الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض من لحقه ذَلِك، مِمَّن يُخَاصم عِنْده؛ ثمَّ، لما مَاتَ، أشْفق النَّاس جَمِيعًا من فَقده، واجتمعوا على ثنائه وَالدُّعَاء بِالْخَيرِ لَهُ. وَكَانَت وَفَاته عشي يَوْم السبت لسبع بَقينَ لجمادي الأولى سنة 367.
نبذ من أنباء مُحَمَّد بن يبْقى بن زرب
وَهُوَ أحد صُدُور الْفُقَهَاء فِي زَمَانه بالأندلس؛ فقد كَانَ ذَاك يُسمى فِي علمه وورعه ابْن الْقَاسِم. وَكَانَ لَهُ حَظّ كَبِير من علم الْإِعْرَاب وَالْفِقْه، يجمع ذَلِك إِلَى الْعِبَادَة، وسرد التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ. وَكَانَ من أَخطب النَّاس فَوق مِنْبَر، وَأَحْسَنهمْ ترتيلاً لمنطقه، وأظهرهم خشوعاً فِي موقفه لخطبته، وأقرعهم لمن تقرعه بوعظه؛ لَا يملك أحد من الْبكاء عَيْنَيْهِ، عِنْد سَمَاعه. قَالَ فِيهِ ابْن عفيف: يُحَقّق قَول الْحسن الْبَصْرِيّ من أَن الموعظة، إِذا خرجت من الْقلب، وَقعت فِي الْقلب، وَإِذا خرجت من اللِّسَان، لم تجَاوز الْأَذَان. وَكَانَ فِي تعرفاته حازماً فطناً. قَالَ ابْن حَيَّان: سَمِعت المشيخة يَقُولُونَ إِنَّه لما ولي الْقَضَاء، احْتبسَ خَواص أَصْحَابه المشاورين، وَقد جَاءُوهُ مهنين؛ فَأمر غُلَامه: فكشف عَن مَال عَظِيم صَامت فِي صندوق لَهُ، وَقَالَ: يَا أَصْحَابنَا، قد عَرَفْتُمْ مَا نَحن بِهِ من تولى الْقَضَاء قَدِيما من سوء الظنة؛ وأخشى أَن أطلق النَّاس على غرضي {وَهَذَا حاصلي، وَفِيه من الْعين كَذَا، وَفِي مخازني مَا بَقِي بِقِيمَتِه، وحظى من التِّجَارَة مَا علمْتُم} فَإِن فشى من مَالِي مَا يُنَاسب هَذَا، فَلَا لوم؛ وَإِن تبَاعد عَن ذَلِك، فقد وَجب مقتى. وأسأل الله تخليصي مِمَّا تنشبت فِيهِ {فدعوا لَهُ. وَكَانَ، مَعَ سَعَة حَاله وَعلمه، مُجْتَهدا، ورعاً، كثير الصَّلَاة والتلاوة، حَتَّى قيل إِنَّه كَانَ يخْتم الْقُرْآن كل لَيْلَة. وَمن المدارك: رَأَيْت ابْن زرب بعد وَفَاته؛ فَسَأَلته؛ فَقَالَ: مَا وجدت أضرّ من الِاخْتِلَاف إِلَى أَبْوَاب الْمُلُوك. وَمَا وجدت شَيْئا أَنْفَع من تِلَاوَة الْقُرْآن} وَلما بنى الْمَنْصُور بن أبي عَامر مَسْجِد الزهراء، وَاسْتَشَارَ الْفُقَهَاء فِي التجميع فِيهِ، أفتى القَاضِي بِمَنْع ذَلِك. وَقَالَ بقوله ابْنا ذكْوَان، وَابْن المكوى، وَابْن وليد. وساعده ابْن الْعَطَّار على التجميع؛ فاستحيى ابْن زرب، وَلم يجمع فِيهِ حَتَّى مَاتَ؛ فَجمع حِينَئِذٍ. وَقَالَ
