الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَيْثُ يَمُوت، وَلَا يحملوه فِي تَابُوت؛ فقبروه هُنَالك. وعَلى مشهده مَكْتُوب رحمه الله وأرضاه {: آثاره تنبيك عَن أخباره
…
حَتَّى كَأَنَّك بالعيان ترَاهُ تالله} مَا يَأْتِي الزَّمَان بِمثلِهِ
…
أبدا، وَلَا يحمى الثغور سواهُ
ذكر الْحسن بن عبد الله الجذامي قَاضِي رية
وَأما الْحسن بن عبد الله الجذامى المالقى، فَهُوَ أول قُضَاة الدولة العامرية بكورة رية، حَسْبَمَا حَكَاهُ ابْن أبي الْفَيَّاض وَنَقله غَيره. وَكَانَ رحمه الله! فَقِيها، نبيها، فطناً، متفنناً، بَصيرًا بمذاهب الْعلمَاء، نَفَّاعًا للفقهاء، شَدِيدا على أهل الْأَهْوَاء، رَفِيقًا بالضعفاء، سكن بقرطبة مَعَ أَبِيه، إِذْ كَانَ لَهُ بهَا مَال وإصهار، وَتردد إِلَيْهَا. وَصَحب فِيهَا، أَيَّام قِرَاءَته، مُحَمَّد بن أبي عَامر وَغَيره من أَهلهَا، وَأخذ عَن أشياخها. وَأَصله من رية. من الْعَرَب الشأميين، النازلين بهَا عِنْد الْفَتْح. واختص سلفه مِنْهُم بسكنى مآلقة، وَهِي إِحْدَى مَدَائِن الكورة؛ وحد عمالتها فِي الْقَدِيم، من جِهَة الشرق، الْحمة، حَيْثُ المَاء السخن العجيب الْغَرِيب؛ وَمن نَاحيَة الغرب، حصن الْورْد، الْمَعْرُوف الْآن بمنت ميور، الْقَرِيب من مربلة؛ وَمن جِهَة الْجوف، وَادي شنيل، حَيْثُ حصن بني بشير، والرنيسول، ثمَّ الأَرْض الْمَعْرُوفَة بالخنوس، إِلَى قَرْيَة جليانة الْقَرِيبَة من استبة، إِلَى حوز مورور. قَالَ القَاضِي أَبُو عبد الله بن عَسْكَر، صدر كِتَابه الَّذِي وصف فِيهِ مالقة: أما الِاسْم المنطلق على جَمِيع الكورة فِرْيَة؛ وأظنها اسْما عجمياً. والري عِنْدهم الْملك وَنَحْوه؛ وَلِهَذَا الِاسْم تُوجد فِي كتب الْأَعَاجِم. وَكَانَ ابْن الْحسن الْمُتَقَدّم الذّكر من أَصْحَاب الْمَنْصُور، الملازمين لَهُ فِي أَسْفَاره، لم يخْتَلف عَنهُ فِي غَزَوَاته إِلَى بلد، مُدَّة حَيَاته، معقوداً لَهُ على جند بَلَده، مُعظما فِي قطره، مرجوعاً إِلَى نظره؛ وَكَانَ كثير البدار إِلَى ملاقاة الْعَدو بِنَفسِهِ. وَكَانَ هجيراه عِنْد الْقِتَال
قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {: لَا يجْتَمع كَافِر وقاتله فِي النَّار أبدا} وَاسْتشْهدَ رحمه الله فِي غَزْوَة جربيرة الْمَشْهُورَة، فِي جملَة من اسْتشْهد من الْمُسلمين؛ وَكَانُوا نَحْو ثمانمائه فَارس: قتل فيهم رُؤَسَاء الْعَسْكَر، مثل يحيى بن مطرف، وقاسم بن مَنْصُور، وَالْكثير من وُجُوه النَّاس. ثمَّ نصر الله جنده وَعَسْكَره؛ فَحسن الظَّن وحقق الرَّجَاء، ومنح عبَادَة الظفر، بعد الْيَأْس مِنْهُ. قَالَ أَحْمد بن سعيد: وَذَلِكَ بِرَأْي رأه الْمَنْصُور بن أبي عَامر. وَهُوَ أَن عهد وشدد فِي نقل الْمحلة إِلَى ربوة مشرفة، أشرف مِنْهَا على جَمِيع النَّصَارَى؛ فَلَمَّا رأى النَّاس شخصه فِي أَعْلَاهَا، وَعَلمُوا مَكَانَهُ، رجحوا ظنونهم، مَعَ مَا ألْقى الله تَعَالَى فِي قُلُوب الرّوم من الرعب، وَأَن الْمُسلمين فِي قُوَّة، والمدد يَأْتِيهم، والأجناد تتكافل عَلَيْهِم؛ فَانْهَزَمُوا وَتَفَرَّقُوا؛ وتبعهم الْمُسلمُونَ نَحْو عشرَة أَمْيَال، واستولوا على محلتهم. وَعند ذَلِك كتب الْمَنْصُور كِتَابه الْمَشْهُور إِلَى من فرَّ عَنهُ من جنود، يوبخهم. وَمن فصوله مَا نَصه: وَكَثِيرًا مَا فرط من قَوْلكُم، وَسبق من عزمهم، إِنَّكُم تجهلون قتال المعاقل والحصون، وتشتاقون ملاقاة الرِّجَال على العجول. فحين جَاءَكُم شانجه بالأمنية، وقاتلكم بالشرطية، وَظَهَرت لكم رعلة الطَّائِفَة النَّصْرَانِيَّة، أنكرتم مَا عَرَفْتُمْ، ونفرتم مَا ألفتم، حَتَّى فررتم فرار اليعافير من آساد الغيل، وأجفلتم إجفال الرئال عَن المقتنصين {فألحقتم الْعَار بِأَنْفُسِكُمْ، بعد اخْتِيَاري لكم؛ وطرقتم الشَّرّ على أَعْنَاقكُم، وضيعتم حرماتكم، وأحضرتم ذمتكم؛ فَلَا نعمتي رعيتم، وَلَا تزييني حفظتم، وَلَا وُجُوهكُم أبقيتم، وَلَا غضب الله وَرَسُوله أتقيتم} فقد قَالَ الله عز وجل: " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا {إِذا لَقِيتُم فِئَة، فاثبتوا واذْكُرُوا الله كثيرا؛ لَعَلَّكُمْ تفلحون} " وَقَالَ: " وَمن يولهم يَوْمئِذٍ دبره إِلَّا متحرفاً لقِتَال، أَو متحيزاً إِلَى فِئَة، فقد بَاء بغضب من الله؛ ومأواه جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير {" فَفِيمَ وَلم كَانَ انحيازكم، أشكاً فِي وعد ربكُم؟ أم خوراً فِي أصل طبعكم؟ أم عَجزا عَن دفع باطلهم بحقكم؟ مَا كَانَ إِلَّا لسفه أحلامكم وَسُوء نظركم فِي عَاقِبَة أُمُوركُم} يَا أَحْلَام الْأَطْفَال، وأخلاق الرِّجَال! أنجوتم إِلَى دَار الفناء، الَّتِي لَا تَنْقَطِع همومها