المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(علي بن العباس) - الوافي بالوفيات - جـ ٢١

[الصفدي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْجُزْء الْحَادِي وَالْعِشْرين)

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(رب أعن)

- ‌(عَليّ)

- ‌(المَسْعُودِيّ المؤرخ)

- ‌(عَليّ بن حَمْزَة)

- ‌(عَليّ بن الْخطاب)

- ‌(عَليّ بن خَليفَة)

- ‌(عَليّ بن دَاوُد)

- ‌(عَليّ بن دبيس)

- ‌(عَليّ بن ربيعَة)

- ‌(عَليّ بن زُرَيْق)

- ‌(عَليّ بن زِيَاد)

- ‌(عَليّ بن زيد)

- ‌(عَليّ بن سَالم)

- ‌(عَليّ بن سعد)

- ‌(عَليّ بن سعيد)

- ‌(عَليّ بن سلمَان)

- ‌(عَليّ بن سُلَيْمَان)

- ‌(عَليّ بن سهل)

- ‌(عَليّ بن صَالح)

- ‌(عَليّ بن أبي طَالب)

- ‌(عَليّ بن طَاهِر)

- ‌(عَليّ بن طَلْحَة)

- ‌(عَليّ بن طراد)

- ‌(عَليّ بن عباد)

- ‌(عَليّ بن الْعَبَّاس)

- ‌(عَليّ بن عبد الله)

- ‌(عَليّ بن عبد الْجَبَّار)

- ‌ عَليّ بن عبد الرَّحْمَن

- ‌(عَليّ بن عبد الرَّحِيم)

- ‌(عَليّ بن عبد الصَّمد)

- ‌(عَليّ بن عبد الْعَزِيز)

- ‌(عَليّ بن عبد الْغَنِيّ)

- ‌(عَليّ بن عبد الْكَافِي)

- ‌(عَليّ بن عبد الْملك)

- ‌(عَليّ بن عبد الْوَاحِد)

- ‌(عَليّ بن عَبدة)

- ‌(عَليّ بن عبيد الله)

- ‌(عَليّ بن عُثْمَان)

- ‌(عَليّ بن عقيل)

- ‌(عَليّ بن عَليّ)

- ‌(عَليّ بن عمر)

- ‌(عَليّ بن عِيسَى)

- ‌(عَليّ بن الْفضل)

- ‌(عَليّ بن الْقَاسِم)

- ‌(عَليّ بن الْمُبَارك)

- ‌(عَليّ بن المحسن)

- ‌ عَليّ بن مُحَمَّد

الفصل: ‌(علي بن العباس)

(يَا دهر كم أَنْت لمثلي غاشم

أَمن أعادي أهلك الأكارم)

3 -

(عَليّ بن الْعَبَّاس)

أَبُو الْحسن النوبختي عَليّ بن الْعَبَّاس النوبختي كَانَ وَكيل المقتدر فِيمَا يُرِيدُونَ بَيْعه من الضّيَاع وَحقّ بَيت المَال

وَكَانَ فَاضلا أديباً شَاعِرًا محسناً راوية للْأَخْبَار والأشعار روى عَن البحتري وَابْن الرُّومِي وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة كَانَ مَعَ جمَاعَة من أَهله على سطح أبي سهل النوبختي فِي لَيْلَة من ليَالِي النّصْف يشربون وَمَعَهُمْ إِبْرَاهِيم بن الْقَاسِم بن زرزر الْمُغنِي وَكَانَ أَمْرَد حسن الْوَجْه وَكَانَ فِي السَّمَاء غيم ينجاب مرّة ويتصل أُخْرَى فانجاب الْغَيْم عَن الْقَمَر فانبسط فَقَالَ عَليّ بن الْعَبَّاس وَأَقْبل على إِبْرَاهِيم من الْبَسِيط

(لم يطلع الْبَدْر إِلَّا من تشوقه

إِلَيْك حَتَّى يوافي وَجهك النظرا)

وَلم يتم الْبَيْت حَتَّى غَابَ الْقَمَر تَحت الْغَيْم فَقَالَ

(وَلَا تغيب إِلَّا عِنْد خجلته

لما رآك فولى عَنْك واستترا)

وَكتب لِابْنِ عَمه أبي سهل إِسْمَاعِيل بن عَليّ النوبختي وَقد شرب دَوَاء من المنسرح

