الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نشأته وصفاته:
يعد الفخر الرازى نموذجا للعالم الذى لا يتوقف عند علم معين، بل أخذ من كل العلوم بحظ وافر، مما جرّ عليه الأحقاد، وزاد له فى الحسّاد، فى حياته وبعد مماته، فقد نشأ الرازى فى البيئة الإيرانية فى القرن السادس الهجرى، وبدايات الصراح بين المغول والمسلمين، وما سبق زحفهم على بلاد الإسلام والعراق بخاصة، وتدنّى الحضارة الإسلامية بسبب الصراعات والانقسامات بين دويلات العالم الإسلامى آنذاك، فالرى العاصمة الكبرى والمدينة العظمى لبلاد إيران وخراسان وخوارزم، وما كانت تموج به من فكر وثقافة وعلم، تحولت فى عهد الرازى إلى دمار وخراب، لولا فطنة بعض السلاطين مثل شهاب الدين الغورى سلطان غزنة، وعلاء الدين خوارزم شاه صاحب خراسان، فى الحفاظ على الدين واللغة والعلوم، لما وجدنا مثل الرازى، وغيره من العلماء الكبار الذين حملوا مشعل العلم والحضارة للعالم كله، يصححون المعوج من العقائد، ويقيمون الصحيح من الشريعة الإسلامية، ويدافعون عن الدين بكل ما رزقهم الله تعالى به من فهم ثاقب، وإخلاص نادر.
عاش الرازى فى هذا العصر المضطرب، متعلما ودارسا على والده ضياء الدين خطيب الرى، وصاحب كتاب «غاية المرام فى علم الكلام» ، وقد أخذ أبوه علم الأصول والكلام عن تلامذة الجوينى إمام الحرمين الذى أخذ عن أبى إسحاق الأسفراييني، والذين أخذوا الأصول عن أبى الحسن الأشعرى، وكذلك تفقه الفخر الرازى على والده الذى تفقه على الإمام البغوى الذى تفقه على مذهب الشافعى
ودافع عنه، وكذلك أخذ الفخر الرازى عن المجد الجيلى علوم الحكمة، وتفقه على الكمال السمنانى، ويقال إنه حفظ كتاب «الشامل» فى علم الكلام للإمام الجوينى (1).
حرص الرازى على الصدارة فى العلوم الشرعية والحكمية والوعظ والتصوف الذى اتصل بقطب عصره فيه ابن عربى (2) صاحب الفتوحات المكية المشهورة وفصوص الحكم.
بدأ الرازى حياته فقيرا ثم فتحت عليه الأرزاق وانتشر اسمه وبعد صيته، وقصد من أقطار الأرض لطلب العلم، وتغير حاله إما بسبب (3) زواج ابنيه من كريمتى أحد الأطباء المشهورين فى عصره وفى بلده، أو بسبب ما أغدقه عليه أو أعطاه سلطان غزنة شهاب الدين الغورى من أموال، وعطايا وكذلك السلطان علاء الدين خوارزم شاه، فقد حظى الرازى بالمنزلة الكبرى والدرجة العليا عنده، لوعظه المبكى، وعلمه النقى، فلما مات الرازى ترك ثروة هائلة من جملتها ثمانون ألف دينار، ما عدا العقارات والعبيد والدواب وغير ذلك، وجمع كل ما تقدم غير مستحيل، والدليل على ما أنعم الله به على الرازى من منزلة ومكانة بين الناس ما ذكره الذهبى «وكان ربع القامة، عبل الجسم، كبير اللحية، جهورى الصوت، صاحب وقار وحكمة، له ثروة ومماليك، وبزة حسنة،
(1) السبكى: طبقات الشافعية 8/ 95 - 2/ 37.
(2)
ابن كثير: البداية والنهاية 13/ 149، والذهبى: تاريخ الإسلام 46/ 374 محمد بن على بن محمد بن عبد الله الطائى الأندلسى الصوفى هو ابن عربى، ومحيى الدين توفى 638 هـ، وهو قدرة أهل
الوحدة القائلين بوحدة الوجود، وهو متهم فى آرائه وفكره.
(3)
الذهبى: العبر 3/ 143.
وهيئة جميلة، إذا ركب مشى معه نحو ثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم فى التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك، فكان فريد عصره، ومتكلم زمانه» (1) وكلام الذهبى يغنى وإن كان النص فيه مبالغة، لكنها مقبولة فى زمن كاد فيه العالم أن يكون رسولا، يأخذ الناس عنه، ويتعلم الجميع منه وبخاصة تلك البلاد المحبة للدين، المتعطشة للحكمة والفلسفة.
والرازى من بيت علم، وصاحب علم، فلا مانع من ملاحقة طلبة العلم له، فى كل وقت كى ينالوا مما عنده، ويزدادوا مما حباه الله تعالى به من علوم وفنون مجتمعة فى شخص واحد، وهى ميزة ينفرد بها القلائل من العلماء، والأفذاذ من الرجال، ومن هنا فقد صدق من سماه (2) بإمام الدنيا فى عصره، وحق له ذلك وزيادة، فسبحان الله القائل: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح: 5، 6]، ولن يغلب عسر واحد يسيرين أبدا، والرازى أهل للخير والعلم، فجمع الله تعالى له بين الثراء المادى والعلمى كى يتفرغ للعلم والدفاع عن الدين بما أوتى من ذكاء وفطنة ورجحان عقل، وغلبة حجة على المارقين عن الإسلام والخارجين عن طاعة الله تعالى، وذلك من خلال الحكمة والموعظة الحسنة: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125].
(1) الذهبى: العبر 3/ 143.
(2)
ابن الأثير: الكامل 9/ 302.