المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(علي بن داود) - الوافي بالوفيات - جـ ٢١

[الصفدي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْجُزْء الْحَادِي وَالْعِشْرين)

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(رب أعن)

- ‌(عَليّ)

- ‌(المَسْعُودِيّ المؤرخ)

- ‌(عَليّ بن حَمْزَة)

- ‌(عَليّ بن الْخطاب)

- ‌(عَليّ بن خَليفَة)

- ‌(عَليّ بن دَاوُد)

- ‌(عَليّ بن دبيس)

- ‌(عَليّ بن ربيعَة)

- ‌(عَليّ بن زُرَيْق)

- ‌(عَليّ بن زِيَاد)

- ‌(عَليّ بن زيد)

- ‌(عَليّ بن سَالم)

- ‌(عَليّ بن سعد)

- ‌(عَليّ بن سعيد)

- ‌(عَليّ بن سلمَان)

- ‌(عَليّ بن سُلَيْمَان)

- ‌(عَليّ بن سهل)

- ‌(عَليّ بن صَالح)

- ‌(عَليّ بن أبي طَالب)

- ‌(عَليّ بن طَاهِر)

- ‌(عَليّ بن طَلْحَة)

- ‌(عَليّ بن طراد)

- ‌(عَليّ بن عباد)

- ‌(عَليّ بن الْعَبَّاس)

- ‌(عَليّ بن عبد الله)

- ‌(عَليّ بن عبد الْجَبَّار)

- ‌ عَليّ بن عبد الرَّحْمَن

- ‌(عَليّ بن عبد الرَّحِيم)

- ‌(عَليّ بن عبد الصَّمد)

- ‌(عَليّ بن عبد الْعَزِيز)

- ‌(عَليّ بن عبد الْغَنِيّ)

- ‌(عَليّ بن عبد الْكَافِي)

- ‌(عَليّ بن عبد الْملك)

- ‌(عَليّ بن عبد الْوَاحِد)

- ‌(عَليّ بن عَبدة)

- ‌(عَليّ بن عبيد الله)

- ‌(عَليّ بن عُثْمَان)

- ‌(عَليّ بن عقيل)

- ‌(عَليّ بن عَليّ)

- ‌(عَليّ بن عمر)

- ‌(عَليّ بن عِيسَى)

- ‌(عَليّ بن الْفضل)

- ‌(عَليّ بن الْقَاسِم)

- ‌(عَليّ بن الْمُبَارك)

- ‌(عَليّ بن المحسن)

- ‌ عَليّ بن مُحَمَّد

الفصل: ‌(علي بن داود)

(بِكُل أهيف لدن ال

قوام للبدر يَحْكِي)

(يرنو بصارم لحظ

مَا زَالَ إِلَّا لفتك)

(كَأَن فِي فِيهِ خمرًا

شيبت بشهد ومسك)

(جذلان يضْحك تيهاً

إِذا رَآنِي أبْكِي)

3 -

(عَليّ بن دَاوُد)

الشَّيْخ نجم الدّين القحفازي النَّحْوِيّ الْحَنَفِيّ عَليّ بن دَاوُد بن يحيى بن كَامِل بن يحيى بن جبارَة بن عبد الْملك بن يحيى بن عبد الْملك بن مُوسَى بن جبارَة بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء بن كُلَيْب بن جميل بن عبد الله بن مُصعب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير بن العوّام الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الفريد الْكَامِل نجم الدّين أَبُو الْحسن ابْن القَاضِي عماد الدّين الْقرشِي الْأَسدي الزبيرِي القحفازي بِالْقَافِ والحاء الْمُهْملَة وَفَاء بعْدهَا ألف وزاي الْحَنَفِيّ شيخ أهل دمشق فِي عصره خُصُوصا فِي الْعَرَبيَّة قَرَأَ عَلَيْهِ الطّلبَة وانتفع بِهِ الْجَمَاعَة وَله النّظم والنثر وَالْكِتَابَة المليحة القوية المنسوبة وَله التندير الحلو والتنديب الرَّائِق يكثر من ذَلِك فِي كَلَامه ويشحن أشغاله الطّلبَة بالزوائد ويورد لَهُم النَّوَادِر والحكايات الظريفة والوقائع الغريبة المضحكة

سمعته يَوْمًا يَقُول لمنصور الكتبي رَحمَه الله تَعَالَى يَا شيخ مَنْصُور هَذَا أَوَان الْحجَّاج اشْتَرِ لَك مِنْهُم مِائَتي جراب وارمها خلف ظهرك إِلَى وَقت موسمها تكسب فِيهَا جملَة فَقَالَ لَهُ وَالله الَّذِي يشْتَغل عَلَيْك فِي الْعلم يحفظ مِنْك حرافاً قدره عشر مَرَّات

وَحكى لي نور الدّين عَليّ بن إِسْمَاعِيل الصَّفَدِي قَالَ أنْشد الشَّيْخ نجم الدّين يَوْمًا لغزاً للْجَمَاعَة وهم بَين يَدَيْهِ فِي الْحلقَة يشتغلون وَهُوَ فِي مجزوء الْكَامِل

(يَا أَيهَا الحبر الَّذِي

علم الْعرُوض بِهِ امتزج)

(إبني لنا دَائِرَة

فِيهَا بسيط وهزج)

ففكر الْجَمَاعَة فِيهَا زَمَانا فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم هَذِه الساقية فَقَالَ لَهُ دورت فِيهَا زَمَانا حَتَّى ظَهرت لَك يُرِيد أَنه ثَوْر يَدُور فِي الساقية

وَجئْت إِلَيْهِ فِي سنة سبع عشرَة وَسبع مائَة وَسَأَلته فِي أَن أَقرَأ عَلَيْهِ المقامات الحريرية فَقَالَ وَالله أَنا قَلِيل الْأَدَب وَهُوَ فِي ذَلِك كُله يَقُول بانبساط وَسُرْعَة