(يَا محيي العارفات وَالْكَرم

وَقَاتل الحادثات والعدم)

كَيفَ رَأَيْت الدَّوَاء أعقبك الله شِفَاء بِهِ من السقم

(إِذا تخطت إِلَيْك نائبة

حطت بقلبي ثقلاً من الْأَلَم)

(شربت هَذَا الدَّوَاء مرتجياً

دفع أَذَى من عطائك الْعظم)

(والدهر لَا بُد مُحدث طبعا

فِي صفحتي كل صارم خذم)

وَكَانَ ابْنه مُدبر دولة ابْن رائق

ابْن الرُّومِي الشَّاعِر عَليّ بن الْعَبَّاس بن جريج أَبُو الْحسن ابْن الرُّومِي شَاعِر وقته

ص: 113

هُوَ والبحتري فِي بَغْدَاد توفّي فِي حُدُود التسعين وَمِائَتَيْنِ كَانَ شَدِيد التطير أسبخ منهوماً فِي الْأكل جعلياً فَكَانَ يغلق أبوابه وَلَا يخرج إِلَى أحد خوفًا من التطير فَأَرَادَ بعض أَصْحَابه أَن يحضر إِلَيْهِم فِي يَوْم أنس فسيروا إِلَيْهِ غُلَاما نظيف الثَّوْب طيب الرَّائِحَة حسن الْوَجْه فَتوجه إِلَيْهِ فَلَمَّا طرق الْبَاب عَلَيْهِ وَخرج لَهُ أعجبه حَاله ثمَّ سَأَلَهُ عَن اسْمه فَقَالَ لَهُ إقبال فَقَالَ إقبال مقلوبه لَا بَقَاء وَدخل وأغلق الْبَاب وجهز إِلَيْهِ يَوْمًا غُلَام آخر وأزاحوا جَمِيع مَا يخشاه فَإِذا خرج وَمر مَعَه كَانَ)

على بَابه دكان خياط وَقد صلب درابتي الْبَاب وَهُوَ يَأْكُل تَمرا فَقَالَ هَاتَانِ الدرابتان مثل لَا وتمر هَذَا مَعْنَاهُ لَا تمر فَرجع وأغلق الْبَاب وَلم يتَوَجَّه إِلَيْهِم

وَقد تقدم فِي ذكر الْأَخْفَش على مَا يتَعَلَّق بِابْن الرُّومِي مَعَه فِي الطَّيرَة وعبثه بِهِ وَكَانَ سَبَب مَوته أَن الْوَزير أَبَا الْحُسَيْن الْقَاسِم بن عبد الله بن سُلَيْمَان بن وهب يخَاف هجوه وفلتات لِسَانه بالفحش فَدس عَلَيْهِ ابْن فرَاش فأطعمه خشكنانجة مَسْمُومَة وَهُوَ فِي مَجْلِسه فَلَمَّا أكلهَا أحس بالسم فَقَامَ فَقَالَ لَهُ الْوَزير أَيْن تذْهب فَقَالَ إِلَى الْموضع الَّذِي بعثتني إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ سلم على وَالِدي فَقَالَ مَا طريقي على النَّار وَخرج من عِنْده وأتى منزله وَأقَام بِهِ أَيَّامًا وَمَات

وَكَانَ وسخ الثَّوْب قَالَ أَبُو عُثْمَان الناجم دخلت على ابْن الرُّومِي أعوده فَوَجَدته يجود بِنَفسِهِ فَلَمَّا قُمْت من عِنْده قَالَ لي من الوافر

(أَبَا عُثْمَان أَنْت حميد قَوْمك

وجودك للعشيرة دون لومك)

(تزَود مِن أخِيك فَما أرَاهُ

يَراكَ وَلَا تَراهُ بعد يَوْمك)

وَقيل أَن الطَّبِيب كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فَزعم أَنه غلط عَلَيْهِ فِي عقار فَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة الْأَزْدِيّ الْمَعْرُوف بنفطويه رَأَيْت ابْن الرُّومِي يجود بِنَفسِهِ فَقلت لَهُ مَا حالك فَأَنْشد من الْكَامِل

(غلط الطَّبِيب عَليّ غلطة مورد

عجزت موارده عَن الإصدار)

(وَالنَّاس يلحون الطَّبِيب وَإِنَّمَا

غلط الطَّبِيب إِصَابَة الْمِقْدَار)

