الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفَاهَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، وَلأَِنَّهُ مَحَلٌّ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَيُعْفَى عَنْهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ قَوْلاً بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. (1)
ثُمَّ هُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَبَنَى ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى ذَلِكَ كَرَاهَةَ تَرْكِهِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا عَنِ الْبَدَائِعِ. وَنَقَل عَنِ الْخُلَاصَةِ وَالْحِلْيَةِ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا سُنَّةٌ، بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَدَثِ فَتَرْكُهَا يُكْرَهُ. (2)
وَقْتُ وُجُوبِ الاِسْتِنْجَاءِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهِ:
8 -
إِنَّ وُجُوبَ الاِسْتِنْجَاءِ إِنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَلِذَا قَال الشَّبْرَامَلُّسِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَجِبُ الاِسْتِنْجَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، بَل عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، بِأَنْ دَخَل وَقْتُ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ فِعْلَهَا فِي أَوَّلِهِ. فَإِذَا دَخَل وَقْتُ الصَّلَاةِ وَجَبَ وُجُوبًا مُوَسَّعًا بِسَعَةِ الْوَقْتِ، وَمُضَيَّقًا بِضِيقِهِ.
ثُمَّ قَال: نَعَمْ، إِنْ قَضَى حَاجَتَهُ فِي الْوَقْتِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، وَجَبَ اسْتِعْمَال الْحَجَرِ فَوْرًا. (3)
عَلَاقَةُ الاِسْتِنْجَاءِ بِالْوُضُوءِ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا:
9 -
الاِسْتِنْجَاءُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ قَبْلَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالرِّوَايَةُ الْمُعْتَمَدَةُ لِلْحَنَابِلَةِ، فَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ جَازَ وَفَاتَتْهُ السُّنِّيَّةُ، لأَِنَّهُ إِزَالَةُ نَجَاسَةٍ، فَلَمْ تُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْفَرْجِ.
(1) الذخيرة 1 / 205.
(2)
رد المحتار 1 / 224، والبحر الرائق 1 / 253.
(3)
حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 1 / 128 - 129.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ، وَإِنِ اسْتَحَبُّوا تَقْدِيمَهُ عَلَيْهِ.
أَمَّا الرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: فَالاِسْتِنْجَاءُ قَبْل الْوُضُوءِ - إِذَا وُجِدَ سَبَبُهُ - شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ. فَلَوْ تَوَضَّأَ قَبْل الاِسْتِنْجَاءِ لَمْ يَصِحَّ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَهَذَا فِي حَقِّ السَّلِيمِ، أَمَّا فِي حَقِّ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ - يَعْنُونَ صَاحِبَ السَّلَسِ وَنَحْوِهِ - فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الاِسْتِنْجَاءِ عَلَى الْوُضُوءِ.
وَعَلَى هَذَا، فَإِذَا تَوَضَّأَ السَّلِيمُ قَبْل الاِسْتِنْجَاءِ، يَسْتَجْمِرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالأَْحْجَارِ، أَوْ يَغْسِلُهُ بِحَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يَمَسُّ الْفَرْجَ. (1) وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى لَا تَأْبَى ذَلِكَ التَّفْصِيل.
عَلَاقَةُ الاِسْتِنْجَاءِ بِالتَّيَمُّمِ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا:
10 -
لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ اتِّجَاهَانِ:
الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل: أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الاِسْتِجْمَارِ عَلَى التَّيَمُّمِ، وَهَذَا رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَعَلَّل الْقَرَافِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَّصِل بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا تَيَمَّمَ ثُمَّ اسْتَنْجَى فَقَدْ فَرَّقَهُ بِإِزَالَةِ النَّجْوِ.
وَعَلَّل الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى ذَلِكَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَإِنَّمَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يُمْكِنُهُ إِزَالَتُهَا لَا تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ، فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الاِسْتِبَاحَةِ، كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ قَبْل الْوَقْتِ.
وَالاِتِّجَاهُ الثَّانِي: أَنَّ التَّرْتِيبَ هُنَا لَا يَجِبُ، وَهُوَ
(1) تحفة الفقهاء 1 / 13، ونهاية المحتاج 1 / 115، 129، والخرشي 1 / 141، والمغني 1 / 82، وكشاف القناع 1 / 60.