عَنهُ ابْن حَارِث: كَانَ لَا يحكم فِي شهر رَمَضَان، ويفرغ فِيهِ نَفسه للْعَمَل وَالْعِبَادَة، لم يزل مواظباً على ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ رحمه الله {قَالَ الْحسن بن مُحَمَّد: وَكَانَ أحفظ أهل زَمَانه للفقه على مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه، حَلِيمًا، مُحْتملا، صبوراً، نَفَّاعًا لمن علق بحبله، جميل المنظر، سهل الْخلق، حسن الصُّورَة، طيب الرَّائِحَة، نظيف الملبس والمركب وَالطَّعَام والفاكهة، سَمحا، صليباً فِي ذَات الله، رَفِيقًا، لم يحفظ عَنهُ أَنه قرع أحدا بِسَوْط مُدَّة قَضَائِهِ، لَا تَأْخُذهُ مَعَ ذَلِك فِي الله لومة لائم. وَلم يكن يُخَاطب الْخَلِيفَة هشاماً وَلَا الْمَنْصُور بن أبي عَامر قيم دولته بِغَيْر التسديد على الرَّسْم الْقَدِيم؛ قَرَأت مخاطبته لَهما فِي كتاب ارتقاب الْأَهِلّة المرسوم للقضاة فِي شهر رَمَضَان، ومخرجه على الْعَادة الْمَعْرُوفَة للأعلام فَمَا يَصح لَدَيْهِ من أمرهَا؛ فَكَانَت مخاطبته للأمير هِشَام: أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ سيدى، وأبقاه، وأيد بِطَاعَتِهِ} وَكَانَت مخاطبته لحاجبه الْمَنْصُور: يَا سَيِّدي، وَمن وَفقه الله لطاعته وَعَصَمَهُ بتقواه! واعتنى القَاضِي ابْن زرب بِطَلَب أَصْحَاب ابْن مَسَرَّة، والكشف عَنْهُم، واستتابه من علم أَنه يعْتَقد مَذْهَبهم؛ وَأظْهر للنَّاس كتابا حسنا وَضعه فِي الرَّد على ابْن مَسَرَّة، قرئَ عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ. وَكَانَ سنة 350. اتتاب جملَة جِيءَ بهم إِلَيْهِ من أَتبَاع ابْن مَسَرَّة؛ ثمَّ خرج إِلَى جَانب الْمَسْجِد الْجَامِع الشَّرْقِي، وَقعد هُنَاكَ؛ فَأحرق بَين يَده مَا وجد عِنْدهم من كتبه وأوضاعه؛ وهم ينظرُونَ إِلَيْهِ فِي سَائِر الْحَاضِرين. ووقف يَوْمًا هَذَا القَاضِي بِبَاب أبي بكر الزبيدِيّ النَّحْوِيّ، معلم الْخَلِيفَة هِشَام؛ فَلَمَّا أُوذِنَ بِهِ، بَادر بِالْخرُوجِ إِلَيْهِ حافياً، مَكْشُوف الرَّأْس، كَمَا كَانَ يجلس فِي بَيته، فَوقف بَين يَدَيْهِ، قَائِما على قَدَمَيْهِ، إجلالاً لَهُ، وأبلغ فِي شكره على تعهد؛ فوافاه ابْن زرب حق تكرمته إِيَّاه، وَسَأَلَهُ الْجُلُوس؛ فَأبى عَلَيْهِ وأنشده متمثلاً: أقوم وَمَا بِي أَن أقوم مذلة
…
عَليّ فَإِنِّي للكرام مذلل على أَنَّهَا مني لغيرك هجنة
…
وَلَا كنها بيني وَبَيْنك تجمل قَالَ الْحسن بن مُحَمَّد فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب الاحتفال فِي تَارِيخ أَعْلَام الرِّجَال: وأمتحن القَاضِي ابْن زرب، على فَضله، مَعَ عوام النَّاس بقرطبة، فِي بَاب ابتطائهم للسقي؛ فَدَعَا بهم
