الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: قيام الليل
قيام الليل الوارد فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا [المزمل 1 - 3].
قال الرازى (1) فى المسألة الأولى إن قيام الليل كان فريضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله «قم الليل» وظاهر الأمر للوجوب ثم نسخ، واختلفوا فى سبب النسخ على وجوه، أولها: أنه كان فرضا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ثم نسخ بها، ثانيها: أنه تعالى لما قال قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا فكان الرجل لا يدري كم صلى، وكم بقى من الليل، فكان يقوم الليل كله مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب، وشقّ عليهم ذلك حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، فنسخ الله تعالى ذلك بقوله فى آخر السورة فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وذلك فى صدر الإسلام، قال ابن عباس: كان بين أول الإيجاب وبين نسخه سنة، وكذلك قالت عائشة رضى الله عنها (2)، قال فى الإيضاح (3):
وقال ابن عباس- رضى الله عنه- سقط عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل، وصارت تطوعا، وبقى ذلك فرضا على رسول الله، ثم ذكر الله تعالى الحكمة من هذا النسخ فقال تعالى عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ
(1) الرازى: التفسير الكبير 30/ 172.
(2)
السيوطى: لباب النقول 222
(3)
مكى بن أبى طالب: الإيضاح 295.
وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ.
ولقد عدّ الرازى هذا النوع من النسخ، نسخ قرآن بقرآن، وهو من القسم الأول عنده فى أقسام القرآن الذى نسخ قرآنا، وهو أن يكون الناسخ أمرا بترك العمل بالمنسوخ الذى كان فرضا من غير (1) بدل، ونحن مخيرون فى فضل المنسوخ وتركه، وفعله أفضل، وأما (2) ما قيل أنه بقى على الرسول فرض قيام الليل وحده، فقوله تعالى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: 79] يرده مع الإجماع على أن لا فرض إلا خمس صلوات، وقال ابن عباس: نافلة لك أى فرضا عليك أى فرض الله تعالى ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم خاصة، وقيام الليل هذا أو التهجد فرض قد نسخته آيات سورة المزمل إلى ندب التهجد فى قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فهو كما قال الشافعى (3) ندب نسخ فرضا على الرسول والمسلمين.
(1) مكى أبى طالب: الإيضاح 65.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
الشافعى: الرسالة 109.
وقد رفض هذا القول صاحب الرأى الصواب (1) قائلا إن الآية أو السورة أصلا ليس بها ناسخ ولا منسوخ، لأنه حكم مرتبط بغاية أو مغيا، وما كان كذلك، فلا نسخ فيه.
وأما الرازى (2) كما سبق، فقد عدّها من نسخ البدل إلى بدل أخف، وليس كما قال مكى بن أبى طالب من غير بدل، فالتهجد أو صلاة الليل عند الرازى منسوخة بما فى نفس السورة من قرآن، فالنسخ حاصل فى صلاة الليل من تأدية المسلم للفرائض مثل الصلاة والزكاة وغيرها مما يثاب عليه المسلم من الفرائض، ولا قيمة لما ذكره صاحب الرأى الصواب بعد قول الأئمة الأعلام فى الآية من نسخ.
…
(1) جواد موسى محمد عفانة: الرأى الصواب فى منسوخ الكتاب 92.
(2)
الرازى: المحصول 1/ 3/ 480.
- الرازى: التفسير الكبير 3/ 232.
- الشوكانى: فتح القدير 5/ 346.