ص: 58

وَقيل لي إِنَّه لنما عمر الْأَمِير سيف الدّين تنكر رحمه الله الْجَامِع الَّذِي لَهُ بِدِمَشْق كَانَ قد عينوا لَهُ شخصا من الْحَنَفِيَّة يلقب الكشك ليَكُون خَطِيبًا فَلَمَّا كَانَ يَوْم وَهُوَ يمشي فِي الْجَامِع الْمَذْكُور أجري لَهُ ذكر الشَّيْخ نجم الدّين ومجموع فضائله وَأَنه فِي الْحَنَفِيَّة مثل الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني فِي الشَّافِعِيَّة فَأحْضرهُ وَاجْتمعَ بِهِ وتحدثا ثمَّ قَالَ لَهُ وهم فِي الْجَامِع)

يَمْشُونَ أيش تَقول فِي هَذَا الْجَامِع فَقَالَ مليح وصحن مليح لَكِن مَا يَلِيق أَن يكون فِيهِ كشك

فأعجب ذَلِك الْأَمِير سيف الدّين تنكز وَأمر لَهُ بخطابه الْجَامِع الْمَذْكُور ثمَّ بعد مُدَّة رسم لَهُ بتدريس الركنية فباشرها مديدة ثمَّ نزل عَنْهَا وَقَالَ لَهَا شَرط لَا أقوم بِهِ ومعلومها فِي الشَّهْر جملَة تَركه تورعاً

وَهُوَ مَعَ هَذِه الْعُلُوم يعرف الإسطرلاب جيدا وَيحل التقاويم فِيمَا أَظن وَهُوَ فريد عصره يشغل فِي الْمُخْتَصر لِابْنِ الْحَاجِب وَفِي مذْهبه الْحَنَفِيّ وَفِي الحاجبية والمقرب ويعرفهما جيدا إِلَى الْغَايَة وَفِي ضوء الْمِصْبَاح وَغَيره من كتب الْمعَانِي وَالْبَيَان مولده ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وست مائَة نقلت مولده وَنسبه من خطه وَمن شعره فِي مليحة اسْمهَا قُلُوب من السَّرِيع

(عَاتَبَنِي فِي حبكم عاذل

يزْعم نصحي وَهُوَ فِيهِ كذوب)

(وَقَالَ مَا فِي قَلْبك اذكره لي

فَقلت فِي قلبِي الْمَعْنى قُلُوب)

وَمِنْه فِي مليح نحوي من السَّرِيع

(أضمرت فِي الْقلب هوى شادنٍ

مشتغلٍ فِي النَّحْو لَا ينصف)

(وصفت مَا أضمرت يَوْمًا لَهُ

فَقَالَ لي الْمُضمر لَا يُوصف)

وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ من أَبْيَات كتبهَا جَوَابا إِلَى الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الْبَاقِي الْيَمَانِيّ من المديد

(بِأبي بكر خصصت بهَا

من أخي الْأَفْضَل والمنن)

(أَقبلت تختال فِي حلل

وشيها من صَنْعَة اليمني)

(فرعها يملي خلاخلها

مَا يَقُول القرط فِي الْأذن)

وكتبت إِلَيْهِ لما وضعت هَذَا المعجم أطلب مِنْهُ مَا أستعين بِهِ على تَرْجَمته الْعَادة فِي مثل ذَلِك وَمِنْه من الْخَفِيف

(يَا مُفِيد الورى مَعَاني الْمَعَالِي

وَإِمَام الْأَنَام فِي كل علم)

ص: 59

(إِن لي معجماً كأفق فسيح

أشتهي أَن يزان مِنْك بِنَجْم)

فَتَأَخر جَوَابه فَكتبت إِلَيْهِ ثَانِيًا من الطَّوِيل

(ظَفرت بوعد مِنْك بَلغنِي المنى

وجودك نجم الدّين لَيْسَ يحول)

)

(وَقد طَال ليلِي لانتظار وُرُوده

ولي الَّذِي يرْعَى النُّجُوم طَوِيل)

وكتبت مَعَه سؤالاً يتَعَلَّق بالمعاني فِي قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة استطعما أَهلهَا وَهُوَ من الطَّوِيل

(أَلا إِنَّمَا الْقُرْآن أكبر معجز

لأَفْضَل من يهدى بِهِ الثَّقَلَان)

(وَمِنْه جملَة الإعجاز كَون اختصاره

بإيجاز أَلْفَاظ وَبسط معَان)

(ولكنني فِي الْكَهْف أَبْصرت آيَة

بهَا الْفِكر فِي طول الزَّمَان عناني)

(وَمَا ذَاك إِلَّا استطعما أَهلهَا فقد

نرى استطعما هم مثله بِبَيَان)

(فَمَا الْحِكْمَة الغراء فِي وضع ظَاهر

مَكَان ضمير إِن ذَلِك لشان)

فَكتب إِلَيّ بِخَطِّهِ مجيباً عَن الأول وَالثَّانِي من مجزوء الرجز على الله توكلت

(يَا سائلي عَن نسبي

ومولدي وأدبي)

(وَمَا قَرَأت فِي الْعُلُوّ

م من شرِيف الْكتب)

وَمَا أخذت ذَاك عَنهُ من شُيُوخ مذهبي

(وَغَيرهم مِمَّن حوى

سر كَلَام الْعَرَب)

(وَمَا الَّذِي سمعته

عَن النَّبِي الْعَرَبِيّ)

(صلى عَلَيْهِ الله مَا اح

لولك جنح غيهب)

(وَذكرت شَيْئا صغته

من شعري الْمُنْتَخب)

(وَمَا الَّذِي صنفته

من كتب وخطب)

(لَوْلَا وجوب حُرْمَة ال

قصد ورعي الرتب)

(مَا قلت ذَاك خشيَة

من حَاسِد مؤنب)

(يَقُول إِنِّي قلته

مفتخراً بحسبي)

(لكنما الْبُخْل بِمَا

سُئِلت لَا يحسن بِي)

ص: 60

(والمقتضى مني لَهُ

لَا يأتلي فِي الطّلب)

