الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السادة الحنفية فى زمانه. وهو والد قاضى القضاة علاء الدين «1» ، والعلّامة تاج الدين «2» أحمد، وجدّ جمال الدين «3» عبد الله بن علىّ، وعبد العزيز «4» بن علىّ. وتخرّج عليه حلائق كثيرة وانتفع به الناس.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. والله أعلم.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 732]
السنة الثالثة والعشرون من ولاية الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، وهى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.
فيها توفّى الأمير «5» الوزير علاء الدين مغلطاى بن عبد الله الجمالىّ. كان يلقّب بخرز «6» ، عند نزوله من العقبة «7» عائدا إلى الديار المصرية فى يوم الأحد سابع عشر المحرّم، فحمل ميّتا إلى القاهرة؛ ودفن بخانقاته «8» فى يوم الخميس حادى عشرين المحرّم.
وكان أصله من مماليك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الترجمة، وكان من خواصه وخاصّكيّته، ثم أنعم عليه بإمرة، ثم نقله على إمرة بهادر الإبراهيمى دفعة واحدة وندبه لمهمّاته، ثم ولّاه أستادارا فعظم أمره، ثم نقله إلى الوزارة وحكّمه فى جميع
المملكة، فحسنت سيرته وساس الناس وأبطل مظالم. وكان جوادا عاقلا عارفا حشما يميل لفعل الخير، انتفع به جماعة كثيرة فى ولايته؛ لأنه كان يأخذ على ولاية المباشرات المال على أيديهم، فقصدهم الناس لذلك. وكان شأنه إذا ولّى أحدا وجاء من يزيد عليه عزله وولّى من زاد بعد أن يعلم أن المعزول قد استوفى ما قام به، ومن لم يستوف ذلك لم يعزله. ولم يصادر أحدا فى مدّة ولايته، وهذا من العجب! ولا ظلم أحدا، بل كانت أيامه مشكورة. وكان المستولى عليه مجد الدين «1» إبراهيم بن لفيتة «2» . وخلّف الأمير مغلطاى المذكور عدّة أولاد من زوجته بنت الأمير أسندمر كرجى نائب طرابلس. وإليه تنسب المدرسة الجماليّة «3» بالقرب من درب ملوخيّا داخل القاهرة بالقرب من داره «4» .
وتوفى الملك المؤيّد عماد الدين أبو الفداء إسماعيل صاحب حماة ابن الملك الأفضل علىّ ابن الملك المظفّر «5» محمود ابن الملك المنصور محمد ابن الملك المنصور عمر ابن شاهنشاه بن أيّوب الأيّوبى فى ثالث «6» عشرين المحرّم. وتولّى حماة بعده ابنه الملك الأفضل، وقد تقدّم «7» ذكر قدومه على الملك الناصر وولايته لحماة بعد وفاة أبيه المؤيّد هذا. انتهى. وكان مولد الملك المؤيّد فى جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وحفظ القرآن العزيز وعدّة كتب، وبرع فى الفقه والأصول والعربية
والتاريخ والأدب والطّبّ والتفسير والميقات والمنطق والفلسفة مع الاعتقاد الصحيح.
وكان جامعا للفضائل، وصار من جملة أمراء دمشق، إلى أن خدم الملك الناصر محمدا عند خروجه من الكرك فى سلطنته الثالثة. فلما تمّ أمره أنعم عليه بسلطنة حماة بعد الأمير أسندمر كرجى- وقد تقدّم ذلك كله فى صدر ترجمة الملك الناصر- وجعله صاحب حماة وسلطانها. وقدم على الناصر القاهرة غير مرّة وحجّ معه وحظى عنده إلى الغاية، حتى إنّ الملك الناصر رسم إلى نوّاب البلاد الشامية بأن يكتبوا له:» يقبّل الأرض» . فصار تنكز مع جلالة قدره يكتب له:» يقبّل الأرض» ، و» بالمقام الشريف العالى المولوىّ السلطانىّ العمادىّ الملكىّ المؤيّدىّ» . وفى العنوان:» صاحب حماة» .