فِي الْمحل الَّذِي توالي عَلَيْهِم بأعظم مَا امتحن بِهِ قَاض قبله، وَذَلِكَ أَنه برز بهم عشرَة مرّة: حضر مَعَهم الْمَنْصُور مُحَمَّد بن أبي عَامر استسقاء وَاحِدًا، ولبوسه ثِيَاب بيض، وعَلى رَأسه أقرف وشي أغبر، على شكل أهل المصايب بالأندلس قَدِيما، قد أبدى الْخُشُوع، وَهُوَ باك، ودموعه تسيل على لحيته؛ فَتقدم إِلَى جنَاح الْمِحْرَاب عَن يَمِين الإِمَام، وَقد كَانَ فرش لَهُ هُنَاكَ حَصِير ليُصَلِّي عَلَيْهِ؛ فَدفعهُ بِرجلِهِ، وَأمر بنزعه، وَجلسَ على الأَرْض، وَشهد الاسْتِسْقَاء؛ فَلَمَّا تمّ، أَمر القَاضِي بتفريق صدقَات كَثِيرَة من مَال أَو طَعَام عَن خَلِيفَته وَعَن نَفسه. ولهجت الْعَامَّة بذم القَاضِي، واستبطاء الرَّحْمَة بوسيلته، وأطلقوا ألسنتهم بالطعن فِي دينه، وَوَصفه بالركون إِلَى ابْن أبي عَامر، وعابوه بِالْقبُولِ لهداياه، والاستساغة لعطيته؛ فَلَمَّا تكَرر بالاستسقاء وإبطاء الْغَيْث، هَاجَتْ الْعَامَّة فِي بعض بروزه إِلَى الربض، وثارت، فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ بعد إِتْمَامه الصَّلَاة، يعطعطون، وينكتونه بمعابه، وَيَقُولُونَ لَهُ: بئس الْوَسِيلَة أَنْت إِلَى الله تَعَالَى وَالشَّفِيع فِي إرْسَال الرَّحْمَة، إِذْ أَصبَحت إِمَام الدّين، وقيم الشَّرِيعَة {ثمَّ لَا تتورع عَن قبُول مَا يُرْسل بِهِ إِلَيْك من الْهَدِيَّة الَّتِي لَا تلِيق إِلَّا بالجبابرة} وأبدوا فِي ذَلِك، وأعادوا، وهموا أَن يبسطوا إِلَيْهِ أَيْديهم ويمتهنوه، حَتَّى لَاذَ مِنْهُم بالتربة المنسوبة إِلَى السيدة مرجان، بمقبرة الربض بقرطبة؛ وَكَانَت حَصِينَة الْأَبْوَاب، منيعة الأسوار، فَصَارَ فِيهَا، وأغلق أَبْوَابهَا عَلَيْهِ، واحتصن بهَا مِنْهُم؛ وَأرْسل إِلَى صَاحب الْمَدِينَة يستغيثه، فَأرْسل الفرسان والأشراط إِلَى ناحيته؛ فكشفوا عَنهُ من كَانَ قد تلفف بِهِ من الْعَامَّة، وفرقوهم، وَانْصَرف إِلَى دَاره سالما؛ وَقد لقى مِنْهُم أَذَى شَدِيدا. فَلَمَّا عاود البروز إِلَى الاسْتِسْقَاء بعد ذَلِك، أرسل الْمَنْصُور إِلَيْهِ خيلاً كَثِيرَة من عِنْده، أحاطت بِأَكْنَافِ الْمصلى عِنْد تَكَامل النَّاس فِيهِ قبل الصَّلَاة، استظهر بهم على شغب الْعَامَّة؛ فَلم يَجْسُر أحد من السُّفَهَاء على النُّطْق بِكَلِمَة شَرّ. وَكَانَ لَا يجلس للحكومة حَتَّى يَأْكُل؛ وَكَانَ مَوْصُوفا بِطيب الطَّعَام: لَهُ مِنْهُ وَمن الْحَلْوَاء والفاكهة وَظِيفَة مَعْلُومَة. وَكَانَ يَقُول: لَا شرف فِي لونين {وَرفع فِيهِ على مَا حَكَاهُ عِيَاض حَدِيثا لبَعض السّلف. ثمَّ قَالَ: توفّي رحمه الله} فِي رَمَضَان سنة 381. ومولده فِي رَمَضَان سنة 319.