(وَهُوَ خَلِيل فِي الرخا

وعدة فِي الكرب)

(وهمه فِي جمع شم

ل الْفضل لَا فِي الشنب)

)

(وَمَا صَلَاح الدّين إل

افي اقتناء الْقرب)

(هَذَا الَّذِي أوجب لي

يَا صَاح كشف الْحجب)

(عَن محتدي ومولدي

وفضلي المحتجب)

(فَقلت غير آمن

من عائب مندب)

(مُخْتَصرا مُقْتَصرا

معتذراً من رهبي)

(مَا ستراه وَاضحا

مرتسماً عَن كثب)

(لَا زلت للفضل حمى

ولبنيه كَالْأَبِ)

(تجمع شَمل ذكرهم

مخلداً فِي كتب)

أما الْعُلُوم وَمن أخذت عَنهُ فالقرآن الْعَزِيز عَن الشَّيْخ عَلَاء الدّين ابْن الْمُطَرز وَكَانَ قد أَخذ الْقرَاءَات السَّبع عَن عماد الدّين بن وهران الْموصِلِي قَرَأت عَلَيْهِ رِوَايَة أبي عَمْرو من طَرِيق الدوري والسوسي إفراداً وجمعاً وَأما الْفِقْه فَعَن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن الحريري قبل أَن يُبَاشر الحكم ثمَّ عَن قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين قبل أَن يُبَاشر الحكم أَيْضا مَعَ الْفَرَائِض

وَأما أصُول الْفِقْه فَعَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة فَإِنَّهُ كَانَت لَهُ عناية بمختصر ابْن الْحَاجِب وَعَن الشَّيْخ جلال الدّين الْخَبَّازِي الْحَنَفِيّ وَأما أصُول الدّين فَحفِظت فِيهِ عقيدة الطَّحَاوِيّ واعتنيت بحلها وبمطالعة كتب الْأُصُول لأَصْحَاب أبي حنيفَة وَغَيرهم وَأما علم النَّحْو فَعَن الشَّيْخ شرف الدّين الْفَزارِيّ ثمَّ عَن الشَّيْخ مجد الدّين التّونسِيّ مَعَ علم التصريف

وَأما علم البلاغة فَعَن الشَّيْخ بدر الدّين ابْن النَّحْوِيّ الْحَمَوِيّ حِين جَاءَ إِلَى دمشق فِي سنة تسع وَتِسْعين مَعَ الجفال وَنزل بالباذرائية قَرَأت عَلَيْهِ فِي كِتَابه ضوء الْمِصْبَاح وَفِي شَرحه الَّذِي سَمَّاهُ إسفار الصَّباح عَن ضوء الْمِصْبَاح وَأما الْمنطق وَعلم الجدل فَعَن الشَّيْخ سراج الدّين الرُّومِي الْحَنَفِيّ مدرس الفرخشاتية والسفينة بالجامع الْأمَوِي وَأما علم الْوَقْت فَعَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة فِي مقدمته الَّتِي صنفها فِي علم الاصطرلاب ثمَّ عَن الشَّيْخ بدر الدّين ابْن دانيال بِمَدِينَة الكرك حِين جفل جمَاعَة من الْأَعْيَان إِلَيْهَا خوفًا من الْعَدو المخذول سنة سبع مائَة فِي مقدمته الَّتِي صنفها فِي علم الاصطرلاب وَهِي مُطَوَّلَة مفيدة وَأما علم الْعرُوض فَمن الْكتب الْمَوْضُوعَة فِي ذَلِك وَأما حل المترجم فَوجدت فِي بعض الْكتب فِيهِ كلَاما غير شافي ثمَّ أَخَذته بِالْقُوَّةِ حَتَّى كتب لي فِيهِ

ص: 61

)

إِن زرزوراً ووزة زودا دَاوُد زادا وحللته مَعَ قلَّة مَا يسْتَدلّ بِهِ فِيهِ وَأما الَّذين سَمِعت عَلَيْهِم الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة على قَائِلهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فالشيخ برهَان الدّين ابْن الدرجي وَكَانَ معمراً سَمِعت أَجزَاء كَثِيرَة عَلَيْهِ فِيمَا حول سنة ثَمَانِينَ وست مائَة وقاضي الْقُضَاة جمال الدّين الْمَالِكِي سَمِعت مِنْهُ موطأ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى وَالشَّيْخ نجم الدّين الشقراوي الْحَنْبَلِيّ وَغَيرهم مِمَّن لم يحضرني اسْمه الْآن

وَسمعت مُخْتَصر الرِّعَايَة للمحاسبي على قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين ابْن الْبَارِزِيّ قَاضِي حماه حِين قدم إِلَى دمشق قَاصِدا الْحَج

وَأما الرِّوَايَة فَإِنِّي لم أسمح لأحد بِأَن يروي عني مسموعاتي لصعوبة مَا شَرطه أَصْحَابنَا فِي الضَّبْط بِالْحِفْظِ من حِين سمع إِلَى حِين روى وَأَن الْكتب الَّتِي سَمعتهَا لم تكن مَحْفُوظَة عِنْدِي فضلا عَن حفظ مَا سمعته وَأما مَا صنفته من الْكتب فَإِنِّي رغبت عَن ذَلِك لمواخذتي للمصنفين فَكرِهت أَن أجعَل نَفسِي غَرضا لمن يَأْخُذ عَليّ غير أَنِّي جمعت منسكاً لِلْحَجِّ أفردت فِيهِ أَنْوَاع الْجِنَايَات وَمَعَ كل نوع مَا يجب من الْجَزَاء على من وَقع فِيهِ ليَكُون أسهل فِي الْكَشْف ومعرفته وَكَانَ ذَلِك بسؤال امْرَأَة صَالِحَة لَا أعلم فِي زَمَاننَا أعبد مِنْهَا وانتفع بِحسن الْقَصْد فِيهِ وبركتها خلق كثير وَأما مَا سمحت بِهِ القريحة الجامدة والفكرة الخامدة فَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ إِلَى عماد الدّين بن مزهر وَقد كَانَ يجْتَمع مَعنا فِي ليَالِي الشتَاء عِنْد بعض الْأَصْحَاب فَلَمَّا مَاتَ عَمه تزوج جَارِيَته وَانْقطع عَنَّا فَقلت من الْخَفِيف

