الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّهُ لَا يُصليهَا {وَحمله على إِعْلَام الْأَمِير مُحَمَّد بذلك، والكتب إِلَيْهِ، ليرتاد الصَّلَاة قبل الضَّيْعَة. فَقَالَ لَهُ هَاشم: انْظُر مَا تحكيه} فَلَيْسَتْ لَهُ عندنَا مُقَدّمَة. أَنْت رَأَيْته بِعَيْنِك السَّاعَة على هَذِه الْحَال؟ قَالَ: نعم {هَذَا خروجي من عِنْده إِلَيْك. فَقَالَ هَاشم: مَا بعد هَذَا شَيْء} ثمَّ وضع يَده، وَكتب إِلَى الْأَمِير يُخبرهُ بِمَا حَكَاهُ ابْن يزِيد، من شدَّة مرض القَاضِي سُلَيْمَان، ويأسه من قِيَامه للصَّلَاة، وتحركه للنَّظَر فِيمَن يصلى مَكَانَهُ. فَلَمَّا قَرَأَ الْأَمِير كِتَابه، استراب فِيهِ، وفكر فِي الْأَمر. فَوقف على أَن إِبْرَاهِيم شَدِيد الشَّهْوَة فِي الصَّلَاة، واستحال عِنْده أَن لم يسمع بِأول مرض قاضيه وَلَا بانتهائه؛ فَعلم بجودة نظره أَن فِي الْخَبَر خللاً. فَقَالَ لخادم من خُدَّامه، من وُجُوه صقالبته: انْطلق السَّاعَة، وادخل على القَاضِي سُلَيْمَان بن الْأسود، وَانْظُر حَاله وَمَا تَجدهُ عَلَيْهِ {فَإِن وجدته متخففاً، يتَكَلَّم، ويهين عَن نَفسه، فتسئله إِن كَانَت بِهِ طَاقَة على الصَّلَاة وَالْخطْبَة أم لَا؟ فَأتى الْفَتى إِلَى سُلَيْمَان، وَدخل عَلَيْهِ؛ فَوَجَدَهُ جَالِسا جُلُوس صَحِيح؛ فروى لَهُ عَن بعض الْخَبَر، وألطف مَسْأَلته؛ فأنكرها سُلَيْمَان وَقَالَ: هَا أَنا رائح بِحَمْد الله} ودعا بوضوئه بِحَضْرَة الرَّسُول؛ فَتَوَضَّأ، وَلبس ثِيَابه، وَخرج مَعَ الرَّسُول، ساعياً على قَدَمَيْهِ، إِلَى الْمَسْجِد الْجَامِع. فَرجع الْفَتى إِلَى الْأَمِير، وأعلمه بالقصة على وَجههَا، وبخروجه مَعَه. فَضَحِك مِنْهُ وَقَالَ: لقد طيب سُلَيْمَان فِي ابْن يزِيد وَلعب بِهِ لعب الصِّبَا وحرك مِنْهُ سَاكِنا {وَصَارَ يضْحك مَعَ هَاشم بذلك عدَّة أَيَّام، حَتَّى شاع ذكره فِي الْعَامَّة. وعاش ابْن أسود هَذَا تِسْعَة وَتِسْعين عَاما وَعشرَة أشهر. وَكَانَت مُدَّة قَضَائِهِ مِنْهَا، على مَا حَكَاهُ ابْن عبد الْبر، اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ عَاما غفر الله لنا وَله، وأرضى عَنَّا خلقه وَعنهُ}
ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عِيسَى
وَمن الْقُضَاة، مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عِيسَى. ولي قَضَاء عدَّة من الكور، مَا بَين طليطلة وبجانة، بسيرة عادلة، الْتزم فِيهَا الصرامة فِي تَنْفِيذ الْحُقُوق، وَإِقَامَة الْحُدُود، والكشف عَن الشُّهُود. قَالَ ابْن الفرضي: وَكَانَ حَافِظًا للرأي، معتنياً بالآثار، جَامعا