وَابْن الرُّومِي من الشُّعَرَاء الفحول المطولين الغواصين على الْمعَانِي كَانَ إِذا أَخذ الْمَعْنى لَا يزَال يستقصى فِيهِ حَتَّى لَا يدع فِيهِ فَضله وَلَا بقيّة فَرُبمَا سمج بعض الْأَوْقَات ومعانيه

ص: 114

غَرِيبَة جَيِّدَة وَكَانَ إِذا أعجبه الْمَعْنى كَرَّرَه فِي عدَّة مَوَاضِع فِي قواف مُخْتَلفَة وَقَالَ الخالديان لم نر كَابْن الرُّومِي إِذا انْفَرد بِالْمَعْنَى جوده وَإِذا تنَاوله من غير قصر فِيهِ قلت أَنا الْعلَّة فِيهِ أَنه شَاعِر فَحل فَإِذا أَخذ بكرا جوده وأتى فِيهِ بأجود مَا يُقَال وَهُوَ لَا يَأْخُذ إِلَّا من فحلٍ مثله وَيكون ذَلِك قد أَخذ الْمَعْنى بكرا فَذهب بجيده وَترك رويه وَقد بَالغ ابْن سناء الْملك رحمه الله حَيْثُ أجَاب القَاضِي الْفَاضِل وَقد أمره بِاخْتِيَار شعر ابْن الرُّومِي فَقَالَ وَأما مَا أَمر بِهِ فِي شعر ابْن الرُّومِي فَمَا الْمَمْلُوك من أهل اخْتِيَاره وَلَا من الغواصين الَّذين يستخرجون الدّرّ من بحاره لِأَن بحاره زخارة وأسوده زآره ومعدن تبره مردوم بِالْحِجَارَةِ)

وعَلى كل عقيلة مِنْهُ ألف نقاب بل ألف ستارة يطْمع ويؤيس ويوحش وَيُؤْنس وينير وَيظْلم وَيُصْبِح ويعتم شذره وبعره ودره وآجره وَقَبله تجانبها السبة وصرة بجوارها قحبة ووردة قد خف بهَا الشوك وبراعة قد غطى عَلَيْهَا النوك لَا يصل الِاخْتِيَار إِلَى الرّطبَة حَتَّى يخرج بالسلى وَلَا يَقُول عاشقها هَذِه الْملح قد أَقبلت حَتَّى يرى الْحسن قد تولى فَمَا الْمَمْلُوك من جهابذته وَكَيف وَقد تفلس فِيهِ الْوَزير وَلَا من صيارفته ونقاده وَلَو اخْتَارَهُ جرير لأعياه تَمْيِيز الخيش من الوشي والوبر من الْحَرِير

حكى ابْن رَشِيق وَغَيره أَن لائماً لَام ابْن الرُّومِي فَقَالَ لَهُ لم لَا تشبه كتشبيهات ابْن المعتز وَأَنت أشعر مِنْهُ قَالَ لَهُ أَنْشدني شَيْئا من قَوْله الَّذِي استعجزتني فِي مثله فأنشده قَوْله فِي الْهلَال من الْكَامِل

(وَانْظُر إِلَيْهِ كزورقٍ من فضةٍ

قد أثقلته حمولة من عنبر)

فَقَالَ لَهُ زِدْنِي فأنشده قَوْله من مجزوء الرجز

(كَأَن آذريونها

وَالشَّمْس فِيهَا كاليه)

(مداهن من ذهب

فِيهَا بقايا غاليه)

فصاح واغوثاه تالله لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا ذَاك إِنَّمَا يصف ماعون بَيته لِأَنَّهُ ابْن خَليفَة وَأَنا أَي شَيْء أصف وَلَكِن انْظُرُوا إِذا أَنا وصفت مَا أعرف أَيْن يَقع قولي من النَّاس هَل لأحد قطّ مثل قولي فِي قَوس الْغَمَام وَأنْشد من الطَّوِيل

(وسَاق صبيح للصبوح دَعوته

فَقَامَ وَفِي أجفانه سنة الغمض)

ص: 115

(يطوف بكاسات الْعقار كأنجم

فَمن بَين منقض علينا ومنفض)

(وَقد نشرت أَيدي الْجنُوب مطارفاً

على الجو دكناً والحواشي على الأَرْض)

(يطرزها قَوس السَّحَاب بأخضر

على أَحْمَر فِي أصفر فَوق مبيض)

