المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ علي بن محمد - الوافي بالوفيات - جـ ٢١

[الصفدي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْجُزْء الْحَادِي وَالْعِشْرين)

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(رب أعن)

- ‌(عَليّ)

- ‌(المَسْعُودِيّ المؤرخ)

- ‌(عَليّ بن حَمْزَة)

- ‌(عَليّ بن الْخطاب)

- ‌(عَليّ بن خَليفَة)

- ‌(عَليّ بن دَاوُد)

- ‌(عَليّ بن دبيس)

- ‌(عَليّ بن ربيعَة)

- ‌(عَليّ بن زُرَيْق)

- ‌(عَليّ بن زِيَاد)

- ‌(عَليّ بن زيد)

- ‌(عَليّ بن سَالم)

- ‌(عَليّ بن سعد)

- ‌(عَليّ بن سعيد)

- ‌(عَليّ بن سلمَان)

- ‌(عَليّ بن سُلَيْمَان)

- ‌(عَليّ بن سهل)

- ‌(عَليّ بن صَالح)

- ‌(عَليّ بن أبي طَالب)

- ‌(عَليّ بن طَاهِر)

- ‌(عَليّ بن طَلْحَة)

- ‌(عَليّ بن طراد)

- ‌(عَليّ بن عباد)

- ‌(عَليّ بن الْعَبَّاس)

- ‌(عَليّ بن عبد الله)

- ‌(عَليّ بن عبد الْجَبَّار)

- ‌ عَليّ بن عبد الرَّحْمَن

- ‌(عَليّ بن عبد الرَّحِيم)

- ‌(عَليّ بن عبد الصَّمد)

- ‌(عَليّ بن عبد الْعَزِيز)

- ‌(عَليّ بن عبد الْغَنِيّ)

- ‌(عَليّ بن عبد الْكَافِي)

- ‌(عَليّ بن عبد الْملك)

- ‌(عَليّ بن عبد الْوَاحِد)

- ‌(عَليّ بن عَبدة)

- ‌(عَليّ بن عبيد الله)

- ‌(عَليّ بن عُثْمَان)

- ‌(عَليّ بن عقيل)

- ‌(عَليّ بن عَليّ)

- ‌(عَليّ بن عمر)

- ‌(عَليّ بن عِيسَى)

- ‌(عَليّ بن الْفضل)

- ‌(عَليّ بن الْقَاسِم)

- ‌(عَليّ بن الْمُبَارك)

- ‌(عَليّ بن المحسن)

- ‌ عَليّ بن مُحَمَّد

الفصل: ‌ علي بن محمد

فَقَالَ ردوا زوج القبحة فَردُّوهُ فَقَالَ يَا كشخان يَا قرنان يَا زوج ألف قحبة هَات زَوجتك وأختك وأمك إِلَى دَاري وَانْظُر مَا يكون مني وَبعد ذَلِك احكم بِمَا حكمت بِهِ قَفاهُ قَفاهُ فصفعوه

وَكَانَ يَوْمًا نَائِما فاجتاز وَاحِد غث وأزعجه مِمَّا يَصِيح شِرَاك النِّعَال شِرَاك النِّعَال فَقَالَ لغلامه اجْمَعْ كل نعل فِي الْبَيْت واعطيها لهَذَا يصلحها ويشتغل بهَا فَنَامَ وَاكْتفى وَمضى ذَلِك الرجل لشأنه فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي فعل ذَلِك وَلم يَدعه ينَام فَقَالَ للغلام أدخلهُ فَأدْخلهُ فَقَالَ لَهُ يَا ماص بظر أمه أمس أصلحت كل نعل كَانَت عندنَا وَالْيَوْم تصيح على بابنا هَل بلغك أننا نتصافع بالنعال ونقطعها قَفاهُ قَفاهُ فَقَالَ يَا سَيِّدي أَتُوب وَلَا أَعُود أَدخل إِلَى هَذَا الدَّرْب أبدا وَهَذَا أَبُو الْقَاسِم من أهل بَيت كلهم فضلاء وَسَيَأْتِي ذكر أَبِيه المحسن فِي حرف الْمِيم فِي مَكَانَهُ وَيَأْتِي قَرِيبا ذكر جده‌

‌ عَليّ بن مُحَمَّد

إِن شَاءَ الله تَعَالَى

أَبُو خلف العكبري عَليّ بن المحسن أَبُو خلف العكبري من شعره فِي أرمد من الْبَسِيط

(لم تستعر عينه من ورد وجنته

إِلَّا امتعاصاً وحاشاها من الوصب)

(لَكِن رَأَتْ من محب كَانَ يألفها

شَوَاهِد الْغدر فاحمرت من الْغَضَب)

3 -

(عَليّ بن مُحَمَّد)

الوشاء الْكُوفِي عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي الخصيب الْكُوفِي الوشاء قَالَ ابْن أبي حَاتِم مَحَله الصدْق وروى عَنهُ ابْن ماجة وَتُوفِّي سنة ثمانٍ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَسمع الوشاء ابْن عُيَيْنَة ووكيعاً وَعَمْرو بن مُحَمَّد الْعَنْقَزِي وروى عَنهُ أَيْضا إِبْرَاهِيم بن متوية الْأَصْبَهَانِيّ وَأَبُو بكر بن أبي دَاوُد والبرديجي وَابْن أبي حَاتِم

ص: 267

الْوَاعِظ الْمصْرِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حسن أَبُو الْحسن الْمصْرِيّ الْوَاعِظ الْبَغْدَادِيّ أَقَامَ بِمصْر مُدَّة وصنف فِي الزّهْد كتبا كَثِيرَة توفّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة

إِبْنِ ماشاذة الفرضي الصُّوفِي عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن ميله بن خرة يعرف أَبوهُ بماشاذة أَبُو الْحسن الْأَصْبَهَانِيّ الزَّاهِد الفرضي أحد الْأَعْلَام الصُّوفِيَّة توفّي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة

صَاحب الزنج عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد صَاحب الزنج الْخَبيث أَبُو الْحسن كَانَ يَدعِي أَنه عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن عِيسَى بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَقيل أَنه عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن رجيب رجل من الْعَجم من أهل ورزنين من قرى الرّيّ ذكرت قره بنت عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد الشَّامي وَهِي أمه أَن أَبَاهَا كَانَ يحجّ ويمر بِالْمَدِينَةِ فِي كل سنة وَينزل على شيخ من آل أبي طَالب فيبره ويكرمه وَكَانَ يحمل إِلَيْهِ الْهَدَايَا فِي كل عَام من الرّيّ فحج بهَا سنة فَإِذا ابْنه مُحَمَّد وَهُوَ أَبُو عَليّ فِي عشرَة أَعْوَام فَلَمَّا حج أَبوهَا قَابلا وجد الشَّيْخ توفّي وَبَقِي ابْنه مُحَمَّد فبره بِمَا مَعَه وَعرض عَلَيْهِ الْمَجِيء مَعَه فَأبى وَقَالَ تمنعني والدتي وأختي فحج أَبوهَا قَابلا فوجدهما قد توفيا فَأخذ مُحَمَّدًا مَعَه وَحضر بِهِ إِلَى قَرْيَة ورزنين وَعرض عَلَيْهِ الزواج بِي فَأبى وَقَالَ إِنِّي كنت رَأَيْت فِي الْمَنَام أَنِّي بلت بولة أحرقت نصف الدُّنْيَا فنهاني أبي عَن الزواج ثمَّ إِنَّه تزوج بِي فَولدت لَهُ ابْنَتَيْن ماتتا صغيرتين ثمَّ مَاتَ أبي ثمَّ ولدت لَهُ ابْنه عَليّ بن مُحَمَّد ثمَّ إِن مُحَمَّدًا أتلف مَالِي ومزقه وفارقته لأجل جَارِيَة اشْتَرَاهَا فَخرج بِابْنِهِ من عِنْدِي وَلم أعرف لَهما خَبرا عدَّة سِنِين ثمَّ رَجَعَ الْوَلَد إِلَيّ)

وَأخْبر بِمَوْت وَالِده وَأقَام عِنْدِي بِالريِّ مُدَّة لَا يدع أحدا عِنْده أدباً وَلَا

ص: 268

رِوَايَة إِلَّا أَخذهَا وَتوجه إِلَى خُرَاسَان وَغَابَ سنتَيْن أَو ثَلَاثَة وَعَاد فَأَقَامَ مديدة ثمَّ غَابَ الْغَيْبَة الَّتِي خرج فِيهَا وَورد كِتَابه من الْبَصْرَة بِمَا صَار إِلَيْهِ وَمَعَهُ مَال فَلم أقبله لما صَحَّ عِنْدِي من أمره

وَقَالَ عَليّ صَاحب الزنج اعتللت عِلّة غَلِيظَة وَأَنا صَغِير فجَاء أبي يعودنِي فَوجدَ أُمِّي قَاعِدَة عِنْد رَأْسِي فَقلت لَهُ إِنَّه يَمُوت فَقَالَ إِذا مَاتَ هَذَا من يخرب الْبَصْرَة قَالَ فَمَا زَالَ فِي قلبِي ذَلِك إِلَى أَن خرجت بهَا

وَكَانَ بسر من رأى وَتصرف فِي أشغال الدِّيوَان وَقَالَ الشّعْر واستماح بِهِ ثمَّ حدث فِي نَفسه الْكفْر والخبث وَدَعوى الْإِمَامَة وَعلم الْغَيْب وَالْخُرُوج على الْأَئِمَّة وَضرب النَّاس بَعضهم بعض فَقدم الْبَصْرَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَأقَام بهجر ودعا إِلَى طَاعَته فَمَال إِلَيْهِ عميد هجر وَخلق من الْبَحْرين وباينه قوم وسفكت بَينهم الدِّمَاء فانتقل إِلَى الأحساء فأطاعه أَهلهَا حَتَّى كَانُوا لَا يدعونَ شَيْئا من فضلاته يسْقط إِلَى الأَرْض ويأخذونه تبركاً بِهِ وَكثر أَتْبَاعه وجبي لَهُ الْخراج وَنفذ حكمه ودافع الْوُلَاة وَجَرت بَينهم وقائع فخاف أهل الْبَحْرين وَخرج إِلَى الْبَادِيَة بأَهْله وَمن تبعه وجال فِي الْبَادِيَة واستغوى من لقبه من الْأَعْرَاب وأوهمهم أَنه يعلم منطق الطير فَأَغَارَ بِمن تَابعه على فرضة من فرض الْبَحْرين فنهبها وَأخذ أموالها وخربها

ثمَّ قوتل فنبت بِهِ الْبَادِيَة فهرب إِلَى الْبَصْرَة فِيمَن تبعه سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فَدَعَا هُوَ وَأَصْحَابه النَّاس إِلَيْهِ فثار الْجند عَلَيْهِم فهرب وَقبض على بعض شيعته وعَلى ابْنه الْأَكْبَر وَأمه وَابْنَته فحبسوا فَصَارَ إِلَى مَدِينَة السَّلَام وَأقَام بهَا حولا يستغوي النَّاس من الحاكة والأراذل وَمَات وَالِي الْبَصْرَة وَفتحت الحبوس فخلص أَهله فَرجع إِلَى الْبَصْرَة وَاسْتولى على غلْمَان النَّاس من الزنوج يبْذل لَهُم الْأَمْوَال ويطمعهم من النهب حَتَّى أَتَاهُ مِنْهُم خلق كثير

وَعمد إِلَى حريرة فَكتب فِيهَا بالأحمر والأخضر إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة إِلَى آخر الْآيَة وَكتب اسْمه وَاسم أَبِيه وعلقها فِي رَأس بردي وَخرج فِي السحر لَيْلَة السبت لليلتين بَقِيَتَا من شهر رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فَاجْتمع عَلَيْهِ ألفا عبد من الزنج فَقَامَ خَطِيبًا وَوَعدهمْ أَن يقودهم ويملكهم الْأَمْوَال وَلما كَانَ يَوْم الْعِيد نصب اللِّوَاء وَصلى بهم وخطب خطْبَة ذكرهم مَا كَانُوا فِيهِ من سوء الْحَال وَإِن الله أنقذهم بِهِ ثمَّ إِنَّه قَود قواداً ورتب أَصْحَابه وَلم يزل ينهب وَيقتل وكلمن قَاتله يستظهر عَلَيْهِ حَتَّى تفحل أمره)

وغنم خيلاً وسلاحاً وَكَانَ كلمن يَأْتِيهِ ويكسره يتحيز إِلَيْهِ وَلم يزل يستولي على نواحي الْبَصْرَة إِلَى أَن وافى الْبَصْرَة رَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين وَجمع لَهُ أهل الْبَصْرَة وَوَقع الْقِتَال بَينهم فَهَزَمَهُمْ وَقتل خلقا كثيرا فَوَقع لَهُ

ص: 269

الرعب فِي الْقُلُوب وَلم يزل فِي العيث وَالْفساد إِلَى أَن استولى الزنج على الأبلة وأضرموا فِيهَا النَّار فاحترقت بأجمعها وَقتل خلقا كثيرا وغرق خلق كثير وحوى الأسلاب وَضعف أهل عبادان فَدَخَلُوا فِي سلمه وَأخذ مَا كَانَ فِيهَا من سلَاح وَغَيره وانجفل النَّاس إِلَى الأهواز هَذَا وسراياه فِي الْقرى تعيث وتفسد

فَترك أهل الْبَصْرَة الْمقَام بهَا وهربوا إِلَى سَائِر النواحي ثمَّ إِنَّه دخل إِلَى الْبَصْرَة سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقت صَلَاة الْجُمُعَة فَقتل وأحرق إِلَى يَوْم السبت ثمَّ عَاد يَوْم الِاثْنَيْنِ فَتفرق الْجند ونادى أهل الْبَصْرَة بالأمان فَأَمنَهُمْ وَلما ظهر النَّاس قَتلهمْ فَلم يسلم إِلَّا الشاذ وأحرق الْجَامِع وَمن كَانَ فِيهِ فَعم الْحَرِيق النَّاس وَالدَّوَاب وَالْمَتَاع وَغير ذَلِك واستخرج الْأَمْوَال من أَرْبَابهَا وَقتل الْفُقَرَاء فَأقبل الْمُوفق فِي جَيش عَظِيم وحاربه مَرَّات ينَال كل وَاحِد من الآخر

وتحصن الْخَبيث فِي أَمَاكِن وقصور فِي مَدِينَة بناها بنهر أبي الخصيب وَكَانَت سَرَايَا الْخَبيث تصل إِلَى وَاسِط ودخلوها سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقتلُوا من بهَا وأحرقوها واستولوا على نَوَاحِيهَا والموفق مَشْغُول بمحاربة الصفار

وَلم تزل عَسَاكِر الزنج تعيث وتفسد وَتغَير فِي أَعمال الأهواز وعسكر مكرم وتستر وَمَا صاقب هَذِه النواحي يقتلُون الرِّجَال ويسبون النِّسَاء وَالْأَوْلَاد وينهبون الْأَمْوَال فَحصل الْخَبيث على أَمْوَال وجواهر استأثرها وَأَعْطَاهَا نِسَاءَهُ وَأَوْلَاده فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم فَقَالَ نسَائِي لَيْسَ كنسائكم إنَّهُنَّ امتحن بصحبتي وحرمن من بعدِي على الرِّجَال ولي بذلك أُسْوَة برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وبأئمة الْهدى من بعده فَقيل لَهُ أَن أَبَا بكر وَعمر تزوج النَّاس بنسائهما فَقَالَ لَيْسَ فيهمَا قدوة وَأما عَليّ فقد أَثم من تزوج نِسَاءَهُ بعده وَادّعى أَن قَوْله تَعَالَى أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ قد أنزلت فِيهِ وَأَنا عبد الله الَّذِي قَامَ يَدعُوهُ