(إِن يكن خصك الزَّمَان بخودٍ

ذَات قدٍ لدنٍ وخدٍ أسيل)

(فَلَقَد فزت بالسعادة والرح

ب وفارقتنا بِوَجْه جميل)

وَقلت متذكراً لزيارة الْكَعْبَة وزيارة سيد الْمُرْسلين عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْبَسِيط

(يَا ربة السّتْر هَل لي نَحْو مغناك

من عودة أجتلي فِيهَا محياك)

(أم هَل سَبِيل إِلَى لقياك ثَانِيَة

لمغرم مَا مناه غير لقياك)

(لَهُ نوازع شوق بَات يضرمها

بَين الجوانح والأحشاء ذكراك)

(لم ننس طيب لياليك الَّتِي سلفت

وَكَيف ينساك صب بَات يهواك)

(يَا ربة الْخَال كم قد طل فِيك دم

فَمَا أجل بِعرْض البيد قتلاك)

(أسرت بالْحسنِ ألباب الْأَنَام فَمَا

أعز فِي ذل ذَاك الْأسر أسراك)

)

(مَاذَا عساها ترى تنأى الديار بِنَا

لَو كنت فِي مسْقط الشعرى لجئناك)

ص: 62

(وَلَو تحجبت بالسمر الذوابل عَن

زوار ربعك يَا سمرا لزرناك)

(ذلت لعزك أَعْنَاق الْمُلُوك فَمَا

أعلاك يَا مُنْتَهى سولي وأغلاك)

(تهتكت فِيك أَسْتَار الْهوى وَلها

لما بدا خلال السّتْر معناك)

(يَا هَل ترى يسمح الدَّهْر المشت بِمَا

أرجوه من قرب مغناك لمضناك)

(واجتلى من محياك الْجَمِيل ضحى

مَا بَات يحكيه لي من حسنك الحاكي)

(من بعد حط رحالي فِي حمى أرج

إِلَّا رجا بالمصطفى الْهَادِي الرضي الزاكي)

(خير الْخَلَائق طراً عِنْد خالقه

وَخَاتم الرُّسُل ماحي كل إشراك)

(سباق غايات أقْصَى الْفضل والشرف

الْأَعْلَى وراقي الْعلَا من غير إِدْرَاك)

(مهْدي المعارف مبدي كل غامضة

مسدي العوارف مردي كل فتاك)

(مُحَمَّد ذِي الْمقَال الصَّادِق الْحسن

المصدوق فِي القَوْل مقصي كل أفاك)

(يَا نفس إِن بلغتك العيس حجرته

وصافحت يمن ذَاك الرّبع يمناك)

(ونلت مأمولك الْأَقْصَى بلثم ثرى

أعتابه وَبَلغت الْقَصْد من ذَاك)

(وَقمت بَين يَدَيْهِ للسلام على

أَقْدَام ذَلِك تذري الدمع عَيْنَاك)

(وَقد مددت يَد الإملاق طالبةً

سُؤَاله لَك عفوا عِنْد مَوْلَاك)

(فقد بلغت المنى والسول فاجتهدي

هُنَاكَ واستنجدي لي طرفك الباكي)

(عساك أَن ترزقي عطفا عَلَيْك فَإِن

رزقت ذَاك فيا وَالله بِشِرَاك)

(وليهنك السعد إِذْ حطت رحالك فِي

ربع بِهِ لم تزل تحدي مطاياك)

(فثم أندى الورى كفا وأعظمهم

جاهاً وأرحبهم صَدرا لملقاك)

(وَخَيرهمْ لنزيل فِي حماه وأو

فاهم ذماماً وأملاهم بجدواك)

(واحر قلباه من شوقي لرُؤْيَته

فقد تقادم عهد الشيق الشاكي)

(بِاللَّه يَا نفس كوني لي مساعدة

حاشاك أَن تخذليني الْيَوْم حاشاك)

(وجددي الْعَزْم فِي ذَا الْعَام واجتهدي

عَسى بذلك تخبو نَار أحشاك)

(فَإِن حرمت لقاه تِلْكَ معذرة

وَإِن ظَفرت بِهِ يَا نجح مسعاك)

(صلى عَلَيْهِ إِلَه الْعَرْش مَا قطعت

كواكب الْأُفق لَيْلًا برج أفلاك)

)

ص: 63

وَقلت عِنْد قدوم الْحَاج فِي بعض السنين أبياتاً وأنشدني بدار الحَدِيث الأشرفية من الْخَفِيف

(يَا نياق الحجيج لَا ذقت سهداً

بعْدهَا لَا وَلَا تجشمت وخدا)

(لَا فدينا سواك بِالروحِ منا

أَنْت أولى من بَات بِالروحِ يفدى)

(يَا بَنَات الذميل كَيفَ تركتن

شعاب الغضا وسلعاً ونجدا)

(مرْحَبًا مرْحَبًا وَأهلا وسهلاً

بِوُجُوه رَأَتْ معالم سعدى)

وَلم يحضرني بَاقِيهَا

وَلما ظفر قازان سنة تسع وَتِسْعين ثمَّ جَاءَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبع مائَة فَكسر وَقيل لي إِن قازان عِنْدهم اسْم للقدر قلت من الرجز

(لما غَدا قازان فخاراً بِمَا

قد نَالَ بالْأَمْس وأغراه البطر)

(جَاءَ يرجي مثلهَا ثَانِيَة

فَانْقَلَبَ الدست عَلَيْهِ فانكسر)

وَلما ذهب بدر الدّين ابْن بضحان مَعَ الجفال إِلَى مصر وَأقَام هُنَاكَ كتبت إِلَيْهِ من الْكَامِل

