الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[القسم الثالث نسخ السنة بالقرآن]
القسم الثالث: نسخ السنة بالقرآن عند الرازى (1) وقد جوزه الجمهور (2) لوقوعه، حيث إن القرآن والسنة من عند الله تعالى، غير أن القرآن متعبد بتلاوته، والسنة غير متعبد بتلاوتها، ونسخ حكم أحد الوحيين غير ممتنع.
وقال الشافعى (3) - رضى الله عنه- لا يجوز، قال الرازى واحتج المثبتون لجواز نسخ السنة بالقرآن بأمور ذكر منها:-
1 -
التوجه إلى بيت المقدس كان واجبا- فى الابتداء- بالسنة، لأنه ليس فى القرآن ما يتوهم كونه دليلا عليه إلا قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:
115] وذلك لا يدل عليه، لأنها تقتضى التخيير بين الجهات، والناسخ قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة: 144](4) فالناسخ قرآن كريم والمنسوخ سنة نبوية ثبتت فى صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقبلته بيت المقدس، وهو مشهور معروف.
2 -
قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَ
(1) الرازى: المحصول 1/ 3/ 508 - 509.
(2)
عبد الله بن صالح الفوزان: شرح الورقات 179.
(3)
الشافعى: الرسالة 108.
(4)
أبو بكر محمد الحازمى: الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ 51.
- مكى بن أبى طالب: الإيضاح 67.
لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187].
وهو نسخ تحريم المباشرة، وليس التحريم فى القرآن، وإنما ثبت بالسنة النبوية المطهرة فى بداية الصيام.
3 -
نسخ صوم يوم عاشوراء بصوم رمضان، وكان صوم عاشوراء ثابتا بالسنة النبوية.
4 -
وردت صلاة الخوف فى القرآن الكريم ناسخة لما ثبت بالسنة من جواز تأخيرها إلى انجلاء القتال، حتى قال صلى الله عليه وسلم يوم الخندق:
«حشى الله قبورهم نارا» (1) لحبسهم عن الصلاة.
قال الرازى (2): واحتج الشافعى- رضى الله عنه- لعدم الجواز بقوله تعالى: بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44] و «هذه الآية تدل على أن كلام الرسول بيان للقرآن، والناسخ بيان للمنسوخ، فلو كان القرآن ناسخا للسنة، لكان القرآن بيانا للسنة فيلزم كون كل واحد منهما بيانا للآخر» ورد الرازى على الشافعى بقوله: «سلمنا أن السنة بيان
(1) صحيح البخارى بشرح ابن حجر 9/ 53 ك التفسير باب: حافظوا على الصلوات، رقم 4533.
(2)
الرازى: المحصول 1/ 3/ 512 - 514.
كلها، لكن البيان هو البلاغ، وحمله على هذا أولى، لأنه عام فى كل القرآن، أما حمله على بيان المراد فهو تخصيص ببعض ما أنزل، وهو ما كان مجملا أو عاما مخصوصا، وحمل اللفظ على ما يطابق الظاهر هو أولى من حمله على ما يوجب ترك الظاهر» (1).
وهذه المسألة اختلف فيها كثيرون ردا على الإمام الشافعى أو قبولا لرأيه، ولكنى رأيت توضيح د. العلوانى (2) يفى بما أقوله، قال فى تعليقه على هذه المسألة فى التحقيق، إن الإمام فيما قاله، لم يكن يتحدث عن الناسخ والمنسوخ من حيث الواقع وإنما كان حديثه عن الحكم بالنسخ، وكذلك لم يكن كلامه عن جواز نسخ السنة بالقرآن أو العكس حديثا عن الجواز أو عدمه من حيث العقل أو السمع، فإن حديثه لا يمكن حمله إلا على أنه بيان لكيفية الحكم بنسخ السنة، واستدل على هذا التوضيح بما جاء عن الماوردى (3) فى أدب القاضى قائلا: إنه لا توجد سنة إلا ولها فى كتاب الله تعالى أصل كانت السنة فيه بيانا لمجمله، فإذا ورد الكتاب بنسخها، كان نسخا لما فى الكتاب من أصلها فصار ذلك نسخ الكتاب بالكتاب، فالله تعالى يوحى إلى رسوله بما يخفيه عن أمته، فإذا أراد نسخ ما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم. أعلمه به حتى يظهر نسخه، ثم يرد الكتاب بنسخه تأكيدا لنسخ رسوله، فصار ذلك نسخ السنة بالسنة، والمسألة الثالثة التى تحدث عنها الماوردى توضيحا لرأى الشافعى هى إن نسخ السنة بالكتاب يكون أمرا من الله تعالى لرسوله بالنسخ، فيكون الله تعالى هو الآمر بالنسخ، والرسول هو الناسخ له، فصار ذلك نسخ
(1) الرازى: المحصول 1/ 3/ 514
(2)
الرازى: المحصول 1/ 3/ 516 فى الهامش.
(3)
الماوردى: أدب القاضى 1/ 348.
السنة بالكتاب والسنة (1).
فالشافعى رضى الله عنه يرى أن نسخ القرآن بالسنة يكون معها عاضد لها من القرآن يبين توافق القرآن والسنة، وكذلك نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة عاضدة له تبين توافق الكتاب والسنة، وهذا ما وضحه الزركشى فى البرهان (2) أيضا.
…
(1) الرازى: المحصول 1/ 3/ 517 وانظر رأى السبكى فى المسألة كما نقله المحقق مفصلا.
(2)
الزركشى: البرهان 2/ 32.