وَكَانُوا عَلَيْهِ لبدا وَادّعى أَنه الرجل الَّذِي جَاءَ رجل من أقْصَى الْمَدِينَة يسْعَى وَقَالَ أنزل فِي سُورَة من الْقُرْآن مُجَرّدَة لَيْسَ فِيهَا ذكر غَيْرِي وَهِي لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَادّعى أَنه تكلم فِي المهد صَبيا وَأَنه صِيحَ بِهِ يَا عَليّ فَقَالَ لبيْك فَلَمَّا كثرت حَاشِيَته كف أَيدي الزنج عَن النّخل والمزارع وجبي الْخراج مِنْهُم وَصَرفه إِلَى أَصْحَابه)

فتغلثت قُلُوب الزنج فَسَاءَتْ أَحْوَالهم وهموا بالوثوب عَلَيْهِ

ثمَّ إِن الْمُوفق بِاللَّه ندب وَلَده أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد المعتضد لِحَرْب هَذَا الْخَبيث فتجرد لَهُ سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فِي عشرَة آلَاف فَارس فَهزمَ عَسَاكِر الزنج وَأسر خلقا وَقتل خلقا ووافاه وَالِده الْمُوفق فِي شهر صفر سنة سبع وَسِتِّينَ فِي عَسْكَر جرار ووصلوا إِلَى مَدِينَة الشعراني أحد مقدمي الزنج وَأَحَاطُوا بمدينته وفتحوها قهرا وَقتلُوا جمَاعَة ثمَّ قصدُوا الْمَدِينَة الني بناها سُلَيْمَان بن جَامع وَهِي المنصورة فاستولوا عَلَيْهَا ونهبوها وَكَانَ سُلَيْمَان

ص: 270

الْمَذْكُور من أكبر المقدمين وهدموها وطموا خنادقها وَكَانَت حَصِينَة ثمَّ إِن الْمُوفق كتب إِلَى الْخَبيث يُؤمنهُ وَيطْلب مِنْهُ الرُّجُوع وَالتَّوْبَة والإنابة فقرأه وَلم يجب عَنهُ بِشَيْء فَتوجه الْمُوفق بعساكره إِلَى المختارة مَدِينَة الْخَبيث فَرَأى حصانتها بالأسوار والخنادق وَبِمَا فِيهَا من المناجيق وَغَيرهَا من آلَات الْحصار فهاله ذَلِك وأكبره وَكَانَ الْمُوفق فِي خمسين ألف رجل والخبيث فِي زهاء ثَلَاث مائَة ألف فَنَادَى الْمُوفق بالأمان للنَّاس أسودهم وأبيضهم إِلَّا الْخَبيث وَكتب بذلك رِقَاعًا ورماها فِي السِّهَام إِلَى دَاخل الْمَدِينَة وَأمر بِبِنَاء مَدِينَة سَمَّاهَا الموفقية بأزاء مَدِينَة المختارة وَأقَام بهَا الْأَسْوَاق وَكثر التُّجَّار وَبنى الْجَامِع وَصلى النَّاس فِيهِ وَاتخذ بهَا دور ضرب وَرغب النَّاس فِي سكناهَا فاستأمن من أَصْحَاب الْخَبيث خَمْسَة آلَاف رجل من بَين أسود وأبيض وَبث الْمُوفق السَّرَايَا فَمَا كَانَ يَخْلُو يَوْم من أَن يُؤْتى برؤوس الْقَتْلَى من أَصْحَاب الْخَبيث وَكَانَ يَرْمِي بالرؤوس إِلَى مَدِينَة الْخَبيث فِي المنجنيقات فاستولت الرهبة على أَصْحَاب الْخَبيث وَمنعُوا من الْميرَة وَلم تزل الحروب بَينهم إِلَى أَن استولى الْمُوفق على أسوار المختارة فَأحرق مَا هُنَاكَ من آلَات الْحصار وَاسْتَأْمَنَ كثير من خَواص الْخَبيث وهرب مِنْهُم جمَاعَة وقحطوا وأكلوا السرطانات والضفادع والحشرات وَلُحُوم الْقَتْلَى وَالْكلاب والسنانير وذبحوا الْأَطْفَال وطبخوهم وأكلوهم لعدم وُصُول الْميرَة إِلَيْهِم وملكوا دور الْخَبيث فهرب بأولاده إِلَى مضايق أشبة فِي نهر الخصيب لَا تصل السفن إِلَيْهَا وَلَا الْخَيل وسد المنافذ فَجمع الْمُوفق العساكر وزحف إِلَيْهِ فبرز إِلَيْهِ الْخَبيث بِنَفسِهِ فِيمَن بَقِي مَعَه وَهُوَ يَقُول من الطَّوِيل

(سأغسل عني الْعَار بِالسَّيْفِ جالباً

عَليّ قَضَاء الله مَا كَانَ جالبا)

(وأذهل عَن دَاري وَأَجْعَل نهبها

لعرضي من بَاقِي المذلة حالبا)

)

(فَإِن تهدموا بالغدر دَاري فَإِنَّهَا

تراث كريم لَا يُبَالِي العواقبا)

(إِذا هم ألْقى بَين عَيْنَيْهِ عزمه

ونكب عَن ذكر العواقب جانبا)

(وَلم يستشر فِي رَأْيه غير نَفسه

وَلم يرض إِلَّا قَائِم السَّيْف صاحبا)

فالتحم الْقِتَال وَكَثُرت الْجراح وَصدق الْمُسلمُونَ الْقِتَال وَثَبت أَصْحَاب الْخَبيث ثمَّ هزموا وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَأسر جمَاعَة من أكَابِر خواصه فَضرب الْمُوفق أَعْنَاقهم وَدخل أَصْحَاب الْمُوفق دَار الْخَبيث وَأخذُوا حُرْمَة وَأَوْلَاده الذُّكُور وَالْإِنَاث وَكَانُوا أَكثر من مائَة وهرب الْخَبيث

فجهزت العساكر خَلفه فَلم يزَالُوا فِي طلبه إِلَى أَن قَتَلُوهُ وَجِيء بِرَأْسِهِ إِلَى الْمُوفق فَلَمَّا رَآهُ وعرفه سجد لله تَعَالَى شكرا وعلق رَأسه على رمح وطيف بِهِ فِي الْعَسْكَر وهرب من جمَاعَة الْخَبيث نَحْو ألفي زنجي فماتوا فِي الْبَريَّة عطشاً واستأصل الله شأفتهم

ص: 271

وَكَانَت قتلة الْخَبيث يَوْم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ دُخُوله إِلَى الْبَصْرَة وغلبته عَلَيْهَا فِي شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين فَبَقيَ مُحَاربًا أَربع عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر يسفك فِيهَا الدِّمَاء ويستحل الْمَحَارِم وَمن شعره من الْكَامِل

(وعزيمتي مثل الحسام وهمتي

نفس أصُول بهَا كَنَفس القسور)

(وأذا تنازعني أَقُول لَهَا اسكتي

قَتْلِي مريحك أَو صعُود الْمِنْبَر)

(مَا قد قضى سَيكون فاصطبري لَهُ

وَلَك الْأمان من الَّذِي لم يقدر)

وَلما هرب من الدَّار الَّتِي كَانَ فِيهَا قَالَ من الطَّوِيل

(عَلَيْك سَلام الله يَا خير منزل

خرجنَا وخلفناه غير ذميم)

(فَأن تكن الْأَيَّام أحدثن فرقة

فَمن ذَا الَّذِي من ريبها بسليم)

وَمِنْه من الطَّوِيل

(أما وَالَّذِي أسرى إِلَى ركن بَيته

حراجيج بالركبان مُقَوَّرَة حدبا)

(لأدرعن الْحَرْب حَتَّى يُقَال لي

قضيت ذمام الْحَرْب فاهتجر الْحَرْب)

وَمِنْه يُخَاطب بني الْعَبَّاس من الطَّوِيل

(بني عمنَا إِنَّا وَأَنْتُم أنامل

تضمنها من راحتيها عقودها)

(بني عمنَا لَا توقدوا نَار فتْنَة

بطيء على مر الزَّمَان خمودها)

(بني عمنَا وليتم التّرْك أمرنَا

وَنحن قَدِيما أَصْلهَا وعديدها)

)

(فَمَا بَال عجم التّرْك تقسم فيئنا

وَنحن لَدَيْهَا فِي الْبِلَاد شهودها)

(فأقسم لَا ذقت القراح وَإِن أذق

فبلغة نفس أَو سَاد عميدها)

وَمِنْه من السَّرِيع

(مَتى أرى الدُّنْيَا بِلَا مجبر

وَلَا حروري وَلَا ناصب)

(مَتى أرى السَّيْف دَلِيلا على

حب عَليّ بن أبي طَالب)

وَمِنْه من الْخَفِيف

(لهف نَفسِي على قُصُور ببغدا

د وَمَا قد حوته من كل عَاص)

(وخمور هُنَاكَ تشرب جَهرا

وَرِجَال على الْمعاصِي حراص)

(لست بِابْن الفواطم الغر إِن

لم أجل الْخَيل حول تِلْكَ العراص)

ص: 272

وَمِنْه من الْكَامِل

(إِن الْخلَافَة لم تزل محجوبة

خمسين عَاما تبتغي أَرْبَابهَا)

(تَدْعُو إِلَيْنَا كل عَام مرّة

حَتَّى إِذا بلغ الْكتاب أجابها)

وَكَانَ هَذَا صَاحب الزنج قد تسمى بِالظَّاهِرِ وَفِي ذَلِك يَقُول من الْكَامِل

(إِن الَّذِي جعل النُّجُوم زواهراً

جعل الْخلَافَة فِي الإِمَام الظَّاهِر)

(قاد العساكر من بلنجر مسحراً

بأتم إقبال وأيمن طَائِر)

(حَتَّى أَنَاخَ على الأبلة بَعْدَمَا

ترك البصيرة كالهشيم الدائر)

وَمِنْه من الطَّوِيل

(وَفِي كل أَرض أَو بِكُل محلّة

أَخُو غربَة منا يكَاد مطمعا)

(كأنا خلقنَا للنوى وكأنما

حرَام على الْأَيَّام أَن نتجمعا)

وَمِنْه من الْخَفِيف

(أورقت فِي أوانها الْأَشْجَار

وتهادت فِي وَكرها الأطيار)

(ومقام الْفَتى على النَّقْص لؤم

وأخو الذل معجل مسيار)

(جرد المشرفي وارحل كَرِيمًا

فالتواني مذلة وصغار)

(لَا ينَال الضَّعِيف بالضعف غنما

إِنَّمَا يغنم الْفَتى السيار)

(وَهِي نفس إِمَّا تؤوب بهلك

أَو بِملك وَلَيْسَ فِي الهلك عَار)

)

وَمِنْه من السَّرِيع

(أَحْلف بِالْقَتْلِ وبالذبح

مجانباً للعفو والصفح)

(لَا عَايَنت عَيْني أطلالكم

إِلَّا أَمِيرا أَو على رمح)

الصريفيني عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِسْحَق أَبُو الْحسن الصريفيني وَكَانَ يتمذهب بِالْإِمَامَةِ ويتظاهر بهَا ويجرد القَوْل فِيهَا وَكَذَلِكَ وَالِده وجده وَكَانَ ينظم ويترسل وَآخر الْعَهْد بِهِ فِي سنة نَيف وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة وَكَانَ من أَبنَاء الْخمسين وَمن شعره من الْخَفِيف هان قدري على الزَّمَان وَمَا زلت كريم الْآبَاء والأجداد

(إِن أكن مملق الْيَدَيْنِ فَإِنِّي

لَغَنِيّ من النهى والسداد)

أَبُو الْقَاسِم الْهَاشِمِي الْحَنْبَلِيّ النَّقِيب عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن

ص: 273

عِيسَى يَنْتَهِي إِلَى معبد بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَبُو الْقَاسِم الْهَاشِمِي الْحَنْبَلِيّ كَانَ من أَعْيَان الْحَنَابِلَة بِبَغْدَاد وَتَوَلَّى النقابة على الهاشميين بالحضرة سمع بحلوان مُحَمَّد بن نصر الصايغ وبنيسابور عبد الله بن يُوسُف بن رامويه الْأَصْبَهَانِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى الْمُزَكي وَحدث باليسير توفّي سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة فِي حَال حَيَاة أَبِيه

ابْن الْحلْوانِي الْحَنَفِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود أَبُو الْقَاسِم ابْن الْحلْوانِي الْحَنَفِيّ كَانَ فَاضلا مناظراً مجوداً سَافر من بَغْدَاد وَلَقي الْمُلُوك وصنف فِي عدَّة فنون وَله مصنفات حَسَنَة وَله شعر توفّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة

أَبُو الْقَاسِم الشَّافِعِي عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن سعيد الْمحَامِلِي أَبُو الْقَاسِم الْفَقِيه الشَّافِعِي تفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَق الشِّيرَازِيّ وَسمع من الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَعبد الْجَبَّار بن عبد الله بن بزْرَة الْجَوْهَرِي الرَّازِيّ وَأبي بكر الْخَطِيب وَغَيرهم وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة

ابْن غَرِيبَة الْوراق الْحَنْبَلِيّ)

عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْقَاسِم بن الأحدب أَبُو الْحسن ابْن غَرِيبَة الْوراق الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ قَرَأَ على ابْن شنيف الْفِقْه وعَلى غَيره والفرائض على أبي بكر الْأنْصَارِيّ وَسمع من هبة الله بن الْحصين وَأحمد بن الْحسن بن الْبناء وَمُحَمّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم وسافر إِلَى خُرَاسَان وَسمع الحَدِيث بمرو وَكَانَ فَاضلا حسن الْكَلَام تولى الْمَظَالِم أَيَّام الْوَزير أبي المظفر ابْن هُبَيْرَة وَكتب خطا رديئاً وَحدث باليسير وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مائَة

القليوبي الْكَاتِب عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حبيب التَّمِيمِي القليوبي الْكَاتِب نقلت من خطّ أبي سعيد المغربي قَالَ وَصفه ابْن الزبير فِي كتاب الْجنان بالإجادة فِي التشبيهات وغلا فِي ذَلِك إِلَى أَن قَالَ إِن أنصف لم يفضل ابْن المعتز عَلَيْهِ وَذكر أَنه أدْرك الْعَزِيز العبيدي ومدح قواده وَكتابه وعاش إِلَى أَيَّام الظَّاهِر من شعره من الطَّوِيل

(وصافية بَات الْغُلَام يديرها

على الشّرْب فِي جنح من اللَّيْل أدعج)

ص: 274

(كَأَن حباب المَاء فِي وجناتها

فرائد در فِي عقيق مدحرج)

(وَلَا ضوء إِلَّا من هِلَال كَأَنَّمَا

تفرق مِنْهُ الْغَيْم عَن نصف دملج)

(وَقد حَال دون المُشْتَرِي من شعاعه

وميض كَمثل الزئبق المترجرج)

(كَأَن الثريا فِي أَوَاخِر لَيْلهَا

تَحِيَّة ورد فَوق زهر بنفسج)

وَمِنْه من الْكَامِل

(فِي لَيْلَة أنف كَأَن هلالها

صدع تبين فِي إِنَاء زجاج)

(كفل الزَّمَان لأختها بِزِيَادَة

فِي نوره فَبَدَا كوقف العاج)

(وكأنما كيوان ثغرة فضَّة

وكأنما المريخ ضوء سراج)

(تتطاول الجوزاء تَحت جنَاحه

وَكَأَنَّهَا من نورها فِي تَاج)

(ليل كَمثل الرَّوْض فتح جنحه

زهر الْكَوَاكِب فِي ذرى الأبراج)

