الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ فِيمَا بَعْدُ، مَلَكَهُ مِلْكًا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ. أَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَسِمَنِ الدَّابَّةِ فَلَا يَضْمَنُهَا، لأَِنَّهَا تَكُونُ قَدْ حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الْغَصْبِ وَقَبْل الضَّمَانِ، لَوْ بَاعَهَا أَوِ اسْتَهْلَكَهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا، لأَِنَّهَا فِي الأَْصْل غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ، إذْ قَدْ حَدَثَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَلَا يَضْمَنُهَا إلَاّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّفْرِيطِ، وَبِبَيْعِهَا أَوِ اسْتِهْلَاكِهَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا، فَكَانَ غَاصِبًا لَهَا فَيَضْمَنُهَا عَلَى تَفْصِيلٍ مَوْطِنُهُ الْغَصْبُ.
فَظَهَرَ الاِسْتِنَادُ مِنْ جِهَةِ الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ، وَاقْتَصَرَ الْمِلْكُ عَلَى الْحَال مِنْ جِهَةِ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ. قَال الْكَاسَانِيُّ: أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ بِطَرِيقِ الاِسْتِنَادِ، فَالْمُسْتَنَدُ يَظْهَرُ مِنْ وَجْهٍ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْحَال مِنْ وَجْهٍ، فَيَعْمَل بِشَبَهِ الظُّهُورِ فِي الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ، وَبِشَبَهِ الاِقْتِصَارِ فِي الْمُنْفَصِلَةِ، لِيَكُونَ عَمَلاً بِالشَّبَهَيْنِ بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ. (1)
الْفَرْعُ الثَّانِي: لَوِ اسْتَغَل الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ، كَمَا لَوْ آجَرَ الدَّابَّةَ، فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ عَلَى قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ عَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ، لأَِنَّهُ حَصَل فِي مِلْكِهِ حِينَ أَدَّى ضَمَانَهُ مُسْتَنِدًا إلَى حِينِ الْغَصْبِ. وَقَال الْبَابَرْتِيُّ: وَإِنَّمَا قَال أَبُو حَنِيفَةَ بِالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ لأَِنَّهَا حَصَلَتْ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَهُوَ وَإِنْ دَخَل فِي مِلْكِهِ مِنْ حِينِ الْغَصْبِ، إلَاّ أَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَنَدَ نَاقِصٌ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا فِيهِ مِنْ وَجْهٍ
(1) البدائع 7 / 144 ط دار الكتاب العربي - بيروت.
دُونَ وَجْهٍ، وَلِهَذَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَغْصُوبِ الْقَائِمِ دُونَ الْفَائِتِ، فَلَا يَنْعَدِمُ فِيهِ الْخُبْثُ. (1)
مَا نَشَأَ عَنِ اعْتِبَارِ الإِْجَازَةِ مُسْتَنِدَةً فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ:
14 -
نَشَأَ عَنْ نَظَرِيَّةِ اسْتِنَادِ إِجَازَةِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَوْقُوفَةِ إلَى وَقْتِ الاِنْعِقَادِ إنِ اشْتَرَطُوا لِصِحَّةِ الإِْجَازَةِ قِيَامَ الْمُجِيزِ وَالْمَحَل عِنْدَ الْعَقْدِ، بِالإِْضَافَةِ إلَى قِيَامِ الْعَاقِدَيْنِ. وَلِذَا يَقُول الْحَصْكَفِيُّ: كُل تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنَ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ - أَيْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَائِهِ حَال وُقُوعِهِ - انْعَقَدَ مَوْقُوفًا، وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلاً. فَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا بَاعَ عَيْنًا ثُمَّ بَلَغَ قَبْل إِجَازَةِ وَلِيِّهِ فَأَجَازَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ، لأَِنَّ لَهُ وَلِيًّا يُجِيزُهُ حَالَةَ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ مَثَلاً ثُمَّ بَلَغَ فَأَجَازَهُ بِنَفْسِهِ، لأَِنَّهُ وَقْتَ قِيَامِ التَّصَرُّفِ لَا مُجِيزَ لَهُ - أَيْ لأَِنَّ وَلِيَّهُ لَا يَمْلِكُ إِجَازَةَ الطَّلَاقِ - فَيَبْطُل، إِلَاّ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ حِينَئِذٍ، كَأَنْ يَقُول بَعْدَ الْبُلُوغِ: أَوْقَعْتُ ذَلِكَ الطَّلَاقَ. (2)
مَا يَدْخُلُهُ الاِسْتِنَادُ:
15 -
يَدْخُل الاِسْتِنَادُ فِي تَصَرُّفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ كَثِيرَةٍ: مِنْهَا فِي الْعِبَادَةِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الأَْشْبَاهِ: أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِتَمَامِ الْحَوْل مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّل وُجُودِ النِّصَابِ.
وَكَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، تُنْتَقَضُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الْحَدَثِ، لَا إِلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَكَطَهَارَةِ الْمُتَيَمِّمِ، تَنْتَقِضُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ
(1) الهداية وشرحها العناية للبابرتي 8 / 356.
(2)
الدر المختار بهامش ابن عابدين 2 / 327 و 4 / 135.