(كأذيال خود أَقبلت فِي غلائل

مصبغة وَالْبَعْض أقصر من بعض)

وَقَوْلِي فِي صانع الرقَاق من الْبَسِيط

(لَا أنس لَا أنس خبازاً مَرَرْت بِهِ

يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر)

(مَا بَين رؤيتها فِي كَفه كرة

وَبَين رؤيتها قوراء كَالْقَمَرِ)

(إِلَّا بِمِقْدَار مَا تنداح دَائِرَة

فِي صفحة المَاء يلقى فِيهِ بِالْحجرِ)

)

وَزَاد أَبُو بكر النَّحْوِيّ أَنه أنْشدهُ فِي قالي الزلابية من الْبَسِيط

(ومستقر على كرسيه تَعب

روحي الْفِدَاء لَهُ من منصب تَعب)

(رَأَيْته سحرًا يقلي زلابية

فِي رقة القشر والتجويف كالقصب)

(كَأَنَّمَا زيته المغلي حِين بدا

كالكيمياء الَّتِي قَالُوا وَلم تصب)

(يلقى الْعَجِين لجيناً من أنامله

فيستحيل شبابيكاً من الذَّهَب)

وَمن قصائده الغر قَوْله من الطَّوِيل

(بَكَيْت فَلم تتْرك لعينيك مدمعا

زَمَانا طوى شرخ الشَّبَاب فودعا)

مِنْهَا

(أعاذل إِن أعْط الزَّمَان عنانه

فقد كنت أثني مِنْهُ رَأْسا وأخدعا)

(سقى الله أَيَّامًا مَضَت وليالياً

تقطع من أَسبَابهَا مَا تقطعا)

(ليَالِي ينسين اللَّيَالِي حِسَابهَا

بلهنية أَقْْضِي بهَا الْعُمر أجمعا)

(ليَالِي لَو نازعتها رَجَعَ أَمسهَا

ثنت جيدها طَوْعًا إِلَيّ لترجعا)

(وَقد أغتذي للطير وَالطير هجع

وَلَو علمت مغداي مَا بتن هجعا)

(بخلين تما بِي ثَلَاثَة إخْوَة

جسومهم شَتَّى وأرواحهم مَعًا)

(كمنطقة الجوزاء لاحت بسدفة

بعقب غمام عَمها ثمَّ قشعا)

(كَأَنِّي مَا روحت صحبي عَشِيَّة

بساحل مخضر الجنابين مترعا)

(إِذا رنقت شمس الْأَصِيل ونفضت

على الْأُفق الغربي ورسا مدعدعا)

ص: 116

(وودعت الدُّنْيَا لِتَقضي نحبها

وسرك بَاقِي عمرها فتسعسعا)

(ولاحظت النوار وَهِي مَرِيضَة

وَقد وضعت خداً على الأَرْض أضرعا)

(كَمَا لاحظت عوادها عين مدنف

توجع من أوصابها مَا توجعا)

(وظلت عُيُون النُّور يخضل بالندى

كَمَا اغرورقت عين الشجي لتدمعا)

(وَقد ضربت فِي خضرَة النُّور صفرَة

من الشَّمْس فاخضر اخضراراً مشعشعا)

(كَأَن جفوني لم تبت ذَات لَيْلَة

كراها قذاها لَا تلاوم مضجعا)

(فثاروا إِلَى آلاتهم فتقلدوا

خرائط حمراً تحمل السم منقعا)

(مثقفة مَا استودع الْقَوْم مثلهَا

ودائعهم إِلَّا لِأَن لَا تضيعا)

)

(محملة زاداً قَلِيلا مناطه

من البندق الْمَوْزُون قل فأمتعا)

(نَكِير لَئِن كَانَت ودائع مثلهَا

حقائب أمثالي ويذهبن ضيعا)

(هُنَالك تَغْدُو الطير ترتاد مرتعا

وحسبانها المكذوب ترتاد مصرعا)

(فَللَّه عين من رَآهُمْ إِذا انْتَهوا

إِلَى موقف المرمى وأقبلن برعا)

(وَقد وقفُوا للحانيات وشمروا

إِلَى موقف الْإِنْصَاف سوقاً وأذرعا)

(وَقد أغلقوا عقد الثَّلَاثِينَ مِنْهُم

بمجدولة الأقفاء جدلاً موسعا)

