الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا)
64 - كتاب القسامة
1712 -
قوله: (عُمدةُ الجُمْهُورِ ما ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم من حديث حُوَيِّصَة ومُحَيِّصَة. وهو حديث متفق على صحّته).
يريد أنّه خرّجه البخاري ومسلم، وهو كذلك، بل خرّجه الجماعة كلهم وغيرهم أيضًا من حديث سَهْل بن أبي حَثْمة قال: "إنطلق عبد الله بن سهل ومُحَيِّصَة بن مسعود إلى خيبر وهو يومئذٍ صلح؛ فتفرّقا، فأتى مُحَيِّصَة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحّط في دمه قتيلًا فدفنه، ثمّ قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلّم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: كبّر كبّر؛ وهو أحدث القوم فسكت فتكلّما. قال: أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم فقالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نَرَ؟ قال: فتبرئكم يهود
بخمسين يمينًا. فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفّار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده". وللحديث عندهم ألفاظ.
* * *
1713 -
قوله: (ومن حُجَّتِهِم أنّهُم لَم يَرَوُا في تِلكَ الأحَادِيثِ أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ بالقَسَامَةِ وإنّمَا كَانت حُكْمًا جَاهليًا فَتَلَطَّفَ لَهُم رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِيُرِيَهُم كَيْفَ لَا يُلزِمُ الحُكْم بَها على أصُولِ الإِسْلَام؛ ولِذَلِكَ قال لَهُم: أتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يمينًا؟ يعني لولاة الدم؛ وهم الأنصار. قالوا: كيْفَ نَحْلِفُ وَلَم نُشَاهِدْ؟) إلخ.
أمّا كونه صلى الله عليه وسلم لم يحكم بالقسامة فباطل وأمّا كون القسامة كانت من أمر الجاهلية فمسلّم. فقد روى مسلم والنِّسائي من حديث ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنّ القسامة كانت في الجاهلية فأقرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه وقضى بها بين أناس من الأنصار في قتيل ادّعوه على يهود خيبر". لفظ النَّسائي. ولفظ مسلم عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرّ القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين ناسٍ من الأنصار في قتيل ادّعوه على اليهود".
وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم لولاة الدّم أتحلفون خمسين يمينًا فتقدّم.
1714 -
حديث ابن أبي ليلى عن سهل بن أبي حَثْمة وفيه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُم".
كذا قال ابن أبي ليلى، وكذا وقع في أصل الموطأ المطبوع وهو خطأ. والصواب أبو ليلى بدون كلمة ابن. وكذلك رواه البخاري ومسلم من طريق مالك عن أبي ليلى ويأتي الكلام عليه قريبًا.
1715 -
قوله: (وكذلك ما رواه من مرسل بُشَير بن يسار وفيه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِيْنًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُم أوْ قَاتِلِكمْ"؟).
كذا وقع في الموطأ مرسلًا من رواية مالك عن يحيى بن سعيد، عن بُشَير بن يسار وهو موصول من رواية بُشَير عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج وذلك من رواية يحيى بن سعيد أيضًا عن بُشَير كذلك. خرّجه الجماعة.
1716 -
قوله: (مع أنّ حديث مالك عن ابن أبي ليلى ضعيف؛ لأنّه رجلٌ مجهول لم يرو عنه غير مالك وقيل فيه أيضًا أنّه لم يسمع من سهل).
هذا غير صحيح فالصواب فيه أولًا أبو ليلى كما قدمته وهو ثقة، حكى ابن عبد البَرّ الإِجماع على ذلك. ويكفي أنّ البخاري ومسلمًا خرّجا له واحتَجّا به في صحيحيهما وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو زُرعة: ثقة ولم يتكلّم فيه أَحدٌ بجرح مطلقًا ولا قال أحدٌ إنّه لم يسمع من سهل بن أبي حثمة وقد ذكروا أنّه سمع من عائشة رضي الله عنها وهي توفيت قبل سهل بن أبي حثمة وقد روى عنه أيضًا محمد بن إسحاق وحديثه هذا صحيح فجمع على صحّته.
* * *
1717 -
قوله: (وحديث بُشَير بن يسار قد اخْتُلِفَ في إسْنَادِهِ فأرْسَلَهُ مالك وأسْنَدَه غيرُهُ. قال: فَيِشبِهُ أن تَكُونَ هَذِهِ العِلَّةُ هي السَّبَبَ في أن لَم يُخَرجْ البخاري هذين الحديثين).