(أحييته حَتَّى رَأَيْت صباحه

من لَونه يختال فِي دواج)

(وَالشَّمْس من تَحت الْغَمَام كَأَنَّهَا

نَار تضرم خلف جَام زجاج)

وَمِنْه من الْخَفِيف)

(وَكَأن السَّمَاء مصحف قار

وَكَأن النُّجُوم رسم عشور)

(وَكَأن النُّجُوم زهر رياض

قد أحاطت من بدرها بغدير)

وَمِنْه من الْبَسِيط

(أَقمت بِالْبركَةِ الغراء مدهقة

وَالْمَاء مُجْتَمع فِيهَا ومسفوح)

(إِذا النسيم جرى فِي مَائِهَا اضْطَرَبَتْ

كَأَنَّمَا رِيحه فِي جسمها روح)

وَمِنْه من الْكَامِل

(نجمت نُجُوم الزهر إِلَّا أَنَّهَا

فِي رَوْضَة فلكية الْأَنْوَار)

(وكأنما الجوزاء مِنْهَا شَارِب

وكأنما المريخ كأس عقار)

وَمِنْه من الْخَفِيف

(وَكَأن الْهلَال حافة جَام

شف مِنْهَا مَا لم تنله عقار)

(وَكَأن المجر رسم طَرِيق

وَعَلِيهِ من الثريا منار)

وَمِنْه من الطَّوِيل

(أَلا فاسقنيها قد قضى اللَّيْل نحبه

وَقَامَ لشوال هِلَال مُبشر)

ص: 275

(بدا مثل عرق السام واسترجعت لَهُ

صروف اللَّيَالِي قرصه وَهُوَ مقمر)

(إِلَى أَن رَأَيْنَاهُ ابْن سبع كَأَنَّمَا

على الْأُفق مِنْهُ طيلسان مقور)

وَمِنْه من الطَّوِيل

(وصفراء من مَاء الكروم كَأَنَّمَا

دجى اللَّيْل مِنْهَا فِي رِدَاء معصفر)

(كَأَن حباب المَاء فِي وجناتها

من الدّرّ تكليل على تَاج معصر)

(قطعت بهَا لَيْلًا كَأَن نجومه

إِذا اعترضتها الْعين نيران عَسْكَر)

(ترَاهَا بآفاق السَّمَاء كَأَنَّمَا

مطالعها مِنْهَا معادن جَوْهَر)

(ومنطقة الجوزاء تبدو كَأَنَّمَا

وسائط در فِي قلادة عنبر)

(وباتت بعيني الثريا كَأَنَّمَا

على الْأُفق مِنْهَا غُصْن ورد منور)

(فَبت أراعي الْفجْر حَتَّى تشمرت

ديول الدجى عَن مائَة المتفجر)

وَمِنْه فِي الْهلَال من الطَّوِيل

(بدا مستدق الْجَانِبَيْنِ كَأَنَّهُ

على الْأُفق الغربي مخلب طَائِر)

)

(ولاح لمسرى لَيْلَتَيْنِ كَأَنَّمَا

تفرق مِنْهُ الْغَيْم عَن أثر حافر)

وَفِيه أَيْضا من الطَّوِيل

(إِذا استثبتته الْعين لَاحَ كَأَنَّهُ

على هَامة من جنحه خطّ مفرق)

(وشمر عَنهُ الْغَيْم ذيلاً كَأَنَّمَا

تكشف مِنْهُ عَن جنَاح محلق)

وَمِنْه فِي رَوْضَة من الطَّوِيل

(وحالية لَا يكتم اللَّيْل ضوءها

إِذا أزهرت صلت لَهَا الأنجم الزهر)

(يفرق مِنْهَا النشر مَا ألف الثرى

ويضحك مِنْهَا الشَّمْس مَا استدمع الْقطر)

ابْن حريق البلنسي عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَلمَة بن حريق أَبُو الْحسن

ص: 276

المَخْزُومِي البلنسي شَاعِر بلنسية كَانَ متبحراً فِي اللُّغَة وَالْأَدب حَافِظًا لأشعار الْعَرَب وأيامها اعْترف لَهُ بِالسَّبقِ بلغاء وقته وَله مَقْصُورَة كالدريدية قَالَ ابْن الْآبَار سَمعتهَا مِنْهُ وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست مائَة

ومدح مُلُوك الأندلس وَأخذ صلَاتهم وَتصرف فِي أَعمال الدِّيوَان وَمن شعره فِي غُلَام أَعور من الْخَفِيف

(لم يشنك الَّذِي بِعَيْنَيْك عِنْدِي

أَنْت أَعلَى من أَن تعاب وأسى)

(لطف الله رد سَهْمَيْنِ سَهْما

رأفة بالعباد فازددت حسنا)

وَمِنْه من الرجز

(وَكَاتب أَلْفَاظه وَكتبه

بغيضة إِن خطّ أَو تكلما)

(ترى أُنَاسًا يتمنون الْعَمى

وَآخَرين يحْمَدُونَ الصمما)

وَمِنْه وَقد زَارَهُ حَبِيبه فجَاء مطر وسيل مَنعه من الْعود من مخلع الْبَسِيط

(يَا لَيْلَة جَادَتْ الْأَمَانِي

فِيهَا على رغم أنف دهري)

(للقطر فِيهَا عَليّ نعمى

يقصر عَنْهَا طَوِيل شكري)

(إِذا بَات فِي منزلي حَبِيبِي

وَقَامَ فِي أَهله بعذري)

(فَبت لَا حَالَة كحالي

ضجيع بدر صريع سكر)

(يَا لَيْلَة السَّيْل فِي اللَّيَالِي

لأَنْت خير من ألف شهر)

وَمن شعره مَا أوردهُ ابْن مسدي فِي مُعْجَمه من الْكَامِل)

(يَا صَاحِبي وَمَا الْبَخِيل بصاحبي

هذي الْخيام فَأَيْنَ تِلْكَ الأدمع)

(أنمر بالعرصات لَا نبكي بهَا

وَهِي الْمعَاهد مِنْهُم والأربع)

(يَا سعد مَا هَذَا الْقيام وَقد نأوا

أتقيم من بعد الْقُلُوب الأضلع)

(هَيْهَات لَا ريح اللواعج بعدهمْ

رهو وَلَا طير الصبابة وَقع)

(جاروا على قلبِي بِسحر جفونهم

لَا زَالَ يشعبه الأسى ويصدع)

(وأبى الْهوى إِلَّا الْحُلُول بلعلع

وَيْح المطايا أَيْن مِنْهَا لعلع)

(لم أدر أَيْن ثوروا فَلم أسأَل بهم

ريحًا تهب وَلَا بريقاً يلمع)

(وَكَأَنَّهُم فِي كل مدرج ناسم

فَعَلَيهِ مني رقة وتضوع)

(فَإِذا منحتهم السَّلَام تبادرت

تبليغه عني الرِّيَاح الْأَرْبَع)

ص: 277

شرف الدّين اليونيني الْحَنْبَلِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله الشَّيْخ الإِمَام الْمُحدث الْحَافِظ الْفَقِيه الْمُفْتِي شيخ جماعته شرف الدّين أَبُو الْحُسَيْن ابْن الإِمَام البارع الشَّيْخ الْفَقِيه اليونيني البعلبكي الْحَنْبَلِيّ ولد سنة إِحْدَى وَعشْرين وست مائَة وَسمع حضوراً من الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن وَسمع من ابْن صباح وَابْن اللتي والإربلي وجعفر الْهَمدَانِي ومكرم ومُوسَى بن مُحَمَّد صَاحب دمشق وَفِي الرحلة من ابْن رواج وَابْن الجميزي والحافظ الْمُنْذِرِيّ عبد الْعَظِيم وعدة وعني بِالْحَدِيثِ وَضَبطه بالفقه وباللغة وَحصل الْكتب النفسية وَمَا كَانَ فِي وقته مثله وَكَانَ حسن اللِّقَاء خيرا دينا كثير الهيبة منور الْوَجْه قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين انتفعت بِصُحْبَتِهِ وَأَكْثَرت عَنهُ وَحدث بِالصَّحِيحِ مَرَّات دخل عَلَيْهِ مُوسَى الْمصْرِيّ الناشف فتجانن ثمَّ ضربه بسكين فِي دماغه فَأخذ وَضرب مرَارًا وَهُوَ يظْهر الاختلال وَحصل للشَّيْخ حمى وحقن وَتُوفِّي بعد أَيَّام فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسبع مائَة وَقد تقدم ذكر وَالِده وَنسبه فِي المحمدين

إِبْنِ خشنام الْمَالِكِي عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن خشنام أَبُو الْحسن الْمَالِكِي قَرَأَ الْقُرْآن على أبي بكر مُحَمَّد بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الزَّيْنَبِي صَاحب قنبل وَتُوفِّي سنة سبع وَسبعين وَثَلَاث مائَة

أَبُو الْحسن القهندزي عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله القهندزي أَبُو الْحسن الضَّرِير النَّحْوِيّ الأديب)

النَّيْسَابُورِي شيخ فَاضل سمع من أبي الْعَبَّاس المناسكي الْمحَامِلِي وَغَيره وَحدث وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّة وتخرجوا بِهِ قَرَأَ عَلَيْهِ مثل الواحدي وَقَالَ الواحدي كَانَ من أبرع أهل زَمَانه ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق

ص: 278

النَّقِيب بهاء الدّين ابْن أبي الْجِنّ عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن الْعَبَّاس يَنْتَهِي إِلَى مُحَمَّد الباقر رضي الله عنه السَّيِّد الشريف بهاء الدّين أَبُو الْحسن الْعلوِي النَّقِيب ابْن أبي الْجِنّ ولد فِي شعْبَان سنة تسع وَسبعين وروى عَنهُ الدمياطي وَدفن بتربته الَّتِي بالديماس سنة سِتِّينَ وست مائَة

الْكَاتِب الْمروزِي عَليّ بن مُحَمَّد بن أرسلان بن مُحَمَّد المنتجب أَبُو الْحسن ابْن أبي عَليّ الْكَاتِب من أهل مرو كَاتب شَاعِر بليغ جال فِي آفَاق الْعرَاق وَكَانَ مليح الْحَظ وَكَانَ يحفظ القصيدة أَرْبَعِينَ بَيْتا من مرّة وَاحِدَة وَلَعَلَّه مَا رأى مثل نَفسه فِي فنه اجْتمعت فِيهِ أَسبَاب المنادمة وَالْكِتَابَة وصحبة الْمُلُوك قتل فِي الْوَقْعَة الخوارزم شاهية سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَمن شعره من الطَّوِيل

(إِذا الْمَرْء لم تغن العفاة صلَاته

وَلم ترغم الْقَوْم العدى سطواته)

(وَلم يرض فِي الدُّنْيَا صديقا وَلم يكن

شَفِيعًا لَهُ فِي الْحَشْر مِنْهُ نجاته)

(فَأن شَاءَ فليهلك وَإِن شَاءَ فليعش

فسيان عِنْدِي مَوته وحياته)

الْأَنْطَاكِي الْمُقْرِئ الشَّافِعِي عَليّ بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن بشر أَبُو الْحسن الْأَنْطَاكِي الْمُقْرِئ الْفَقِيه الشَّافِعِي قَرَأَ بِبَلَدِهِ على إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّزَّاق الْأَنْطَاكِي بالروايات وصنف قِرَاءَة ورش وَدخل الأندلس وَكَانَ بَصيرًا بِالْعَرَبِيَّةِ والحساب وَله حَظّ من الْفِقْه وَتُوفِّي سنة سبع وَسبعين وَثَلَاث مائَة

الْحَنْبَلِيّ الزَّاهِد عَليّ بن مُحَمَّد بن بشار أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الزَّاهِد روى عَن صَالح ابْن الإِمَام أَحْمد وَكَانَ من أَعْيَان حنابلة بغداذ وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة وَثَلَاث مائَة

ص: 279

الشريف فتح الدّين)

عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن أَحْمد بن حجون الشريف فتح الدّين ابْن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الشَّيْخ ضِيَاء الدّين القنائي سمع الحَدِيث من أبي بكر ابْن الْأنمَاطِي وخاله قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَغَيرهمَا وَكَانَ من الْفُقَهَاء الْفُضَلَاء الأدباء الشُّعَرَاء مرتاض النَّفس سَاكِنا عفيفاً كثير الاتضاع جمع وَألف وَكتب وصنف وَاخْتصرَ الرَّوْضَة وَله الْيَد الطُّولى فِي حل الألغاز وَله فِيهَا نظم كثير وَتُوفِّي بقوص رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسبع مائَة وَمن شعره لغز فِي كمون من السَّرِيع

(يَا أَيهَا الْعَطَّار أعرب لنا

عَن اسْم شَيْء قل فِي سومك)

(تبصره بِالْعينِ فِي يقظة

كَمَا يرى بِالْقَلْبِ فِي نومك)

وَمِنْه من الْبَسِيط

(كم من خليلين صَحَّ الود بَينهمَا

دهراً وداما على الْإِنْصَاف واتفقا)

(رماهما الدَّهْر إِمَّا بالمنية أَو

بالبعد أَو بانصرام الود فَافْتَرقَا)

وَمِنْه من الْبَسِيط

(مَا بَال ليلِي أَمْسَى لَا نَفاذ لَهُ

وَكَانَ قبل النَّوَى فِي غَايَة الْقصر)

(وَلم يخص النَّوَى دو اللقا سهر

حَتَّى أعلل طول اللَّيْل بالسهر)

(وَإِنَّمَا عيشي الصافي بقربكم

تبدل الْآن مِنْهُ الصفو بالكدر)

ابْن ابْن العميد الْوَزير عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل هُوَ الْوَزير أَبُو الْفَتْح ابْن العميد تقدم ذكر وَالِده كَانَ وَزِير ركن الدولة بعد أَبِيه أبي الْفضل وَتَوَلَّى ذَلِك وسنه اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سنة

وَكَانَ ذكياً متوقداً أديباً متوسطاً وَله نظم وَترسل

ص: 280

لكنه ولد نعْمَة شَدِيد الْعجب والدالة وَحمل النَّفس على مَا تَدعُوهُ إِلَيْهِ الحداثة فسد رَأْي عضد الدولة فِيهِ فَلَمَّا توفّي ركن الدولة وَسَار مؤيد الدولة من إصبهان إِلَى الرّيّ استصحب مَعَه الصاحب بن عباد كَاتبه وأقرأ أَبَا الْفَتْح ابْن العميد على حَملته ورتبه فِي مَنْزِلَته وَقدمه ومكنه فاستمر على عَادَته فِي الإدلال والاستبداد والمضي على وَجهه فِي كل الْأَحْوَال فاستوحش مِنْهُ مؤيد الدولة وترددت بَينه وَبَين عضد الدولة مكاتبات ومراسلات فِي بَابه فَقبض عَلَيْهِ مؤيد الدولة فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة وَلما حبس وعذب لاستخراج الْأَمْوَال سملت عينه وجزت لحيته)

وجدع أَنفه ففتق جيب جبته وَأخرج مِنْهُ رقْعَة تشْتَمل على ودائع أَمْوَاله وذخائره فألقاها فِي النَّار وَقَالَ للْمُوكل بِهِ اصْنَع مَا شِئْت فو الله لَا يصل إِلَيْكُم من أَمْوَالِي المستورة حَبَّة وَاحِدَة

فَمَا زَالَ يعذبه إِلَى أَن مَاتَ وَقد ذكر أَبُو حَيَّان التوحيدي سَبَب الْقَبْض عَلَيْهِ مُسْتَوفى وَأوردهُ ياقوت فِي تَرْجَمَة أبي الْفَتْح ابْن العميد وَأنْشد فِي آخر حَاله من الْبَسِيط

