الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: الإقلاب
الإقلاب لغة: تحويل الشيء عن وجهه. واصطلاحا: قلب النون الساكنة والتنوين ميما مخفاة قبل الباء، مع بقاء الغنة ظاهرة بإجماع القراء، سواء أكانت النون مع الباء في كلمة نحو (جنب)، (منبثا) أو كلمتين نحو (من بعد) والتنوين لا يكون إلا من كلمتين نحو (سميع بصير). قال الشيخ الجمزورى رحمه الله:
والثالث الإقلاب عند الباء
…
ميما بغنة مع الإخفاء
من ذلك نرى أنه لا بدّ من توافر ثلاثة شروط لقلب النون ميما مخفاة:
أولها: قلب النون ميما- ثانيها: جعل الميم مخفاة- ثالثها: الحفاظ علي بقاء الغنة. ونتناول كل أمر من تلك الأمور بالشرح والتفصيل فيما يلي:
الشرط الأول: قلب النون الساكنة والتنوين:
يتساءل البعض عن أسباب قلب النون الساكنة أو التنوين ميما وعما يمنعنا أن ننطق بها نونا علي أصلها؟ ونجيب فنقول إذا وقعت النون الساكنة أو التنوين قبل الباء ثقل الانتقال من مخرج النون المظهرة إلى مخرج «الباء» لما في ذلك من الكلفة حال التلفظ بهما، «فالنون» مخرجها من «طرف اللسان» مع ما يحاذيه من لثة الأسنان العليا الأمامية، بينما الباء حرف «شفوي» أي أن المخرجين متباعدان. أضف إلى ذلك «أن في النون غنة يتطلب إظهارها الفتور والتراخي إلي حد يشبه الوقف» (1). وإخراج الباء من مخرجها بعد النون يحول دون امتداد صوت الغنة المصاحبة للنون فنخلص من ذلك إلى أن النطق بالنون المظهرة قبل الباء فيه كلفة فلا يجوز. وإذا حاولت إدغام النون في الباء لم يجز ذلك أيضا لبعد المخرجين، ولعدم التجانس حيث كانت النون حرفا أغن (2)(وكذلك التنوين) أما الباء فحرف غير أغن، ولذهاب غنة النون بالإدغام.
(1) نهاية القول المفيد: محمد مكي نصر، ص 123.
(2)
أي صفته الغنة.
ولما لم يحسن «إظهار» النون قبل الباء ولم يحسن «إدغامها» فيها كان لا بدّ من البحث عن حرف من الحروف «يؤاخي النون في الغنة» ، «ويؤاخي الباء في المخرج» فكانت «الميم» أنسب الحروف لانطباق الصفتين المذكورتين عليها تمام الانطباق وبناء علي ذلك تحل «الميم» محل «النون» فيسهل النطق بها مخفاة قبل الباء ويمكن أن ندلل علي ذلك بما نفعله نحن بقصد التسهيل والتيسير حين نتحدث العامية فنقوم من تلقاء أنفسنا وبالفطرة ودون معلم بقلب النون ميما حال وقوعها قبل الباء فنقول مثلا:(موجز الأمباء) ونقصد «الأنباء» ونقول («يمبني») نقصد «ينبني» أي يبني، ونقول (ممبرّه) أي (من برّه) و (جمبي) أي «جنبي» . و (يمبلع) أى (ينبلع).
ولو تأملنا كيفية نطق تلك الكلمات لوجدنا أن اللسان كف عن قرع مخرج النون وقامت الشفتان بنطق «الميم» بدلا من «النون» كنوع من التيسير التلقائي ومعني ذلك أن النون قد سقطت لفظا (أي انعدمت صورتها التي يتلفظ بها)، أما (صورتها المرئية) أي المرسومة خطا فتبقى على هيئتها المخطوطة في المصحف برسمها المعهود ونرمز لما جرى عليها من قلب بوضع «ميم» صغيرة فوقها نحو (جنب)، (من بعد). هذا بالنسبة للنون الساكنة، أما نون التنوين فهي أصلا لا وجود لها خطا، وإنما يرمز لها بالحركتين فتحا وضما وكسرا هكذا:() ولكنها موجودة لفظا بهيئتها الصوتية المنطوقة. ولما كانت نون التنوين تشارك النون الساكنة جميع أحكامها كان لزاما علينا
أن نسقطها كذلك «لفظا» كلما استحق التنوين حكم الإقلاب. ويرمز للإقلاب في تلك الحالة بحذف إحدى حركتي التنوين (فتحا وضما وكسرا) وترك الأخرى والتعويض عن المحذوف برسم ميم صغيرة مع الحركة الباقية منهما هكذا () ومثال ذلك حال النصب (هنيئا بما أسلفتم)، وحال الرفع (عليم بذات الصدور)، وحال الكسر (كرام بررة).