الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي أدرجه فِي كِتَابه إِلَى ابْن هِشَام، مقدما ذكر الوزارة على الْقَضَاء؛ وَذَلِكَ كَانَ رسمها عِنْد مُلُوك بني مَرْوَان؛ فَلَمَّا قَرَأَ العقد، رمى بِالْكتاب وَقَالَ: مَا عهدنا وزراء الْقَوْم تنفذ أحكامهم {وَترك النّظر فِي تِلْكَ الْحُكُومَة. وتعجل مِنْهُ قَاضِي الأندلس مخزاة وهجنة. وَكَانَ لَهُ بداره مجْلِس عَجِيب الصَّنْعَة، حسن الْآلَة، ملبس كُله بالخضرة: جدراته وأبوابه. وسقفه وفرشه وستوره ونمارقه، وكل ذَلِك متشاكل الصِّفَات، قد ملأَهُ بدفاتر الْعلم ودواوين الْكتب الَّتِي ينظر فِيهَا وَيخرج مِنْهَا؛ وَبِهَذَا الْمجْلس كَانَ أنسه وخلوته رحمه الله}
ذكر القَاضِي يحيى بن وَافد اللَّخْمِيّ
وَمِنْهُم يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن وَافد اللَّخْمِيّ. ولي الْقَضَاء سنة 401، فاستقل بِهِ خير اسْتِقْلَال، على مَا كَانَ بذلك الزَّمَان من فتن واعتلال. قَالَ ابْن حَيَّان: كَانَ آخر كملاء الْقُضَاة بالأندلس علما، وهدياً، ورجاحة، وديناً؛ جَامعا لخلال الْفضل. تقلد الشورى بِعَهْد العامرية، فَكَانَ مبرزاً فِي أَهلهَا. وتقلد الصَّلَاة بالزهراء مُدَّة، إِلَى أَن استعفاها؟ وَلما قَامَت فتْنَة البرابر، كَانَ ابْن وَافد أحد الْأَشِدَّاء عَلَيْهِم، وأكبر النَّاس نفاراً مِنْهُم؛ فتغلبوا على قرطبة، وخلعوا أميرها؛ وَاشْتَدَّ طَلَبهمْ على القَاضِي، وَقد استخفى؛ فعثر عَلَيْهِ عِنْد امْرَأَة؛ فسيق رَاجِلا، مَكْشُوف الرَّأْس، نَهَارا، يُقَاد بعمامته فِي عُنُقه، والمنادى يُنَادي عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاء قَاضِي النَّصَارَى، ومسبب الْفِتْنَة، وقائد الصَّلَاة {وَهُوَ يَقُول مجاوباً: بل وَالله} ولي الْمُؤمنِينَ، وعدو المارقين {أَنْتُم شَرّ مَكَانا، وَالله أعلم بِمَا تصفون} وَالنَّاس تتقطع قُلُوبهم لما نزل بِهِ؛ فَلَقِيَهُ فِي هَذِه الْحَالة بعض عداهُ؛ فَقَالَ لَهُ: كَيفَ رَأَيْت صنع الله بك؟ فَقَالَ: مَا أَنْتُم قُضَاة {كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطوراً} ولقيه بعض أَصْحَابه، فَقَالَ: نرى أَن أبلغ أَمرك أَبَا الْعَبَّاس بن ذكْوَان؟ فَإِنَّهُ مَقْبُول القَوْل عبد البرابرة فَقَالَ: لَا حَاجَة لي بذلك! فَأدْخل على المستعين سُلَيْمَان بن الحكم فِي تِلْكَ الْحَالة؛ فَأكْثر توبيخه؛ وأغرته بِهِ البرابرة؛ فَأمر بصلبه. فشرع فِي ذَلِك. فوردت عَلَيْهِ شفاعات من الْفُقَهَاء وَالصَّالِحِينَ
الَّذين لَا يرى ردهم، يرغبون إِلَيْهِ فِي شَأْنه ويقبحون إِلَيْهِ مَا أَمر بِهِ فِيهِ؛ فَرفع عَنهُ الصلب والمثلة، وَأمر بضمه إِلَى المطبق، وتثقيفه. وَكَانَ السُّلْطَان يجْرِي وَظِيفَة على من فِيهِ؛ فَكَانَ ابْن وَافد لَا يَأْكُل مِنْهَا. وَلم يبعد رحمه الله {أَن اعتل فِي محبسه؛ فَأخْرج مَيتا فِي نعش، منتصف ذِي الْحجَّة سنة 404؛ فَوَضعه الأعوان بالساقية، مَوضِع غسل المجاذم. فاحتمله قوم إِلَى دَار صهره؛ فسد بَابه فِي وَجه النعش، وتبرأ مِنْهُ تقية. سمع الزَّاهِد حَمَّاد بن عمار بالقصة؛ فبادر، وَصَارَ بنعشه إِلَى منرله؛ فَقَامَ بأَمْره. قَالَ صَاحب المدارك. وَكَانَ من عَجِيب الِاتِّفَاق أَن ابْن وَافد كَانَ قد أودع عِنْد هَذَا الصَّالح كَفنه وحنوطه وقارورة من مَاء زَمْزَم لجهازه، فتم مُرَاده. وعدت من كراماته. وَجَاء بنعشه وَصلى عَلَيْهِ فِي طَائِفَة من الْعَامَّة عِنْد بَاب الْجَامِع. ثمَّ سَارُوا بِهِ؛ فَوَارَوْهُ التُّرَاب غفر الله لنا وَله} وعطل سُلَيْمَان بن الحكم، إِمَام البرابرة، خطة الْقَضَاء بقرطبة طول ولَايَته، زاعماً أَنه لم يرتض لَهَا أحدا، لما تأبى عَلَيْهِ وليه أَحْمد بن ذكْوَان من تقليدها؛ فعطل اسْم الْقَضَاء مُدَّة من ثَلَاثَة أَعْوَام وَثَلَاثَة أشهر، إِلَى أَن هلك إِمَام البرابرة فِي محرم سنة 404، وَولى عَليّ بن حمود الفاطمي، وَأعَاد رسم الْقَضَاء الَّذِي كَانَ قد عَفا بقرطبة، وأحياه بِأَن ولاه الْفَقِيه المشاور عبد الرَّحْمَن بن بشر. وَكَانَ آخر قُضَاة الْخُلَفَاء رَحِمهم الله تَعَالَى! وَذَلِكَ سنة 407، ايام تغلب ابْن حمود الْمَذْكُور على ملك بني مَرْوَان بالأندلس، وظهوره على آخِرهم سُلَيْمَان بن الحكم صَاحب البرابرة، وَملكه لدار مملكتهم قرطبة. ثمَّ هلك عَليّ بن حمود، وَولى وكانه الْقَاسِم أَخُوهُ؛ فَأمر القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن بشر على مَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ من الْقَضَاء لِأَخِيهِ. وَكَذَلِكَ فعل المعتلى بِاللَّه يحيى بن عَليّ لما ولى، تبع رَأْي أَبِيه وَعَمه فِي القَاضِي الْمَذْكُور؛ فأثبته فِي مَكَانَهُ، وَقدم مُحَمَّد بن الْحسن، ولد عمته زَيْنَب شَقِيقَة أَبِيه، قَاضِيا بمالقة أَيْضا؛ وَذَلِكَ سنة 426.