الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْمه أَحْمد بن مُعَاوِيَة، دَعَا إِلَيْهِ فِي حق وَقع الْفَصْل فِيهِ؛ فاستأذنه فِي الذّهاب؛ فَقَالَ: يَا سَيِّدي {ينْصَرف أَحْمد؟ فَقَالَ: لَا ينْصَرف} فَأَقَامَ ذَلِك الرجل وجلاً حَتَّى نبه على أَن القَاضِي إِنَّمَا قصد التورية. قَرَأَ على الْمدرس المتفنن أبي الْحسن الأبلح، وَأكْثر الْأَخْذ عَن الْمُقْرِئ أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الطَّائِي الْمَعْرُوف بمستقور وَغَيرهم. وَكَانَ خَطِيبًا. بليغاً، كَاتبا ناظماً ناثراً، بَصيرًا بعقود الشُّرُوط، سَابِقًا فِي علم الْفَرَائِض. قضى بمواضع مِنْهَا رندة، ومالقة، والمرية، وَسَار فِيهَا بسيرة عادلة سنية. وَاسْتمرّ قَضَاؤُهُ مَعَ الخطابة بِحَضْرَة غرناطة إِلَى أول الدولة الإسماعيلية؛ فصرف عَن ذَلِك، لما كَانَ لَهُ فِي مشايعه المخلوع عَن السلطنة من الْأُمُور الَّتِي حقت عَلَيْهِ الخمول، بعد اسْتِقْرَار ذائلها الْأَمِير أبي الْوَلِيد بِالْملكِ رَحْمَة الله عَلَيْهِ {ومولد القَاضِي أبي جَعْفَر الْمَذْكُور فِي عَام 649، ووفاته فِي السَّادِس من ذِي الْقعدَة عَام 729.
ذكر القَاضِي أبي بكر يحيى بن مَسْعُود الْمحَاربي وَابْنه أبي يحيى
وَتقدم بعده لقَضَاء الْجَمَاعَة الْوَزير الْفَقِيه أَبُو بكر يحيى بن مَسْعُود بن عَليّ بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن مَسْعُود الْمحَاربي الغرناطي، من أهل الْأَصَالَة والجزالة وَالْجَلالَة. وَكَانَ رحمه الله} سامي الهمة، ماضي الْعَزِيمَة، شَدِيد الشكيمة، ولي الْقَضَاء بجهات شَتَّى، مِنْهَا مَدِينَة المرية، وصدرت عَنهُ فِي مُدَّة حِصَار الرّوم لَهَا جملَة أَقْوَال وأفعال لَا تصدر إِلَّا من حزماء الرِّجَال. ثمَّ نقل إِلَى قَضَاء الْجَمَاعَة بالحضرة؛ فاشتهر بالمضا والاشتداد على أهل الجاه، وَإِقَامَة الْحُدُود، وإخافة الشُّهُود. وَكَانَ لَا يخط بِعقد عَلامَة بِثُبُوتِهِ عِنْده إِلَّا بعد شَهَادَة أَرْبَعَة من الْعُدُول؛ وَقصر أَصْحَابه ذَلِك وَقَالُوا: أَلا ترى، لَو أَن رجلا دفع إِلَى آخر حَقًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، وَطَلَبه أَن يشْهد بِهِ، فَأشْهد عَدْلَيْنِ، وأبى أَن يشْهد غَيرهمَا، وَأَرَادَ صَاحبه الاستكثار من الْبَيِّنَة، فَإِنَّهُ لَا يلْزمه أَن يشْهد لَهُ أَكثر من شَاهِدين عَدْلَيْنِ، على مَا قَالَه القَاضِي أَبُو الْوَلِيد بن رشد، وَرَوَاهُ غَيره لقَوْله تَعَالَى " وَاسْتشْهدَ شهيدين من رجالكم. " قَالُوا: وَإِن كَانَ قصد
