الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
[ما وقع من الحوادث سنة 716]
السنة السابعة من ولاية الملك الناصر الثالثة على مصر، وهى سنة ست عشرة وسبعمائة.
فيها حجّ بالناس من مصر الأمير بهادر الإبراهيمىّ، وأمير الرّكب الشامىّ أرغون السّلاح دار. وحجّ فى هذه السنة من أعيان أمراء مصر الأمير أرغون الناصرىّ نائب السلطنة بديار مصر، وعزّ الدين أيدمر الخطيرىّ، وعز الدين أيدمر أمير جاندار. وسيف الدين أركتمر السّلاح دار. وناصر الدين محمد بن طرنطاى.
وفيها توفّى الشيخ الكاتب المجوّد نجم الدين موسى بن علىّ بن محمد الحلبىّ ثم الدّمشقىّ المعروف بابن بصيص (بضمّ الباء ثانية الحروف) شيخ الكتّاب بدمشق فى زمانه. وابتدع صنائع بديعة، وكتب فى آخر عمره ختمة بالذهب عوضا عن الحبر. وكان مولده سنة إحدى وخمسين «1» وستمائة، ومات ليلة الثلاثاء عاشر ذى القعدة. وله شعر على طريق الصوفيّة، من ذلك:
وحقّك لو خيّرت فيما أريده
…
من الخير فى الدنيا أو الحظّ فى الأخرى
لما اخترت إلّا حسن نظم يروقنى
…
معانيه أبدى فيه أوصافك الكبرى
وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة صدر الدين أبو عبد الله محمد بن زين الدين عمر بن مكّى بن عبد الصمد العثمانى الشهير بابن المرحّل وبابن الوكيل، المصرىّ الأصل الشافعىّ الفقيه الأديب، كان فريد عصره ووحيد دهره، كان أعجوبة فى الذّكاء والحفظ.
ومولده فى شوّال سنة خمس وستين وستمائة بدمياط وكان بارعا مدرسا مفتنّا، درّس بدمشق والقاهرة وأفتى، وعمره اثنتان وعشرون سنة، وكان يشتغل فى الفقه
والتفسير والأصلين والنحو، واشتغل فى آخر عمره فى الطبّ، وسمع الحديث الكتب الستة ومسند الإمام أحمد، وصنّف «الأشباه «1» والنظائر» قبل أن يسبقه إليها أحد، وكان حسن الشكل حلو المجالسة وعنده كرم مفرط، وله الشّعر الرائق الفائق فى كلّ فنّ من ضروب الشّعر. وكانت وفاته فى رابع عشرين ذى الحجّة ودفن بالقرافة فى تربة «2» الفخر ناظر الجيش. وهو أحد من قام على الملك الناصر وانضمّ على المظفّر بيبرس الجاشنكير. وقد تقدّم ذكر «3» ذلك كلّه فى أوائل ترجمة الملك الناصر. ومن شعره:
أقصى مناى أن أمرّ على الحمى
…
ويلوح نور رياضه فيفوح
حتّى أرى سحب الحمى كيف البكا
…
وأعلّم الورقاء كيف تنوح
وله [دو بيت «4» ] :
كم قال: معاطفى حكتها الأسل
…
والبيض سرقن ما حوته المقل
الآن أوامرى عليهم حكمت
…
البيض تحدّ والقنا تعتقل
وله:
عيّرتنى بالسّقم طرفك مشبهى
…
وكذاك خصرك مثل جسمى ناحلا «5»
وأراك تشمت إذ أتيتك سائلا
…
لا بدّ أن يأتى عذارك سائلا
قلت: وله ديوان موشّحات وأحسنهم موشحته التى عارض بها السّراج المجّار التى أوّلها:
ما أخجل قدّه غصون البان، بين الورق
…
إلّا سلب المها «6» مع الغزلان، سود الحدق
وقد ذكرناها «1» بتمامها فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» وقطعة جيّدة من شعره.
وتوفّى الشيخ الأديب البارع المفتنّ أعجوبة زمانه علاء الدين علىّ بن المظفّر بن إبراهيم [بن عمر «2» ] الكندى الوداعىّ المعروف بكاتب ابن وداعة الشاعر المشهور، أحد من اقتدى به الشيخ جمال الدين ابن نباتة فى ملح أشعاره. مولده سنة أربعين وستمائة، ومات ببستانه فى سابع عشر شهر رجب بدمشق ودفن بالمزّة «3» ، وكان فاضلا أديبا شاعرا عالى الهمة فى تحصيل العلوم. سمع الحديث وكتب الخطّ المنسوب ونظم ونثر وتولى عدّة ولايات، وكتب بديوان الإنشاء بدمشق وتولّى مشيخة دار الحديث [النّفيسية «4» ] وجمع التذكرة «5» الكنديّة تزيد على خمسين مجلّدا. وله ديوان شعر فى ثلاثة مجلّدات. ومن شعره:
قال لى العاذل المفنّد فيها
…
يوم زارت فسلّمت مختاله
قم بنا ندّع النبوّة فى العش
…
ق فقد سلّمت علينا الغزاله
وله أيضا:
أثخنت عينها الجراح ولا إث
…
م عليها لأنّها نعساء
زاد فى عشقها جنونى فقالوا
…
ما بهذا فقلت بى سوداء
وله وهو أحسن ما قيل فى نوع التوجيه «1» :
من زار «2» بابك لم تبرح جوارحه «3»
…
تروى أحاديث ما أوليت من منن
فالعين «4» عن قرّة والكفّ عن صلة
…
والقلب عن جابر والسمع عن حسن
وله أيضا:
قيل إن شئت أن تكون غنيّا
…
فتزوّج وكن من المحصنينا
قلت ما يقطع الإله بحرّ
…
لم يضع بين أظهر المسلمينا
وقد ذكرنا من مقطّعاته عدّة كثيرة فى «المنهل الصافى» ، ولولا خشية الملل لذكرناها هنا.
