّ، لأوقع بهَا فِي ضرب أَعْنَاق هَؤُلَاءِ الفتكة} فَأمْسك؛ فَقَالَ لَهُ الواثق: أَنْت قَرَأت عَليّ قَدِيما أَن خَالِد بن الْوَلِيد كتب إِلَى عمر ابْن الْخطاب رضي الله عنهما {فِي قوم عتوا وأفسدوا وَقتلُوا، يستأمره فِي أَمرهم. فَكتب إِلَيْهِ بِضَرْب أَعْنَاقهم. أَفلا ترْضى أَن أكون مثل خَالِد وأجرى مجْرَاه؟ فَأقبل القَاضِي عَلَيْهِ وَقَالَ: سَأَلتك بِاللَّه الْعَظِيم} أَنْت كعمر وعتاب كخالد {أشركك فِي دِمَائِهِمْ وأعينك على مَا تُرِيدُ من أَمرهم} فَأمْسك الواثق على الْمُرَاجَعَة وَقَالَ لغلامه: قدم الدواة {فَإنَّا لَا نكلف أَبَا الْعَبَّاس مَا يشق عَلَيْهِ} وعَلى كل حَاكم أَن يكون شَدِيد الحذر من دسائس نَفسه، قَاطعا أَسبَاب مطامعه، وَأَن لَا يكون من شَأْنه حب الْمَدْح فِي وَجهه، والركون إِلَى الثَّنَاء على شيمه؛ فَإِنَّهُ مهما عرف بذلك، تضوحك بِهِ، وَأكْثر الْوُقُوع فِي جنابه، والتهاون بناحيته. قَالَ

ص: 52