(وجدت قسي الْقَوْم فِي الطير جدها

فخرت سجوداً للرماة وركعا)

(هُنَالك تلقى الطير مَا طيرت بِهِ

على كل شعبٍ جامعٍ فتصدعا)

(فظل صَحَابِيّ ناعمين ببؤسها

وظلت على حَوْض الْمنية شرعا)

(طرائح من سود وبيض نواصع

تخال أَدِيم الأَرْض مِنْهُنَّ أبقعا)

(يؤلف مِنْهَا بَين شَتَّى وَإِنَّمَا

يشتت من ألافها مَا تجمعَا)

(فكم ظاعن مِنْهُنَّ مزمع رحْلَة

قَصرنَا نَوَاه بَعْدَمَا كَانَ أزمعا)

(كَأَن لباب التبر عِنْد انتصابها

جرى مَاؤُهُ فِي ليطها فتربعا)

(كَأَنَّك إِذْ ألقيت عَنْهَا ثِيَابهَا

سفرت بِهِ عَن وَجه عذراء برقعا)

(كَأَن قراها والفروز الَّتِي بِهِ

وَإِن لم تجدها الْعين إِلَّا تتبعا)

(مذر سحيق الورس فَوق صلاية

يخالطه من أرجل الْعَمَل أكرعا)

(لَهَا أول طوع الْيَدَيْنِ وَآخر

إِذا سمته الإغراق فِيهَا تمنعا)

ص: 117

(وَلَا عيب فِيهَا غير أَن نذيرها

يروع قُلُوب الطير حَتَّى تضعضعا)

(على أَنَّهَا مكفولة الرزق ثقفة

وَإِن رَاع مِنْهَا مَا يروع فأفزعا)

(مَتَاع لراميها الرمايا كَأَنَّمَا

دَعَاهَا لَهُ دَاعِي المنايا فأسمعا)

(تؤوب بهَا قد أكسبتك وغادرت

من الطير مفجوعاً بِهِ ومفجعا)

(لَهَا عولة أولى بهَا من تصيبه

وأجدر بالإعوال من كَانَ موجعا)

(وَمَا ذَاك إِلَّا زجرها لبناتها

مَخَافَة أَن يذْهبن فِي الجو ضيعا)

(تقلب نَحْو الطير عينا بَصِيرَة

كعينيك بل أذكى ذكاءً وأسرعا)

(مربعة مسقومة بشبابها

كتمثال بَيت الوشي حيك مربعًا)

)

(تقاذف عَنْهَا كلما سَاءَ حذرة

يمر مروراً بالفضاء مشيعا)

(فَإِن أخطأته استوهلته لأختها

فتلحقه الْأُخْرَى مروعاً مفزعا)

(وَإِن ثقفته أنفذته وقدرت

لَهُ مَا يوازيه من الأَرْض مصرعا)

(كَأَن بَنَات المَاء فِي صرح مَتنه

إِذا مَا علا رأد الضُّحَى فترفعا)

(زرابي كسْرَى بثها فِي صحابه

ليحضر وَفْدًا أَو ليجمع مجمعا)

(تريك ربيعاً فِي خريف وروضة

على لجة بدعاً من الأَرْض مبدعا)

(وأخضر كالطاووس يحْسب رَأسه

بخضراء من مَحْض الْحَرِير مقنعا)

(يلوح على إسطامه وشي صفرَة

ترقش مِنْهَا متنها فتلمعا)

(كملعقة الصيني أحكمها يدا

صناع وَإِن كَانَت يَد الله أصنعا)

(وعينان حمراوان يطرف عَنْهُمَا

كَأَن حجاجيه بفصين رصعا)

(وَمن أعقف أحذاه منقاره اسْمه

أضد بديع الْحسن فِيهِ فأبدعا)

(مطرف أَطْرَاف الْجنَاح تخاله

بنان عروس بِالثُّرَيَّا مقنعا)

هَذِه القصيدة العينية طَوِيلَة اخْتَرْت مِنْهَا هَذَا الَّذِي أثْبته وَمن قصائده الغر قَوْله فِي عبد الْملك بن صَالح الْهَاشِمِي وَيذكر الْجَارِيَة السَّوْدَاء وأبدع فِي أوصافها مِنْهَا من المنسرح تبَارك الله خَالق الْكَرم البارع من حمأة وَمن علق