(راعوا قَلِيلا فَلَيْسَ الدَّهْر عبدكم

كَمَا تظنون وَالْأَيَّام تنْتَقل)

وَمن شعره وَهُوَ فِي الْحَبْس من السَّرِيع

(بدل من صُورَتي المنظر

لكنه مَا بدل الْمخبر)

(وَلَيْسَ لي حزن على فَائت

لَكِن على من لَيْسَ يستعبر)

(وواله الْقلب بِمَا مسني

مستخبر عني فَلَا يخبر)

(فَقل لمن سر بِمَا سَاءَنِي

لَا بُد للمسلك أَن يعبر)

وَوجد على حَائِط محبس ابْن العميد بعد قَتله من الْخَفِيف

(ملك شدّ لي عرى الْمِيثَاق

بِأَمَان قد سَار فِي الْآفَاق)

(لم يحل رَأْيه وَلَكِن دهري

حَال عَن رَأْيه فَشد وثاقي)

(فقرى الْوَحْش من عِظَامِي ولحمي

وَسَقَى الأَرْض من دمي المهراق)

(فعلى من تركته من قريب

أَو حبيب تَحِيَّة المشتاق)

وَفِي بني العميد يَقُول الْقَائِل من الوافر

(مَرَرْت على ديار بني العميد

فألفيت السَّعَادَة فِي خمود)

(فَقل للشامت الْبَاغِي رظويداً

فَإنَّك لم تبشر بالخلود)

وَكَانَ أَبوهُ أَبُو الْفضل قد جعل عَلَيْهِ عيُونا يَرْصُدُونَهُ ويطالعونه بأخباره ومتجدداته فَقَالَ

ص: 281

لَهُ بَعضهم إِنَّه اللَّيْلَة كتب إِلَى فلَان يَسْتَدْعِي مِنْهُ شرابًا فَحمل ذَلِك إِلَيْهِ مَا يَحْتَاجهُ من نقل ومشموم ومشروب فَدس أَبوهُ إِلَى ذَلِك الرجل من يَأْتِيهِ بِالْوَرَقَةِ فَأَتَاهُ بهَا وَإِذا فِيهَا بِخَطِّهِ بعد الْبَسْمَلَة قد اغتنمت اللَّيْلَة أَطَالَ الله بَقَاء سَيِّدي ومولاي رقدة من عين الدَّهْر وانتهزت فِيهَا فرْصَة من فرص الْعُمر وانتظمت مَعَ أَصْحَابِي فِي سمط الثريا فَإِن لم تحفظ علينا النظام بإهداء المدام عدنا كبنات نعش وَالسَّلَام)

فاستطير أَبوهُ فَرحا وإعجاباً بِهَذِهِ الرقعة البديعة وَقَالَ الْآن ظهر لي أثر براعته ووثقت بجريه فِي طريقي ونيابته منابي وَوَقع لي بألفي دِينَار

(لَئِن كَفَفْت وَإِلَّا

شققت مِنْك ثِيَابِي)

فأصغى أَبُو الْفَتْح وَقَالَ فِي الْوَقْت من المجتث

(يَا مُولَعا بعذابي

أما رحمت شَبَابِي)

(تركت قلبِي تيهاً

نهب الأسى والتصابي)

(إِن كنت تنكر مَا بِي

من ذلتي واكتئابي)

(فارفع قَلِيلا قَلِيلا

عَن الْعِظَام ثِيَابِي)

وَمن شعره من الطَّوِيل

(يَقُول لي الواشون كَيفَ تحبها

فَقلت لَهُم بَين المقصر والغالي)

(وَلَوْلَا حذَارِي مِنْهُم لصدقتهم

وَقلت هوى لم يهوه قطّ أمثالي)

(وَكم من شفيق قَالَ مَا لَك واجماً

فَقلت أَبى مَالِي وتسألني مَالِي)

وَمن شعره من الْكَامِل

(إِنِّي مَتى أهزز قناتي تنتثر

أوصالها أنبوبة أنبوبا)

(أَدْعُو بعاليها العلى فتجيبني

وأقي بِحَدّ سنانها المهروبا)

وَمن شعره من الْكَامِل

(مَا زلت فِي سكري ألمع كفها

وذراعها بالقرص والْآثَار)

(حَتَّى تركت أديمها وكأنما

غرس البنفسج فِيهِ بالجمار)

وَقَالَ الثعالبي كنت عِنْد أبي الْفَتْح ابْن العميد فِي يَوْم شَدِيد الْحر وَقد رمت الهاجرة

ص: 282

بجمراتها فَقَالَ لي مَا قَول الشَّيْخ فِي قلبه فَلم أفطن مَا أَرَادَ فَلَمَّا كَانَ بعد قَلِيل أَتَى من استدعاني إِلَى مجْلِس وَالِده فَلَمَّا مثلت بَين يَدَيْهِ تَبَسم وَقَالَ لي مَا قَول الشَّيْخ فِي قلبه فبهت وَسكت وَمَا زلت أفكر حَتَّى تنبهت أَنه أَرَادَ الخيش لِأَنَّهُ كَانَ على أبي الْفَتْح من جِهَة وَالِده من يطالعه بأخباره فَكتب إِلَى أَبِيه بِتِلْكَ اللَّفْظَة فِي تِلْكَ السَّاعَة فدعاني لفرط اهتزازه لَهَا

وَوجد لَهُ أَبوهُ يَوْمًا رقْعَة مَكْتُوبَة بِخَطِّهِ فِيهَا بيتان وهما من السَّرِيع

(أديبنا الْمَعْرُوف بالكردي

يولع بالغلمان والمرد)

)

(أدخلني يَوْمًا إِلَى بَيته

فناكني والأير من عِنْدِي)

فَغَضب وَقَالَ أمثل وَلَدي يكْتب بِهَذَا الْفُحْش والفجور أما وَالله لَوْلَا وَلَوْلَا وَلَوْلَا ثمَّ أمسك كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى مَا حكم لَهُ من سوء الْعَاقِبَة وَقصر الْعُمر

الْأَسدي الفارقي عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى بن عَليّ بن مَيْمُون أَبُو الْحسن الْأَسدي الْحَنَفِيّ الفارقي الْبَغْدَادِيّ كَانَ غالياً فِي التَّشَيُّع مليح النادرة ذَا مجون ودعابة سمع شئياً من الحَدِيث من أبي ابْن مخلد وتوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة

ابْن النيار الْمُقْرِئ عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن شيخ الشُّيُوخ أَبُو الْحسن إِبْنِ النيار الْمُقْرِئ الْبَغْدَادِيّ صدر الدّين

هُوَ الَّذِي لقن المستعصم بِاللَّه ونال فِي خِلَافَته الحشمة والجاه وَالْحُرْمَة روى عَنهُ الدمياطي وَغَيره وَذبح بدار الْخلَافَة مَعَ الْجُمْلَة فِي من قَتله التتار سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة

الْبَزْدَوِيّ الْحَنَفِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الْكَرِيم بن مُوسَى بن عِيسَى بن مُجَاهِد أَبُو الْحسن فَخر الْإِسْلَام الْحَنَفِيّ الْبَزْدَوِيّ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالزَّاي وَالدَّال الْمُهْملَة وَالْوَاو شيخ الْحَنَفِيَّة وأستاذ الْأَئِمَّة صَاحب الطَّرِيقَة على الْمَذْهَب وتنبيه الْأَعْلَام

ص: 283

وبزدة الْمَنْسُوب إِلَيْهَا قلعة حَصِينَة على سِتَّة فراسخ من نسف توفّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَأَرْبع مائَة

القَاضِي أَبُو تَمام الوَاسِطِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن يزْدَاد القَاضِي أَبُو تَمام الْعَبْدي الوَاسِطِيّ مُسْند أهل وَاسِط كَانَ معتزلياً كَذَا قَالَه الْخَطِيب توفّي سنة تسع وَخمسين وَأَرْبع مائَة

إِبْنِ كاس الْحَنَفِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو الْقَاسِم النَّخعِيّ الْكُوفِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن كاس ولي قَضَاء دمشق وَغَيرهَا وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه كَبِير الْقدر من ولد الأشتر النَّخعِيّ غرق يَوْم عَاشُورَاء فَأخْرج ثمَّ مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة وَله كتاب يغض فِيهِ من الشَّافِعِي رضي الله عنه ورد عَلَيْهِ نصر الْمَقْدِسِي وَكَانَ قد سمع الْحسن بن عَليّ بن عَفَّان العامري وَإِبْرَاهِيم بن عبد الله الْقصار وَإِبْرَاهِيم بن أبي العنبس وَالْحسن بن مكرم وَأحمد بن أبي عزْرَة)

وَأحمد بن يحيى الأودي وَغَيرهم وروى عَنهُ أَبُو عَليّ بن هرون وَأَبُو بكر الربعِي وَابْن زير وَالدَّارَقُطْنِيّ والمعافا بن زَكَرِيَّاء وَأَبُو حَفْص ابْن شاهين وَعبد الْوَهَّاب الْكلابِي

ابْن النبيه الشَّاعِر عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن يُوسُف بن يحيى الأديب الشَّاعِر البارع كَمَال الدّين أَبُو الْحسن ابْن النبيه الْمصْرِيّ صَاحب الدِّيوَان الْمَشْهُور مدح بني الْعَبَّاس واتصل بِالْملكِ الْأَشْرَف مُوسَى وَكتب لَهُ الْإِنْشَاء وَسكن نَصِيبين

توفّي حادي عشْرين جُمَادَى الأولى سنة تسع عشرَة وست مائَة بنصيبين وَهَذَا ديوانه الْمَشْهُور أَظن أَنه هُوَ الَّذِي جمعه من شعره وانتقاه لِأَنَّهُ كُله منقى منقح الدرة وَأُخْتهَا وَإِلَّا فَمَا هَذَا شعر من

ص: 284

لَا نظم لَهُ إِلَّا هَذَا الدِّيوَان الصَّغِير

نقلت من خطّ شهَاب الدّين القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ بِدِمَشْق فِي صبي يشْتَغل بِعلم الهندسة من الطَّوِيل

(وَبِي هندسي الشكل يسبيك لحظه

وخال وخد بالعذار مطرز)

(ومذ خطّ بيكار الْجمال عذاره

كقوس علمنَا أَنما الْخَال مَرْكَز)

وَقلت أَنا أَيْضا من الْكَامِل

(يَا أَيهَا الرشأ الَّذِي لما بدا

محيت لَدَيْهِ محَاسِن الأقمار)

(مَا رَاح خدك وَهُوَ دَائِرَة المنى

إِلَّا وخالك مَرْكَز البركار)

ونقلت مِنْهُ أَنْشدني لنَفسِهِ فِي مبقلة من السَّرِيع

(مبقلة أعجبني شكلها

يسرح مِنْهَا الطّرف فِي مرج)

(كَأَنَّمَا قسْمَة أبياتها

لما بَدَت رقْعَة شطرنج)

قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ من الطَّوِيل

(تعلمت علم الكيمياء لحبه

غزال بجسمي مَا بِعَيْنيهِ من سقم)

(فَصَعدت أنفاسي وقطرت أدمعي

فحصت بذا التَّدْبِير تصفيرة الْجِسْم)

ونقلت مِنْهُ قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ فِي صبي يَهُودِيّ رَآهُ بِدِمَشْق فَأَحبهُ من السَّرِيع

(من آل إِسْرَائِيل علقته

أسقمني بالصد والتيه)

(قد أنزل السلوى على قلبه

وَأنزل الْمَنّ على فِيهِ)

)

وَقَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ من السَّرِيع

(لَاحَ على وجنته عَارض

كالعرض الْقَائِم بالجوهر)

(يَا شعر لَا تكذب على خَدّه

مَا ذَاك إِلَّا صدأ المغفر)

وَقَالَ دخلت أَنا وَهُوَ على الصاحب الْوَزير صفي الدّين ابْن شكر رحمه الله وَقد حم بقشعريرة فِي بعض أمراضه فأنشده من مجزوء الرجز

(تَبًّا لحماك الَّتِي

أضنت فُؤَادِي وَلها)

(هَل سَأَلتك حَاجَة

فَأَنت تهتز لَهَا)

ص: 285

فَكَانَت جَائِزَة هذَيْن الْبَيْتَيْنِ استخدامه لَهُ على ديوَان أوقاف الْجَامِع الْمَعْمُور بِدِمَشْق بجراية وافرة وجار موفور قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ من قصيدة أشرفية من المتقارب

(بَرَزْنَا إِلَى الرَّمْي فِي حلبة

حسان الْوُجُوه خفاف الْمضَارب)

(بنادقهم فِي عُيُون القسيّ

كأحداقهم تَحت قسي الحواجب)

(فَتلك لَهَا طَائِر فِي السما

وهذي لَهَا طَائِر الْقلب وَاجِب)

وَمِنْهَا فِي وصف البزاة من المتقارب

(بزاة لَهَا حدق الأفعوان

وأظفارها كحماة العقارب)

(فللأفق نسران ذَا وَاقع

وَذَا طَائِر حذر الْمَوْت هارب)

قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ من أَبْيَات من الْبَسِيط

(يَا جاذب الْقوس تَقْرِيبًا لوجنته

والهائم الصب مِنْهَا غير مقترب)

(أَلَيْسَ من نكد الْأَيَّام يحرمها

فمي ويلثمها سهم من الْخشب)

قَالَ وأنشدني لنسه يمدح الْوَزير يُوسُف بن الْحُسَيْن من الْخَفِيف

(بدر تمّ لَهُ من الشّعْر هاله

من رَآهُ من المحبين هاله)

(قصر اللَّيْل حِين زار وَلَا غ

رو غزال غارت عَلَيْهِ الغزالة)

(يَا نسيم الصِّبَا عساك تحمل

ت لنا من سكان نجد رساله)

(كل معسولة المراشف بيضًا

ء حمتها سمر القنا العسالة)

(عانقتني كصارمي وأدارت

معصميها فِي عَاتِقي كالحماله)

(إِن بالرقمتين ملعب لَهو

بسطت دوحه علينا ظلاله)

)

(معلم معلم وشى بَسطه الزه

ر وحاكته دِيمَة هطاله)

(وَكَأن الْحمام فِيهِ قيان

أعربت لحنها على غير آله)

وَكَأن الْقَضِيب شمر للرقص سحيراً عَن سَاقه أذياله

(إِن خوض الدِّمَاء أطيب عِنْدِي

من مطايا أمست تشكى كلاله)

(فَهِيَ مثل القسي شكلاً وَلَكِن

هِيَ فِي السَّبق أسْهم لَا محاله)

تركتهَا الحداة بالخفض وَالرَّفْع حروفها فِي جرها عماله

(نَحْو بَاب الْوَزير يُوسُف نجم ال

دين نجل الْحُسَيْن زين الجلاله)

ص: 286

(كم لَهُ من رِسَالَة تعجز الْخلّ

ق كَأَن الْبَارِي بهَا أوحى لَهُ)

(ذُو يَد موسوية ومحيا

يوسفي إِذا رَأَيْت جماله)

(بسط الْجُود عِنْدَمَا بسط السا

ئل فِي نيل جوده آماله)

(دَاره جنَّة النَّعيم فَمن فا

ز بتقبيل تربها طُوبَى لَهُ)

قلت وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن يُوسُف التلعفري لَهُ قصيدة على هَذَا الْوَزْن وَقلت أَنا وَهِي من مبادي مَا نظمت فِي زمن الصِّبَا من الْخَفِيف

(ذكر البان بالعقيق وضاله

عِنْدَمَا شام برقه فأضاله)

(واعتراه إِلَى الديار حنين

كَاد يقْضِي أَو قضى لَا محاله)

