الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ (وَأَرَادُوا بِالْمَدَنِيِّ مَنْ فِي مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ) : يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي فِي الْمَدِينَةِ إصَابَةُ عَيْنِ الْقِبْلَةِ لِثُبُوتِ مِحْرَابِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْوَحْيِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ مُشَاهِدًا لِلْبَيْتِ، بَل أَوْرَدَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ أَنَّهُ رُفِعَتْ لَهُ الْكَعْبَةُ حِينَ بَنَى مَسْجِدَهُ صلى الله عليه وسلم (1) .
اسْتِقْبَال مَحَارِيبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ:
21 -
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ مَحَارِيبَ الصَّحَابَةِ، كَجَامِعِ دِمَشْقَ، وَجَامِعِ عَمْرٍو بِالْفُسْطَاطِ، وَمَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَالْقَيْرَوَانِ وَالْبَصْرَةِ، لَا يَجُوزُ الاِجْتِهَادُ مَعَهَا فِي إثْبَاتِ الْجِهَةِ، لَكِنْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ الاِنْحِرَافِ الْيَسِيرِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً، وَلَا تَلْحَقُ بِمَحَارِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ لَا يَجُوزُ فِيهَا أَدْنَى انْحِرَافٍ.
وَكَذَلِكَ مَحَارِيبُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَحَارِيبُ جَادَّتِهِمْ أَيْ مُعْظَمُ طَرِيقِهِمْ وَقُرَاهُمُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي أَنْشَأَتْهَا قُرُونٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَيْ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ صَلُّوا إلَى هَذَا الْمِحْرَابِ وَلَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَعَنَ فِيهَا، لأَِنَّهَا لَمْ تُنْصَبْ إلَاّ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَةِ بِالأَْدِلَّةِ، فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْخَبَرِ.
لَكِنْ قَال الْحَنَابِلَةُ: إنْ فَرَضَ مَنْ كَانَ فِيهَا إصَابَةَ الْعَيْنِ بِبَدَنِهِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى قِبْلَتِهِ، مُعَلِّلِينَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ. (2)
(1) رد المحتار 1 / 287، والدسوقي 1 / 224، والمغني مع الشرح الكبير 1 / 457 طبعة أولى، ونهاية المحتاج 1 / 421، والشرح الكبير 1 / 485.
(2)
رد المحتار 1 / 288، والدسوقي 1 / 224، وكشاف القناع 1 / 280، ونهاية المحتاج 1 / 420.
الإِْخْبَارُ عَنِ الْقِبْلَةِ:
22 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَحَارِيبُ مَنْصُوبَةً فِي الْحَضَرِ، فَيَسْأَل مَنْ يَعْلَمُ بِالْقِبْلَةِ مِمَّنْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ مِنْ أَهْل ذَلِكَ الْمَكَانِ مِمَّنْ يَكُونُ بِحَضْرَتِهِ. أَمَّا غَيْرُ مَقْبُول الشَّهَادَةِ، كَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ فَلَا يُعْتَدُّ بِإِخْبَارِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل ذَلِكَ الْمَكَانِ فَلأَِنَّهُ يُخْبِرُ عَنِ اجْتِهَادٍ، فَلَا يُتْرَكُ اجْتِهَادُهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ أَهْل الْمَسْجِدِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَرْعُ الأَْبْوَابِ.
وَأَمَّا فِي الْمَفَازَةِ فَالدَّلِيل عَلَيْهَا النُّجُومُ كَالْقُطْبِ، وَإِلَاّ فَمِنْ أَهْلِهَا الْعَالِمِ بِهَا مِمَّنْ لَوْ صَاحَ بِهِ سَمِعَهُ، وَالاِسْتِدْلَال بِالنُّجُومِ فِي الْمَفَازَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّؤَال، وَالسُّؤَال مُقَدَّمٌ عَلَى التَّحَرِّي (1) .
اخْتِلَافُ الْمُخْبِرِينَ:
23 -
صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ عِنْدَ اخْتِلَافِ اثْنَيْنِ فِي الإِْخْبَارِ عَنِ الْقِبْلَةِ: أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فَيَأْخُذُ بِقَوْل أَحَدِهِمَا، وَقِيل: يَتَسَاقَطَانِ وَيَجْتَهِدُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَأْخُذُ بِقَوْل أَحَدِهِمَا إلَاّ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الاِجْتِهَادِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُضْطُرَّ لِلأَْخْذِ بِقَوْل أَحَدِهِمَا، أَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَالْمُخْبِرَانِ اخْتَلَفَا فِي عَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ لِعَارِضٍ فِيهَا وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّسَاقُطِ (2) .
وَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَا تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى.
(1) نهاية المحتاج 1 / 425