الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيما أنزل الله تعالى عشر رضعات محرمات، فنسخن بخمس».
فالعشر مرفوع التلاوة والحكم معا، والخمس مرفوع التلاوة باقى الحكم.
ويروى عن عائشة أيضا أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة ثم وقع النقصان فيها، وهذا النوع (1) لا تجوز قراءته ولا العمل به، وفيه خلاف بين العلماء لأن الأخبار فيه آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها، لأن القوى لا ينسخ (2) بأضعف منه.
النوع الرابع: النسخ إلى غير بدل:
قال الرازى فى المسألة السابعة (3) من المحصول: يجوز نسخ الشيء لا إلى بدل، خلافا لقوم، قالوا لا يجوز نسخ الحكم إلا إلى بدل، واحتجوا بأن هذه الآية من سورة البقرة
«ما ننسخ من آية أو ننسها نأتى بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير» تدل على أن الله تعالى إذا نسخ، لا بدّ أن يأتى بعده بما هو خير منه، أو بما يكون مثله، وذلك صريح فى وجوب البدل من قوله تعالى- نأت بخير منها أو مثلها- ولكن الرازى (4) يرفض هذا التوجيه للآية ويقول: لم لا يجوز أن يقال المراد أن نفى ذلك الحكم وإسقاط
(1) السيوطى: الإتقان 2/ 39.
- النحاس: الناسخ والمنسوخ 102 - 103.
- ابن البازرى: ناسخ القرآن ومنسوخه 19: 50.
- مكى بن أبى طالب: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 59.
(2)
عبد الله بن صالح الفوزان: شرح الورقات فى أصول الفقه 182.
(3)
الرازى: المحصول 1/ 3/ 479، التفسير الكبير 3/ 231.
(4)
الرازى: المحصول 1/ 3/ 479، التفسير الكبير 3/ 231.
التعبد به خير من ثبوته فى ذلك الوقت، ثم الذى يدل على وقوع النسخ لا إلى بدل انه تعالى نسخ تقديم الصدقة بين يدى رسول الله- صلى الله عليه وسلم ومناجاته، لا إلى بدل، وهذا رأى الجمهور (1) فى قوله تعالى: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [المجادلة: 13].
5 -
النوع الخامس من النسخ عن الرازى: (2) وهو النسخ الى بدل أثقل
، قال فى المسألة الثامنة من المحصول «يجوز نسخ الشيء إلى ما هو أثقل منه، خلافا لبعض أهل الظاهر» الذين فهموا قوله تعالى:
«نأت بخير منها أو مثلها» أنه ينافى كونه أثقل، لأن الأثقل فى عرف النافين لا يكون خيرا منه ولا مثله، ولكن الجواب عند الرازى (3) فى قوله: لم لا يجوز؟! أن يكون المراد بالخير ما هو أكثر ثوابا فى الآخرة، وأصلح فى المعاد وإن كان أثقل فى الحال، ثم إن الذى يدل على وقوعه فى القرآن الكريم، أن الله تعالى نسخ فى حق الزناة الحبس فى البيوت الوارد فى سورة النساء، إلى الجلد والرجم الواردين فى السنة وسورة النور، وكذلك نسخ صوم عاشوراء الثابت بالسنة، بصوم رمضان الثابت فى القرآن، وكانت الصلاة ركعتين عند قوم، فنسخت بأربع فى الحضر، ألا يدل ذلك على جواز نسخ الحكم إلى ما هو أثقل منه أجرا وعملا وعبادة وحكما، ويرد على ادعاءات الظاهرية وغيرهم.
(1) الأرموى: الحاصل من المحصول 2/ 651.
- عبد الله بن صالح الفوزان: شرح الورقات 173.
(2)
الرازى: المحصول 1/ 3/ 480.
(3)
الرازى: التفسير الكبير 3/ 231.
6 -
النوع السادس من النسخ عند الرازى هو: (1) النسخ إلى بدل أخف
، وقد وقع فى القرآن الكريم كنسخ العدة من حول إلى أربعة أشهر وعشر، وكنسخ صلاة الليل أو التهجد إلى التخيير فيها من سورة المزمل فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 1 - 4]. والأمر فيها للوجوب فى صلاة الليل، والناسخ قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المزمل: 20].