هذا باطل؛ فقد خرّج البخاري كلا الحديثين وكذلك مسلم، فالحديثان متفق على صحّتهما فحديث أبي ليلى خرّجه البخاري في كتاب الأحكام من صحيحه قال: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي ليلى ح وحدثنا إسماعيل حدثني مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنّه أخبره هو ورجال من كبراء قومه أنّ عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر فذكر الحديث كما في الموطأ. وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم"؟ الحديث. وقال مسلم: حدثني إسحاق بن منصور أخبرنا بشر بن عمر قال: سمعت مالك بن أنس يقول: حدثني أبو ليلى فذكره.
وحديث بُشَيرْ بن يسار متفق عليه أيضًا؛ خرّجه البخاري في كتاب الجزية ثنا مسدّد ثنا بشر بن المفضل ثنا يحيى هو ابن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة بالحديث، وفيه "أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم"؟ الحديث.
ورواه أيضًا في كتاب الأدب حدّثنا سليمان بن حرب ثنا حمّاد هو ابن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار مولى الأنصار عن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة أنّهما حدّثاه أن عبد الله بن سهل الحديث. وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أتستحقّون قتيلكم؟ أو قال صاحبكم بأيْمانٍ خمسين منكم"؟ الحديث. أمّا مسلم فرواه مرارًا متعدّدة بألفاظ مختلفة منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته. وليس رواية مالك للحديث مرسلًا ورواية غيره له مسندًا باختلاف ولها علّة كما ظنّ ابن رشد فإنّ مالكًا يرسل الأحاديث عمدًا في الموطأ ويوصلها إذا حدث بالحديث خارج الموطأ بل ويختلف أيضًا في الأحاديث داخل الموطأ فيرويها بعضهم عنه مرسلًا وبعضهم موصولًا ولا ضرر في ذلك أصلًا.
* * *
1718 -
قوله: (وعمدة من بدأ بالمدّعين حديث مالك عن ابن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة ومرسله عن بشير بن يسار).
تقدما.
1719 -
قوله: (وعمدة من رأى التبدئة بالمدّعى عليهم ما أخرجه البخاري عن سعيد بن عبيد الطَائي عن بُشَير بن يسار أن رجلًا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تَأتُونَ بالبينَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، قَالوا: مَا لَنَا بَيِّنَة. قال: فَيَحْلِفُونَ لَكُم. قالوا: مَا نَرْضَى بأيْمَانِ يَهُود، وَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُطلَّ دَمه، فَوَداه بِمائَةِ بَعِير من إبلِ الصَدَقَة).
هذه الرواية خرّجها البخاري في باب القسامة ولم يخرّج في ذلك الباب غيرها فلذلك زعم ابن رشد أنّه لم يخرّجها البخاري فيما سبق. وأخرجه من هذا الطريق أيضًا مسلم إلّا أنّه لم يَسُقْ متنه. قال البيهقي: "وإنّما لم يسق مسلم متنه لمخالفته رواية يحيى بن سعيد قال مسلم في جملة ما قال في هذه الرواية: وغير مشكل على من عقل التمييز من الحفاظ أن يحيي بن سعيد أحفظ من سعيد بن عبيد وأرفع منه شأنًا في طريق العلم وأَسْبَا بِهِ فهو أولى بالحفظ منه". قال البيهقي: "وإن صحّت رواية سعيد فهي لا تخالف رواية يحيي بن سعيد عن بشير بن يسار لأنّه قد يريد بالبيِّنة
الأيْمان مع اللوث كما فسّره يحيى بن سعيد وقد يطالبهم بالبيّنة كما في هذه الرواية ثمّ يعرض عليهم مع وجود اللوث كما في رواية يحيى بن سعيد ثم يردّها على المدّعى عليهم مع وجد اللوث كما في رواية يحيى بن سعيد ثمّ يردّها على المدّعى عليهم عند نكول المدّعين كما في الرّوايتين".
* * *
1720 -
قوله: (واحتجّوا أيضًا بما خرّجه أبو داود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من كبراء الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود وبدأ بهم: أيحلف منكم خمسون رجلًا خمسين يمينًا؟ فأبوا. فقال للأنصار: احلِفوا فقالوا: أنحلف على الغيب يا رسول الله؟ فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على يهود لأنّه وُجِدَ بين أظهرهم. قال: وهو حديث صحيح الإِسناد؛ لأنّه رواه الثقات عن الزهري عن أبي سلمة".
