الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعد معرفة الناسخ والمنسوخ من القواعد المهمة فى فهم الدين الإسلامى وأحكامه، وبخاصة فيما استقر من أحكام، وما ألغى منها، بعد أن كمل الدين، وتمت النعمة بنزول القرآن الكريم كاملا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وفاته بعد ذلك، مما يجعل القول فى الناسخ والمنسوخ محكوما بشروط حددها العلماء، وكذلك الطريق إلى معرفته، فلا يصح القول فيه بالرأى أو الاجتهاد، أو قول المفسرين أو التعارض الظاهر بين الآيات الذى يمكن جعله من تفسير القرآن بالقرآن كالعام والخاص والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، وهذا كثير فى القرآن ولا علاقة له بالنسخ، الذى حدده الرازى (1) بقوله «هو طريق شرعى يدل على أن الحكم الذى كان ثابتا بطريق شرعى لا يوجد بعد ذلك مع تراخيه عنه، على وجه لو لاه لكان ثابتا» وطرق معرفة الناسخ والمنسوخ فى القرآن الكريم عند الرازى (2) فى قسمين أساسين:-
[الطرق اللفظية]
1 -
ما يعرف به النسخ من خلال اللفظ، بأن يوجد لفظ النسخ فى الآية أو الرواية، بأن يقول الراوى هذا منسوخ أو يقول ذاك ينسخ هذا.
[الطرق غير اللفظية]
2 -
ما يعرف به النسخ من غير اللفظ، وهو أن تأتى الآية بنقيض الحكم الأول أو بضده، مع العلم بالتاريخ، ومثال النقيض قوله تعالى الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ
(1) الرازى: المحصول 1/ 3/ 561.
(2)
الرازى: التفسير الكبير 3/ 227 المسألة الرابعة.
الصَّابِرِينَ [الأنفال: 66]. فإن الآية نسخت حكم ثبات الواحد لعشرة، لأن التخفيف نفى للثقل المذكور فى قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الأنفال: 65] (1).
وأما أن تأتى الآية بالضد للحكم الأول الذى استقر، كتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فى قوله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة: 144] فالتوجه إلى الكعبة ضد التوجه إلى بيت المقدس.
وأما التاريخ الذى يعلم به النسخ، فقد يعلم باللفظ أو بغيره، أما اللفظ، فإذا قال الراوى أحد الخبرين قبل الآخر.
وأما بغير اللفظ فعلى وجوه: (2).
1 -
أن يقول الراوى هذا الخبر ورد سنة كذا وهذا فى سنة كذا.
2 -
أن يعلق أحدهما على زمان معلوم التقدم، والآخر بالعكس، كما لو قال: كان هذا فى غزوة بدر، والآخر فى غزوة أحد، وهذه الآية نزلت قبل الهجرة، والأخرى بعدها.
3 -
أن يروى أحدهما رجل (3) متقدم الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1) د. مصطفى زيد: النسخ فى القرآن 1/ 207.
(2)
الرازى: المحصول 1/ 3/ 562.
(3)
الرازى: المحصول 1/ 3/ 563 - 566.
ويروى الآخر رجل متأخر الصحبة، وانقطعت صحبة الأول للرسول عند ابتداء الآخر بصحبته، فهذا يقتضى أن يكون خبر الأول متقدما عن الثانى.
وأما لو دامت صبحة المتقدم مع الرسول لم يصح هذا الاستدلال.
وأما إذا اجتهد الصحابى بأن قال: كان هذا الحكم، ثم نسخ كقولهم: إن خبر: «الماء من الماء» نسخ بخبر «التقاء الختانين» لم يكن ذلك حجة، لأنه يجوز أن يكون قاله اجتهادا، فلا يلزمنا.
قال الرازى (1)، إن عيّن الراوى الناسخ فقال هذا نسخ هذا، جاز أن يكون قاله اجتهادا، فلا يجب الرجوع إليه، كما قاله الكرخى.
وإن لم يعين الناسخ بل قال هذا منسوخ وجب قبوله، لأنه لولا ظهور النسخ فيه، ما أطلق النسخ إطلاقا، ثم رجع مرة ثانية وقال هذا ضعيف فلعله قاله لقوة ظنه، فلا يؤخذ به.
…
(1) د. مصطفى زيد: النسخ فى القرآن 1/ 207.