وتفاقده النَّاس، وأثنوا عَلَيْهِ حسنا. وَأظْهر ابْن أبي عَامر لمَوْته غماً شَدِيدا، وَكتب لوَرثَته كتاب حفظ ورعاية أنتفعوا بِهِ؛ واستدعى ابْنه مُحَمَّدًا، وَهُوَ طِفْل، ابْن ثَلَاثَة أَعْوَام؛ فوصله بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار، وألطاف، قيمتهَا مَا يناهز الْعدَد الْمُسَمّى، وَلَيْسَ ذَلِك من أَفعَال الْمَنْصُور ببدع؛ فقد كَانَ فِي حسن مُعَامَلَته للنَّاس، وَالْوَفَاء لَهُم، بِمَنْزِلَة لَا يقوم بوصفها كتاب، حَتَّى يُقَال إِنَّه لَا يَأْتِي الزَّمَان بِمثلِهِ فِي فَضله، وَلَا طفرت الْأَيْدِي بشكله. وَمن عَجِيب أَخْبَار مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عَامر وَحَدِيثه رحمه الله {مَا وَقع فِي كتاب الْفَقِيه أبي جَعْفَر أَحْمد بن سعيد بن أبي الْفَيَّاض، عِنْد ذكره أَيَّام الْمَنْصُور ودولته. وَنَقله غَيره؛ وَنَصه: قَالَ: أَخْبرنِي بعض من رويت عَنهُ أَنه كَانَ بائتاً لَيْلَة، مَعَ بعض إخوانه، فِي غرفَة؛ فرقد رَفِيقه ودنيه؛ وَلم يرقد هُوَ قلقاً وسهراً؛ فَقَالَ لَهُ صَاحبه: يَا هَذَا} قد أضررتني فِي هَذِه اللَّيْلَة بِهَذَا السهر؛ فَدَعْنِي أرقد. فَقَالَ: إِنِّي مفكر مَشْغُول البال {فَقَالَ لَهُ صَاحبه: يَا هَذَا} وَأَنت أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ لَهُ: هُوَ ذَلِك {فَعجب مِنْهُ وَقَالَ لَهُ: بِاللَّه} لتأْخذ معي هَذَا الْأَمر، وساعدني فِيهِ {فَقَالَ لَهُ: يصلح فلَان وَيصْلح فلَان} وسمى لَهُ جمَاعَة، وَهُوَ لَا يجوز من الْمَذْكُورين أحدا، إِلَى أَن قَالَ لَهُ: يصلح أَبُو بكر بن يبْقى بن زرب فَقَالَ لَهُ ابْن أبي عَامر: يَا هَذَا {فرجت عني} لَيْسَ بِاللَّه يصلح أحد غَيره {ثمَّ رقد. فمضت الْأَيَّام والليالي؛ وَولى ابْن عَامر الخطط، إِلَى أَن صَار لَهُ ملك الأندلس كُله بخلافة الْمُؤَيد بِاللَّه، وَاسْتولى على الْأَمر وَالنَّهْي بِهِ؛ وَذَلِكَ الرجل رَفِيقه وَصَاحبه يتَوَقَّع أَن يتَذَكَّر الْمَنْصُور لاحتقاره فِي تِلْكَ اللَّيْلَة؛ فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيَالِي، مَاتَ القَاضِي ابْن السَّلِيم لَيْلًا. وَكَانَت لمُحَمد بن أبي عَامر فِي أَيَّامه عُيُون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، لَا يَقع أَمر من الْأُمُور حَتَّى يعلم بِهِ. فَأخْبر بِمَوْت ابْن السَّلِيم سَاعَة مَوته فِي اللَّيْل؛ فَبعث فِي ذَلِك الرجل رَفِيقه فِي تِلْكَ السَّاعَة. فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ رَسُوله، تداخله من الْفَزع غير قَلِيل؛ فخشي على نَفسه؛ فَنَهَضَ إِلَيْهِ، وأكفانه مَعَه؛ فَلَمَّا وصل قَالَ لَهُ: يَا هَذَا} قد مَاتَ القَاضِي ابْن السَّلِيم {قَالَ: فَزَاد فزع الرجل، ثمَّ قَالَ لَهُ: من ترى أَن يولي الْقَضَاء؟ قَالَ لَهُ: الَّذِي رَأَيْنَاهُ تِلْكَ اللَّيْلَة} مُحَمَّد بن يبْقى بن زرب! فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: فانهض إِلَيْهِ، واقرأه سلامي، وبشره
