المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآراء الواردة فى النسخ عموما، وفى القرآن خصوصا - النسخ عند الفخر الرازي

[محمود محمد الحنطور]

فهرس الكتاب

- ‌[كلام من وحي]

- ‌التقديم

- ‌الفصل الأول حياة الرازى

- ‌التمهيد

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ووفاته

- ‌نشأته وصفاته:

- ‌الرازى بين المدح والذم:

- ‌الفصل الثانى وقفات مع وصية الرازى

- ‌الوقفة الأولى منهج الرازى فى العقيدة

- ‌الوقفة الثانية مع وصية الرازى من خلال كتبه ومصنفاته

- ‌الفصل الثالث النسخ بين المثبتين والنافين

- ‌المثبتون وأدلتهم فى وجود النسخ

- ‌النافون للنسخ وأدلتهم التى اعتمدوا عليها

- ‌الفصل الرابع أدلة الرازى على وقوع النسخ فى القرآن

- ‌الآراء الواردة فى النسخ عموما، وفى القرآن خصوصا

- ‌أدلة جواز النسخ ووقوعه عند الرازى

- ‌الفصل الخامس أنوع النسخ عند الرازى

- ‌1 - النوع الأول: نسخ الحكم دون التلاوة

- ‌النوع الثانى من النسخ عند الرازى

- ‌النوع الرابع: النسخ إلى غير بدل:

- ‌9 - النوع التاسع نسخ الخبر

- ‌الفصل السادس أقسام النسخ عند الرازى

- ‌[القسم الاول نسخ القرآن بالقرآن]

- ‌[القسم الثانى نسخ السنة بالسنة]

- ‌[القسم الثالث نسخ السنة بالقرآن]

- ‌[القسم الرابع نسخ القرآن بالسنة]

- ‌القسم الخامس: نسخ القرآن بالإجماع

- ‌القسم السابع: نسخ الفحوى والأصل عند الرازى

- ‌الفصل السابع طرق معرفة الناسخ والمنسوخ عند الرازى

- ‌[الطرق اللفظية]

- ‌[الطرق غير اللفظية]

- ‌الفصل الثامن وقائع النسخ عند الرازى فى تفسيره الكبير، مع التعليق عليها

- ‌أولا: نسخ القبلة

- ‌ثانيا: قيام الليل

- ‌ثالثا: فى الصوم: ونسخ صوم رمضان لما عداه

- ‌رابعا: نسخ تحريم المباشرة للزوجة

- ‌خامسا: نسخ صدقة النجوى للرسول- صلى الله عليه وسلم:

- ‌سادسا: نسخ العدد فى الجهاد أو التخفيف

- ‌سابعا: نسخ الحبس للزناة

- ‌الفصل التاسع تعقيب. وتوضيح. وبيان

- ‌[اعتراف الرازي بالنسخ]

- ‌[بين المحصول والتفسير الكبير]

- ‌[التناقض فى قبول النسخ]

- ‌[مخالفة الرازى للظاهرية]

- ‌[اتصال التلاوة والنزول]

- ‌[نسخ التلاوة دون الحكم]

- ‌[نسخ البدل وغير البدل]

- ‌[نسخ الأخبار]

- ‌[نسخ الآحاد]

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌الآراء الواردة فى النسخ عموما، وفى القرآن خصوصا

