الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوفّى الأمير الكبير سلّار المنصورىّ نائب السلطنة بديار مصر فى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ربيع «1» الآخر. وقد تقدّم ذكره فى أوّل ترجمة الناصر هذه الثالثة، وما وجد له من الأموال وغير ذلك، فلينظر هناك.
وتوفّى الأمير نوغاى بن عبد الله المنصورىّ القبجاقىّ المقدّم ذكره فى ترجمة الملك المظفّر بيبرس لمّا فارقه وتوجّه إلى الكرك إلى عند الملك الناصر محمد. مات بقلعة دمشق محبوسا، ودفن بمقابر الباب الصغير، وكان من الشّجعان، غير أنه كان يحبّ الفتن والحروب.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث أصابع. وكان الوفاء يوم النّوروز. والله أعلم.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 711]
السنة الثانية من ولاية الملك الناصر الثالثة على مصر، وهى سنة إحدى عشرة وسبعمائة.
فيها توفّى الأمير بكتوت الخازندار، ثم أمير شكار، ثم نائب السلطنة بثغر الإسكندريّة؛ ومات بعد عزله عنها فى ثامن شهر «2» رجب. وأصله من مماليك بيليك «3» الخازندار نائب السلطنة بمصر فى الدولة الظاهريّة بيبرس. ثم صار أمير شكار فى أيام كتبغا، ثم ولى الإسكندريّة، وكثر ماله واختصّ عند بيبرس الجاشنكير وسلّار. فلمّا عاد الملك الناصر إلى ملكه حسّن له بكتوت هذا حفر خليج «4» الإسكندرية ليستمرّ
الماء فيها صيفا وشتاء، فندب السلطان معه محمد بن كندغدى المعروف بابن الوزيرىّ «1» ، وفرض العمل على سائر الأمراء فأخرج كلّ منهم أستاداره ورجاله، وركب ولاة الأقاليم، ووقع العمل فيه من شهر رجب سنة عشر وسبعمائة، وكان فيه نحو الأربعين ألف رجل تعمل. وكان قياس العمل من فم البحر إلى شنبار «2» ثمانى آلاف قصبة، ومثلها إلى الإسكندرية. وكان الخليج الأصلىّ من حدّ شنبار «3» يدخل الماء إليه فجعل فم هذا البحر يرمى إليه، وعمل عمقه ستّ قصبات فى عرض ثمانى قصبات. فلمّا وصل الحفر إلى حدّ الخليج الأوّل حفر بمقدار الخليج المستجدّ وجعلا «4» بحرا واحدا، وركّب عليه القناطر، ووجد فى الخليج من الرّصاص المبنىّ تحت الصهاريج شىء كثير، فأنعم به على الأمير بكتوت. فلما فرغ ابتنى الناس عليه سواقى واستجدّت عليه قرية عرفت بالناصريّة «5» ؛ فبلغ ما أنشئ عليه زيادة على مائة ألف فدّان ونحو ستمائة ساقية وأربعين «6» قرية، وسارت فيه المراكب الكبار، واستغنى أهل التغر عن جرى الماء فى الصهاريج. وعمّر عليه نحو الألف غيط، وعمّرت به عدّة بلاد.
وتحوّلت الناس إلى الأراضى التى عمّرت وسكنوها بعد ما كانت سباخا. فلمّا فرغ ذلك ائتنى بكتوت هذا من ماله جسرا أقام فيه ثلاثة أشهر حتّى بناه رصيفا، وأحدث عليه نحو ثلاثين قنطرة بناها بالحجارة والكلس، وعمل أساسه رصاصا، وأنشأ بجانبه
خانا وحانوتا، وعمل فيه خفرا «1» وأجرى لهم»
الماء؛ فبلغت النفقة على هذا الجسر ستين ألف دينار. وأعانه على ذلك أنّه هدم قصرا قديما خارج الإسكندريّة وأخذ حجره، ووجد فى أساسه سربا من رصاص مشوا فيه إلى قرب البحر المالح، فحصّل منه جملة عظيمة من الرصّاص. ثم إنه شجر «3» ما بينه وبين صهره، فسعى به إلى السلطان وأغراه بأمواله وكتب مستوفى الدولة أمين الملك عبد الله بن الغنّام عليه أوراقّا بمبلغ أربعمائة ألف دينار فعزل وطلب إلى القاهرة، فلمّا قرئت عليه الأوراق قال: قبّلوا الأرض بين يدى مولانا السلطان، وعرّفوه عن مملوكه إن كان راضيا عنه فكلّ ما كتب كذب، وإن كان غير راض فكلّ ما كتب صحيح.
وكان قد وعك فى سفره من الإسكندرية فمات بعد ليال فى ثانى عشر شهر «4» رجب فأخذ له مال عظيم جدّا. وكان من أعيان الأمراء وأجلّهم وكرمائهم وشجعانهم مع الذكاء والعقل والمروءة، وله مسجد «5» خارج باب زويلة وله أيضا عدة أوقاف على جهات البرّ.
