الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لجهنم- ضجيج مِنْ بَرْدِهِمْ، ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَيَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا". هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ؟ لِجَهَالَةِ بَعْضِ رُوَاتِهِ.
18- سَورَةُ طَهَ
5759 -
قَالَ الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ: ثَنَا أَبُو عبد الرحمن الأسود، بن عامر شاذان، نا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه "فِي قَوْلِهِ عز وجل:(طه) أي: يَا رَجُلُ، وَهِيَ بِالنِّبْطِيَّةِ. قَالَ شَاذَانُ: رُبَّمَا قَالَ شَرِيكٌ: طَهَ يَا رَجُلُ".
5760 / 1 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أبنا أصبغ بن زيد الجهني، ثنا القاسم ابن أَبِي أَيُّوبَ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: "سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما عَنْ قَوْلِ اللَّهِ- عز وجل لِمُوسَى صلى الله عليه وسلم: (وفتناك فتوناً) فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْفُتُونِ فَقَالَ: اسْتَأْنِفِ النَّهَارَ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ؟ فَإِنَّ لَهَا حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ: فغدوت على ابن عباس لأنجز مَا وَعَدَنِي مِنْ حَدِيثِ الْفُتُونِ، فَقَالَ: تَذَاكَرَ فِرْعَوْنُ وَجُلَسَاؤُهُ مَا كَانَ اللَّهُ- عز وجل وعد إبراهيم قيل مِنْ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَنْبِيَاءً وَمُلُوكًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيَنْتَظِرُونَ ذَلِكَ مَا يَشُكُّونَ فِيهِ، وَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فَلَمَّا هَلَكَ قَالُوا: لَيْسَ هَكَذَا كَانَ، إِنَّ اللَّهَ- عز وجل وَعَدَ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم. قال فرعون: فكيف ترون؟ فأتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالاً الشفار يَطُوفُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَا يَجِدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إِلَّا ذَبَحُوهُ فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ رأوا أن الكبار من بَنِي إِسْرَائِيلَ يَمُوتُونَ بِآجَالِهِمْ وَالصِّغَارَ يُذْبَحُونَ قَالُوا: توشكوا أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى-، أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي، كَانُوا يَكْفُونَكُمْ، فَاقْتُلُوا عَامًا كُلَّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ فَيَقِلَّ نَبَاتُهُمْ، وَدَعُوا عَامًا فَلَا تَقْتُلُوا مِنْهُمْ أحداً فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون فتخافوا، مكاثرتهم إياكم ولن يفنوا بمن تقتلون فتحتاجون إليهم، فأجمعوا
أَمْرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَحَمَلَتْ أُمُّ مُوسَى بِهَارُونَ- عليهما السلام في العام الذي لايذبح فِيهِ الْغِلْمَانُ فَوَلَدَتْهُ عَلَانِيَةً، فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَمَلَتْ بِمُوسَى- عليه السلام فَوَقَعَ فِي قلبها-، من الهم والحزن، فذلك من الفتون يا ابن جبير ما دخل عليه في دهو بَطْنِ أُمِّهِ مِمَّا يُرَادُ بِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ- تعالى- إليها أن لا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ من المرسلين، وَأَمَرَهَا أَنْ إِذَا وَلَدَتْ أَنْ تَجْعَلَهُ فِي تَابُوتٍ، ثُمَّ تُلْقِيهِ فِي الْيَمِّ، فَلَمَّا وَلَدَتْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ فَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ، فَلَمَّا تَوَارَى عَنْهَا ابْنُهَا أَتَاهَا الشَّيْطَانُ فَقَالَتْ فِي نفسها: ما فعلت بابني لو ذبح عندي فواريته وَكَفَّنْتُهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُلْقِيهِ بِيَدِي إِلَى دَوَابِّ الْبَحْرِ وَحِيتَانِهِ. وَانْتَهَى الْمَاءُ بِهِ حَتَّى أَرْفَأَ بِهِ عِنْدَ فُرْضَةِ مُسْتَقَى