‌الآراء الواردة فى النسخ عموما، وفى القرآن خصوصا

ص: 46

يعد النسخ من القضايا المهمة فى الشريعة الإسلامية، وذلك لارتباطه بأوامر الدين ونواهيه من ناحية، وارتباطه بعقيدة المسلم من ناحية أخرى، فى أن الله تعالى هو الخالق والمغير والعالم والسميع والبصير، ولا تخفى عليه خافية أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: 14] فمن خلق هذا الخلق، وجعلهم خلفاء الأرض، وجعل لهم منهجا مستقيما، وكتابا مبينا قويما، فيه أحكام هو أعلم بما يصلح عباده منها، وما لا يصلح، والزمن الذى يصلح فيه هذا الحكم، وما لا يصلح فى زمن آخر، وهو أدرى بما ينفع وما يضر، وهو القادر على أن يبدل الخلق، وهو القادر على أن يعيدهم بعد موتهم، أليس بقادر على تغيير ما ينفعهم وما يضرهم فى حياتهم، هذا منطق الصواب، وصواب النطق أن الله- تعالى- هو أعلم بمن خلق من عباده، وهو أعلم بما يصلح لهم فى الدنيا والآخرة، فإذا غيّر الله سبحانه وتعالى شيئا أو بدل أمرا، أليس له الأمر والملك؟ فلم لا نؤمن بذلك، ونريح أنفسنا من العناد ونبعد أفكارنا عن الشقاء الذى وقع فيه الذين تأولوا النصوص الصحيحة الواردة فى القرآن فى النسخ بخاصة، أو ردوها منكرين وجود النسخ، وجعلوه فى غير شريعة الإسلام، مخالفين بذلك جمهور المسلمين سلفا وخلفا فى قبول النسخ دون تعليل أو تغيير، لأنه أمر وارد بصريح النص القرآنى، وصحيح السنة النبوية، وإجماع العقلاء من المسلمين قديما وحديثا، فلا عبرة للمخالفين، ولا دليل عندهم يعلو على ما سبق من أدلة نقلية وعقلية غير ما وقعوا فيه من التأويل والتخصيص، ونفى وقوع النسخ فى الشريعة الإسلامية، وهى آراء

ص: 47

تلزم أصحابها متابعة الجمهور فى أن النسخ جائز عقلا وشرعا ولا منافاة بينهما ولا تعارض، فلا يسع إنسان عاقل مهما كان، أن ينكر أن الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة، وأن الشرائع (1) السابقة قد وقع فيها النسخ أيضا، والأدلة قد تضافرت على النسخ فى التوراة والإنجيل والقرآن الذى أصبح مهيمنا على الكتب السابقة، فى قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (2)[المائدة: 3] أى جعلته كاملا غير محتاج إلى إكمال لظهوره على الأديان كلها، وغلبته لها،

ولكمال أحكامه التى يحتاج إليها المسلمون فى الحلال والحرام والمشتبه، وفى ما تضمنه الكتاب والسنة من ذلك ما يغنى عن الرجوع إلى كتب السابقين أو أحكام شرائعهم فهى منسوخة بنزول القرآن الكريم، وأما قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (3) [البقرة:

106] فالآية صريحة فى ثبوت النسخ فى القرآن الكريم، ووقوعه، ولكنها عبرت عنه بلفظ- الآية- ولم تعبر عنه بلفظ- من القرآن-

(1) د. شعبان محمد إسماعيل: نظرية النسخ فى الشرائع السماوية 44 وفيه تفصيل للأدلة الدامغة على وجود النسخ فى الشريعتين الموسوية والعيسوية.

(2)

الشوكانى: فتح القدير 3/ 13.

(3)

الزركشى: البرهان فى علوم القرآن 2/ 43.

ص: 48

لأن القرآن ناسخ مهيمن على كل الكتب، ولن يأتى بعده ناسخ له، وما فيه من ناسخ ومنسوخ فمعلوم وهو قليل.

وهذه الآية وحدها دليل قاطع على من يدّعى أن النسخ لا يقع فى الشريعة الإسلامية أو هو بمعنى انتهاء الحكم كما ذهب أبو مسلم الأصفهانى (1) فى القول إنه لم يقع فى القرآن نسخ مؤولا إياه بالتخصيص أو هو نقل القرآن من اللوح المحفوظ، والفرق شاسع، بين ما ذكره الأصفهانى، ورأى الجمهور فى النسخ، قال الرازى (2) فى المحصول فى المسألة الرابعة «والنسخ عندنا واقع سمعا خلافا لليهود، فإن منهم من أنكره عقلا، ومنهم من جوزه عقلا، لكنه منع منه سمعا، ويروى عن بعض المسلمين إنكار النسخ» .

فالرازى دقيق الملاحظة، لطيف العبارة قال المحقق:«وروى بصيغة التضعيف هكذا، تحوط لطيف من الرازى فكأنه لا يرى مخالفا من المسلمين فى النسخ على الحقيقة بما فى ذلك الأصفهانى، وأن الخلاف فى الموضوع لفظى» (3)، وعلى هذا الرأى يكون أبو مسلم مع القائلين بالنسخ، ولكنه ينفصل فى عدم وقوعه فى الشريعة الإسلامية مع جوازه العقلى ووقوعه السمعى بين الشرائع المختلفة،

(1) محمد بن بحر الأصفهانى ولد 254 هـ، وتوفى 322 هـ، وهو متكلم معتزلى له آراء غريبة، فى تفسيره «جامع التأويل لمحكم التنزيل» على مذهب المعتزلة، ورد عليه الرازى فى تفسيره الكبير ردا مقحما فى كل آية خالفه فيها، وللأصفهانى تفسير، ولم أر تفسيره هذا: ابن النديم: الفهرست 202، ياقوت الحموى: معجم الأدباء 18/ 35، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 44.