وتوفّى الشيخ المجوّد المنشئ الفاضل شرف الدين محمد بن شريف بن يوسف الزرعىّ المعروف بابن الوحيد. كان حسن الخطّ فاضلا مقداما شجاعا يعرف عدّة علوم وألسن وخدم عند جماعة من أعيان الأمراء، وكتب فى الإنشاء بالقاهرة، ثم تعطّل بعد ذلك، ونزل صوفيّا بخانقاه سعيد السعداء. فلمّا كانت سنة إحدى وسبعمائة قدم رسل التّتار إلى مصر ومعهم كتاب غازان، فلم يكن فى الموقّعين من يحلّه فطلب فحلّه؛ فرتّبه السلطان فى ديوان الإنشاء إلى أن مات بالبيمارستان المنصورىّ يوم الثلاثاء سادس «1» عشرين شعبان، وله ثلاث وستون سنة. ومن شعره فى تفضيل الحشيش على الخمر:
وخضراء «2» لا الحمراء تفعل فعلها
…
لها وثبات فى الحشى وثبات
تأجّج نارا فى الحشى وهى جنّة
…
وتبدى مرير الطّعم «3» وهى نبات
وتوفّى الصاحب الوزير فخر الدين عمر ابن الشيخ مجد الدين عبد العزيز بن الحسن بن الحسين الخليلىّ التّميمىّ الدّارىّ بالقاهرة فى يوم عيد الفطر، ودفن بالقرافة الصغرى. وكان مولده سنة أربعين وستمائة. وتولّى الوزارة فى دولة الملك السعيد ابن الظاهر بيبرس تمّ بعدها غير مرّة إلى أن عزله الملك الناصر، ومات معزولا. وكان فاضلا خيّرا ديّنا كثير الصدقات، عفيفا عن أموال الرعيّة.
رحمه الله.
وتوفّى القاضى العلّامة الحافظ سعد الدين مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثىّ «1» الحنبلىّ. مات بالمدرسة «2» الصالحيّة بالقاهرة ودفن بالقرافة. وكان من أعيان العلماء المحدّثين. رحمه الله.
وتوفّى الشيخ فخر الدين إسماعيل بن نصر [الله «3» ] بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدّمشقىّ. مات بدمشق ودفن بالباب الصغير. روى عن جماعة من المشايخ، وكانت نفسه قويّة.
وتوفّى الشيخ الإمام العالم الخطيب بجامع أحمد بن طولون شمس الدين محمد بن يوسف بن عبد الله بن «4» الجزرىّ الشافعىّ. مات بالمدرسة «5» المعزّيّة بمصر فى أوائل ذى الحجّة ودفن بالقرافة. ومولده سنة سبع وثلاثين وستمائة بالجزيرة، وقدم دمشق وبرع فى عدّة علوم، وعرض عليه قضاء دمشق فامتنع.
وتوفّى الشيخ الاديب سراج الدين عمر بن مسعود الحلبى المعروف بالمحّار. وكان أوّلا صانعا يمحر الكتّان، ثم اشتغل بالأدب ومهر فيه، واتّصل بخدمة الملك المنصور صاحب حماة إلى أن مات بدمشق فى هذه السنة. وهو صاحب الموشّحات المشهورة. ومن شعره:
لمّا تألّق بارق من ثغره
…
جادت جفونى بالسّحاب الممطر
فكأنّ عقد الدّمع حلّ قلائد ال
…
عقيان منه على صحاح الجوهرى
وله فى مليح نجّار:
قالوا المعرّة قد غدت من فضلها
…
يسعى إلى أبوابها ويزار
وجبت زيارتها علينا عند ما
…
شغف القلوب بحبّها النّجّار
ومن موشّحاته:
ما ناحت الورق فى الغصون، إلّا
…
هاجت على، تغريدها لوعة الحزين
هل ما مضى لى مع الحبايب
…
آئب، بعد الصدود
أو هل لأيّامنا الذّواهب
…
واهب، بأن تعود
بكلّ مصقولة الترائب
…
كاعب، هيفاء رود
تفترّ عن جوهر ثمين، جلّا
…
أن يجتلى، يحمى بقضب «1» من الجفون
أحببته «2» ناعم الشمائل
…
مائل، فى برده
فى أنفس العاشقين عامل
…
عامل، من قدّه
يرنو «3» بطرف إلى المقاتل
…
قاتل، فى غمده
أسطى من الأسد فى العرين، فعلا
…
وأقتلا، لعاشقيه من المنون
علقته كامل المعانى
…
عانى، قلبى به
مبلبل البال مذ جفانى
…
فانى، فى حبّه
كم بتّ من حيث لا يرانى
…
رانى، لقربه
وبات من صدغه يربنى، نملا
…
يسعى إلى، رضابه العاطر المصون
قاسوه بالبدر وهو أحلى
…
شكلا، من القمر
وراش هدب الجفون نبلا
…
أبلى، بها البشر
وقال لى وقد تجلّى
…
جلّا، بارئ الصّور
ينتصف البدر من جبينى، أصلا
…
فقلت لا، قال ولا السّحر من عيونى «4»