(يَا غَائِبا قد كنت أَحسب قلبه

بسوى دمشق وَأَهْلهَا لَا يعلق)

(إِن كَانَ صدك نيل مصر عَنْهُم

لَا غرو فَهُوَ لنا الْعَدو الْأَزْرَق)

وَكَانَ من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة شخص يُقَال لَهُ شهَاب الدّين التعجيزي ينظم شعرًا فِي زعله فَعمل أبياتاً فِي شخص كَانَ يُحِبهُ وكتبها لي أَولهَا

(أيا المعرض لَا عَن سَببا

أصلحك الله وصالي الأربا)

وَفِي هَذَا مَا يُغني عَن بَاقِيهَا فَكتبت إِلَيْهِ من الْخَفِيف

(يَا شهاباً أهْدى إِلَيّ قريضاً

خَالِيا عَن تعسف الألغاز)

(جَاءَنِي مُؤذنًا برقة طبع

حِين رشحته بِبَاب الْمجَاز)

(إِن تكن رمت عَنهُ مني جَزَاء

فأقلني فلست مِمَّن يجازي)

وَمن خطب فَاتِحَة خطْبَة رَأس السّنة الْحَمد لله الَّذِي لَا تدْرك كنه عَظمته ثواقب الأفهام وَلَا يُحِيط بمعارف عوارفه خطرات الأوهام وَلَا تبلغ مدى شكر نعْمَة محامد الْأَنَام الَّذِي طرز بعسجد الشَّمْس حَوَاشِي الْأَيَّام ورصع بجواهر النُّجُوم حلَّة الظلام وَفصل بلجين الْأَهِلّة عُقُود الشُّهُور والأعوام

أَحْمَده على نعمه الجلائل الْعِظَام ومننه الشوامل الجسام واشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا)

شريك لَهُ شَهَادَة لَا ينقص لَهَا تَمام وَلَا يخفر لَهَا ذمام وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ وسوق الْبَاطِل قد قَامَ ومحب الضلال قد هام وطرف الرشد قد نَام وأفق

ص: 64

الْحق قد غام فَجرد سيف الْعَزْم وشام وعنف على الغي وَلَام واقتاد الْخَلِيفَة إِلَى السَّعَادَة بِكُل زِمَام

صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الْخيرَة الْكِرَام صَلَاة لَا انْفِصَال لمتتابعها وَلَا انفصام

وَقلت فِي فَاتِحَة عيد الْأَضْحَى الْحَمد لله الْعَظِيم شانه الْعَزِيز سُلْطَانه الْقَدِيم إحسانه العميم غفرانه الَّذِي دعت عوارف إحسانه إِلَى عَرَفَات عزماته من كل طَرِيق فلبتها قُلُوب أولي الْإِنَابَة مسرعة فِي الْإِجَابَة وأمتها من كل فج عميق أَحْمَده على نعمه الَّتِي أحلّت مغنى الْغنى فتحلت بفرائدها الأجياد ومننه الَّتِي بلغت مني المنى وكل الْأَيَّام بهَا أعياد واشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة لَا يخلق الملوان جديدها وَلَا تنَال يَد الشَّك مشيدها وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ رَحْمَة للبرايا ومحذراً من شَرّ عواقب الْخَطَايَا فطهر من رجسها السجايا وسَاق إِلَى محلهَا الْهَدَايَا وَبعث الهمم على الضَّحَايَا صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله المبرإين من الدنايا صَلَاة لَا تنفك بتعاهد معاهدهم فِي البكور والعشايا

وَأما خطب الأصدقة فكثير وَكَذَا مَا كتبته لمن عرض عَليّ كتابا مِمَّا يُنَاسب اسْمه وَكتابه كثيرا أَيْضا وَمن عَجِيب مَا اتّفق فِي ذَلِك من براعة الاستهلال مَا كتبته للْمولى الْمَالِك شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الْمولى شرف الدّين ابْن الْمولى شمس الدّين ابْن المرحوم شهَاب الدّين مَحْمُود أعزه الله تَعَالَى ورحم سلفه حِين عرض عَليّ مُقَدّمَة ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى

أما بعد حمد الله الَّذِي جعل شرف الْعلم مَنُوطًا بشرف الدّين فَحق لمن تحلى بهما أَن يكون جده مَحْمُودًا وعاقبته أَحْمد وَفِي ذكره طول وَهُوَ عِنْد الْمولى شهَاب الدّين أَحْمد الْمَذْكُور

وَمِمَّا يلْحق بالشعر الْمُتَقَدّم مَا كتبته للْمولى الْمَالِك جمال الدّين ابْن المرحوم عَلَاء الدّين بن غَانِم حِين جَاءَنِي توقيع بتدريس العذراوية بِخَطِّهِ وإنشائه وَقد تصدق بهَا ملك الْأُمَرَاء تغمده الله برحمته من غير سُؤال من المجتث

(وافى إِلَيّ كتاب

حُلْو من الدّرّ حَالي)

(صاغته فكرة سَار

إِلَى العلى غير سالي)

(يسري وَرَاء سراة

تشتاقهن الْمَعَالِي)

)

(مرصع بلآل

مشرف بمثال)

ص: 65

(من عِنْد أكْرم مولى

يُعْطي بِغَيْر سُؤال)

(فَمَا رَآهُ صديق

من الصُّدُور الموَالِي)

(إِلَّا وَقَالَ سَرِيعا

هَذَا بديع الْجمال)