فنحن مخيرون فى فعل هذا المنسوخ وتركه، وفعله أفضل (2) ولو كان قدر حلب شاة، قال الشوكانى (3): والأولى فى الآية أن النسخ فيها لقيام الليل على العموم فى حق النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فلا فرض إلا الخمس صلوات عند الشافعى- رحمه الله كما ثبت فى السنة المطهرة.
(1) الرازى: التفسير الكبير 3/ 232.
(2)
مكى بن أبى طالب: الإيضاح 295.
- الأرموى: الحاصل من المحصول 2/ 651.-
(3)
الشوكانى: فتح القدير 5/ 346.
7 -
النوع السابع من النسخ عند الرازى (1): النسخ إلى بدل مماثل
، قال فى التفسير: وأما نسخ الشيء إلى المثل، فكالتحويل من بيت المقدس إلى الكعبة الوارد فى قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة: 144]، وهذا البدل المماثل أو المساوى للقبلة لا خلاف (2) على جوازه، حيث ثبت فى السنة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم حول الله تعالى القبلة إلى المسجد الحرام، مواجهة أو محاذاة للكعبة.
وهذه الأنواع من النسخ استدل عليها الرازى من قوله تعالى فى سورة البقرة: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 106](3)، قال الرازى فى التفسير: القول الثانى فى الآية «ما ننسخ من آية أى نبدلها، إما أن نبدل حكمها فقط، أو تلاوتها فقط أو هما معا، وأما قوله تعالى- أو ننسها- فالمراد نتركها كما كانت فلا نبدلها وقد بينا أن النسيان بمعنى الترك قد جاء معناه، فيصير حاصل الآية (4) إن الذى نبدله فإنا نأتى بخير منه أو مثله.
وأنواع النسخ عند الرازى لا تختلف عما ذكره الجمهور، غير أنه
(1) الرازى: التفسير الكبير 3/ 232.
- الرازى: المحصول 1/ 3/ 464.
(2)
عبد لله بن صالح الفوزان: شرح الورقات 173.
(3)
الرازى: التفسير الكبير 3/ 231.
(4)
الرازى: التفسير الكبير 3/ 231.
استدل على كل نوع بدليل وأمثلة تثبت وجوده، مع الرد على المخالفين بحجج تبين قدرة هذا الرجل على الفهم ثم الصبر على المخالفين، وذكر ما خالفهم فيه حجة بحجة، ودليل بدليل، مما يجعله مثالا يحتذى فى الرد على المعارضين، وإثبات صحة ما يعتقده الإنسان والتمسك به، والدفاع عنه بكل ما أوتى من أدلة من غير غلو ولا شطط، ولا إساءة أدب إلى أحد، فمن علم حجة على من لم يعلم، وكذلك كانت حياته مجاهدة ونزال لكل من خالفه، أو شكك فى أمور الدين عامة.
8 -
النوع الثامن من النسخ عند الرازى (1): نسخ الشيء قبل مضى وقت فعله، أو نسخ الفعل قبل التمكن منه أو نسخ الواجب قبل مجيء وقته
، قال الرازى: اختلفوا فى نسخ الشيء قبل مضى وقت فعله، ومثاله كما قال الرازى: إذا قال الله تعالى لنا صبيحة يومنا:
صلوا عند غروب الشمس ركعتين بطهارة ثم قال عند الظهر: لا تصلوا عند غروب الشمس ركعتين بطهارة فهذا عندنا جائز، خلافا للمعتزلة، وكثير من الفقهاء، وأما مثاله من القرآن عند القائلين به، فى قصة ذبح إسماعيل- عليهما السلام لما أمره أبوه، فأطاعه ابنه، ثم نسخ ذلك قبل وقت الفعل فى قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات: 102 - 107]، قال فى الحاصل (2) هى المسألة السادسة «يجوز نسخ الواجب قبل مجىء وقته خلافا للمعتزلة» ودليل ذلك أن إبراهيم- عليه السلام كان مأمورا بذبح ولده ثم نسخ قبل ذبحه، ويدل على الأمر بالذبح وجوه:
1 -
افعل ما تؤمر.
2 -
إما أن يكون مأمورا بمقدمات الذبح أو بنفس الذبح، والأول باطل لأنها ليست بلاء مبينا، فالثانى متعين.
3 -
لو كان مأمورا بالمقدمات، وقد أتى بها لما احتاج إلى الفداء،
(1) الرازى: المحصول 1/ 3/ 467.
(2)
الأرموى: الحاصل 2/ 647.