وتوفّى «5» الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله المنصورىّ المعروف بالأفرم الصغير نائب الشام ببلاد مراغة «6» عند ملك التّتار. وقد تقدّم خروجه «7» مع الأمير قراسنقر المنصورىّ من البلاد الشاميّة إلى غازان ملك التتار فى أوائل دولة الملك الناصر الثالثة فلا حاجة فى ذكرها هنا ثانيا. وكان ملك التتار أقطعه مراغة وقيل همذان «8»
فأقام بها سنتين «1» ، ومات بالفالج فى ثالث عشر المحرّم. وكان أميرا جليلا عارفا مدبّرا عالى الهمّة شجاعا مقداما. تقدّم من ذكره نبذة كبيرة فى ترجمة المظفّر بيبرس الجاشنكير. وكانت ولايته على دمشق إحدى عشرة سنة متوالية إلى أن عزله الملك الناصر لمّا خرج من الكرك.
وتوفّى الأمير سيف الدين كستاى «2» بن عبد الله نائب طرابلس بها. وتولّى نيابة طرابلس من بعده الأمير قرطاى نائب حمص. وولى حمص بعد قرطاى المذكور أرقطاى الجمدار.
وتوفّى الأمير سيف الدين طقتمر الدمشقىّ بالقاهرة بمرض السلّ. وكان من خواصّ الملك الناصر وأحد من أنشأه من مماليكه.
وتوفّى الطواشى ظهير الدين مختار المنصورىّ المعروف بالبلبيسىّ الخازندار فى عاشر شعبان بدمشق. وكان شهما شجاعا ديّنا، فرّق جميع أمواله قبل موته على عتقائه ووقف أملاكه على تربته.
وتوفّيت السيّدة المعمّرة أمّ محمد «3» ستّ الوزراء المعروفة بالوزيرة ابنة الشيخ عمر ابن أسعد بن المنجّا التّنوخيّة فى ثامن «4» عشر شعبان بدمشق، ومولدها سنة أربع وعشرين وستمائة، روت صحيح البخارىّ عن [أبى عبد الله «5» ] بن الزّبيدىّ وصارت رحلة زمانها، ورحل إليها من الأقطار.
وتوفّى ملك «1» التتار خربندا (بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وسكون النون) بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولو بن چنكزخان السلطان غياث الدين، ومن الناس من يسمّيه خدابندا (بضم الخاء المعجمة والدال «2» المهملة) والأصح ما قلناه. وخدابندا: معناه عبد الله بالفارسىّ «3» ، غير أن أباه لم يسمّه إلّا خربندا، وهو اسم مهمل «4» معناه «5» : عبد الحمار. وسبب تسميته بذلك أنّ أباه كان مهما ولد له ولد يموت صغيرا، فقال له بعض الأتراك: إذا جاءك ولد سمّه اسما قبيحا يعيش، فلما ولد له هذا سمّاه خربندا فى الظاهر واسمه الأصلى أبحيتو «6» ؛ فلما كبر خربندا وملك البلاد كره هذا الاسم واستقبحه فجعله خدابندا ومشى ذلك بمماليكه وهدّد من قال غيره ولم يفده ذلك إلا من حواشيه خاصّة. ولما ملك خربندا أسلم وتسمّى بمحمد، واقتدى بالكتاب والسّنة وصار يحب أهل الدين والصلاح، وضرب على الدرهم والدينار اسم الصحابة الأربعة الخلفاء، حتى اجتمع بالسيد تاج الدين الآوى «7» الرافضىّ، وكان خبيث المذهب، فما زال بخربندا، حتى جعله رافضيّا وكتب إلى سائر ممالكه يأمرهم بالسبّ والرّفض، ووقع له بسبب ذلك أمور. قال النّويرىّ:
كان خربندا قبل موته بسبعة أيام قد أمر بإشهار النداء ألّا يذكر أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وعزم على تجريد ثلاثة آلاف فارس إلى المدينة النبوية لينقل