وَأما الْجَواب عَن إِعَادَة لَفظه الْأَهْل فِي قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة استطعما أَهلهَا وَلم يقل استطعماهم وَالْمحل مَحل الْإِضْمَار وَفِيه الإيجاز فقد علم أَن البلاغة لَا تخْتَص بالإيجاز وَإِنَّمَا هُوَ نوع من أَنْوَاعهَا وَأَن مدَار حسن الْكَلَام وارتفاع شَأْنه فِي الْقبُول بإيراده مطابقاً لمقْتَضى الْحَال فَإِن كَانَ مُقْتَضى الْحَال خليقاً ببسط الْكَلَام تعلّقت البلاغة ببسطه وَإِن كَانَ حَقِيقا بالإيجاز كَانَت البلاغة فِي إِيرَاده كَذَلِك ثمَّ قد يعرض للبليغ أُمُور يحسن مَعهَا إِيرَاد الْكَلَام على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر فَينزل غير السَّائِل منزلَة من يسْأَل إِذا كَانَ قد لوح لَهُ بِمَا يَقْتَضِي السُّؤَال وَينزل غير الْمُنكر منزلَة الْمُنكر إِذا ظَهرت عَلَيْهِ مخايل الْإِنْكَار

ويوقع الْمُضمر فِي مَوضِع الظَّاهِر وَالظَّاهِر فِي مَوضِع الْمُضمر إِلَى غير ذَلِك من الْأُمُور الْمَذْكُورَة فِي علم البلاغة وَالَّذِي حسن إِيقَاع الظَّاهِر موقع الْمُضمر فِي الْآيَة الْكَرِيمَة أَن الظَّاهِر أدل على الْمَعْنى الَّذِي وضع اللَّفْظ لَهُ من الْمُضمر لِأَنَّهُ يدل عَلَيْهِ بِنَفسِهِ والمضمر يدل عَلَيْهِ بِوَاسِطَة مَا يفسره وَقصد الْمُتَكَلّم هُنَا الْإِخْبَار عَن الَّذين طلب مِنْهُم الْإِطْعَام أَنهم أهل الْقرْيَة لِأَن من غشية الضَّيْف فِي منزله وَلم يعْتَذر بِعُذْر عَن إكرامه بل قابله بِالْمَنْعِ مَعَ ظُهُور حَاجته الَّتِي أوجبت لَهُ أَن يسْأَل مِنْهُ ذَلِك لِأَن الْمَسْأَلَة آخر أَسبَاب الْكسْب يعلم بذلك أَن الْحَامِل لَهُ على الِامْتِنَاع من إِضَافَته لؤم الطَّبْع وَاتِّبَاع مَذْمُوم الْبُخْل وَالشح المطاع كَمَا قَالَ الشَّاعِر من الطَّوِيل

(حَرِيص على الدُّنْيَا مضيع لدينِهِ

وَلَيْسَ لما فِي بَيته بمضيع)

حَتَّى روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ كَانُوا أهل قَرْيَة لِئَامًا وَمن كَانَت هَذِه سجيته وَهَذَا حَاله كَانَ حرياً بِالْإِعْرَاضِ عَنهُ وَعدم مُقَابلَته بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فَلَمَّا رأى مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ إصْلَاح الْخضر عليه السلام لجدار مشرف على السُّقُوط فِي الْقرْيَة الَّتِي هَؤُلَاءِ أَهلهَا من غير طلب أجر على ذَلِك مِنْهُم مَعَ الْحَاجة إِلَى ذَلِك عجب من ذَلِك وَأنْكرهُ حَتَّى كَأَنَّهُ نسي مَا قدمه من وعده إِيَّاه بِالصبرِ وبعدم المصاحبة إِن سَأَلَهُ عَن شَيْء بعد ذَلِك)

مَعَ حرصه على صحبته والتعلم مِنْهُ وَكَانَ فِي إِعَادَة لَفظه الْأَهْل فِي الْآيَة الْكَرِيمَة إِقَامَة لعذر مُوسَى عليه السلام فِي الِاعْتِرَاض فِي هَذِه الْحَالة لِأَنَّهَا حَالَة لَا يصبر عَن الِاعْتِرَاض فِيهَا لِأَن حَالهم يَقْتَضِي بذل الْأُجْرَة فِي إصْلَاح أَمر دنياوي لحرصهم وشحهم فَترك طلب الْأُجْرَة

ص: 66

على إصْلَاح ذَلِك مَعَ الضَّرُورَة وَالْحَاجة وَقع إحساناً إِلَى أَهلهَا الَّذين قابلوهما بِالْمَنْعِ عَن الضِّيَافَة

وَكَانَت البلاغة مُتَعَلقَة بِلَفْظِهِ الْأَهْل الَّتِي هِيَ الحاملة على الْإِعْرَاض ظَاهرا فأطلعه الْخضر عليه السلام بِأَن الْجِدَار إِنَّمَا كَانَ ليتيمين من أَهلهَا واليتيم مَحل الرَّحْمَة وَلَيْسَ محلا لِأَن يطْلب مِنْهُ أُجْرَة إِمَّا لعَجزه لفقره وَهُوَ الظَّاهِر أَو لِأَنَّهُ لَا يجوز تصرفه فِي مَاله وَلِهَذَا قَالَ رَحْمَة من رَبك وَلم يكن لأَهْلهَا الَّذين أَبَوا أَن يضيفونا وَالله سبحانه وتعالى أعلم قلت جَوَاب الشَّيْخ نجم الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي غَايَة الْحسن وَهُوَ كَلَام عَارِف بِهَذَا الْفَنّ جَار على الْقَوَاعِد وَالَّذِي قَالَه الشَّيْخ جمال الدّين ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْجَواب عَن ذَلِك ملخصه أَنه إِنَّمَا أعَاد اللَّفْظ بِلَفْظ الظَّاهِر لأمرين أَحدهمَا أَن استطعم صفة ل قَرْيَة فَلَو قَالَ استطعماها لَكَانَ مجَازًا إِذْ الْقرْيَة لَا تستطعم فَلَا بُد من ذكر الضَّمِير وَلَا يُمكن ذكره وَهُوَ مُضَاف إِلَيْهِ إِلَّا بِذكر الْمُضَاف وَلَا يُمكن ذكر الْمُضَاف مضمراً فَتعين ذكره مظْهرا وَلَا يرد عَلَيْهِ أَن استطعما جَوَاب ل إِذا لَا صفة ل قَرْيَة لأَنا نقُول لقَوْله فِي الْقِصَّة الْأُخْرَى حَتَّى إِذا لقيا غُلَاما فَقتله فَقَالَ هَا هُنَا جَوَاب إِذا مُتَعَيّن وَلَا يَسْتَقِيم أَن يكون فَقتله جَوَابه إِذْ الْمَاضِي الْوَاقِع فِي جَوَاب إِذا لَا يكون بِالْفَاءِ فَتعين فِيهِ قَالَ وَالظَّاهِر أَن الْجَواب فِي الْقِصَّة الْأُخْرَى هَكَذَا لِأَنَّهَا فِي مساق وَاحِد