(أَي عَيْش يهنا بِقَوْلِي

عساهم والأماني على الْمحَال محاله)

(بِأبي أهيف تعلم مِنْهُ

غُصْن البان ميله واعتداله)

(وَحَكَاهُ الخطي لوناً وليناً

لم يزده وَذَاكَ شَرط العداله)

(مَا تثنى عطفاه إِلَّا وأمست

ألف الْقد بالنسيم مماله)

(شمس أفق فَإِن أدَار لثاماً

قلت بدر السَّمَاء فِي وسط هاله)

(نقط الْحسن خَدّه سَواد

فاعترى الْقلب غيرَة حِين خَاله)

(قيل لي ذَا الَّذِي غَدَوْت ترَاهُ

عَمه بالجمال أصبح خَاله)

(إِن تكلفت فِي هَوَاهُ سلواً

جَاءَنِي حسنه بألفي دلاله)

(أصل مَا بِي دلاله قد دهاني

وبراني فَلَا عدمت دلاله)

(وَكَأَنِّي بِهِ تخيل دمعي

أَنه قد أساله فأساله)

)

(وأذاب الْفُؤَاد بالوجد حَتَّى

رق مِمَّا بِهِ العدى والأسى لَهُ)

(لست أنسى ليالياً قد تولت

نلْت فِيهَا من الحبيب وصاله)

(كلما مدت النُّجُوم شباكاً

منع الصُّبْح أَن تصاد الغزاله)

(أَو تبدت فِيهَا طلائع فجر

سل برق الدجى عَلَيْهِ نصاله)

(أَيهَا الْقلب عد عَن ذكر هَذَا

إِن عين الزَّمَان فِيهَا كلاله)

(مَا فؤاد الْمُحب إِلَّا مذاب

ودموع المشوق إِلَّا مذاله)

(وَكَلَام العذول إِلَّا ملام

ونفار الحبيب إِلَّا ملاله)

ص: 287

ونقلت من خطه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ قصيدته الرقطاء يعجم مِنْهَا حرف وَيُطلق حرف وسماها مضمار الخواطر يمدح بهَا الْوَزير علم الدّين يحيى بن الصاحب صفي الدّين ابْن شكر وَهِي من مجزوء الرجز قد فَازَ عِنْدِي رجل بحبه يستعجل

(ريم غرير نافر

شويدن مخلخل)

(أضلنا فَلَا ترى

لنا برشد سبل)

(فويح قلب صبه

قلب مشوق وَجل)

(لَيْسَ يُطِيع قلبه

فَلَا تلح عذل)

(قُم يَا نديم ترتوي

من كف ريم يرفل)

(أَبْلَج حيانا بصبح

تَحت ليل يسبل)

(بكفه قد شعشعت

كبرق ليل يعجل)

(جلّ فَلَا يدْخل غم

قطّ قلباً تدخل)

يحياي كن لي إِن هَذَا زمن مزلزل

(لَا خوف من آفاته

بِرَبّ عزم يكفل)

(هَذَا قصيد بك قد

جلّ فَلَا يمثل)

وَقَالَ وأنشدني لنَفسِهِ من الطَّوِيل

(رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا

فَمَا أَكثر الْقَتْلَى وَمَا أرخص الأسرى)

(خُذُوا حذركُمْ من خارجي عذاره

فقد جَاءَ زحفاً فِي كتيبته الخضرا)

)

(غُلَام أَرَادَ الله إطفاء فتْنَة

بعارضه فاستأنفت فتْنَة أُخْرَى)

(فزرفن بالأصداغ جنَّة خَدّه

وأرخى عَلَيْهَا من ذوائبه سترا)

(أغن يُنَاجِي شعره حلي خصره

كَمَا يعتب المعشوق عاشقه سرا)

(وصلت بداجي شعره ليل وَصله

فَلم أر صبحاً غير غرته الغرا)

(أخوض عباب الْمَوْت من دون ثغره

كَذَاك يغوص الْبَحْر من طلب الدرا)

(غزال رخيم الدل فِي يَوْم سلمه

وَلَيْث لَهُ فِي حربه البطشة الْكُبْرَى)

(دري بِحمْل الكأس فِي يَوْم لَذَّة

وَلَكِن بِحمْل السَّيْف يَوْم الوغى أدرى)

ص: 288

(أهيم بِهِ فِي عقده أَو نجاده

فَلَا بُد فِي السَّرَّاء مِنْهُ وَفِي الضرا)

(وظامية الخلخال إِن وشاحها

فَهَذَا قد اسْتغنى وَذَاكَ اشْتَكَى الفقرا)

(تلأتلأ در العقد تيهاً بجيدها

وَسَاكن ذَاك النَّحْر لَا يذكر الْبَحْر)

(لَهَا معصم لَوْلَا السوار يصده

إِذا حسرت أكمامها لجرى نَهرا)

(دعتني إِلَى السلوان عَنهُ بحبها

فَمَا كنت أرْضى بعد إيماني الكفرا)

(بِأَيّ اعتذار ألتقي حسن وَجهه

إِذا خدعتني عَنهُ غانية عذرا)

(تَقول وَقد أزرى بهَا حسن وَصفه

لحى الله رب الشّعْر أَو ناظم الشعرا)

(ألم ترني بَين السماطين منشداً

كَأَنِّي على شاه أرمن أنثر الدرا)

(مليك كريم باسل عَم عدله

فَمن حَاتِم وَابْن الْوَلِيد وَمن كسرا)

(أَنِّي سخي تَحت سطوته الْغنى

فخف وتيقن أَن فِي عسره يسرا)

(هُوَ الْبَحْر بل اسْتغْفر الله إِن فِي

بنان يَدَيْهِ للندى أبحراً عشرا)

(إِذا قَامَ ينميه الْخَطِيب بمنبر

تأود تيهاً واكتسى وَرقا خضرًا)

(لحى الله حَربًا لم يكن قلب جيشها

ومجلس عدل لَا يكون بِهِ صَدرا)

وَقَالَ أنْشد الصاحب صفي الدّين بحضوري هَذِه الأبيات من الْخَفِيف

(قُمْت ليل الصدود إِلَّا قَلِيلا

ثمَّ رتلت ذكركُمْ ترتيلا)

(ووصلت السهاد أقبح وصل

وهجرت الرقاد هجراً جميلا)

(مسمع كل من كَلَام عذولي

حِين ألْقى عَلَيْهِ قولا ثقيلا)

(وفؤاد قد كَانَ بَين ضلوعي

أَخَذته الأحداق أخذا وبيلا)

)

(قل لرامي الجفون أَن لعَيْنِي

فِي بحار الدُّمُوع سبحاً طَويلا)

(مَاس عجبا عَن كَأَنَّهُ مَا رَآنِي

غصناً طليحاً وَلَا كثيباً مهيلا)

(وَحمى عَن محبه كاس ثغر

حِين أضحى مزاجها زنجبيلا)

(بَان عني فَصحت فِي أثر العي

س ارحموني ومهلوهم قَلِيلا)

(أَنا عبد للصاحب ابْن عَليّ

قد تبتلت للثنا تبتيلا)

(لَا تسمه وَعدا نبيل نوال

إِنَّه كَانَ وعده مَفْعُولا)

(رَاع أعداءه بصفر اليراعا

ت فأنسى صريرهن الصهيلا)

ص: 289

(وَإِذا كَانَ خصمك الدَّهْر والحك

م إِلَى الله فاتخذه وَكيلا)

(إِن مدحي لَهُ أَشد وطآء

وقرضي أقوى وأقوم قيلا)

(جلّ عَن سَائِر الْبَريَّة قدرا

فاخترعنا لمدحه التنزيلا)

قلت وَمن شعره من الْبَسِيط

(باكر صبوحك أهنى الْعَيْش باكره

فقد ترنم فَوق الأيك طَائِره)

(وَاللَّيْل تجْرِي الدراري فِي مجرته

كالروض تطفو على نهر أزاهره)

(وكوكب الصُّبْح نجاب على يَده

مخلق تملأ الدُّنْيَا بشائره)

(فانهض إِلَى ذوب ياقوت لَهَا حبب

تنوب عَن ثغر من تهوى جواهره)

(جمراء فِي وجنة الساقي لَهَا شبه

فَهَل جناها مَعَ العنقود عاصره)

(سَاق تكون من صبحٍ وَمن غسقٍ

فابيض خداه واسودت غدائره)

(مفلج الثغر معسول اللمى غنج

مؤنث الجفن فَحل اللحظ شاطره)

(مهفهف الْقد يندى جِسْمه ترفاً

مخصر الخصر عبل الردف وافره)

(بيض سوالفه لعس مراشفه

نعس نواظره خرس أساوره)

(تعلمت بانة الْوَادي شمائله

وزورت سحر عَيْنَيْهِ جآذره)

(كَأَنَّهُ بسواد الصدغ مكتحل

وَركبت فَوق خديه محاجره)

(نَبِي حسن أظلتنا ذوائبه

فَقَامَ فِي فَتْرَة الأجفان ناظره)

(فَلَو رَأَتْ مقلتا هاروت آيَته ال

كبرى لآمن بعد الْكفْر ساحره)

(قَامَت أَدِلَّة صدغيه لعاشقه

على عذول أَتَى فِيهِ يناظره)

)

(خُذ من زَمَانك مَا أَعْطَاك مغتنماً

وَأَنت ناه لهَذَا الدَّهْر آمره)

(فالعمر كالكأس تُسْتَحْلى أوائلُهُ

لكنّهُ رُبمَا مُجَّتْ أواخرُهُ)

وَمِنْه من قصيدة من الطَّوِيل

(وَفِي الكلة الْحَمْرَاء بَيْضَاء طفلة

بزرق عُيُون السمر يحمى احورارها)

(أثار لَهَا نقع الْجِيَاد سرادقاً

بِهِ دون ستر الخدر عَنَّا استتارها)

(لَهَا طلعة من شعرهَا وجبينها

تعانق فِيهَا لَيْلهَا ونهارها)

(لَهَا من مهاة الرمل جيد ومقلة

وَلَيْسَ لَهَا استيحاشها ونفارها)

ص: 290

(وَمَا سكنت وَادي العقيق وَلَا الغضا

وَلَكِن بعيني أَو بقلبي دارها)

(إِذا مَا الثريا والهلال تقارنا

أشكك هَل ذَا قُرْطهَا وسوارها)

(فَأَي قضيب جال فِيهِ وشاحها

وَأي كثيب ضَاقَ عَنهُ إزَارهَا)

(وَمَا كنت أَدْرِي قبل لُؤْلُؤ ثغرها

بِأَن نفيسات اللآلي صغارها)

(هِيَ الْبَدْر إِلَّا أَن عِنْدِي محاقه

هِيَ الْخمر إِلَّا أَن حظي خمارها)

(أيا كعبة من خالها حجر لَهَا

بعيد علينا حَجهَا واعتمارها)

(فَإِن بلغتهَا النَّفس يَوْمًا بشقها

فقلبي لَهَا هدي ودمعي جمارها)

وَمِنْه من الْكَامِل

(طَابَ الصبوح لنا فهاك وهات

واشرب هَنِيئًا يَا أَخا اللَّذَّات)

(كم ذَا التواني والشباب مُطَاوع

والدهر سمح والحبيب مواتي)

(قُم فاصطبح من شمس كاسك واغتبق

بكواكب طلعت من الكاسات)

(صفراء صَافِيَة توقد بردهَا

فعجبت للنيران فِي الجنات)

(ينسل من قار الظروف حبابها

والدر مجتلب من الظُّلُمَات)

(عذراء وَاقعهَا المزاج أما ترى

منديل عذرتها بكف سقاني)

(وتريك خيط الصُّبْح مقتولاً إِذا

مرقت من الراووق فِي الطاسات)

(يسْعَى بهَا عبل الروادف أهيف

خنث الشَّمَائِل شاطر الحركات)

(يهوي فتسبقه أساود شعره

ملتفة كأساود الْحَيَّات)

(يدْرِي منَازِل نيرات كؤوسه

مَا بَين منصرف وَآخر آتٍ)

)

(لَو قسمت أرزاقنا بِيَمِينِهِ

عدل الزَّمَان على ذَوي الْحَاجَات)

(حظي من الزَّمن الْقَلِيل وَهَذِه

نفثات فِي وَهَذِه كلماتي)

وَمِنْه من السَّرِيع

(سواي فِي سلوته يطْمع

فعنفوا إِن شِئْتُم أَو دعوا)

(أوضحتم الرشد فَمن يَهْتَدِي

وقلتم الْحق فَمن يسمع)

(بِي ضيق الْعين وَإِن أطنبوا

فِي الحدق النجل وَإِن أوسعوا)

(اللَّيْل من شعرته مُسبل

وَالشَّمْس من طلعته تطلع)

ص: 291

وَمِنْه من الوافر

(أَمَانًا أَيهَا الْقَمَر المطل

فَفِي جفنيك أسياف تسل)

(يزِيد جمال وَجهك كل يَوْم

ولي جَسَد يذوب ويضمحل)

(وَمَا عرف السقام طَرِيق جسمي

وَلَكِن دلّ من أَهْوى يدل)

(يمِيل بطرفه التركي عني

صَدقْتُمْ إِن ضيق الْعين بخل)

(إِذا نشرت ذوائبه عَلَيْهِ

ترى مَاء يرف عَلَيْهِ ظلّ)

قلت أخذت هَذَا الْمَعْنى من الرَّابِع وَقلت من السَّرِيع

(أترك هوى الأتراك إِن شِئْت أَن

لَا تبتلي فيهم بهم وضير)

(وَلَا ترج الْجُود من وصلهم

مَا ضَاقَتْ الْأَعْين مِنْهُم لخير)

وَمن شعر ابْن النبيه من الوافر

(جد وجدي بحب لاه وأودى

بفؤاده تذكاره وَهُوَ نَاس)

(من بني التّرْك لين الْعَطف قاسي ال

قلب سهل القياد صَعب المراس)

(ضيق الْعين وَهِي من صفة البخ

ل فَإِن جاد كَانَ ضد الْقيَاس)

وَمِنْه من الْكَامِل

(قُم يَا غُلَام نصيحة من نصح

فالديك قد صدع الدجا لما صدح)

(خَفِيف تباشير الصَّباح فسقني

مَا ضل فِي الظلماء من قدح الْقدح)

(صهباء مَا لمعت بكف مديرها

لمقطب إِلَّا تهلل وانشرح)

(وَالله مَا مزج المدام بِمَائِهَا

لكنه مزج المسرة بالفرح)

)

(وضحت فلولا أَنَّهَا تروي الظما

قُلْنَا شراب أَو سراب قد طفح)

(هِيَ صفوة الْكَرم الْكَرِيم فَمَا بَدَت

سراؤها فِي باخل إِلَّا سمح)

(من كف فتان القوام بِوَجْهِهِ

عذر لمن خلع العذار أَو اطرَح)

(قمر شقائق مرج وجنته حمى

مَا شقها سرج العذار وَلَا سرح)

(ولى بِشعر كالظلام إِذا دجا

وأتى بِوَجْه كالصباح إِذا وضح)

(يَهْتَز كالغصن الرطيب على النقا

ذَا خف فِي طي الوشاح وَذَا رجح)

(النرجس الْغُصْن اسْتَحى من طرفه

وشعره زهر الأقاح قد انْفَتح)

(وَكَأَنَّهُ متبسم بعقوده

أَو بالثنايا قد تقلد واتشح)

ص: 292

قلت وَلابْن سناء الْملك قصيدة على هَذَا الْوَزْن تَأتي فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمن شعره أَيْضا من الْبَسِيط

(يَا سَاكِني السفح كم عينٍ بكم سفحت

نزحتم فَهِيَ بعد الْبعد قد نزحت)

