الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخر بِأَن الْمُصِيب وَاحِد وَالْحق فِي طرف وَاحِد، لِأَنَّهُ، لَو كَانَ كل وَاحِد مصيباً، لم يسم أَحدهمَا مخطئاً، فَيجمع الضدين فِي حَالَة وَاحِدَة. قَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل بن مُوسَى فِي إكماله: وَالْقَوْل بِأَن الْحق فِي طرفين هُوَ قَول أَكثر أهل التَّحْقِيق من الْمُتَكَلِّمين وَالْفُقَهَاء؛ وَهُوَ مروى عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة، وَإِن كَانَ قد حكى عَن كل وَاحِد مِنْهُم اخْتِلَاف فِي هَذَا الأَصْل. وَهَذَا كُله فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة. وَأما مَا يتَعَلَّق بِأَصْل وَقَاعِدَة، من أصُول التَّوْحِيد وقواعده، مِمَّا مبتناه على قواطع الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة، فَإِن الْخَطَأ فِي كل هَذَا غير مَوْضُوع، وَالْحق فِيهَا فِي طرف وَاحِد، بِإِجْمَاع من أَرْبَاب الْأُصُول والمصيب فِيهَا وَاحِد، إِلَّا مَا روى عَن عبد الله الْعَنْبَري، من تصويبه الْمُجْتَهدين فِي ذَلِك، وعذره لَهُم؛ وَحكى مثله عَن دَاوُود وَكله لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَقد حكى عَن الْعَنْبَري أَن مذْهبه فِي ذَلِك على الْعُمُوم؛ وَعِنْدِي أَنه إِنَّمَا يَقُول ذَلِك فِي أهل الْملَّة دون الْكَفَرَة؛ وَالِاجْتِهَاد الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب هُوَ بذل الوسع فِي طلب الْحق وَالصَّوَاب فِي النَّازِلَة. انْتهى. وَفِي حَدِيث معَاذ بن جبل أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم! أذن لَهُ أَن يجْتَهد بِرَأْيهِ فِيمَا لم يكن فِي الْكتاب وَالسّنة؛ وَقد ورد: مَا من قاضٍ يقْضِي بِالْحَقِّ إِلَّا كَانَ عَن يَمِينه ملك وَعَن شِمَاله ملك، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب.
فصل فِي الْخِصَال الْمُعْتَبرَة فِي الْقُضَاة
من التَّنْبِيهَات وشروط الْقَضَاء، الَّتِي لَا يتم للْقَاضِي قَضَاؤُهُ إِلَّا بهَا، عشرَة: الْإِسْلَام؛ وَالْعقل؛ والذكورية؛ وَالْحريَّة؛ وَالْبُلُوغ؛ وَالْعَدَالَة؛ وَالْعلم؛ وسلامة حاسة السّمع وَالْبَصَر من الْعَمى والصمم؛ وسلامة حاسة اللِّسَان من الْبكم؛ وَكَونه وَاحِدًا لَا أَكثر؛ فَلَا يَصح تَقْدِيم إثنين على أَن يقضيا مَعًا فِي قَضِيَّة وَاحِدَة، لاخْتِلَاف الْأَغْرَاض، وَتعذر الِاتِّفَاق وَبطلَان الْأَحْكَام بذلك. ثمَّ من هَذِه الشُّرُوط مَا إِذا عدم فِيمَن قلد الْقَضَاء بِجَهْل، أَو غَرَض فَاسد، ثمَّ نفذ مِنْهُ حكم، فَإِنَّهُ لَا يَصح وَيرد؛ وَهِي الْخَمْسَة الأولى: الْإِسْلَام؛ وَالْعقل؛ وَالْبُلُوغ؛ والذكورية؛ وَالْحريَّة. وَأما الْخَمْسَة الْأُخْرَى، فَينفذ من أَحْكَام من عدمت مِنْهُ