القَاضِي من الْإِكْثَار من الشُّهَدَاء التَّوَثُّق لتحصل الْبَرَاءَة المتحققه لَهُ وَلغيره، فقد يجمع أَرْبَعَة من الضُّعَفَاء فِي رسم وَاحِد. فَلَزِمَ إِذا مرتكب هَذَا النّظر الْإِمْسَاك عَن خطاب مثل هَذَا الرَّسْم، إِلَى غير ذَلِك من المضار الْمُتَعَلّقَة بِهِ فَلم يثن الشَّيْخ أَبَا بكر بن مَسْعُود شَيْء من هَذَا كُله من غَرَضه، وَاسْتمرّ على ذَلِك مُدَّة قَضَائِهِ. وَكَانَ لَهُ من أَخِيه أبي الْحسن، وَزِير الدولة الإسماعيلية وعميد الْبَلدة، ردء كثير على إنقاذ الْأَحْكَام، ومصادمة أساطين الرِّجَال. وَنَفر بعض أهل الْمَدِينَة عِنْد التخاصم عِنْده، تقيه من تعاظم شدته واتصال عبوسته؛ وَجرى لَهُ فِي ذَلِك مَعَ القَاضِي بربض البيازين كَلَام حَاصله أَن طلب مِنْهُ الِاقْتِصَار بِالنّظرِ على جِهَته، رفعا للتشويش عَن الْخُصُوم. وَالْمَنْصُوص جَوَاز قاضيين فِي بلد وَاحِد وَأكْثر، كل مُسْتَقل ومختص بناحيته، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوع شَرط الِاتِّفَاق فِي كل حكم، لاخْتِلَاف الْأَغْرَاض، وَتعذر الِاجْتِمَاع. وَقد تقدم الشبيه على ذَلِك عِنْد التَّكَلُّم فِي شُرُوط الْقَضَاء. ثمَّ إِذا تنَازع الخصمان فِي الِاخْتِيَار، حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ، وازدحم متداعيان، فالقرعة. قَرَأَ على الْأُسْتَاذ أبي جَعْفَر بن الزبير، وَابْن الطلاع، وَابْن أبي الْأَحْوَص، وَاسْتعْمل فِي الرسَالَة إِلَى ملك الْمغرب عَام 727، وَأقَام بِظهْر سلا؛ ثمَّ طرقه الْمَرَض، فتوفى هُنَالك يَوْم الْخَمِيس سَابِع ذِي قعدة من الْعَام الْمَذْكُور. وَدفن بالجبانة الْمَعْرُوفَة بشلة، خَارج رِبَاط الْفَتْح. ومولده لست خلت من شَوَّال عَام 653. وَكَانَ رحمه الله! قد ترك نَائِبا عَنهُ فِيمَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ من الْقَضَاء بغرناطة وَلَده الْفَقِيه أَبَا يحيى. فحين بلغه أَنه توفّي بِحَيْثُ ذكر، اسْتَقل بعده وَلَده بِالْولَايَةِ، واستكملت لَهُ ألقاب الخطة، وَجرى على طَريقَة أَبِيه من الجزالة والصرامة، فِي استخلاص الْحُقُوق، وَنصر الْمَظْلُوم، وقهر الظلوم. وَكَانَ فِي نَفسه شجاعاً، فَارِسًا، مقدما، جليل الْهَيْئَة، نبيه الشارة، رائق الأبهة، يبرز عِنْد الْقِتَال فِي مصَاف صُدُور الْأَبْطَال؛ فَيحسن دفاعه، ويجمل عناده. وَلما ضايقت الرّوم مَدِينَة المرية، وَكَانَ أَبوهُ الشَّيْخ أَبُو بكر مِمَّن شَمله الْحصار بهَا، كَمَا تقدم، شقّ أَبُو يحيى محلّة الْعَدو لَيْلًا، وتحيل وصل إِلَى سور الْبَلَد، وَأَعْلَى حرسته باسمه، فسر الْمُسلمُونَ بتخلصه، وانتفع هُنَالك أَبوهُ. وَبَقِي هَذَا القَاضِي مُتَوَلِّيًا خطة الْقَضَاء