بِالْقضَاءِ، وَأخْبرهُ بِكُل مَا دَار بِي مَعَك فِي تِلْكَ اللَّيْلَة، حرفا بِحرف؛ وَلَا تنقصه شَيْئا؛ وَلَا توجده عذرا إِن اعتذر {وَسكن روع الرجل ونهض إِلَى ابْن زرب؛ فَاعْتَذر لَهُ؛ فَلم يقبل لَهُ عذرا، وَحكى مَا دَار لَهُ مَعَ الْمَنْصُور قَدِيما؛ فرضى الْقَضَاء، وَتقدم لَهُ. وَمن الْكتاب الْمُسَمّى: إِن الْمَنْصُور كَانَ كثيرا مَا يترشح للإمارة، ويترجح لملك الأندلس كلهَا؛ وَيكثر من التحدث بذلك فِي حدثان سنة، وإقبال أمره؛ ويتمنى ذَلِك، ويرصده، ويعد بِهِ أَصْحَابه، ويوليهم الخطط، ويمنيهم بالولايات، فَيَأْتِي ذَلِك كَمَا يذكرهُ، وعَلى مَا كَانَ يرسمه. وَمِنْه قَالَ: أَخْبرنِي الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد، قَالَ: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن مُوسَى بن عزرون، قَالَ: أَخْبرنِي أبي، قَالَ: اجْتَمَعنَا يَوْمًا فِي منتزه لنا، بِجِهَة الناعورة بقرطبة، مَعَ الْمَنْصُور بن أبي عَامر؛ وَهُوَ فِي حَدَاثَة سنة، وَأَوَان طلبه، وَهُوَ مرجى مُؤَمل، ومعنا ابْن عَمه عَمْرو بن عبد الله بن عسقلاجة، وَالْكَاتِب ابْن المرعزي، وَالْحسن بن عبد الله بن الْحسن المالقي. وَكَانَت مَعنا سفرة فِيهَا طَعَام؛ فَقَالَ ابْن أبي عَامر، من ذَلِك الْكَلَام الَّذِي كَانَ يتَكَلَّم بِهِ: إِنِّي لَا بُد أَن أملك الأندلس، وأقود العساكر، وَينفذ حكمي فِي جَمِيع الأندلس} وَنحن نضحك مَعَه، ونتعجب من قَوْله؛ فَقَالَ لنا: تمنوا عَليّ {فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُم؛ فَقَالَ عَمْرو بن عبد الله بن عَمه: أَتَمَنَّى أَن توليني على الْمَدِينَة} نضرب ظُهُور الجناة ونفتحها مثل هَذِه الشاردة {وَقَالَ ابْن المرعزي: أشتهي أَن توليني أَحْكَام السُّوق} وَقَالَ ابْن الْحسن: أحب أَن توليني قَضَاء رية {قَالَ مُوسَى بن عزرون: فَقَالَ لي: تمنَّ أَنْت} فشققت لحيته، وَقلت كلَاما سمجاً. فَلَمَّا صَار الْمَنْصُور إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ من ملك الأندلس، ولي ابْن عَمه الْمَدِينَة، وَابْن المرعزي السُّوق، وَولي ابْن الْحسن رية، وَبلغ كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى مَا تمنى. وأغرمني مَالا عَظِيما أحجف بِي وأفقرني، لقبح مَا كنت قد جِئْته بِهِ. وَكَانَ الْمَنْصُور من أهل الذكاء والنبل والبأس والحزم؛ تصرف، بعد الْعلم والطلب، أَيَّام الْخَلِيفَة لحكم، فِي الْأَمَانَات وَالْقَضَاء؛ ثمَّ ملك الأندلس بِولَايَة الحجابة لهشام، وَذَلِكَ فِي النّصْف من شعْبَان سنة 366؛ فاستولى على كثير من الْأَمْصَار، وَصَارَ خَبره أطيب الْأَخْبَار. وَلم يزل على حَالَته من الظُّهُور، والعز الْمُتَّصِل الْمَشْهُور، إِلَى أَن توفّي بِمَدِينَة سَالم، سنة 392، وَهُوَ منصرف من غَزْو بِلَاد الرّوم. وَقد كَانَ عهد إِلَى ثقاته أَن يدفنوه