قلت: الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة به ومن
طريق عبد الرزاق رواه أبو داود والبيهقي فهو من رواية ثقة لا ثقات كما قال ابن رشد، وقد ضعّفه بعض النّاس. وقال الخطابي: "أسانيد الأحاديث المتقدمة أحسن إتّصالًا وأصحّ متونًا.
وقد روى ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بدأ في اليمين بالمدّعين سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج وسويد بن النعمان". وقال المنذري: قال بعضهم: وهذا حديث ضعيف لا يلتفت إليه، وقد قيل للإِمام الشافعي: ما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب؟ فقال: مرسل، والقتيل أنصاري، والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم من غيرهم.
قلت: هذا الكلام أسنده البيهقي عن الشافعي ثمّ قال: وكأنه عَنَى بحديث ابن شهاب الحديث الذي أخبرنا وذكر هذا الحديث ثمّ قال: هذا مرسل بترك تسمية الذين حدثوهما وهو يخالف الحديث المتّصل في البداية بالقسامة وفي إعطاء الدّية والثّابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه وداه من عنده. قال: وقد خالفه ابن جريج وغيره في لفظه. ثمّ خرّج ما رواه مسلم أيضًا من طريق ابن جريج عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرَّ القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ناسٍ من الأنصار في قتيل ادّعوه على اليهود ثمّ أخرجه من طريق عقيل عن الزهري مثله.
قلت: وقد أغرب هو والشّافعي في جعلهما عدم تسميته الصحابي إرسالًا اللَّهمّ إلّا أن يكونا فهما أنّ المراد بالرجل أو الرّجال من الأنصار أنّهم غير صحابة وذلك
بعيد. أمّا اختلاف الرّواية فيمن دفع الدية فقد جمع الروايتين بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود بدفع الدية لوجود القتيل بين أظهرهم ثمّ لمّا امتنعوا دفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من إبل الصدقة. والحديث رجاله ثقات على شرط الصحيح فلا معنى للطعن فيه ورواية ابن جريج وعقيل عن الزهري عن أبي سلمة وسليمان بن يسار هي حديث آخر عن ذلك الرجل الأنصاري الذي حدّثهما بالحديثين أو بحديث واحد ذكر فيه الأمرين معًا ففعله الزهري وحدّث مرّة بالقصّة مفصّلة ومرّة بها مجملة.
* * *
1721 -
قوله: (وخرّج مثله أيضًا من تبدئة اليهود بالأيمان عن رافع بن خديج).
رواه أبو داود من طريق أبي حيّان التَّيمي ثنا عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج
قال: "أصبح رجلٌ من الأنصار مقتولًا بخيبر فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: لكم شاهدان على قتل صاحبكم؟ قالوا: يا رسول الله لم يكن ثَمَّ أحدٌ من المسلمين وإنّما هم يهود وقد يجترئون على أعظم من هذا. قال: فاختاروا منهم خمسين فاستحْلفوهم فأبوا فوداه النّبيّ صلى الله عليه وسلم من عنده".
* * *
1722 -
قوله: "فقال الشافعي إذا كانت الشبهة في معنى الشبهة التي قَضَى بِهَا رسُول الله صلى الله عليه وسلم بالقَسَامَةِ وَهُوَ أن يُوْجَد قَتِيْلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ لَا يُخَالِطُهم غَيْرُهُم. إلخ".
قد تقدّم ذلك في الأحاديث السابقة وهي متضمّنة للوصف المذكور.
1723 -
قوله: (وقال داود: لَا أقْضي بالقَسَامَةِ إلّا في مِثْلِ السَّبَبِ الذِي قَضَى بَهِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم).
هو ما سبق في الأحاديث المذكورة أيضًا.
* * *
1724 -
حديث "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعَاوِيهِم لَادّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْم وَأمْوَالَهُم وَلَكِنْ البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ". قال ابن رشد وهو حديث ثابت من حديث ابن عباس خرَّجه مسلم في صحيحه.
قلت: بل هو متفق عليه فقد خرجه البخاري أيضًا في التفسير إلّا أنّه وقع عنده فيه تفرقة في المتن وأخرجه أيضًا الأربعة وغيرهم وقد تقدَّم ولفظه "لو يعطى النّاس
بدعواهم لادّعى ناسٌ دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدّعى عليه". هذا لفظ مسلم.