الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَبْحَثُ الثَّانِي
الاِسْتِنَادُ بِمَعْنَى الاِحْتِجَاجِ:
9 -
يَأْتِي الاِسْتِنَادُ بِمَعْنَى الاِحْتِجَاجِ بِمَا يُقَوِّي الْقَضِيَّةَ الْمُدَّعَاةَ، وَيَكُونُ إمَّا فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ وَالاِسْتِدْلَال وَالاِجْتِهَادِ، فَيُرْجَعُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ إلَى أَبْوَابِ الأَْدِلَّةِ، وَبَابِ الاِجْتِهَادِ مِنْ عِلْمِ الأُْصُول.
وَإِمَّا فِي دَعْوَى أَمَامَ الْقَضَاءِ، فَيُرْجَعُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ إلَى مُصْطَلَحِ (إثْبَاتٌ) .
الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ.
الاِسْتِنَادُ بِمَعْنَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِأَثَرٍ رَجْعِيٍّ:
10 -
الاِسْتِنَادُ بِهَذَا الْمَعْنَى: هُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الْحَال لِتَحَقُّقِ عِلَّتِهِ، ثُمَّ يَعُودُ الْحُكْمُ الْقَهْقَرِيُّ لِيَثْبُتَ فِي الْمَاضِي تَبَعًا لِثُبُوتِهِ فِي الْحَاضِرِ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: أَنَّ الْمَغْصُوبَ إِذَا تَلِفَ تَحْتَ يَدِ الْغَاصِبِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ مَلَكَهُ مِلْكًا مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ وُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ، حَتَّى أَنَّهُ يَمْلِكُ زَوَائِدَهُ الْمُتَّصِلَةَ الَّتِي وُجِدَتْ مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إِلَى حِينِ الضَّمَانِ، لأَِنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا أَنَّ الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ نَفَاذُهُ عَلَى إجَازَةِ مَنْ لَهُ حَقُّ الإِْجَازَةِ - كَبَيْعِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يَقِفُ نَفَاذُهُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ - إِذَا أَجَازَهُ نَفَذَ نَفَاذًا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْعَقْدِ، حَتَّى يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي زَوَائِدَهُ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ. (1)
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم، وحاشية الحموي ص 156، 157 ط استانبول، وكشاف اصطلاحات الفنون 3 / 647.
وَاسْتِعْمَال لَفْظِ الاِسْتِنَادِ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ مُصْطَلَحٌ لِلْحَنَفِيَّةِ خَاصَّةً. وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَسْتَعْمِلُونَ بَدَلاً مِنْهُ اصْطِلَاحَ " التَّبَيُّنِ "، (1) وَالْمَالِكِيَّةُ يُعَبِّرُونَ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى " بِالاِنْعِطَافِ ". (2)
وَمَعْنَى الاِسْتِنَادِ فِي الإِْجَازَةِ مَثَلاً أَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ إِذَا أُجِيزَ يَكُونُ لِلإِْجَازَةِ اسْتِنَادٌ وَانْعِطَافٌ، أَيْ تَأْثِيرٌ رَجْعِيٌّ، فَبَعْدَ الإِْجَازَةِ يَسْتَفِيدُ الْعَاقِدُ مِنْ ثَمَرَاتِ الْعَقْدِ مُنْذُ انْعِقَادِهِ، لأَِنَّ الإِْجَازَةَ لَمْ تُنْشِئِ الْعَقْدَ إنْشَاءً بَل أَنْفَذَتْهُ إنْفَاذًا، أَيْ فَتَحَتْ الطَّرِيقَ لآِثَارِهِ الْمَمْنُوعَةِ الْمُتَوَقِّفَةِ لِكَيْ تَمُرَّ وَتَسْرِيَ، فَتَلْحَقُ تِلْكَ الآْثَارُ بِالْعَقْدِ الْمُوَلِّدِ لَهَا اعْتِبَارًا مِنْ تَارِيخِ انْعِقَادِهِ، لَا مِنْ تَارِيخِ الإِْجَازَةِ فَقَطْ. فَبَعْدَ الإِْجَازَةِ يُعْتَبَرُ الْفُضُولِيُّ كَوَكِيلٍ عَنْ صَاحِبِ الْعَقْدِ قَبْل الْعَقْدِ، وَبِمَا أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْوَكِيل نَافِذَةٌ عَلَى الْمُوَكِّل مُنْذُ صُدُورِهَا، يَكُونُ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ نَافِذًا عَلَى الْمُجِيزِ نَفَاذًا مُسْتَنِدًا إلَى تَارِيخِ الْعَقْدِ. (3)
هَذَا، وَمِنْ أَجْل أَنَّ هَذَا الاِصْطِلَاحَ خَاصٌّ بِالْحَنَفِيَّةِ فَسَيَكُونُ كَلَامُنَا فِي هَذَا الْمَبْحَثِ مُعَبِّرًا عَنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ خَاصَّةً، إلَاّ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَنُصُّ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِمْ.
11 -
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ أَنَّ الأَْحْكَامَ تَثْبُتُ بِطُرُقٍ أَرْبَعٍ، فَذَكَرَ مَعَ الاِسْتِنَادِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ:
أ - الاِقْتِصَارَ: وَهُوَ الأَْصْل. كَمَا إِذَا أَنْشَأَ طَلَاقًا مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عِنْدَ هَذَا الْقَوْل
(1) حاشية الدسوقي 2 / 396، ونهاية المحتاج 6 / 67، والمغني 6 / 25.
(2)
المدخل الفقهي العام للشيخ مصطفى الزرقاء 1 / 534 (الحاشية) مطبعة الجامعة السورية الطبعة الخامسة.
(3)
الأشباه والنظائر بتوضيح يسير ص 156 - 157.