(مَاذَا رَأَيْنَاهُ فِي جناب فَتى

كالبدر يجلو جَوَانِب الغسق)

ص: 118

(أزمانه كلهَا بنائله

مثل زمَان الرّبيع ذِي الأنق)

(أشهر فِي النَّاس بالجميل من ال

أبلق بَين الْجِيَاد بالبلق)

(تركت فِيك المنى مفرقة

وَأَنت مِنْهَا بمجمع الطّرق)

مِنْهَا

(لَدَى دنان كَأَنَّهَا جثث

من قوم عَاد عَظِيمَة الْخلق)

(تلقاك فِي رقة الشَّرَاب وَفِي

نشر الخزامي وصفرة الشَّفق)

مِنْهَا

(سَوْدَاء لم تنتسب إِلَى برص الش

قر وَلَا كلفهٍ وَلَا بهق)

(لَيست من العبس الأكف وَلَا ال

فلح الشفاه الْخَبَائِث الْعرق)

)

(تجْرِي وَيجْرِي رسيلها مَعهَا

شأوين مستعجلين فِي طلق)

(فِي لين سمورة تخبرها ال

فراء أَو لين جيد الدلق)

(هيفاء زينت بخمص مُخْتَصر

أوفى عَلَيْهِ نهود معتنق)

(غُصْن من الآبنوس ركب فِي

مؤتزر معجب ومنتطق)

(يَهْتَز من ناهديه فِي ثَمَر

وَمن نواحي ذراه فِي ورق)

(أكسبها الْحبّ أَنَّهَا صبغت

صبغة حب الْقُلُوب والحدق)

(فَانْصَرَفت نَحْوهَا الضمائر وَال

أبصار يعنقن أَيّمَا عنق)

(يفتر ذَاك السوَاد عَن يققٍ

من ثغرها كاللآلئ النسق)

(كَأَنَّهَا والمزاح يضحكها

ليل تفرى دجاه عَن فلق)

(لَهَا حر تستعير وقدته

من قلب صب وَصدر ذِي حنق)

(كَأَنَّمَا حره لخابره

مَا ألهبت فِي حشاه من حرق)

(يزْدَاد ضيقا على المراس كَمَا

تزداد ضيقا أنشوطة الوهق)

(يَقُول من حدث الضَّمِير بِهِ

طُوبَى لمفتاح ذَلِك الغلق)

(لَهُ إِذا مَا القمد خالطه

أزم كأزم الخناق بالعنق)

(أخلق بهَا أَن تقوم عَن ذكر

كالسيف يغري مضاعف الْحلق)

(إِن جفون السيوف أَجودهَا

أسود وَالْحق غير مختلق)

ص: 119

(خُذْهَا أَبَا الْفضل كسْوَة لَك من

خر الأماديح لَا من الْخرق)

(وصفت فِيهَا الَّذِي هويت على ال

وهم وَلم تختبر وَلم تذق)

(حاشا لسوداء منظر سكنت

دَارك إِلَّا من مخبر يقق)

(يَا لَك من خلعة تشف أَخا الض

غن وَلَا تستشف عَن خرق)

وَمِنْه من الْخَفِيف

(يَا ابْن وهب كسوتْنَي طيلساناً

يُزْرَعُ الرفُو فِيهِ وَهُوَ سباخُ)

(تستطيل الفزور طولا وعرضاً

فِيهِ حَتَّى كأنهن رخاخ)

وَمِنْه من الْكَامِل

(يَا من يسائل عَن عشيرة خَالِد

النَّاس كلهم عشيرة ذاكا)

)

(فَمَتَى هجوت أَبَا الْوَلِيد هجوتهم

وهجوت فِي عرض الهجاء أباكا)

وَمِنْه من الوافر

(أَلا يَا هِنْد هَل لَك فِي قمد

غليظ تفرحين بِهِ متين)

(فَمن يره يَبُول يَقُول أثنى

هوى من فرجهَا ثلثا جَنِين)

وَمِنْه وَهُوَ غَرِيب من الطَّوِيل

(توددت حَتَّى لم أدع متودداً

وأفنيت أقلامي عتاباً مرددا)

(كَأَنِّي أستدعي بك ابْن حنيةٍ

إِذا النزع أدناه من الصَّدْر أبعدا)

وَمِنْه من الْخَفِيف

(وشمول أرقها الدَّهْر حَتَّى

مَا يوارى أقذاءها بلبوس)