(لهفي لطيبة أنس مِنْكُم نفرت

لَا بل هِيَ الشَّمْس زَالَت بَعْدَمَا جنحت)

(بَيْضَاء حجبها الواشون حِين سرت

عني فَلَو لمحت صبغ الدجا لمحت)

(يقْتَصّ من وجنتيها قلت عاشقها

إِن ضرجت قلبه باللحظ أَو جرحت)

(يَهْتَز بَين وشاحيها قضيب نقاً

حمائم الْحلِيّ فِي أفنانه صدحت)

(وأسود الْخَال فِي محمر وجنتها

كمسكة نفحت فِي جَمْرَة لفحت)

(لَهَا جفون وأعطاف عجبت لَهَا

بِالسقمِ صحت وبالسكر الشَّديد صحت)

(وروضة وجنات الْورْد قد خجلت

فِيهَا ضحى وعيون النرجس اتقحت)

(تشاجر الطير فِي أشجارها سحرًا

ومالت القضب للتعنيق واصطلحت)

(والقطر قد رش ثوب الدوح حِين رأى

مجامر الزهر من أذياله نفحت)

(باكرتها وحمام الرَّوْض نافرة

عَن البروج بكف الصُّبْح إِذا وضحت)

(مَا بَين عذران مَاء مَسهَا لبست

ثوب الْحباب حَيَاء مِنْهُ واتشحت)

(تشعشعت فِي يَد الساقي وَقد مزجت

كَأَنَّهَا بنصال المَاء قد ذبحت)

(يسْعَى بهَا أهيف خفت معاطفه

لَكِن روادفه من ثقلهَا رجحت)

(لِلْحسنِ مَاء ومرعى وفْق وجنته

ربيع عَيْني فِيهِ كلما سرحت)

)

(قَالُوا تعشق سوى هَذَا فَقلت لَهُم

لي همة لدني قطّ مَا طمحت)

(فِي أحسن النَّاس أشعاري إِذا نسبت

وَفِي أجل مُلُوك الأَرْض قد مدحت)

قلت وَفِي تَرْجَمَة صفي الدّين عبد الْعَزِيز بن سَرَايَا الحلِّي قصيدة على وزن هَذِه ذكرتها هُنَاكَ وَهَذِه أصنع ولي أَنا قصيدة فِي هَذَا الْوَزْن وعَلى هَذَا الروي أستحيي أَن أذكرها بعد هَذِه وَلَكِن فتْنَة الْإِنْسَان بكلامة أوجبت إيرادها وَهِي من الْبَسِيط

(وفى لَهَا الْحسن طَوْعًا بِالَّذِي اقترحت

فَلَو رأتها بدور التم لافتضحت)

(كَأَنَّهَا الْبَدْر فِي ليل الذوائب قد

تقلدت بالنجوم الزهر واتشحت)

(صحت على سقم أجفانها وَكَذَا

أعطافه وَهِي سكرى بالشباب صحت)

(تفري حشاي وتفنيها لواحظها

مَا ضرّ تِلْكَ الصفاح الْبيض لَو صفحت)

ص: 293

(مهاة حسن أداريها إِذا نفرت

عني وأعطفها بالعتب إِن جمحت)

(قد حَار فِي وصف أغزالي العذول بهَا

وَقَالَ كَيفَ حلت فِي غادة ملحت)

(بذلت فِي وَصلهَا روحي فقد خسرت

تِجَارَة الْحبّ فِي روحي وَمَا ربحت)

(ولي أمالي نفس طالما كذبت

فِيهَا وَلَو جنحت نَحْو الوفا نجحت)

(زارت لتمنحني من وَصلهَا منناً

أَهلا بهَا وَبِمَا منت وَمَا منحت)

(أَقْسَمت مَا سجعت ورق الحمائم فِي

روض على مثل عطفيها وَلَا صدحت)

(وَكلما اعتدلت بالميل قامتها

رَأَيْتهَا فَوق حسن الْغُصْن قد رجحت)

(وَمَا اكتسى خدها من لُؤْلُؤ عرقاً

لَكِنَّهَا وردة بالطل قد رشحت)

(وَرب ليل خَفِيف الْغَيْم أنجمه

أزاهر قد طفت فِي لجة طفحت)

(يَتْلُو الْهلَال الثريا فِي مطالعها

كَأَنَّهَا شفة للكأس قد فتحت)

(وللنسيم رسالات مرددة

وَحُمرَة الْبَرْق فِي فَحم الدجا قدحت)

(والزهر قد أوقت مِنْهُ مجامره

فَكلما لفحت ريح الصِّبَا نفحت)

وَقَالَ ابْن النبيه من الطَّوِيل

(خدمت بديوان الْمحبَّة نَاظرا

على غرَّة يَا لَيْتَني فِيهِ عَامل)

(وحاسب فرط السقم جسمي فَلم تكن

توافيه إِلَّا أعظم ومفاصل)

وَقَالَ ابْن النبيه بَيْتا أبدع فِيهِ تقْرَأ كل كَلِمَتَيْنِ مِنْهُ مقلوباً وَهُوَ من الرمل)

(لبق أقبل فِيهِ هيف

كل مَا أملك إِن غنى هبه)

وَقَالَ يمدح الْأَشْرَف مُوسَى بزجل وَهُوَ

(الزَّمَان سعيد مواتى

والحبيب حُلْو رَشِيق)

(وَالربيع بساطو أَخْضَر

وَالشرَاب أصفر مروق)

(والنسيم سحر تنفس

عَن عبير أَو مسك أذفر)

(والغصون بِحَال ندامى

من سلاف الْغَيْم تسكر)

(والغدير يمد معصم

ينجلي فِي نقش أَخْضَر)

(والهزار يعْمل طرايق

فِي الْغِنَا مزموم وَمُطلق)

(هَات يَا ساقي الحميا

إِن نجم اللَّيْل غرب)

ص: 294

(من يكون الْبَدْر سَاقيه

كَيفَ لَا يشرب ويطرب)

(أَنْت والأوتار والكاس

للهموم دوا مجرب)

(لَا تخَاف الصُّبْح يهجم

دع يجي ويركب أبلق)

(ذَا قبس يَا بني فِي يدك

أَو فصوص ياقوت أَحْمَر)

(لَا تَقربهَا لخدك

تشتغل بالنَّار وتسكر)

(خجلت من نور وَجهك

إِذْ رَأَتْ أجل منظر)

(والحباب باهت لثغرك

من حَيَّاهُ يعوم ويغرق)

(ذَا الْمليح فِي الْجنَّة يَبْدُو

وَأَنا مِسْكين فِي جَهَنَّم)

(آه على قبْلَة فِي جيدو

وَأُخْرَى فِي ذَاك الفميم)

(لَو ترى حمرَة خدودو

وعذاره المنمنم)

(كَانَ ترى ثوب أطلس

أَحْمَر معدني بأخضر مُعتق)

(يَا نديم اسْمَع نصيحا

لَا تنم مَا دمت يُمكن)

(الصَّباح وَمثله فِي الكاس

مَا ترى مَا أبهج وَمَا أحسن)

(والشقيق حمرا فِي صفرا

كَأَنَّهُ رايت شاه أرمن)

(ملك تخال جمالو

مَا خلق وَلَيْسَ يخلق)

(الْكَرم والعفاق والباس

عنْدك أَبُو الْفَتْح مُوسَى)

)

(الْأسد إِذا تنمر

والعدو بِحَال فريسا)

(لم يدع فِي الدُّنْيَا يذكر

لَا جليل وَلَا نفيسا)

(وكسا الاسلام جَلَاله

ان ذَا سعيد موفق)

(ورشيقه المعاطف

رأتو بَين السناحق)

(وَالْغُبَار بِحَال غمائم

وَالسُّيُوف بِحَال بوارق)

(وسنا جبينو يَرْمِي

بشعاع على الْخَلَائق)

(زعقت حر اّمِ زَوجي

وَالنَّبِيّ غَدا تطلق)

فَأَرَدْت معارضته وَأَنا بِالْقَاهِرَةِ سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة فَقلت وَهُوَ أول زجل نظمته

(أبْصر النّيل كَيفَ صفا لي

وانطبع لما تملق)

ص: 295

(وفرش فِي الرَّوْض بساطو

وَهُوَ بالأزهار مُزَوق)

(هَات كاسي يَا نديمي

مَا بَقِي للهو عاقه)

(الْفَرح شاليشو عِنْدِي

وَالسُّرُور من خلفو سَاقه)

(والمليح عبى لي خصره

كل باقه بلباقه)

(وَالشرَاب قَاعد مجْلِس

حِين رأى الرواق مُعَلّق)

(أصبح النرجس فِي بَهته

حِين رأى للورد صوله)

(والشقيق يحمل مشاعل

وَالربيع قد صَار لَو دوله)

(والنسيم لما تحرّك

رقص الأغصان فِي جوله)

(وَعَلِيهِ الطير غنى

والغدير بالموج صفق)

(مَا نجومي غير ندامى

طردوا بالسعد عكسي)

(سبقوا للهو بَدْرِي

واحتسوا فِي الكاس شمسي)

(وَغدا يومي بنعمه

وَعَلَيْهَا أطلب أمسي)

(فاضربوا إِلَى الرَّعْد كوسات

وانشروا إِلَى الْبَرْق بيرق)

(أَي مليح يسبي فُؤَادِي

عِنْدَمَا تسحر عيونو)

(مَا ينَال الصب منو

فِي مناه إِلَّا منونو)

(لَو ثنى أعطاف قدو

أَو تبدى نور جبينو)

)

(تبصر الأغصان فِي كَسره

والصباح من غيظو ينشق)

(قلت قلبِي قد تقلى

قَالَ لي من ذِي العوينات)

(قلت فِي ثغرك حلاوه

قَالَ هِيَ سكر سنينات)

(قلت يَا زهرَة حَياتِي

قَالَ هِيَ فِي ذِي الوجينات)

(قلت مثل الْغُصْن قدك

قَالَ لي واحلا وأرشق)

(يَا فُؤَادِي لَا تحل عَن

حب هَذَا الظبي الاحور)

(إياك أَن يطغيسك لائم

قَالَ كنك بو تعذر)

(مَا ترى كافور خدو

وَعَلِيهِ الْخَال كعنبر)

(لَا تخف صولة عذارو

دع يجي ويركب أبلق)

ص: 296

(أَبْصرت معشوق قلبِي

جارتي يَوْم وَهُوَ دَاخل)

(فسباها بانعطافو

وتثنيه فِي الغلائل)

(فتحت لَو قَالَت ادخل

نعملو يَا سيد وَاصل)

(وزويجي إِن تكلم

أكل الدره وَفرق)

وَلما مَاتَ رثاه شهَاب الدّين أَبُو الْخطاب مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الْحُسَيْن الربعِي المنفوشي من قَرْيَة المنفوشة من قرى النّيل بِبِلَاد الْعرَاق من الْخَفِيف

(شعراء الزَّمَان إِن الْمعَانِي

والمعالي تبْكي على ابْن النبيه)

مَاتَ روح القريض واخترم الْفضل وَحسن البديع والتشبيه

(كَانَ عِنْد الإنشاد نِيَّة مُوسَى

فالقوافي من بعده فِي التيه)

القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ الشَّافِعِي عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن

ص: 297

الْمَاوَرْدِيّ الْبَصْرِيّ الشَّافِعِي صَاحب التصانيف المليحة الجيدة روى عَنهُ الْخَطِيب وَوَثَّقَهُ وَمَات فِي شهر ربيع الأول سنة خمسين وَأَرْبع مائَة وَبَينه وَبَين القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ فِي الْوَفَاة أحد عشر يَوْمًا ولي الْقَضَاء ببلدان كَثِيرَة ثمَّ سكن بَغْدَاد وتفقه على أبي الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ بِالْبَصْرَةِ وارتحل إِلَى أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ ودرس بِالْبَصْرَةِ سِنِين كَثِيرَة وَمن تصانيفه تَفْسِير الْقُرْآن سَمَّاهُ النكت والعيون وَكتاب الْحَاوِي فِي الْفِقْه يدْخل فِي عشْرين مجلداً وَكتاب الْإِقْنَاع فِي الْفِقْه أَيْضا وأدب الدّين)

وَالدُّنْيَا وَالْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة وسياسة الْملك وقوانين الوزارة وتعجيل النَّصْر وتسهيل الظفر وَكتاب فِي النَّحْو

وَكَانَ عَظِيم الْقدر مُتَقَدما عِنْد السُّلْطَان قَالَ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح وَهُوَ مُتَّهم بالاعتزال وَكنت أتأول لَهُ وأعتذر عَنهُ حَتَّى وجدته يخْتَار فِي بعض الْأَوْقَات أَقْوَالهم قَالَ فِي تَفْسِيره فِي الْأَعْرَاف لَا يَشَاء عبَادَة الْأَوْثَان وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى جعلنَا لكل نَبِي عدوا على وَجْهَيْن مَعْنَاهُ حكمنَا بِأَنَّهُم أَعدَاء وَالثَّانِي تركناهم على الْعَدَاوَة فَلم نمنعهم مِنْهَا وَتَفْسِيره عَظِيم الضَّرَر لكَونه مشحوناً بتأويلات أهل الْبَاطِل وَكَانَ لَا يتظاهر بالانتساب إِلَى أهل الاعتزال بل يتكتم وَلكنه لَا يوافقهم على خلق الْقُرْآن ويوافقهم فِي الْقدر وَلَا يرى صِحَة الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ وَذكر أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَانَ الْقَادِر قد تقدم إِلَى أَرْبَعَة من الْأَئِمَّة فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة ليضع كل وَاحِد مُخْتَصرا فِي الْفِقْه فَوضع الْمَاوَرْدِيّ الْإِقْنَاع وَوضع الْقَدُورِيّ مُخْتَصره وَوضع عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي مُخْتَصرا وَوضع من الْحَنَابِلَة وَاحِد مُخْتَصرا وَعرضت عَلَيْهِ فَخرج الْخَادِم إِلَى الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ لَهُ قَالَ لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ حفظ الله عَلَيْك دينك كَمَا حفظت علينا ديننَا وَكَانَ قد سلك طَرِيقا فِي تَوْرِيث ذَوي أَرْحَام الْقَرِيب والبعيد سَوَاء فجَاء إِلَيْهِ كَبِير من الشَّافِعِيَّة فَقَالَ لَهُ اتبع وَلَا تبتدع فَقَالَ بل أجتهد وَلَا أقلد فَانْصَرف عَنهُ

وَلما تلقب بأقضى الْقُضَاة أنكر الصَّيْمَرِيّ والطبري أَبُو الطّيب وَغَيرهمَا ذَلِك هَذَا بعد أَن كتبُوا خطوطهم لجلال الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بِجَوَاز أَن يتسمى بِملك الْمُلُوك الْأَعْظَم فَلم يلْتَفت إِلَيْهِم وتلقب بأقضى الْقُضَاة إِلَى أَن توفّي وَقيل أَنه لم يظْهر شَيْئا من تصانيفه فِي حَيَاته وَجَمعهَا كلهَا فِي مَكَان وَلما دنت وَفَاته قَالَ لشخص يَثِق إِلَيْهِ إِن كتبي لم أظهرها لِأَنِّي لم أجد نِيَّة خَالِصَة لله تَعَالَى لم يشبها كدر فَإِذا أَنا وَقعت فِي النزع وعاينت الْمَوْت اجْعَل يدك على يَدي فَإِن قبضت عَلَيْهَا وعصرتها فَاعْلَم أَنه لم يقبل مني شَيْء مِنْهَا واعمد إِلَى الْكتب وألقها فِي دجلة وَإِن بسطت يَدي وَلم أقبضها على يدك فَاعْلَم أَنَّهَا قد قبلت وَأَنِّي قد ظَفرت بِمَا كنت أرجوه قَالَ فَلَمَّا وَقع النزع وضع يَده فِي يَده فبسطها

