الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[اعتراف الرازي بالنسخ]
1 -
من خلال ما سبق عرضه من أنواع النسخ وأقسامه عند الفخر الرازى، وكذلك أدلة وقوع النسخ فى القرآن الكريم، واعترافه بذلك، ورده على كل من أنكر النسخ، خاصة أبو مسلم الأصفهانى الذى أنكر أن يكون فى القرآن الكريم ناسخ أو منسوخ، وتبعه كثير من القدماء والمحدثين، إلا أن الرازى برجاحة عقله، وثاقب فكره، رد على كل مدع دعوته بطريقة أثبتت أنه صاحب منهج علمى يورد آراء المخالفين، وحجج المعارضين ثم يكرّ عليها نقدا ونقضا، مما أعطاه المزية على غيره من العلماء، وإن كان قد توسع فى المسائل، والفروع التى نتجت عنها، حتى طال تفسيره، وكثرت قضاياه، مما يجعل القارئ لكتابه أو فكره يحتاج إلى جهد جهيد، وصبر طويل حتى يخرج بما أراد، والحقيقة أن الرازى له العذر فى ذلك، فقد ساد هذا المنهج فى عصره، وأخذه عنه تلاميذه بعد ذلك فى الشرح والتعليق والتحليل، والكتابة عموما.
[بين المحصول والتفسير الكبير]
2 -
ومما أخذته على الرازى فى النسخ أنه يخالف أحيانا ما قاله فى التفسير، عما ذكره فى المحصول، مثل نسخ الحبس للزناة، ونسخ العدد فى الجهاد أو التخفيف، وهذا يجعل المطالع لتفسيره فى حيرة، هل الآية منسوخة أو غير منسوخة عند الرازى، مما جعلنى أثبت ما قاله فى التفسير والمحصول معا، حتى تتضح الصورة ويظهر الرأى عنده من مجموع الكتابين معا.
[التناقض فى قبول النسخ]
3 -
وكذلك ما قاله الرازى عن النسخ فى التفسير (1) وفى المحصول (2)، حينما قال إن الأصل عدم النسخ فى الأحكام وإن
(1) الرازى: التفسير الكبير 3/ 229
(2)
الرازى: المحصول 1/ 3/ 445
وجد، فلا بد من تضافر الأدلة عليه، وأكد على أن النسخ واقع فى القرآن الكريم، وفى الشريعة الإسلامية بأدلة يجب التعويل عليها كلها، أفضل من التعويل على الدليل الواحد الموجود فى سورة البقرة فى قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 106]، والآية الثانية: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل: 101].
وقوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد: 39]، فمجموع الآيات الثلاث، يعطى الدليل الواضح على وجود النسخ ووقوعه بما لا يدع مجالا لنفوذ الشك أو دخول الريب إلى النفس، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الرازى لم يقع فى تناقض بين ما قاله فى المحصول، وما جاء فى التفسير، وأنه ذكر أدلة الجمهور وزاد عليها مناقشة المنكرين للنسخ، وأنه لا يقول بالنسخ إلا مع وجود الدليل، قال فى تفسير قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها، وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (1)، قال فى تفسيره الكبير فى المسألة الرابعة: قال المفسرون: قوله: فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها، معناه لا آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ عليكم والوكيل، قالوا: إنما كان هذا قبل الأمر بالقتال فلما أمر بالقتال صار حفيظا عليهم، ومنهم من يقول آية القتال ناسخة لهذه الآية، وهو بعيد، فكأن هؤلاء المفسرين مشغوفون بتكثير النسخ من غير حاجة إليه، والحق ما تقرره أصحاب أصول الفقه إن الأصل عدم النسخ، فوجب السعى فى تقليله بقدر
(1) الرازى: التفسير الكبير 13/ 134.