(وردة اللَّوْن فِي خدود الندامى

وَهِي صفراء فِي خدود الكؤوس)

وَمِنْه من الطَّوِيل

(كَأَن رنو الشَّمْس حِين غُرُوبهَا

وَقد جعلت فِي مجنح الغرب تمرض)

(تخاوص عين بَين أجفانها الْكرَى

ترنق فِيهَا النّوم ثمَّ تغمض)

وَمِنْه من الطَّوِيل

(أَتَيْتُك فِي عرض مصون طويته

ثَلَاثِينَ عَاما فَهُوَ أَبيض ناصع)

ص: 120

(وَمثلك من لم يلق فِي ثوب بذلة

وَلَا ملبس قد دنسته المطامع)

وَمِنْه من الْكَامِل

(آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم

فِي الحادثات إِذا دجون نُجُوم)

(مِنْهَا معالم للهدى ومصابح

تجلو الدجى والأخريات رجوم)

وَمِنْه من الوافر

(صُدُور فوقهن حقاق عاج

وثغر زانه حسن اتساق)

(يَقُول الناظرون إِذا رَأَوْهُ

أَهَذا الْحلِيّ من هَذَا الحقاق)

وَمِنْه من الْكَامِل

(لَوْلَا اطراد الصَّيْد لم تَكُ لَذَّة

فتطاردي لي بالوصال قَلِيلا)

(ودعي الزِّيَارَة دون من أحببته

لَا تكثري لَيْسَ الْخَلِيل خَلِيلًا)

)

(هَذَا الشَّرَاب أَخُو الْحَيَاة وَمَاله

من لَذَّة حَتَّى يُصِيب غليلا)

وَمِنْه وَهُوَ مخترع من الطَّوِيل

(أَقُول وَمَرَّتْ ظبيتان فصدتا

وراعهما مني مفارق شيب)

(أأطيش مَا كَانَت سهامي عنكما

تراعان مني إِن ذَا لعجيب)

وَمِنْه وَهُوَ غَرِيب من الوافر

(تلاقينا لِقَاء لافتراق

كِلَانَا مِنْهُ ذُو قلب مروع)

(فَمَا افترت شفَاه عَن ثغور

بل افترت جفون عَن دموع)

وَمِنْه من الْكَامِل

(أصف الحبيب وَلَا أَقُول كَأَنَّهُ

كلا لقد أَمْسَى من الْأَفْرَاد)

(إِنِّي لأستحيي محَاسِن وَجهه

أَن لَا أنزهها عَن الأنداد)

وَمِنْه من الْكَامِل

(بلد صَحِبت بِهِ الشبيبة وَالصبَا

ولبست فِيهِ الْعَيْش وَهُوَ جَدِيد)

(فَإِذا تمثل فِي الضَّمِير رَأَيْته

وَعَلِيهِ أَغْصَان الشَّبَاب تميد)

وَمِنْه من الطَّوِيل

ص: 121

(وحبب أوطان الرِّجَال إِلَيْهِم

مآرب قَضَاهَا الشَّبَاب هنالكا)

(إِذا ذكرُوا أوطانهم ذكرتهم

عهود الصِّبَا مِنْهَا فحنوا لذالكا)

وَمِنْه من المنسرح يَا حسن الْجيد كم تدل على الصب كَأَن قد نحلته جيدك

(عجبت من ظلمك الْقوي وَلَو

شَاءَ ضَعِيف ثناك أَو عقدك)

وَمِنْه وَهُوَ أَجود مَا اسْتَعْملهُ لِأَنَّهُ كَرَّرَه من الْكَامِل

(نظرت فأقصدت الْفُؤَاد بسهمها

ثمَّ انْثَنَتْ عَنهُ فكاد يهيم)

(ويلاه إِن نظرت وَإِن هِيَ أَعرَضت

وَقع السِّهَام ونزعهن أَلِيم)

وَمِنْه من الطَّوِيل

(أعانقها وَالنَّفس بعد مشوقة

إِلَيْهَا وَهل بعد العناق تداني)

(وألثم فاها كي تَمُوت حرارتي

فيشتد مَا ألْقى من الهيمان)

)

(كَأَن فُؤَادِي لَيْسَ يشفى غليله

إِلَى أَن يرى الروحين يمتزجان)