جَوَارِي امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَخَذْنَهُ، فَهَمَمْنَ أن يفتحن التابوت، فقال بَعْضُهُنَّ: إِنَّ فِي هَذَا مَالًا وَإِنَّا إِنْ فَتَحْنَاهُ لَمْ تُصَدِّقْنَا امَرْأَةُ الْمَلِكِ بِمَا وَجَدْنَا فيه. فحملنه بهيئته لم يحركن منه شيئاً حتى دَفَعْنَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ فِيهِ غُلَامًا فألقي عليه منها محبة لم يلق مِثْلُهَا عَلَى الْبَشَرِ قَطُّ، وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا مِنْ ذِكْرِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى- عليه السلام فَلَمَّا سَمِعَ الذباحون بِأَمْرِهِ أَقْبَلُوا بِشِفَارِهِمْ إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ لِيَذْبَحُوهُ- وذلك من الفتون يا ابن جبير- فقالت للذباحين: أقروه، فَإِنَّ هَذَا الْوَاحِدَ لَا يَزِيدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى آتِي فِرْعَوْنَ فَأَسْتَوْهِبُهُ مِنْهُ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِي كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ وَإِنْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ لَمْ أَلُمْكُمْ. فَأَتَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ فَقَالَتْ: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ. قَالَ فِرْعَوْنُ: يَكُونُ لَكِ فَأَمَّا لِي فَلَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتِ امْرَأَتُهُ لَهَداهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا َهَدى بِهِ امْرَأَتَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذَلِكَ. فَأَرْسَلَتْ إِلَى مَنْ حَوْلِهَا مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ تَخْتَارُ لَهَا ظِئْرًا، فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امرأة منهن لترضعه لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَهَا حَتَّى أَشْفَقَتْ عَلَيْهِ امَرْأَةُ فِرْعَوْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ اللَّبَنِ فَيَمُوتَ، فَأَحْزَنَهَا ذلك فأمرت به فأخرج إلى السوق ومجمع النَّاسُ تَرْجُو أَنْ تَجِدَ لَهُ ظِئْرًا يَأْخُذُ مِنْهَا فَلَمْ يَقْبَلْ، وَأَصْبَحَتْ أُمُّ مُوسَى وَالِهَةً فقالت لأخته: قصيه- تعني أَثَرَهُ- وَاطْلُبِيهِ، هَلْ تَسْمَعِينَ لَهُ ذِكْرًا؟ أَحَيٌّ، ابْنِي أَمْ قَدْ أَكَلَتْهُ الدَّوَابُّ؟ وَنَسِيَتْ مَا كان الله- عز وجل وعدها فيه فبصرت بِهِ أُخْتُهُ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ- والجنب أن يسمو بَصَرَ الْإِنْسَانِ إِلَى الشَّيْءِ الْبَعِيدِ وَهُوَ إِلَى جنبه لايشعر به- فقالت من الفرح حين أعياهم الظؤارت،: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ
وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَأَخَذُوهَا. فَقَالُوا: مَا يُدْرِيكَ مانصحهم له، هل تعرفونه حَتَّى شَكُّوا فِي ذَلِكَ- فَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يا ابن جبير- فقالت: نصحتهم له وشفقتهم عليه رغبة في صهر الملك ورجاء منفعته، فأرسلوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الْخَبَرُ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ فَلَمَّا وَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا نزا إِلَى ثَدْيِهَا فَمَصَّهُ حَتَّى امْتَلَأَ جَنْبَاهُ رِيًّا، وانطلق البشير، إلى امرأة فرعون: إنا قد وجدنا لابنك ظئراً، فأرسلت إليها فأتت بِهَا وَبِهِ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا يَصْنَعُ قَالَتْ لَهَا: امْكُثِي عِنْدِي تُرْضِعِي ابْنِي هَذَا، فَإِنِّي لم أحب حبه شَيْئًا قَطُّ. فَقَالَتْ أُمُّ مُوسَى: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَ بَيْتِي وَوَلَدِي فَيَضِيعَ فَإِنْ طَابَتْ نفسك أن تعطينيه فَأَذْهَبُ بِهِ إِلَى مَنْزِلِي فَيَكُونَ مَعِي لَا آلُوهُ خَيْرًا فَعَلْتُ، وَإِلَّا فَإِنِّي غَيْرُ تَارِكَةٍ بَيْتِي وَوَلَدِي. وَذَكَرَتْ أُمُّ مُوسَى- عليه السلام مَا كَانَ اللَّهُ- عز وجل وَعَدَهَا، فَتَعَاسَرَتْ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ وَأَيْقَنَتْ بِأَنَّ اللَّهَ- عز وجل منجز مَوْعُودَهُ، فَرَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا بِابْنِهَا مِنْ يَوْمِهَا فَأَنْبَتَهُ اللَّهُ نَبَاتًا حَسَنًَا وَحَفِظَهُ لِمَا قَدْ قضى فيه، فلم تزل بنو إسرائيل وهم في ناحية