مَا يُوَافق الْحق، إِلَّا الْجَاهِل الَّذِي يحكم بِرَأْيهِ. وَأما الْفَاسِق، فَفِيهِ خلاف بَين أَصْحَابنَا؛ هَل يرد مَا حكم بِهِ، وَإِن وَافق الْحق وَهُوَ الصَّحِيح، أم يمْضِي إِذا وَافق الْحق وَوجه الحكم. وشروط الْكَمَال عشرَة أَيْضا: خَمْسَة أَوْصَاف يَنْتَفِي عَنْهَا، وَخَمْسَة لَا يَنْتَفِي؛ مِنْهَا أَن يكون غير مَحْدُود؛ وَغير مطعون عَلَيْهِ فِي نسبه بِوِلَادَة اللّعان وَالزِّنَا؛ وَغير فَقير؛ وَغير أُمِّي؛ وَغير مستضعف؛ وَأَن يكون فطناً، نزيهاً، مهيباً، حَلِيمًا، مستشيراً لأهل الْعلم والرأي. قَالَ القَاضِي أَبُو الْأَصْبَغ بن سهل: وللحكام الَّذين تجْرِي على أَيْديهم الْأَحْكَام سِتّ خططٍ: أَولهَا الْقَضَاء، وأجله قَضَاء قَاضِي الْجَمَاعَة؛ والشرطة الْوُسْطَى؛ والشرطة الصُّغْرَى؛ وَصَاحب مظالم؛ وَصَاحب رد، وَيُسمى صَاحب رد بِمَا رد عَلَيْهِ من الْأَحْكَام؛ وَصَاحب مَدِينَة؛ وَصَاحب سوق. هَكَذَا نَص عَلَيْهِ بعض الْمُتَأَخِّرين من أهل قرطبة، فِي تأليف لَهُ. وتلخيصه: الْقَضَاء، والشرطة، والمظالم، وَالرَّدّ، وَالْمَدينَة، والسوق. وَإِنَّمَا كَانَ يحكم صَاحب الرَّد فِيمَا استرابه الْحُكَّام، وردوه عَن أنفسهم؛ هَكَذَا سمعته من بعض من أَدْرَكته. وَصَاحب السُّوق كَانَ يعرف بِصَاحِب الْحِسْبَة، لِأَن أَكثر نظره إِنَّمَا كَانَ يجْرِي فِي الْأَسْوَاق، من غش، وخديعة، وتفقد مكيال وميزان وَشبه ذَلِك. وَلَا عجب للْقَاضِي أَن يرفع من عِنْده إِلَى غَيره، كَمَا يرفع غَيره إِلَيْهِ. وحدود الْقُضَاة، فِي الْقَدِيم والْحَدِيث، مَعْرُوفَة، لَا يعارضون فِيهَا، وَلَا تكون إِلَى غَيرهم من الْحُكَّام. وَقد عَددهَا عَليّ بن يحيى، وفسرها فِي كِتَابه؛ فَقَالَ: ويشتمل نظر القَاضِي على عشرَة أَحْكَام: أَحدهَا: قطع التشاجر وَالْخِصَام من المتنازعين، إِمَّا بصلح عَن ترَاض يُرَاد بِهِ الْجَوَاز، وَأما بإجبار بِحكم بِآيَة يعْتَبر فِيهِ الْوُجُوب. وَالثَّانِي: اسْتِيفَاء الْحق لمن طلبه، وتوصيله إِلَى يَده، إِمَّا بِإِقْرَار، أَو بِبَيِّنَة. وَالثَّالِث: إِلْزَام الْولَايَة للسفهاء والمجانين، والتحجر على الْمُفلس، حفظا للأموال. وَالرَّابِع: النّظر فِي الاحباس، وَالْوُقُوف والتفقد لأحوالها وأحوال النَّاظر فِيهَا. وَالْخَامِس: تَنْفِيذ الْوَصَايَا على شُرُوط الْمُوصى إِذا وَافَقت الشَّرْع؛ فَفِي المعينين يكون التَّنْفِيذ بالاقباض، وَفِي المجهولين يتَعَيَّن الْمُسْتَحق لَهَا بِالِاجْتِهَادِ فَإِن كَانَ لَهَا وصّى، راعاه، وَإِلَّا تولاه. وَالسَّادِس: تزوج