الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
لقد شغل الرازى الناس فى عصره، وملأ الدنيا علما وفكرا، وما زلنا نذكره بخير من خلال ما سطره بنانه من صفحات، وما بزّ فيه أقرانه من مناظرات ومحاورات، تثبت أن هذا الرجل مكتبة متحركة أينما حلت أفادت، وحيثما توجهت أنارت الطريق أمام السائلين، والمتعلمين، والعلماء، والباحثين، ولقد صدق وصف السبكى فيه «انتظمت بقدره العظيم عقود الملة الإسلامية، وابتسمت بدره النظيم ثغور الثغور المحمدية» (1).
فآثاره العلمية والأدبية والفلسفية والشرعية تدل عليه دلالة واضحة، وما سجله العلماء والباحثون والمؤرخون فى حياته أو عن حياته، وبعد مماته خير دليل على هذه الآثار وتشهد على أننا أمام دائرة معارف متكاملة الفروع، ومتنوعة الأصناف ما بين طب ودين وأدب وفلسفة عربية وفارسية، فالناظر فى حياة الرجل يجده موسوعيا، لا يدرى الناظر فى علومه من أين يبدأ، ولا من أى الفنون يأخذ، فهو رأس فى الذكاء والعقليات، وبحر فى العقائد والحكمة والشرعيات تفسيرا وفقها وأصولا.
وكتابه الكبير «مفاتيح الغيب» (2) أو «التفسير الكبير» بلغ اثنين وثلاثين جزءا من الحجم الكبير والورق الكبير، الذى يربو على تفسير الطبرى بعدة أجزاء، وليس له مثيل بين كتب التفسير.
وكذلك كتابه الفذ فى أصول الفقه، الذى يعد علما على
(1) السبكى: طبقات الشافعية 8/ 81 ط الحلبى.
(2)
طبع الكتاب باسم التفسير الكبير، فى عدة دول إسلامية، وأعتمد على طبعة دار الكتب العلمية بطهران، الطبعة الثانية بدون تاريخ.
صاحبه، بجانب من كتبوا فى هذا الفن من العلماء الأجلاء، والكتاب هو «المحصول فى علم أصول الفقه» (1) وهو أصل فى بابه وفنه.
والكتب فى انتشارها، وقبولها بين الناس، كالمعادن النفيسة كلما خلصت نية صاحبها فى كتابتها، وكملت أدواته ومعلوماته زادت رواجا وانتشارا، ولمعانا على حق لا على زيف، لذلك قال الذهبى فى العبر عن الرازى «ورزق الحظوة فى تصانيفه، وانتشرت فى الأقاليم» (2) وهذه ميزة أخرى تضاف إلى ما سبق من ميزات انفرد بها الفخر الرازى بين العلماء، بالإضافة إلى سجل حافل بالدراسات والبحوث والرسائل العلمية حول هذه الشخصية الفريدة، وما قدمته فى مجالات شتى، وعلوم متنوعة، توشك هذه الدراسات والبحوث فى الجامعات ومعاهد العلم والمكتبات أن تقارب مقدار ما كتبه بل تزيد على ذلك كثيرا، وسيظل الرازى (3) نبعا يفيض بالعطاء كلما جال العلماء فى فكره وكتبه، ونقبوا عن كنوزه ودرره، وهكذا الكبار من العلماء تفنى أجسادهم وتبقى علومهم وفنونهم نبراسا لكل العصور، يتجدد عطاؤه مع تجدد الأيام والليالى خلودا وصعودا وفكرا وحكمة.
(1) طبع الكتاب باسم المحصول فى علم أصول الفقه للرازى، طبعة لجنة البحوث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1399 هـ- 1979 م، وحققه د. طه جابر فياض العلوانى فى عدة مجلدات.
(2)
الذهبى: العبر فى خبر من غبر 3/ 142.
(3)
انظر: المبحث الخاص بالرازى من كتاب «إلى طه حسين فى عيد ميلاده السبعين» بقلم چورچ قنواتى، إعداد عبد الرحمن بدوى، ط دار المعارف- مصر 1962 م.