للسنن، متصرفاً فِي علم الْإِعْرَاب ومعاني الشّعْر. استقضاه النَّاصِر؛ وَكَانَ آخر مَا ولاه قَضَاء إلبيرة، وقلده مَعَ الْقَضَاء أَمَانَة الكورة، وَالنَّظَر على عمالها؛ فَكَانُوا لَا يقدمُونَ وَلَا يؤخرون إِلَّا عَن أمره، وَلَا يظلم أحد فِي جَانب من جوانبها إِلَّا نَصره وَكَانَ مَعَه. ثمَّ نَقله مِنْهَا، فولاه قَضَاء الْجَمَاعَة بقرطبة فِي ذِي الْحجَّة سنة 326. وَأقر مُحَمَّد بن أَيمن على الصَّلَاة، إِلَى أَن ضعف ابْن أَيمن، فاستعفى، فعفاه النَّاصِر لدين الله، وَجَمعهَا لِابْنِ أبي عِيسَى؛ فتولاها إِلَى أَن مَاتَ. وَكَانَ الْخَلِيفَة لَا يخليه، مَعَ قِيَامه لَهُ بِالْقضَاءِ، من تصريفه فِي مهمات أُمُوره، وإخراجه فِي السفارات إِلَى كبار الْأُمَرَاء، والأمانات إِلَى الثغور والأطراف للإشراف عَلَيْهَا، وللإعلام بمصالحها، والبنيان لحصونها، وترتيب مغازيها، وَإِدْخَال جيوشها إِلَى بلد الْحَرْب؛ وَرُبمَا أَقَامَهُ فِي ذَلِك مقَام أَصْحَاب السيوف من قواد جيوشه؛ فيغنى غناءهم بِحسن تَدْبيره، وصحيح ديانته، وصريح مناصحته. فاستخلف فِي خرجه من خرجاته الْفَقِيه ابْن زونان؛ فصلى جُمُعَة. ثمَّ كتب إِلَى الْخَلِيفَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد يَقُول: إِنَّه شيخ من شُيُوخ الْمُسلمين، وَمن أهل الْعلم فيهم، وَوَلَاؤُهُ أشرف الْوَلَاء، إِذْ كَانَ مولى لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم {. فَكيف يكون مَعَ هَذَا مُخَالفا لِابْنِ أبي عِيسَى؟ وَهُوَ صبي فِي عدد وَلَده} يسْأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يأنف لَهُ من هَذَا. فَأَعْرض الْخَلِيفَة عَنهُ؛ وَلم ير بِابْن أبي عِيسَى بديلاً. وَانْصَرف القَاضِي من وجهته مستعجلاً، وَقد اتَّصل بِهِ مَا كَانَ من ابْن زونان؛ فَأَضْرب عَنهُ، واستخلف غَيره. وَذكر ابْن مفرج أَن رجلا من أَصْحَاب ابْن أبي عِيسَى أَتَاهُ لَيْلًا، فَذكر لَهُ أَن فقيهين مشهورين يقدمان عَلَيْهِ فِي قصَّة سَمَّاهَا لَهُ بِشَهَادَة مدخولة. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد، أَتَاهُ أَحدهمَا؛ فَأَعْرض عَنهُ القَاضِي، وَتَبَسم فِي وَجهه لَعَلَّه يقوم، فيكفى شَأْنه. فتمادى. وَلما رأى عزمه على أَدَاء الشَّهَادَة، تنَاول القَاضِي سحاءة بَين يَدَيْهِ؛ فَكتب فِيهَا، وطواها، وَأَلْقَاهَا فِي حجره. فَلَمَّا تصفحها، وجد مَكْتُوبًا فِيهَا: أَتَتْنِي عَنْك أَخْبَار
…
لَهَا فِي الْقلب آثَار فدع مَا قد أتيت بِهِ
…
فَفِيهِ الْعَار وَالنَّار فَلم يكد يَقْرَأها حَتَّى قَامَ مُنْطَلقًا، ولقى صَاحبه؛ فَقَالَ لَهُ: النجَاة {فقد شعر بِنَا}