الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
[ما وقع من الحوادث سنة 733]
سنة اربع وعشرين من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة.
فيها توفى القاضى قطب الدين موسى بن أحمد بن الحسين ناظر جيش دمشق ورئيسها، المعروف بابن شيخ السّلّاميّة «1» عن اثنتين وسبعين «2» سنة، وكان نبيلا فاضلا وفور الحرمة.
وتوفّى القاضى القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الحموىّ الشافعى فى حادى «3» عشر جمادى الأولى وهو معزول بعد ما عمى. مولده بحماة فى سنة تسع وثلاثين وستمائة، وهو والد قاضى قضاة الديار المصريّة عزّ الدين عبد العزيز بن جماعة. وكان إماما عالما مصنّفا، أخذ النحو عن ابن مالك «4» ، وأفتى قديما، وعرضت فتواه على الشيخ محيى «5» الدين النّووىّ فاستحسن ما أجاب به.
وتولّى قضاء القدس والخطابة بها. ثم نقل إلى مصر فولّى قضاءها بعد عزل تقىّ الدين ابن بنت «6» الأعزّ فى أوائل سنة تسعين وستمائة. ثم وقع له أمور حكيناها فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» . ومن شعره:
ارض من الله ما يقدّره
…
أراد منك المقام أو نقلك
وحيثما كنت ذا رفاهية
…
فاسكن فخير البلاد ما حملك
وتمّم هذه الأبيات الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر، فقال رحمه الله:
وحسّن الخلق واستقم فمتى
…
أسأت أحسن ولا تطل أملك
من يتّق الله يؤته فرجا
…
ومن عصاه ولا يتوب هلك
قلت: والبيت الثانى من قول ابن جماعة مأخوذ من قول المتنبّى، ولكن فاته الشّنب، وهو:
وكلّ امرئ يبدى «1» الجميل محبّب
…
وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب
وتوفّى الشيخ الإمام المؤرّخ الفقيه شهاب الدين أبو العبّاس «2» أحمد بن عبد الوهّاب ابن أحمد بن عبد الوهاب بن عبادة البكرىّ النّويرىّ «3» الشافعىّ، صاحب التاريخ المعروف «بتاريخ النّويرى» فى يوم الحادى والعشرين من شهر رمضان. كان فقيها فاضلا مؤرّخا بارعا، وله مشاركة جيّدة فى علوم كثيرة وكتب الخطّ المنسوب. قيل إنه كتب صحيح البخارى ثمانى مرّات، وكان يبيع كلّ نسخة من البخارى بخطّه بألف درهم، وكان يكتب فى كل يوم ثلاث كراريس، وتاريخه سمّاه:«منتهى «4» الأرب، فى علم الأدب» فى ثلاثين مجلدا. رأيته وانتقيته ونقلت منه بعض شىء فى هذا التاريخ وغيره. ومات وهو من أبناء الخمسين. رحمه الله.
وتوفّى الأمير سيف الدين بكتمر «1» بن عبد الله الرّكنىّ الساقى الناصرىّ بعد ابنه أحمد بثلاثة أيام فى عاشر «2» المحرّم وحمل «3» إلى نخل «4» فدفن بها، واتّهم الملك الناصر أنّه اغتالهما بالسمّ. وقد تقدّم ذكر ذلك كله مفصلا فى ترجمة «5» الملك الناصر، غير أنّنا نذكره هنا تنبيها على ما تقدّم ذكره. كان أصل بكتمر من مماليك الملك المظفر بيبرس الجاشنكير، ثم انتقل إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون، لعلّه بالخدم، فإنّ أستاذه المظفر بيبرس كان أمّره عشرة فى أواخر دولته، ولولا [أنه] أعتقه ما أمّره، فعلى هذا يكون عتيق المظفّر. والله أعلم. ويقوّى ما قلته ما سنذكره، وهو أن بكتمر هذا حظى عند الملك الناصر لجمال صورته وجعله ساقيا. وكان غريبا فى بيت السلطان: لأنه لم يكن له خشدش، فكان هو وحده، وسائر لخاصكيّة حربا عليه.
وعظمت مكانته عند السلطان حتى تجاوزت الحدّ. قال الصلاح الصّفدىّ: كان يقال: إنّ السلطان وبكتمر لا يفترقان، إما أن يكون بكتمر عند السلطان، وإما أن يكون السلطان عند بكتمر. انتهى كلام الصّفدىّ باختصار.