الثَّانِي أَن الْأَهْل لَو أضمر لَكَانَ مَدْلُوله مَدْلُول الأول وَمَعْلُوم أَنه جمع الْأَهْل أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت أتيت أهل قَرْيَة كَذَا إِنَّمَا تَعْنِي وصلت إِلَيْهِم فَلَا خُصُوصِيَّة لبَعْضهِم والاستطعام فِي الْعَادة إِنَّمَا يكون لمن يَلِي النَّازِل بهم وهم بَعضهم فَوَجَبَ أَن يُقَال استطعما أَهلهَا لِئَلَّا يفهم أَنهم استطعموا جَمِيع الْأَهْل وَلَيْسَ كَذَلِك وَقد أجابني عَن هَذَا السُّؤَال أَيْضا مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن عَليّ السُّبْكِيّ أمتعنا الله بفوائده بِجَوَاب طَوِيل نظم ونثر وَقد كتبته بخطي وقرأته عَلَيْهِ وَهُوَ مُثبت فِي التَّذْكِرَة

الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن)

عَليّ بن دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن عَليّ بن رَسُول السُّلْطَان الْملك الْمُجَاهِد أَبُو يحيى سيف الْإِسْلَام ابْن الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين ابْن الْملك المظفر ابْن الْملك الْمَنْصُور نور الدّين هُوَ صَاحب الْيمن قد تقدم ذكر وَالِده دَاوُد وَسَيَأْتِي

ص: 67

ذكر جده يُوسُف وَذكر جد أَبِيه عمر فِي مكانيهما

ولد الْملك الْمُجَاهِد تَقْرِيبًا سنة إِحْدَى وَسبع مائَة بتعز وَولي الْملك بعد وَالِده وَجَرت لَهُ حروب وكروب ذكرتها مُخْتَصرا فِي تَرْجَمَة وَالِده قَرَأَ الْقُرْآن وختمه وَحفظ التَّنْبِيه وَبحث وَشرح وَتخرج على أَشْيَاخ مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم الصَّنْعَانِيّ وتأدب على الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الْبَاقِي الْيَمَانِيّ وَأخذ بَقِيَّة الْعلم عَن الْأَشْيَاخ بِالْيمن وَعَن الغرباء الْفُضَلَاء الداخلين إِلَى الْيمن

وَنظر فِي الْعُلُوم وناظر وشارك وَله فهم وذوق فِي الْأَدَب

أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام صدر الدّين سُلَيْمَان بن دَاوُد بن عبد الْحق وَقد تقدم ذكره أَنه عِنْده ذكاء مفرط وَأَنه قَرَأَ عَلَيْهِ الْمَنْظُومَة بحثا وفهماً وَكِتَابَة وضبطاً وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَيْضا الْمِصْبَاح لِابْنِ مَالك قَالَ ويلعب بِالرُّمْحِ وَيَرْمِي بالنشاب جيدا وَقَالَ إِنَّه برز وَحده لسبع مائَة نفر من مماليك وَالِده وجماعته لما خرج عَلَيْهِ النَّاصِر بعد وَالِده بزبيد وَوصف لي من لطفه وآدابه مَعَ من يحاضره وَيخْتَص بِهِ شَيْئا كثيرا وَقَالَ إِن فِيهِ كرماً ومحبة لأهل الْعلم وللفقراء وكتابته أَنا رَأَيْتهَا وَهِي فِي غَايَة الْقُوَّة والسرعة وقفت أَنا عَلَيْهَا فِي عدَّة مراسلات إِلَى صدر الدّين الْمَذْكُور وأنشدني الشَّيْخ صدر الدّين قَالَ كتبت إِلَى الْملك الْمُجَاهِد لما طلع من زبيد سنة إِحْدَى وَخمسين وَسبع مائَة وَقد ركب فِي شختور فِي الْبَحْر وَتصدق وأغدق من الطَّوِيل

(وَلم أنس يَوْم الشرم وَالْبَحْر سَاكن

وَقد سَار شختور وَفِي وَسطه الْبَدْر)

(عَليّ بن دَاوُد الَّذِي حَيْثُمَا سرى

سرى الْجُود وَالْإِحْسَان والبشر واليسر)

(تملك كل الأَرْض قهرا بِسَيْفِهِ

وَأدنى عطاياه الصواهل والدر)

(عجبت لشختور الْمُجَاهِد إِذْ سرى

وَمن فَوْقه بَحر وَمن تَحْتَهُ بَحر)

قَالَ فَأَجَابَنِي عَن ذَلِك من الطَّوِيل

(لقد جَاءَ صدر الدّين بالنظم فاخراً

وأوجز مَا يحْكى بِمَا بَين الشّعْر)

(حكايات ليل النَّحْل لَا كَانَ وَاديا

لقد تعبت مِنْهُ القوائم وَالظّهْر)

(وَقد زَاد قبحاً بِالسُّيُوفِ فغيرت

بِهِ طرقاً قد حَار فِي وصفهَا الْفِكر)

)

(وَلَكِن تسلينا عَن الْهم كُله

تعز حماها الله وأسعدها الدَّهْر)

وَمن شعر الْملك الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن

(عَجِيب على ذَا الْقلب من جنبو

فِي عشق من لَا فِي الْهوى جن بو)

