الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومولده فى سنة تسع وأربعين وستمائة. وكان يباشر الإنشاء بمصر ودام على ذلك سنين إلى أن أصابه سهم فى نوبة «1» حمص الكبرى سنة ثمانين وستمائة فى صدغه فعمى منه، وبقى ملازم بيته إلى أن مات. وكان إماما أديبا فاضلا ناظما ناثرا جمّاعا للكتب، خلّف ثمانى عشرة «2» خزانة كتب نفائس أدبيّة وغيرها. ومن شعره بعد عماه:
أضحى وجودى برغمى فى الورى عدما
…
وليس لى فيهم ورد ولا صدر
عدمت عينى ومالى فيهم أثر
…
فهل وجود ولا عين ولا أثر
وله أيضا:
قال لى من رأى صباح مشيبى
…
عن شمالى ولمّتى ويمينى
أىّ شىء هذا فقلت مجيبا
…
ليل شكّ محاه صبح يقين
وله فى شبّابة «3» :
سلبتنا شبّابة بهواها
…
كلّ ما ينسب اللبيب إليه
كيف لا والمحسّن القول فيها
…
آخذ أمرها بكلتا يديه
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 731]
سنة اثنتين وعشرين من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة.
فيها توفّى الأمير شهاب الدين صمغار «1» ابن الأمير شمس الدين «2» سنقر الأشقر فى ثالث عشر «3» المحرّم. وكان من جملة أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، وأنعم الملك الناصر بإقطاعه على بهادر [بن أوليا «4» ] بن قرمان. وكان صمغار المذكور بطلا شجاعا يخافه الملك الناصر، وفرح بموته.
وتوفّى الأمير علاء الدين «5» علىّ ابن الأمير قطلوبك الفخرىّ أحد أمراء العشرات فى سابع عشرين المحرّم، وأنعم بإقطاعه على الزّينى أمير حاجّ ابن الأمير طقزدمر الحموىّ.
وتوفّى الأمير سيف الدين منكلى بغا السلاح دار فى يوم الأحد سادس «6» صفر ودفن خارج باب النصر من القاهرة. وكان أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، وأنعم السلطان بإمرته على الأمير تمربغا السّعدىّ. وكان منكلى بغا المذكور كثير الأكل كثير النكاح، وله فيهما حكايات عجيبة مضحكة.
وتوفّى قاضى القضاة بدمشق عزّ الدين أبو عبد الله محمد ابن تقىّ الدين سليمان ابن حمزة بن أحمد بن عمر ابن الشيخ أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة الحنبلىّ الدّمشقىّ بها فى يوم الأربعاء تاسع صفر. وكان ولى قضاء الحنابلة بدمشق بعد القاضى شرف الدين أبى محمد «7» عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن عبد الغنىّ المقدسىّ إلى أن مات فى هذا التاريخ. وكان عالما فاضلا مشكور السّيرة.
وتوفّى الأمير قجليس بن عبد الله أمير سلاح فى يوم الثلاثاء خامس عشر صفر، وأنعم السلطان بإقطاعه وهو إمرة مائة على الأمير ساطلمش الجلالى. وكان قجليس المذكور من أعيان أمراء الديار المصرية وأماثلهم.
قلت: ولم يكن» أمير سلاح» تلك الأيام فى رتبة أيّامنا هذه. وإنّما كان أمره أنه يحمل سلاح السلطان ويناوله إيّاه فى يوم الحرب وفى عيد النّحر، وكان يجلس حيث كانت منزلته، واستمرّ ذلك إلى أوائل سلطنة الملك الظاهر برقوق حسب ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى فى محلّه.
وتوفّى الأمير سيف الدين طرجى «1» بن عبد الله الساقى أمير مجلس فى يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر. وكانت وظيفة أمير مجلس يوم ذاك أكبر من وظيفة أمير سلاح، وكان هو الذي يحكم على الجرايحية والحكماء وغيرهم.
وتوفّى الشيخ المسند المعمّر بدر الدين أبو المحاسن يوسف بن عمر بن حسّان «2» ابن أبى بكر بن علىّ الحنفى فى يوم الثلاثاء خامس عشر صفر بالقاهرة، وهو آخر من حدّث عن سبط «3» السّلفىّ، وكان صار رحلة الناس فى ذلك.
وتوفّى الأمير سيف الدين بيغجار «4» بن عبد الله الساقى أحد أمراء الطبلخاناه بديار مصر، وأنعم الملك الناصر بإقطاعه على الأمير عمر بن أرغون النائب.
وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير حسام الدين طرنطاى المنصورىّ فى يوم الأربعاء ثامن شهر رجب، وهو أحد أمراء الألوف بالديار المصرية. وكان أميرا شجاعا كريما وجيها فى الدّول.
وتوفّى الأمير الكبير أرغون بن عبد الله الناصرىّ نائب السلطنة الشريفة ثم نائب حلب، وبها مات فى ليلة السبت ثامن عشر شهر ربيع الأوّل وقيل ربيع الآخر.
وأصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الترجمة. اشتراه وربّاه وأدّبه وتبنّى به وأمره بملازمة الاشتغال، فاشتغل ودأب وبرع وكتب الخطّ المنسوب، وسمع صحيح البخارىّ بقراءة الشيخ أثير الدّين «1» أبى حيّان، وكتب بخطّه صحيح البخارىّ، وبرع فى الفقه وأصوله، وأذن له فى الإفتاء والتدريس. قال الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ قال لى الشيخ فتح الدين بن سيد الناس، كان أرغون يعرف مذهب أبى حنيفة ودقائقه ويقصر فهمه فى الحساب إلى الغاية.
قلت: كان قصور فهمه فى الحساب إذ ليس هو بصدده، ولو صرف همّته إلى ذلك لفهمه وعلمه على أحسن وجه. انتهى. ورقّاه أستاذه الملك الناصر لمّا رأى فيه مخايل النّجابة، وجعله دوادارا بعد الأمير بيبرس الدّوادار، ثمّ ولّاه نيابة السلطنة بديار مصر وجعل أمورها كلّها إليه. فدام فى نيابة السلطنة نحو ست عشرة سنة، ثم أخرجه لنيابة حلب. وقد ذكرنا «2» سبب إخراجه لحلب فى أصل هذه الترجمة. وتولى نيابة حلب بعد عزل الأمير ألطنبغا الصالحىّ، فباشر نيابتها نحو أربع سنين. وهو الذي أمر بحفر نهر الساجور، وأجراه إلى حلب فى سنة إحدى وثلاثين. وكان ليوم وصوله يوم مشهود. وفى هذا المعنى يقول الرئيس شرف الدين أبو عبد الله الحسين [بن سليمان «3» ] بن ريّان «4» رحمه الله:
لمّا أتى نهر الساجور قلت له
…
ماذا التأخّر من حين إلى حين
فقال أخّرنى ربّى ليجعلنى
…
من بعض معروف سيف الدّين أرغون
وقال الشيخ بدر الدين الحسن [بن عمر بن «1» الحسن] بن حبيب فى المعنى أيضا:
قد أصبحت الشّهباء تثنى على
…
أرغون فى صبح وديجور
من نهر الساجور أجرى بها
…
للناس بحرا غير مسجور
وقد استوعبنا أمر أرغون هذا فى المنهل الصانى أكثر من هذا، إذ هو محلّ الإطناب فى التراجم.
وتوفّى تاج الدين إسحاق [بن عبد الكريم «2» ] ، وكان أوّلا يدعى عبد الوهاب، ناظر الخاصّ الشريف فى يوم الاثنين مستهلّ جمادى الآخرة. وكان أصله من أقباط مصر يخدم فى الدواوين، ثم صار ناظر الدولة، ثم باشر نظر الخاصّ بعد كريم الدين الكبير، فباشر بسكون وحشمة وانجماع «3» عن الناس مع حسن سياسة إلى أن مات. وتولّى الخاصّ بعده ابنه شمس الدين موسى الذي وقع له مع النّشو ما وقع من العقوبات والمصادرات، ومدّ الله فى عمره إلى أن رأى نكبة النّشو وقتله، على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى فى محله من هذا الكتاب على سبيل الاختصار. وقد استوعبنا أمر موسى المذكور فى المنهل الصافى بما فيه عجائب وغرائب، فلينظر هناك.
وتوفّى التاجر تاج الدين أبو بكر بن معين الدين محمد بن الدّمامينىّ رئيس تجار الكارم «4» فى ثالث عشرين جمادى الآخرة، وقد قارب ثمانين سنة، وترك مائة ألف دينار عينا.
قلت: ولعله يكون والد الدمامينيّة الشاعر والقاضى وغيرهما الآتى ذكرهما.
وتوفّى ملك الغرب صاحب فاس [ومرّاكش «1» ] أبو سعيد عثمان بن يعقوب ابن عبد الحق فى ذى الحجة «2» ، وقام من بعده ابنه السلطان أبو الحسن علىّ. وكانت مدّة عثمان هذا على فاس وغيرها من بلاد الغرب إحدى «3» وعشرين سنة.
وتوفّى الشيخ المسند شرف الدين أبو الحسين أحمد بن فخر الدين عبد المحسن ابن الرّفعة بن أبى المجد العدوىّ. وأبوه عبد المحسن إليه ينسب جامع «4» ابن الرّفعة بين مصر والقاهرة.
وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة فخر الدين أبو عمرو عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان الماردينىّ الحنفى الشهير بالتّركمانىّ فى ليلة السبت حادى عشر رجب. وكان إماما عالما بارعا مفتنّا، تصدّر للإفتاء والتدريس سنين عديدة. وكان معظّما عند الملوك، درّس بالمنصورية «5» من القاهرة، وشرح «6» الجامع الكبير، وسمع الكثير، وكان مقدّما على أقرانه فصيح العبارة عالما باللغة والعربية، والمعانى والبيان، شيخ