ص: 298

وَلم يقبضهَا فَعلم أَنه قبل فأظهرت كتبه وَفِي كتاب سر السرُور لمحمود النَّيْسَابُورِي بيتان منسوبان إِلَى الْمَاوَرْدِيّ وهما من الطَّوِيل)

(وَفِي الْجَهْل قبل الْمَوْت موت لأَهله

فأجسادهم دون الْقُبُور قُبُور)

(وَإِن امْرَءًا لم يحي بِالْعلمِ صَدره

فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النشور نشور)

عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ الشَّافِعِي عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن خطاب الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ المغربي الأصولي الْمصْرِيّ ولد سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَتُوفِّي سنة أَربع عشرَة وَسبع مائَة اختصر كتاب الْمُحَرر وَكتاب عُلُوم الحَدِيث والمحصول فِي أصُول الْفِقْه وَالْأَرْبَعِينَ وَكَانَ عُمْدَة فِي الْفَتْوَى وروى جُزْء ابْن حوصا عَن أبي الْعَبَّاس التلمساني وَتخرج بِهِ الْأَصْحَاب وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ العلامتان قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وأثير الدّين أَبُو حَيَّان وَرَأَيْت قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ يعظمه كثيرا إِلَى الْغَايَة ويثني عَلَيْهِ فضائله وَكَانَ دينا صيناً وقوراً

أَخْبرنِي من لَفظه الْعَلامَة أَبُو حَيَّان قَالَ كَانَ مفتياً فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي قَرَأت عَلَيْهِ يَسِيرا من مُخْتَصره فِي أصُول الْفِقْه وَسمعت عَلَيْهِ دروساً وأنشدني لنَفسِهِ من الوافر

(رثى لي عذلي إِذْ عاينوني

وسحب مدامعي مثل الْعُيُون)

(وراموا كحل عَيْني قلت كفوا

فَأصل بليتي كحل الْعُيُون)

قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ دوبيت

(بالبلبل والهزار والشحرور

يسبى طَربا قلب الشجي المهجور)

(فانهض عجلاً وانهب من اللَّذَّة مَا

جَادَتْ كرماً بِهِ يَد الْمَقْدُور)

أَبُو سعد بن خلف الْكَاتِب عَليّ بن مُحَمَّد بن خلف أَبُو سعد الْكَاتِب النيرماني بالنُّون وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الرَّاء وَالْمِيم ألف وَنون ونيرمان قَرْيَة من قرى الْجَبَل بِالْقربِ من همذان كَانَ من جلة الْكتاب الْفُضَلَاء والرؤساء النبلاء كَانَ يخْدم فِي ديوَان بني بويه بِبَغْدَاد ومدح الإِمَام الْقَادِر وَكَانَ قد اتَّصل ببهاء الدولة ابْن عضد الدولة فصنف لَهُ

ص: 299

المنثور البهائي فِي مجلدة وَهُوَ نثر كتاب الحماسة وَغَيرهَا وَتُوفِّي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة وَمن شعره القصيدة الْمَشْهُورَة وَهِي من الطَّوِيل

(خليلي فِي بَغْدَاد هَل أَنْتُمَا ليا

على الْعَهْد مثلي أم غَدا الْعَهْد بَالِيًا)

(وَهل ذرفت يَوْم النَّوَى مقلتاكما

عَليّ كَمَا أمسي وَأصْبح باكيا)

)

(وَهل أَنا مَذْكُور بِخَير لديكما

إِذا مَا جرى ذكر لمن كَانَ نَائِيا)

(وَهل فيكما من إِن تنزل منزلا

أنيقاً وبستاناً من النُّور حاليا)

(أجد لَهُ طيب الْمَكَان وَحسنه

منى يتمناها فَكنت الأمانيا)

(كتابي عَن شوق شَدِيد إلَيْكُمَا

كَأَن على الأحشاء مِنْهُ مكاويا)

(وَعَن أدمع منهلة فتأملا

كتابي تنر آثارها فِي كتابيا)

(وَلَا تيأسا أَن يجمع الله بَيْننَا

كأحسن مَا كُنَّا عَلَيْهِ تصافيا)

(فقد يجمع الله الشتيتين بَعْدَمَا

يظنان كل الظَّن أَن لَا تلاقيا)

(وَلَا تأنسا بالورد بعدِي واعربا

مقَال ابْن عبد الله يخدع ساجيا)

(وَلما تفرقنا تطيرت أَن أرى

مَكَانك مني لَا خلا مِنْك خَالِيا)

(فضمنته وردا كرياك رِيحه

يذكرنِي مِنْك الَّذِي لست نَاسِيا)

(وَلَا تطلبا صوني إِذا مَا تغنتا

تسر وَفَوْز جادتا لي الأغانيا)

(وخبرتما أَن تيماء منزل

لليلى إِذا مَا الصَّيف ألْقى المراسيا)

(فهذي شهور الصَّيف عَنَّا قد انْقَضتْ

فَمَا للنوى ترمي بليلي المراميا)

(فدى لَك يَا بَغْدَاد كل مَدِينَة

من الأَرْض حَتَّى خطتي ودياريا)

(فقد سرت فِي سرق الْبِلَاد وغربها

وطوقت خيلي بَينهَا وركابيا)

(فَلم أر فيهمَا مثل بَغْدَاد منزلا

وَلم أر فِيهَا دجلة وَاديا)

(وَلَا مثل أهليها أرق شمائلاً

وأعذب ألفاظاً وَأحلى معانيا)

(وَكم قَائِل لَو كَانَ ودك صَادِقا

لبغداد لم ترحل وَكَانَ جوابيا)

(يُقيم الرِّجال الموسرون بأرضهم

وَتَرْمِي النَّوى بالمقترين المراميا)

وَمن شعره يمدح الْقَادِر من الْبَسِيط

(لَا زلت تحيا لنعمى لَا نفاد لَهَا

فِي ظلّ عز على الدولات تحتكم)

ص: 300

(تغني وتفني وتستبقي وتهلك من

ناوى وترجى ويخشى بأسك الْأُمَم)

وَكتب إِلَيْهِ من رِسَالَة طَوِيلَة من المنسرح

(خدمت لما عرفت من خدمك

ودام عِنْدِي النَّعيم من نعمك)

(وَكَانَت النائبات تألفني

فاحتشمتني إِذْ صرت من حشمك)

)

وَأورد لَهُ ابْن النجار فِي ذيله من الْكَامِل

(يَا ظالمي قسما عَلَيْك بِحرْمَة ال

إِيمَان فَهِيَ نِهَايَة الْإِيمَان)

(لَا تسفكن دمي فَإِنِّي خَائِف

جدا عَلَيْك عُقُوبَة الْعدوان)

(وَإِذ مَرَرْت على زرود فَلَا تغر

بِالْمَشْيِ فِيهِ موائل الأغصان)

(بِاللَّه واستر ورد خدك فِيهِ لَا

ينشق قلب شقائق النُّعْمَان)

وَأورد لَهُ أَيْضا من الْكَامِل

(عجبا لضرسك كَيفَ يشكو عِلّة

وبجنبه من ريقك الدرياق)

(هَذَا نَظِير سقام ناظرك الَّذِي

عافاك وابتليت بِهِ العشاق)

(أَو عقربي صدغيك إِذْ لدغا الورى

وحماك من حميتهما الخلاق)

وَمن شعر أبي سعد ابْن خلف من الْكَامِل

(جرت النَّوَى بهم فَمَا حنوا

رفقا بِنَا ونأوا فَمَا أنوا)

(إِن كَانَ عِنْدهم وَقد رحلوا

أَنا نُقِيم فبئس مَا ظنُّوا)

(لَا بُد مِنْهُم أَيَّة سلكوا

إِن أسعفوا بالوصل أَو ظنُّوا)

(لي عِنْدهم دين فوا عجبا

الدّين لي وفؤادي الرَّهْن)

وَله ولد يعرف بِأبي الْفرج ابْن أبي سعيد الهمذاني مَذْكُور فِي شعراء الدمية لَهُ شعر جيد

الْقَابِسِيّ الْمَالِكِي عَليّ بن مُحَمَّد بن خلف الإِمَام أَبُو الْحسن الْمعَافِرِي الْقَرَوِي

ص: 301

الْقَابِسِيّ الْمَالِكِي عَالم إفريقية

سمع وَحدث وَكَانَ حَافِظًا للْحَدِيث وَعلله وَرِجَاله فَقِيها أصولياً متكلماً صَالحا متقناً وَكَانَ أعمى لَا يرى شَيْئا وَألف تواليف بديعة وَسمي الْقَابِسِيّ لِأَن عَمه كَانَ يشد عمَامَته شدَّة قابسية توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبع مائَة ورثاه الشُّعَرَاء وَضربت الأخبية على قَبره وَولد سنة أَربع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة رَحل إِلَى الْمشرق وَسمع صَحِيح البُخَارِيّ بِمَكَّة من أبي زيد وَرجع إِلَى القيروان قَالَ أَبُو بكر الصّقليّ قَالَ لي أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ كذب عَليّ وَعَلَيْك سموني بالقابس وَمَا أَنا بقابسي وَإِنَّمَا السَّبَب فِي ذَلِك أَن عمي كَانَ يشد عمَامَته شدَّة قابسية فَقيل لِعَمِّي قابسي واشتهرنا بذلك وَإِلَّا فَأَنا قروي وَأَنت فَدخل أَبوك مُسَافِرًا إِلَى صقلية نسب إِلَيْهَا)

وَأول جُلُوسه للمناظرة بأثر موت أبي مُحَمَّد قَالَ من الوافر

(لعمر أَبِيك مَا نسب الْمُعَلَّى

لمكرمة وَفِي الدُّنْيَا كريم)

(وَلَكِن الرياض إِذا اقشعرت

وصوح نبتها رعي الهشيم)

ثمَّ بَكَى حَتَّى أبكى النَّاس وَقَالَ أَنا الهشيم ثَلَاثًا وَالله لَو أَن فِي الدُّنْيَا خضراء مَا رعيت أَنا

وَشَيْخه الْمَذْكُور هُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن أبي هَاشم التجِيبِي وَسمع شخصا يَقُول فِي مَجْلِسه مَا قصر المتنبي فِي قَوْله من المتقارب

(يُرَاد من الْقلب نسيانكم

وتأبى الطباع على النَّاقِل)

فَقَالَ يَا مِسْكين أَيْن أَنْت عَن قَوْله تَعَالَى لَا تَبْدِيل لخلق الله

وَمن تصانيفه الممهد فِي الْفِقْه وَأَحْكَام الديانَات والمنقذ من شبه التَّأْوِيل والمناسك والاعتقادات

أَبُو الْحسن البلنسي عَليّ بن مُحَمَّد بن خلف بن أَحْمد الخزرجي أَبُو الْحسن الأندلسي البلنسي قدم بَغْدَاد طَالب الْعلم وروى بهَا شعره وَكتب عَنهُ يُوسُف بن مُحَمَّد بن مقلد وروى عَنهُ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن حَمْزَة السّلمِيّ الدِّمَشْقِي فِي مشيخته وَمن شعره من المنسرح

(عَاد إِلَى الْوَصْل بعد مَا هجرا

وَتَابَ مِمَّا جناه واعتذرا)

(وَقَامَ بِالرَّاحِ فَوق رَاحَته

كَأَنَّهَا الشَّمْس تحمل القمرا)

أَبُو الْقَاسِم التنوخي الْحَنَفِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن دَاوُد أبي الْفَهم بن إِبْرَاهِيم أَبُو

ص: 302

الْقَاسِم التنوخي القَاضِي قدم بَغْدَاد وتفقه على مَذْهَب أبي حنيفَة وَكَانَ حَافِظًا للشعر ذكياً وَله عرُوض بديع ولي الْقَضَاء بعدة بلدان وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة وَهُوَ جد القَاضِي التنوهي عَليّ بن المحسن وَقد تقدم ذكره وَهُوَ وَالِد أبي عَليّ المحسن التنوخي صَاحب نشوار المحاضرة وَغَيره وَسَيَأْتِي ذكره

وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم هَذَا بَصيرًا بِعلم النُّجُوم قَرَأَ على الْكسَائي المنجم وَيُقَال إِنَّه كَانَ يقوم بِعشْرَة عُلُوم وَكَانَ يحفظ للطائيين سبع مائَة قصيدة ومقطوعة سوى مَا يحفظ لغَيرهم من الْمُحدثين وَغَيرهم

وَكَانَ يحفظ من النَّحْو واللغة شَيْئا كثيرا وَكَانَ فِي الْفِقْه والفرائض والشروط غَايَة واشتهر)

بالْكلَام والمنطق والهندسة وَكَانَ فِي الْهَيْئَة قدوة وَكَانَ لَهُ غُلَام يؤثره على غَيره من غلمانه يُسمى نسيماً فَكتب إِلَى القَاضِي بعض أَصْحَابه من الرمل

(هَل عَليّ لامه مدغمة

لاضطرار الْوَزْن فِي مِيم نسيم)

فَوَقع تَحْتَهُ نعم وَلم لَا وَمن شعره من الطَّوِيل

(وَلَيْلَة مشتاق كَأَن نجومها

قد اغتصبت عَيْني الْكرَى فَهِيَ نوم)

ص: 303

(كَأَن عُيُون الساهرين لطولها

إِذا شخصت للأنجم الزهر أنجم)

(كَأَن سَواد اللَّيْل وَالْفَجْر ضَاحِك

يلوح وَيخْفى أسود يتبسم)

وَمِنْه من الْبَسِيط

(عهدي بهَا وضياء الصُّبْح يطفئها

كالسرج تطفأ أَو كالأعين العور)

(أعجب بِهِ حِين وافى وَهِي نيرة

فظل يطمس مِنْهَا النُّور بِالنورِ)

وَمِنْه من الْكَامِل

(لم أنس دجلة والدجى متصوب

والبدر فِي أفق السَّمَاء مغرب)

(فَكَأَنَّهُ فِيهَا بِسَاط أَزْرَق

وَكَأَنَّهُ فِيهَا طراز مَذْهَب)

وَمِنْه من المنسرح

(فَحم كَيَوْم الْفِرَاق نشعله

نَار كنار الْفِرَاق فِي الكبد)

(أسود قد صَار تَحت حمرتها

مثل الْعُيُون اكتحلن بالرمد)

وَمِنْه فِي مليح جسيم من الْبَسِيط

(من أَيْن أستر وجدي وَهُوَ منهتك

مَا للمتيم فِي فتك الْهوى دَرك)

(قَالُوا عشقت عَظِيم الْجِسْم قلت لَهُم

الشَّمْس أعظم جرم حازه الْفلك)

وَمِنْه من المنسرح

(لم أنس شمس الضُّحَى تطالعني

وَنحن من رَقَبَة على فرق)

(وجفن عَيْني بدمعه شَرق

لما بَدَت فِي معصفر شَرق)

(كَأَنَّمَا أدمعي ووجنتها

لما رمتنا الوشاة بالحدق)

(ثمَّ تغطت بكمها خجلاً

كَالشَّمْسِ غَابَتْ فِي حمرَة الشَّفق)

وَمِنْه من السَّرِيع)

(فديت عَيْنَيْك وَإِن كَانَتَا

لم تبقيا من جَسَدِي شَيْئا)

(إِلَّا خيالاً لَو تأملته

فِي الشَّمْس لم تبصر لَهُ فَيْئا)

وَمِنْه فِي الناعورة من الْكَامِل

(باتت تَئِنُّ وَمَا بهَا وجدي

وحننت من وجد إِلَى نجد)

(فدموعها تحيا الرياض بهَا

ودموع عَيْني قرحت خدي)