ويكتب السلطان الملك الناصر له:» أخوه محمد بن قلاوون، أعزّ الله أنصار المقام الشريف العالى السلطانىّ الملكىّ المؤيّدىّ العمادىّ» بلا مولوىّ. وكان الملك المؤيّد مع هذه الفضائل عاقلا متواضعا جوادا. وكان للشعراء به سوق نافق، وهو ممدوح الشيخ جمال الدين «1» بن نباتة، مدحه بغرر القصائد ثم رثاه بعد موته. ومن جملة مدائحه له:
أقسمت «2» ما الملك المؤيّد فى الورى
…
إلّا الحقيقة والكرام مجاز
هو كعبة «3» للفضل ما بين النّدى
…
منها وبين الطالبين حجاز
ولما مات رثاه بالقصيدة المشهورة التى أوّلها:
ما للنّدى ما يلبّى صوت داعيه
…
أظنّ أنّ ابن شاد قام ناعيه
ما للرّجاء قد اشتدّت مذاهبه
…
ما للزمان قد اسودّت نواحيه
مالى أرى الملك قد فضّت مواقفه
…
مالى أرى الوفد قد فاضت مآقيه
نعى المؤيّد ناعيه فوا أسفا
…
للغيث كيف غدت عنّا غواديه
وا روعتا لصباح من رزيّته «1»
…
أظنّ أنّ صباح الحشر ثانيه
وا حسرتاه لنظمى فى مدائحه
…
كيف استحال «2» لنظمى فى مراثيه
أبكيه بالدّرّ من دمعى «3» ومن كلمى
…
والبحر أحسن ما بالدّرّ أبكيه
أروى بدمعى ثرى ملك له شيم
…
قد كان يذكرها الصّادى فترويه
أذيل ماء جفونى بعده أسفا
…
لماء وجهى الذي قد كان يحميه
جار من الدّمع لا ينفكّ يطلقه
…
من كان يطلق بالإنعام جاديه «4»
ومهجة كلّما فاهت بلوعتها
…
قالت رزيّة مولاها لها إيه
ليت المؤيد لا زادت «5» عوارفه
…
فزاد قلبى المعنّى من تلظّيه
[ليت الحمام «6» حبا الأيام موهبة
…
فكان يفنى بنى الدنيا ويبقيه] .
ليت الأصاغر يفدى الأكبرون بها
…
فكانت الشّهب فى الآفاق تفديه
والقصيدة أطول من هذا، تزيد على خمسين بيتا. وله فيه غير ذلك. وقد «7» تقدّم من ذكره فى المنهل الصافى أشياء أخر لم نذكرها هنا، فلتنظر هناك. ومن شعر الملك المؤيّد فى مليح اسمه حمزة:
اسم الذي أنا أهواه وأعشقه
…
ومن أعوّذ قلبى من تجنّيه
تصحيفه فى فؤادى لم يزل أبدا
…
وفوق وجنته أيضا وفى فيه
وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد ياقوت بن عبد الله الحبشىّ الشاذلىّ تلميذ الشيخ العارف بالله تعالى أبى العباس «1» المرسى فى ليلة الثامن عشر من جمادى الآخرة بثغر الإسكندرية وبها دفن. وكان شيخا صالحا مباركا ذا هيبة ووقار وسمت وصلاح، وله أحوال وكرامات. وقبره «2» بالإسكندرية يقصد للزيارة.
وتوفّى الشيخ الصالح عبد العال خليفة الشيخ أحمد البدوىّ وخادمه بقرية طنتتا «3» بالغربية من أعمال القاهرة فى ذى الحجة. فكان له شهرة بالصلاح، ويقصد للزيارة والتبرك به؛ ودفن بالقرب من الشيخ «4» أحمد البدوىّ، الجميع فى موضع واحد، غير أن كلّ مدفن فى محلّ واحد على حدته. وخلفاء مقام الشيخ أحمد البدوىّ من ذريّة أخيه، لم يبلغنا من كراماته شىء.
