الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمكان»، وهذا التفسير للآية، وما قرره الأصوليون، لا يمنع من وجود النسخ، ووقوعه فى الشريعة الإسلامية، وهذا أيضا لا يعطى دليلا أن الرازى لا يقول بالنسخ، ولا
يعترف به، وقد دللنا على رأيه بأدلة ثابتة من القرآن والسنة تثبت أنه من القائلين بالنسخ، والمدافعين عنه، ولكن بطريقته فى سرد الأدلة، ورد ما ليس فيه نسخ من الآيات كما فعل فى موافقته- أحيانا- لأبى مسلم الأصفهانى، فالرازى لا يحب الإكثار من النسخ بدون دليل عليه، أو حجة قوية تثبت النسخ كما وافق الجمهور فى كثير من قضايا النسخ مخالفا غيره من العلماء، وعلى رأسهم الإمام الشافعى الذى رد عليه الرازى كثيرا من آرائه فى النسخ بالدليل والبرهان، وبخاصة فى نسخ القرآن للسنة، ونسخ السنة للقرآن، وقدم من الأدلة ما يقوى ما ذهب إليه، فى نسخ الكتاب للسنة ونسخ السنة للكتاب، وهما وحيان، ولا مانع من نسخ أحدهما بالآخر خلافا لمن رفض ذلك، مع تغليب رأى الجمهور دائما فى قضايا النسخ عنده، وهذه ميزة ينفرد بها بين العلماء، فما وافق الجمهور عليه فهو معه.
[مخالفة الرازى للظاهرية]
4 -
مخالفة الرازى الواضحة لرأى الظاهرية فى قبول نسخ القرآن بالآحاد من السنة النبوية، ومثّل له بقوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 145].
قال أهل الظاهر إن الآية منسوخة بما ورد فى السنة من أحاديث آحاد مثل حديث «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع،
وعن أكل كل ذى مخلب من الطير» (1).
ورد عليهم الرازى بقوله فى التفسير: إنه لما ثبت بمقتضى هاتين الآيتين: آية سورة الأنعام السابقة، وآية سورة البقرة: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 173](2) حصر المحرمات فى هذه الأربعة، كان هذا اعترافا بحل ما سواها، فالقول بتحريم شىء خامس فى الحديث أو الآيات الأخرى يكون نسخا، ولا شك أن مدار الشريعة على أنه الأصل عدم النسخ، لأنه لو كان احتمال طريان الناسخ معادلا لاحتمال بقاء الحكم على ما كان، فحينئذ لا يمكن التمسك بشيء من النصوص فى إثبات شىء من الأحكام لاحتمال أن يقال: إنه وإن كان ثابتا إلا أنه زال، ولما اتفق الكل على أن الأصل عدم النسخ، وأن القائل به، والذاهب إليه هو المحتاج إلى الدليل، علمنا فساد هذا السؤال وأن الآية لا نسخ فيها، ثم علل ذلك بقوله إن الآيتين مبالغة فى أنه تعالى لا يحرم سوى هذه الأربعة، وكذلك- إنما- تصريح بحصر المحرمات فى هذه الأربعة، والقول غير ذلك يكون دفعا لهذا الذى ثبت بمقتضى هاتين الآيتين، أنه كان ثابتا فى أول الشريعة بمكة وفى آخرها بالمدينة، وأن تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد جائز لديكم وأما هنا فى الآية فنسخ القرآن وهو متواتر بخبر الآحاد لا يجوز، وعليه فلا نسخ فى الآية بالحديث النبوى الذى ادّعى الظاهرية النسخ به للآية، ثم قال فى المحصول (3) «وأما قوله تعالى:- قل لا أجد- من سورة الأنعام
(1) أخرجه أصحاب الكتب الستة عن أبى ثعلبة وعن ابن عباس.
(2)
الرازى: التفسير الكبير 13/ 218.
(3)
الرازى: المحصول: 1/ 3/ 505.