ص: 304

وَمِنْه من الطَّوِيل

(تخير إِذا مَا كنت فِي الْأَمر مُرْسلا

فمبلغ آراء الرِّجَال رسولها)

(ورد وفكر فِي الْكتاب فَإِنَّمَا

بأطراف أَقْلَام الرِّجَال عقولها)

وَمِنْه من الْكَامِل

(وبدت نُجُوم اللَّيْل من خلل الدجى

تَدْنُو كَمَا يتفتح النوار)

(أقبلن والمريخ فِي أوساطها

مثل الدَّرَاهِم وَسطهَا دِينَار)

(والجو تجلوه النُّجُوم على الدجا

فِي قمص وشي مَا لَهَا أزرار)

(وكأنما الجوزا وشاح خريدة

والنجم تَاج والوشاح خمار)

وَقَالَ مَنْصُور الخالدي كنت لَيْلَة عِنْد التنوخي فِي ضِيَافَة فأعفى إعفاءه فَخرجت مِنْهُ ريح فَضَحِك بعض الْقَوْم فانتبه بضحكة وَقَالَ لَعَلَّ ريحًا فسكتنا من هيبته فَسكت سَاعَة ثمَّ قَالَ من الطَّوِيل

(إِذا نَامَتْ العينان من متيقظ

تراخت بِلَا شكّ تساريج فقحته)

(فَمن كَانَ ذَا عقل فيعذر نَائِما

وَمن كَانَ ذَا جهل فَفِي جَوف لحيته)

وَقَالَ التنوخي راداً على ابْن المعتز فِي قصيدته الَّتِي يفخر فِيهَا ببني الْعَبَّاس على آل أبي طَالب وأولها من الطَّوِيل

(أَبى الله إِلَّا مَا ترَوْنَ فَمَا لكم

غضابى على الأقدار يَا آل طَالب)

وأبيات التنوخي من الطَّوِيل

(من ابْن رَسُول الله وَابْن وَصِيّه

إِلَى مدغل فِي عقدَة الدّين ناصب)

(نَشأ بَين طنبور وزق ومزهر

وَفِي حجر شاد أَو على ظهر ضَارب)

(وَمن ظهر سَكرَان إِلَى بطن قينه

على شبه فِي ملكهَا وشوائب)

)

يَقُول فِيهَا

(وَقلت بَنو حَرْب كسوكم عمائماً

من الضَّرْب فِي الهامات حمر الذوائب)

(صدقت منايانا السيوف وَإِنَّمَا

تموتون فَوق الْفرش موت الكواعب)

(وَنحن الأولى لَا يسرح الذَّم بَيْننَا

وَلَا تَدْرِي أعراضنا بالمعايب)

(إِذا مَا انتدوا كَانُوا شموس نديهم

وَإِن ركبُوا كَانُوا بدور الركائب)

(وَإِن عبسوا يَوْم الوغى ضحك الردى

وَإِن ضحكوا بكوا عُيُون النوائب)

ص: 305

(وَمَا للغواني والوغى إِن شغلها

بقرع المثاني عَن قراع الْكَتَائِب)

(وَيَوْم حنين قلت حزنا فخاره

وَلَو كَانَ يدْرِي عدهَا فِي المثالب)

(أَبوهُ مُنَاد وَالْوَصِيّ مضَارب

فَقل فِي مُنَاد صيت ومضارب)

(وجئتم مَعَ الْأَوْلَاد تبغون إِرْثه

فأبعد مَحْجُوب بحاجب حَاجِب)

(وقلتم نهضنا ثائرين شعارنا

بثارات زيد الْخَيْر عِنْد التجارب)

(فهلاًّ بإبراهيم كَانَ شِعَاركُمْ

فترجع دعواكم تَحِلَّة خائب)

وَفِي تَرْجَمَة صفي الدّين عبد الْعَزِيز الْحلِيّ أَيْضا جَوَاب آخر عَن غير هَذِه القصيدة وَالْأُخْرَى بائية لِابْنِ المعتز وَمن شعره من الطَّوِيل

(بنفسي من لم يبد قطّ لعاذل

فَيرجع إِلَّا وَهُوَ لي فِيهِ عاذر)

(وَلَا لحظت عَيناهُ ناه عَن الْهوى

فَأصْبح إِلَّا وَهُوَ بالحب آمُر)

(يُؤثر فِيهِ نَاظر الْفِكر بالمنى

وتجرحه باللمس مِنْهَا الضمائر)

وَمِنْه من المتقارب

(وَرَاح من الشَّمْس مخلوقة

بَدَت لَك فِي قدح من نَهَار)

(هَوَاء وَلكنه سَاكن

وَمَاء وَلكنه غير جاري)

(إِذا مَا تأملته وَهُوَ فِيهِ

تَأَمَّلت مَاء محيطاً بِنَار)

(فهذي النِّهَايَة فِي الابيضاض

وَهَذَا النِّهَايَة فِي الاحمرار)

(وَمَا كَانَ فِي الحكم أَن يوجدا

لفرط التَّنَافِي وفرط النفار)

(وَلَكِن تجَاوز سطحاهما

البسيطان فاتفقا فِي الحوار)

(كَأَنَّ المديرَ لَهَا باليمينِ

إِذا قَامَ للسقْيِ أَو باليَسارِ)

)

(تدرع ثوبا من الياسمين

لَهُ فَرد كم من الجلنار)

وَكَانَ التنوخي من جملَة الْقُضَاة الَّذين ينادمون الْوَزير المهلبي ويجتمعون عِنْده فِي الْأُسْبُوع لَيْلَتَيْنِ على اطراح الحشمة والتبسط فِي القصف والخلاعة وهم ابْن قريعة وَابْن مَعْرُوف وَالْقَاضِي الإيذجي وَغَيرهم وَمَا مِنْهُم إِلَّا أَبيض اللِّحْيَة طويلها وَكَذَلِكَ كَانَ المهلبي فَإِذا طابوا وَأخذ الشَّرَاب مِنْهُم وهبوا ثوب الْوَقار للعقار وَأخذ كل مِنْهُم طاس ذهب من ألف مِثْقَال مملوءاً شرابًا قطربلياً أَو عكبرياً فيغمس لحيته فِيهَا وينقعها ثمَّ يرش بهَا بَعضهم بَعْضًا ويرقصون جَمِيعًا وَعَلَيْهِم المصبغات ومخانق المنثور وإياهم عَنى السّري بقوله من المنسرح

ص: 306

(مجَالِس ترقص الْقُضَاة بهَا

إِذا انتشوا فِي مخانق الْبرم)

(وَصَاحب يخلط المجون لنا

بشيمة حلوة من الشيم)

(يخضب بِالرَّاحِ شَيْبه عَبَثا

أنامل مثل حمرَة العنم)

(حَتَّى تخال الْعُيُون شيبته

شيبَة تَيْس قد خضبت بِدَم)

ووفد التنوخي على سيف الدولة فَأكْرم نزله ومثواه وَأَجَازَهُ وزوده وَكتب لَهُ إِلَى الحضرة فأعيد إِلَى مناصبه وَزيد فِي معاليمه إِكْرَاما لَهُ

أَبُو الْحسن الْبَزَّار عَليّ بن مُحَمَّد بن دلف أَبُو الْحسن بن أبي المظفر الْبَزَّاز الْبَغْدَادِيّ قَرَأَ الْأَدَب على كَمَال الدّين عبد الرَّحْمَن الْأَنْبَارِي وجالس الْفُضَلَاء واقتبس مِنْهُم وَكَانَ فَاضلا لَهُ نظم ونثر وَهُوَ فصيح الْإِيرَاد توفّي سنة ثَمَان وست مائَة

ابْن دفترخوان الْموصِلِي عَليّ بن مُحَمَّد بن الرِّضَا بن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن أميركا الشريف أَبُو الْحسن الْحُسَيْنِي الموسوي الطوسي الأديب الشَّاعِر الْمَعْرُوف بِابْن دفترخوان ولد فِي رَابِع صفر سنة بحماة وَبهَا توفّي سنة خمس وَخمسين وست مائَة وَله سِتّ وَسِتُّونَ سنة لَهُ مصنفات أدبية وَغير أدبية امتدح الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَغَيره وملكت من تصانيفه بِخَطِّهِ كتاب شاهناز وَهُوَ سُؤَالَات نظم أَبْيَات وأجوبتها نثر بَين حكيمين طبيعي وإلهي وَكتاب الطَّلَائِع وَكتاب الحكم الموجزة فِي الرسائل الملغزة وَقَالَ فِي آخِره هُوَ ثَان وَأَرْبَعُونَ كتابا وَضعته وَله كتاب الغلمان من نظمه فِي ألف غُلَام وَله شعر كثير مقاطيع وَغَيرهَا وَله أرجوزتان سماهما)

الهاديتين إِحْدَاهمَا فِي آدَاب الزائر وَالْأُخْرَى فِي أدب المزور وَهُوَ غواص على الْمعَانِي وَمن شعره من السَّرِيع

(طَال عَليّ اللَّيْل والصب مو

قوف على التسهيد فِي صبوته)

(وَكَيف أَرْجُو الصُّبْح فِيهِ ونا

ر الشَّمْس لَا تعْمل فِي فحمته)

وَمِنْه من الرمل المجزوء

(إِن علا نجم أديب

ونسيب فبذين)

(أَو توالى فِي احتراق

فَهُوَ بَين النيرين)

ص: 307

وَمِنْه من الْخَفِيف

(سَابق النَّاس بِالسَّلَامِ فَفِي ذَا

ك إِذا مَا اعْتبرت خمس خِصَال)

(كاشف الريب قَاطع الْعَيْب مح

يى الود ستر الأحقاد بَاب الْوِصَال)

وَمِنْه فِي الفانوس من الرمل المجزوء

(إِن فانوساً لَهُ

من ثَوْبه الآنس ذيل)

(يحمل الْحَامِل مِنْهُ

قبَّة فِيهَا سُهَيْل)

وَمِنْه من الْخَفِيف

(ثمَّ اهوى صنف من الطير للما

ء وَمَال الرياض غير مكيس)

(كنجوم تساقطت فِي اسْتِوَاء

وشبيه الرَّايَات حِين تعكس)

وَمِنْه من المتقارب

(وفاختة لحنها وَاحِد

تكَاد تشق بِهِ صدرها)

(كمطربة عشقت رخمة

فظلت تكررها عمرها)

وَمِنْه من السَّرِيع

(انْظُر إِلَى شقشقة الْفَحْل إِذْ

يهدر والأزباد فِي الخد)

(كَأَنَّهُ ينْفخ فِي قربَة

ويمطر الثَّلج من الرَّعْد)

وَمِنْه فِي الدِّينَار الْبَرْمَكِي وَهُوَ مائَة دِينَار من الْكَامِل

(إِن البرامكة الَّذين تقدمُوا

عَن عصرنا نهبوا بيُوت المَال)

(ضربوا على شكل الرَّحَى دينارهم

ليدور ذكرهم على الْأَحْوَال)

)

وَمِنْه من السَّرِيع

(أعجب من التسماح حَيا ولل

أَحيَاء مِنْهُ الْحِين فِي الْحِين)

(وَإِن بدا يفتح فَاه رَأْي

ت الْجذع قد شقّ بنصفين)

وَمِنْه من السرطان من السَّرِيع

(محدب عَيناهُ فِي رَأسه

مَسْكَنه فِي المَاء كالعش)

(معوج فِي مُسْتَقِيم مَشى

كَأَنَّهُ قنطرة تمشي)

وَمِنْه من مخلع الْبَسِيط

ص: 308

(إِن الدَّنَانِير ضرب مصر

سحر بِهِ يخدع الْبَخِيل)

(من معجزات الْإِلَه فِيهَا

أَن يعشق الْأَصْفَر الْبَخِيل)

وَمِنْه من السَّرِيع

(محجل أشقر قُلْنَا لمن

يعجز عَن نطق بأوصافه)

(هَذَا هُوَ الْبَرْق وتحجيله

تعلق الْغَيْم بأطرافه)

وَمِنْه من السَّرِيع

(أعجب من المريخ مشتعلاً

بَين النُّجُوم يشابه البرقا)

(كشقيقة فِي الأقحوان

أَو الدِّينَار بَين دَرَاهِم ملقى)

وَمِنْه من الهزج

(ودولاب إِذا أَن

يزِيد الْقلب أشجانا)

(سقى الْغُصْن وغناه

فَمَا يبرح نشوانا)

وَمِنْه من السَّرِيع

(كَأَنَّمَا السحب إِذا مَا سرت

يحثها العاصف من جايب)

(أَجْنِحَة النعام مَفْتُوحَة

للطرد فِي مصطخب لاجب)

وَمِنْه فِي الشمعة من الْكَامِل

(وعجيبة تحكي بقد نَخْلَة

ذهبية لهبية تَشْكُو الصدا)

(ومقطها مِنْهَا يُعِيد حمامة

بيضًا ويلقيها غراباً أسود)

وَمِنْه من الْكَامِل)

(المَاء عنصره بسيط وَاحِد

لكنما أجزاؤه مُتَفَرِّقَة)

(وَالْمَاء ثوب الأَرْض إِلَّا أَنَّهَا

قَامَت فَصَارَ لَهَا شَبيه المنطقه)

وَمِنْه من السَّرِيع

(إِذا بدا من شرقه النير ال

أَعلَى وزالت دولة الْفجْر)

(تزاحم الْغَيْم على بَابه

لفوزها بِالْخلْعِ الْحمر)

وَمِنْه من الوافر

(تروق الطّرف تدريجات غيم

تكسرها بتصحيح الْهَوَاء)

ص: 309

(كَأَن الشَّمْس تبني من زجاج

لَهَا درجاً إِلَى بَاب السَّمَاء)

وَمِنْه من المتقارب

(أرى الْغَيْث ترسم شكل النَّبَات

وللأرض من بعد ذَا ضَبطه)

(كَمَا دوروا للصَّغِير الْحُرُوف

بنقط فحققها خطه)

وَمِنْه من الْكَامِل

(أعجب لزوبعة تدير لوالباً

فِي الأَرْض تحكي وَهِي فِي جولانها)

(رقاصة هيفاء دارت خفَّة

وثيابها تلتف فِي دورانها)

وَمِنْه من السَّرِيع

(مقطعات النّيل من حولهَا

بخضرة الأقراط جنَّات)

(وتشتهي الْأَنْفس رشقاً لَهَا

كَأَنَّهَا فِي الأَرْض كاسات)

وَمِنْه من الْبَسِيط

(أنظر إِلَى النّخل للأردان نافضة

كَأَن فِي أَعلَى نَخْلَة فيلا)

(مثل السَّوَارِي تدلى حملهَا نسقاً

كَأَنَّمَا عَلقُوا فِيهَا قناديلا)

(كَأَنَّمَا سعف مِنْهَا تطرحه

عواصف الرّيح تَشْبِيها وتمثيلا)

(غيد على طرب من شرب صَافِيَة

رقصن لهواً وطوحن المناديلا)

وَمِنْه فِي شجر الحيلاف من الْبَسِيط

(أنظر إِلَى شجر الحيلاف مشتعلاً

لمن يرَاهُ على بعد كنيران)

(فِي حَال حمرتها من قبل خضرتها

تخال أَغْصَانهَا قضبان مرجان)

)

وَمِنْه فِي البان من الْكَامِل

(بَانَتْ لَك البانات فَاشْرَبْ فَوْقهَا

صفراء تؤذن بالمسرة والسخا)

(وتلبست زغب الْحمام كَأَنَّمَا

باض الرّبيع على الغصون وفرخا)

آخر الْجُزْء الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من كتاب الوافي بالوفيات يتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَليّ بن مُحَمَّد بن رستم بن هردوز بهاء الدّين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على محمدٍ وَآله وَصَحبه وَسلم

ص: 310