وتوفّى القاضى الرئيس فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية فى يوم الأحد سادس عشر شهر رجب. قال الشيخ صلاح الدين:
كان متأهّلا عمره لما كان نصرانيّا، لما أسلم حكى الشيخ فتح الدين بن سيد الناس عن خاله القاضى شرف الدين بن زنبور قال:[هذا «5» ] ابن أختى، عمره متعبّدا، لأننا لما كنا نجتمع على الشّراب فى ذلك الدّين يتركنا وينصرف، فنتفقّده
إذا طالت غيبته فنجده واقفا يصلّى. ولما ألزموه بالإسلام همّ بقتل نفسه بالسيف وتغيّب أيّاما. ثم أسلم وحسن إسلامه إلى الغاية، ولم يقرب نصرانيّا بعد ذلك ولا آواه ولا اجتمع به، وحجّ غير مرّة، وزار القدس غير مرّة. وقيل إنه فى آخر عمره كان يتصدّق فى كلّ شهر بثلاثة آلاف درهم. وبنى مساجد كثيرة بالقاهرة، وعمر أحواضا كثيرة فى الطّرقات، وبنى بنابلس مدرسة وبالرملة بيمارستانا. قال:
وأخبرنى القاضى شهاب الدين بن فضل الله أنه كان حنفىّ المذهب، ثم قال:
وكان فيه عصبيّة شديدة لأصحابه، وانتفع به خلق كثير فى الدولة الناصرية لوجاهته عند أستاذه وإقدامه عليه. قال الصلاح: أمّا أنا فسمعت السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون يقول يوما فى خانقاة سرياقوس لجندى واقف بين يديه يطلب إقطاعا:
لا تطوّل، والله لو أنك ابن قلاوون ما أعطاك القاضى فخر الدين خبزا يعمل أكثر من ثلاثة آلاف درهم. وقد ذكرنا من أحواله أكثر من هذا فى المنهل الصافى.
وتوفّى الأمير سيف الدين سوتاى «1» صاحب ديار بكر بالموصل فى هذه السنه.
وكان ملكا جليلا ذا رياسة ووقار، وعمّر طويلا، وكان من أجلّ ملوك ديار بكر.
وتوفّى شيخ القرّاء فى زمانه برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الربعى الجعبرىّ فى شهر رمضان. وكان من أعيان القرّاء فى زمانه.
وتوفى شيخ القراءات أيضا صدر الدين أحمد بن محمد بن عبد الله الدندرىّ «2» الشافعىّ فى جمادى الآخرة.
وتوفّى الأمير سيف الدين ألجاى بن عبد الله النّاصرى الدّوادار. كان من مماليك الملك الناصر محمد وجعله دوادارا صغيرا جنديّا مع الأمير أرسلان «1» الدّوادار، فلما توفّى أرسلان استقلّ ألجاى المذكور بالدّواداريّة الكبرى عوضه على إمرة عشرة مدّة سنين، ثم أعطاه إمرة طبلخاناه. قال الإمام خليل بن أيبك فى تاريخه:
وأمّا اسمه فى العلامة فما كتب «2» أحد أحسن منه. وكان خبيرا عارفا عفيفا خيّرا طويل الروح. وكان يحبّ الفضلاء ويميل إليهم ويقضى حوائجهم وينامون عنده ويبحثون ويسمع كلامهم، ويتعاطى معرفة علوم كثيرة. ومع هذا كان لا بدّ فى خطّه أن يؤنّث المذكّر. وعمر له دارا «3» على الشارع خارج بابى زويلة، غرم على بوّابها مائة ألف درهم، فلم تستكمل حتّى مرض ونزل إليها من القلعة مريضا، فأقام بها إلى أن مات. وولى الدّواداريّة من بعده الأمير صلاح الدين يوسف.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وست أصابع.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا. والله أعلم.