ص: 68

(وَمن يرحمو من يتحفو حج بو

من جور من شخصو عَلَيْهِ حجبو)

(للنجم يُمْسِي مسامر

على أهيل شعب عَامر)

فالحب ناهي وآمر

(هجرو وبعدو يَا رفاق اتعبو

وَأَن عاتبو خلو فَهُوَ يعتبو)

(حكم عَليّ الْحبّ أبقى كَذَا

مَا حيلتي ساآصبر لهَذَا وَذَا)

(من ذَا يلمني فِي هواكم هذى

فمذهبي فِي الْعِشْق غير مذهبو)

(مَا حول آنا عَن ودادي

لَو أطالوا بعادي)

واحسرتي وافؤادي

(فَلَيْسَ وَالله من يخن صاحبو

وآن لم يطيعو كلما صَاح بو)

(الْأَمر أمرو وَمَا اشْتهى فِيهِ أَمر

وآن قَالَ أذْنب فمثلو غفر)

(العَبْد يعرف سيدو من قدر

عَفا وَقَالَ الذَّنب لَا أطلبو)

(فاصفحوا يَا موَالِي

فانا الْمُحب الموَالِي)

وارحموا ضعف حَالي

(قُولُوا نعم نعفو الَّذِي اذنبو

فَمن رضانا قد معو اذن بو)

(بالخيف والمسعى أطيل الْغَزل

واشتاق من فِيهِ طيبَة قد نزل)

(على مديح الْمُصْطَفى لم أزل

من قاب قوسين الْإِلَه قربو)

(يَا هاشمي يَا مُشَفع

نرجو بك الرب ينفع)

مَا نخشى بك ندفع

(يَا سَاكِنا فِي طيبَة مَا أطيبو

مذ حل فِي الشّعْر وَمَا أعذبو)

وكتبت أَنا إِلَى الشَّيْخ صدر الدّين وَقد ورد من الْحجاز سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسبع مائَة إِلَى دمشق وَقصد الْعود إِلَى الْيمن فَسَأَلَهُ الْإِقَامَة أَهله وَأَصْحَابه فَأبى عَلَيْهِم وصمم وَذكر من إِحْسَان الْملك الْمُجَاهِد إِلَيْهِ مَا أوجب أَن أسلمنَا إِلَيْهِ المقادة وَتَرَكْنَاهُ وَمَا أَرَادَهُ من الْبَسِيط)

(يَا من أباع دمشق الشَّام بِالْيمن

وَقد السّير لَا يلوي على سكن)

(مَا كنت أَحسب إنْسَانا سواك رأى

جنَّات عدن فعداها إِلَى عدن)

(هَذَا وَكم نلْت من ساحاتها وطراً

وَكم عمرت بهَا فِي اللَّهْو من وَطن)

ص: 69

(وَكم رشفت سلافاً من أقاح فَم

وَكم رَأَيْت بهَا بَدْرًا على غُصْن)

(وَكم ظَفرت بِمن لَوْلَا محاسنه

ولطفه خلت الدُّنْيَا من الْفِتَن)

(وَمَا بَرحت امْرَءًا فِينَا أَخا حكم

وكل أَفعاله تجْرِي على سنَن)

(فَكيف تخدع عَن هذي المحاسن أَو

تجوز العذل فِيهَا مِنْك فِي أذن)

(لَكِن عذرك باد فِي الرُّجُوع إِلَى

الْملك الْمُجَاهِد مَوْلَانَا أبي الْحسن)

(ابْن المؤيدذي الْبَطْش الشَّديد هزب

ر الدّين دَاوُد رب الْفضل والمنن)

(ابْن المظفر بالأعداء يُوسُف لَا

جَفتْ مضاجعه هطالة المزن)

(ابْن الْملك الَّذِي قاد العساكر

نور الدّين والنصر مَعَه انْقَادَ فِي رسن)

(الْعَارِض الهتن ابْن الْعَارِض الهتن

ابْن الْعَارِض الهتن ابْن الْعَارِض الهتن)

(مُلُوك بَيت إِلَى أَيُّوب نسبته

أكْرم بِبَيْت على تقوى الْإِلَه بني)

(أيامهم للورى نور بِلَا ظلم

وَالظُّلم لَو حل فِي أفنائهم لفني)

(قد ذللوا كل صَعب من سياستهم

بالمرهفات أَو الخطارة اللدن)

(سلوا السيوف فَسَلُوا من ضمائرها

مَا كَانَ فِيهَا على الْأَعْدَاء من إحن)

(كم وردوا خد أَرض من عدوهم

وَقومُوا أوداً من قامة الزَّمن)

(وَكم أسالوا دَمًا فِي يَوْم حربهم

فخضبوا السَّيْف لما زَينُوا الْيَزنِي)

(وَأَنت عنْدك من كل البضائع فِي

شَتَّى عُلُوم الورى والسوق بِالْيمن)

(فَلَيْسَ يُنكر أَن تهدي نفائسها

لمن غَدا يبْذل الغالي من الثّمن)

(من رَاح يعرف مَا استصحبت من دُرَر

بل عِنْده ضعف مَا تهديه من حسن)

(وفضله فِي عُلُوم النَّاس فض لَهُ

ختم الْبَدَائِع فاستفتيه وامتحن)

(تَجدهُ بحرا وحبراً فِي فَوَائده

تزري فَصَاحَته بالقالة اللسن)

(وكفه وكفه بالجود مُتَّصِل

فَكل من هُوَ فِي تِلْكَ الديار غَنِي)

(نَام الْأَنَام بِعدْل طَابَ عيشهم

بِهِ فهم من جنى الجنات فِي جنن)

)

(يعْنى بِفضل قضايا كل مشكلة

حَتَّى يفرق بَين المَاء وَاللَّبن)

(دع الْمُلُوك الْكِرَام الذاهبين فه

ذَا سيف الْإِسْلَام لَا سيف ذِي يزن)

(وَمن تكن هَذِه الْأَوْصَاف سؤدده

تجب مدائحه فِي السِّرّ والعلن)

ص: 70