وَمِنْه يهجو الْورْد ويفضل النرجس من الْكَامِل

(خجلت خدود الْورْد من تفضيله

خجلاً توردها عَلَيْهِ شَاهد)

(لم يخجل الْورْد المورد لَونه

إِلَّا وناحله الْفَضِيلَة عاند)

(للنرجس الْفضل الْمُبين وَإِن أَبى

آبٍ وحاد عَن المحجة حائد)

(فصل الْقَضِيَّة أَن هَذَا قَائِد

زهر الرّبيع وَأَن هَذَا طارد)

(شتان بَين اثْنَيْنِ هَذَا موعد

بتسلب الدُّنْيَا وَهَذَا وَاعد)

ص: 122

(هذي النُّجُوم هِيَ الَّتِي ربتهما

بحيا السَّحَاب كَمَا يُربي الْوَالِد)

(فَانْظُر إِلَى الْوَلَدَيْنِ من أدناهما

شبها بوالده فَذَاك الْمَاجِد)

(أَيْن الْعُيُون من الخدود نفاسة

ورياسة لَوْلَا الْقيَاس الْفَاسِد)

وناقضه جمَاعَة من شعراء بَغْدَاد وعاكسوه مِنْهُم أَحْمد بن يُونُس الْكَاتِب حَيْثُ قَالَ من الْكَامِل

(إِن الْقيَاس لمن يَصح قِيَاسه

بَين الْعُيُون وَبَينه متباعد)

(إِن قلت أَن كواكباً ربتهما

بحيا السَّحَاب كَمَا يُربي الْوَالِد)

(قُلْنَا أحقهما بطبع أَبِيه فِي

الجدوى هُوَ الزاكي النجيب الراشد)

(زهر النُّجُوم تروقنا بضيائها

وَلها مَنَافِع جمة وفوائد)

(وَكَذَلِكَ الْورْد الأنيق يروقنا

وَله فَضَائِل جمة وعوائد)

(إِن كنت تنكر مَا ذكرنَا بَعْدَمَا

وضحت عَلَيْهِ دَلَائِل وشواهد)

(فَانْظُر إِلَى المصفر لوناً مِنْهُمَا

وافطن فَمَا يصفر إِلَّا الْحَاسِد)

وَقَالَ سعيد بن هَاشم الخالدي من الوافر

(أبحت النرجس الرقي ودي

وَمَالِي باجتناب الْورْد طاقه)

(كلا الْأَخَوَيْنِ معشوق وَإِنِّي

أرى التَّفْضِيل بَينهمَا حماقه)

(هما فِي عَسْكَر الْأَنْوَار هَذَا

مُقَدّمَة تسير وَذَاكَ سَاقه)

وَقَالَ أَبُو بكر الصنوبري من الْخَفِيف

(زعم الْورْد أَنه هُوَ أزهى

من جَمِيع الأزهار وَالريحَان)

)

(فأجابته أعين النرجس الغض

بذلٍّ من قَوْلهَا وهوان)

(أَيّمَا أحسن التورد أم مق

لَة ريمٍ مَرِيضَة الأجفان)

(أم فَمَاذَا يَرْجُو بحمرته الور

د إِذا لم يكن لَهُ عينان)

(فزهي الْورْد ثمَّ قَالَ فَجِئْنَا

بقياسٍ مستحسنٍ وَبَيَان)

(إِن ورد الخدود أحسن من عي

ن بهَا صفرَة من اليرقان)

وَقَالَ مُسلم بن الْوَلِيد يفضل الْورْد من السَّرِيع

(كم من يَد للورد مَشْهُورَة

عِنْدِي وَلَيْسَت كيد النرجس)

(الْورْد يَأْتِي ووجوه الرِّبَا

تضحك عَن ذِي برد أملس)

(وَقد تحلت بعقود الندى

نابتة فِي الأَرْض لم تغرس)

(وَلنْ ترى النرجس حَتَّى ترى

روض الخزامى رثَّة الملبس)

(وتخلق النكباء مَا جددت

أَيدي الغوادي من سنا السندس)

(هُنَاكَ يَأْتِيك غَرِيبا على

شوق من الْأَعْين والأنفس)

قلت وَفِي تَرْجَمَة عبد الْوَهَّاب بن سَحْنُون مجاراة فِي ذكر الْورْد والنرجس والمفاضلة بَينهمَا فلتطلب من هُنَاكَ

ص: 123