(2)

الرازى: المحصول 1/ 3/ 440.

(3)

د. طه جابر فياض العلوانى الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومحقق الكتاب.

ص: 49

وهذا ما وضحه د. شعبان محمد إسماعيل وبينه فى كتابه (1) بقوله:

«والصحيح فى النقل عن الأصفهانى أن النسخ واقع بين الشرائع بعضها مع بعض ولكنه غير واقع فى الشريعة الإسلامية أو الشريعة الواحدة، فيكون أبو مسلم بذلك مع الجمهور فى أن النسخ واقع، وإنما قلنا إن النقل الأخير هو الصحيح عنه، لأنه هو الذى يتفق مع ما أجمع عليه المسلمون أن الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة عليها، ولا يسع أبو مسلم ولا غيره أن يخالف هذا الإجماع» .

والنقل عن أبى مسلم فى آرائه مضطرب، وفيه خلاف (2) بين أقواله، وعلى أن الخلاف بينه وبين الجميع لفظى، فلماذا يسمى النسخ بغير اسمه أو حقيقته، فمرة يؤول وأخرى يخصص، والفرق بين التخصيص والنسخ (3) واضح لا لبس فيه، فلماذا يعدل عن حقيقة المصطلح إلى تأويلها، والرجوع إلى الحق أحق أن يتبع، فلا يأكل الذئب من الغنم إلا القاصية، فبهذا الرأى لأبى مسلم قد خرق إجماع المسلمين على تعريف النسخ ووجوده ووقوعه، وأصبح صاحب رأى منفصل فى النسخ الذى انقسمت فيه الآراء إلى ثلاثة:

1 -

رأى الجمهور وهو إجماع المسلمين والنصارى، قبل ظهور أبى مسلم الأصفهانى على أن النسخ جائز عقلا وواقع سمعا بين

(1) د. شعبان محمد إسماعيل: نظرية النسخ 23.

(2)

د. شعبان محمد إسماعيل: نظرية النسخ 39.

(3)

الرازى: المحصول 1/ 3/ 9 قال: النسخ رفع الحكم بعد ثبوته، والتخصيص خروج بعض الحكم، والناسخ لا بدّ أن يكون متراخيا بخلاف المخصص.

- مكى بن أبى طالب: الإيضاح 74 فالنسخ إزالة حكم المنسوخ كله فى وقت معين، فهو بيان الأزمان التى انتهى إليها العمل بالفرض الأول، والتخصيص إزالة بعض الحكم، فهو بيان الأعيان.

ص: 50

الشرائع المختلفة وفى الشريعة الواحدة، وهو رأى العيسوية من اليهود، والأمثلة تدل على هذا الرأى.

2 -

رأى اليهود الشمعونية، وكذلك نصارى العصر الحاضر جميعا فى أن النسخ ممتنع عقلا وسمعا، لأنه يوجب البداء (1) على الله تعالى وهو محال، واتفق اليهود على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا تنسخ شريعتهم.

3 -

رأى أبى مسلم الأصفهانى والعنانية من اليهود فى أن النسخ جائز عقلا، ممتنع سمعا بين الشرائع المختلفة.

وقد أحسن (2) د. شعبان محمد إسماعيل فى الرد علي شبه اليهود ومناقشة حججهم (3) التى انهارت أمام البحث العلمى الذى ناقشهم به، وذابت فى ثنايا الرد أحقادهم على الإسلام والمسلمين لإنكارهم أن تنسخ الشريعة الإسلامية شريعتهم.

(1) البداء: ظهور رأى محدث لم يظهر من قبل، وهذا شىء يلحق البشر لجهلهم بعواقب الأمور، وعلم الغيوب، والله يتعالى عن ذلك، فمحال أن يبدو له رأى لم يكن يبدو له من قبل. الإيضاح 98.

(2)

د. شعبان محمد إسماعيل: نظرية النسخ 34.

(3)

ابن الجوزى: نواسخ القرآن 83.

- د. مصطفى زيد: النسخ فى القرآن 1/ 44.

- محمد عبد العظيم الزرقانى: مناهل العرفان 2/ 186.

ص: 51