القرية ممتنعين، يَمْتَنِعُونَ بِهِ مِنَ السُّخْرَةِ مَا كَانَ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَرَعْرَعَ قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لِأُمِّ مُوسَى: أريد أَنْ تُرِينِي ابْنِي، فَوَعَدَتْهَا يَوْمًا تُرِيهَا فِيهِ إِيَّاهُ، فَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لِخُزَّانِهَا وَظُئُورَتِهَا وَقَهَارَمَتِهَا: لَا يَبْقَيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا اسْتَقْبَلَ ابْنِي الْيَوْمَ بِهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ لِأَرَى ذَلِكَ فِيهِ وَأَنَا باعثة أميناً يحصي مَا يَصْنَعُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ. فَلَمْ تَزَلِ الهدايا والكرامة والنحل تَسْتَقْبِلُهُ مِنْ حِينِ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ إِلَى أَنْ دَخَلَ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا دخل عليها بجلته، وَأَكْرَمَتْهُ وَفَرِحَتْ بِهِ وَأَعْجَبَهَا وَنَحَلَتْ أُمَّهُ لِحُسْنِ أَثَرِهِ ثُمَّ قَالَتْ: لَآتِيَنَّ بِهِ فِرْعَوْنَ فَلَيَنْحِلَنَّهُ وَلَيُكْرِمَنَّهُ فَلَمَّا دَخَلَتْ بِهِ عَلَيْهِ جَعَلَهُ فِي حِجْرِهِ فَتَنَاوَلَ مُوسَى لِحْيَةَ فِرْعَوْنَ فَمَدَّهَا إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَ الْغُوَاةُ مِنْ أَعْدَاءُ اللَّهِ لِفِرْعَوْنَ: أَلَا تَرَى إِلَى مَا وَعَدَ اللَّهُ- عز وجل إِبْرَاهِيمَ نَبِيَّهُ- عليه السلام أَنَّهُ يَرِثُكَ وَيَعْلُوكَ وَيَصْرَعُكَ، فَأَرْسِلْ إِلَى الذَّبَّاحِينَ- وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ بَعْدَ كُلِّ بَلَاءٍ ابْتُلِيَ بِهِ أَوْ أُرِيدَ بِهِ فُتُونًا- فَجَاءَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تَسْعَى إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَتْ: مَا بَدَا لَكَ فِي هَذَا الْغُلَامِ الَّذِي وَهَبْتَهُ لِي؟ قَالَ: أَلَا تَرِينَهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَصْرَعُنِي وَيَعْلُونِي؟ قَالَتْ: أَجْعَلُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَمْرًا تَعْرِفُ فِيهِ الْحَقَّ ائْتِ بِجَمْرَتَيْنِ وَلُؤْلُؤَتَيْنِ فَقَرِّبْهُمَا إِلَيْهِ فإن بطش بِاللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَاجْتَنَبَ الْجَمْرَتَيْنِ عَرَفْتَ أَنَّهُ يَعْقِلُ، وَإِنْ تَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْنِ وَلَمْ يَرِدِ
اللُّؤْلُؤَتَيْنِ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا لَا يُؤْثِرُ الْجَمْرَتَيْنِ عَلَى اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَهُوَ يَعْقِلُ. فَقَرَّبَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فتناول الجمرتين فانتزعوهما من يده مخافة أن تحرقا يَدَيْهِ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: أَلَا تَرَى. فَصَرَفَهُ اللَّهُ عنه بعد ما كَانَ قَدْ هَمَّ بِهِ، وَكَانَ اللَّهُ- عز وجل بَالِغًا فِيهِ أَمْرَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَصَارَ مِنَ الرِّجَالِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَخْلُصُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي إسرائيل معه بظلم ولا سخرة حتى امتنعوا كل الامتناع، فبينا مُوسَى- عليه السلام يَمْشِي فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ إِذْ هُوَ بِرَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ أَحَدُهُمَا فِرْعَوْنِيٌّ وَالْآخَرُ إِسْرَائِيلِيٌّ، فَاسْتَغَاثَهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ فَغَضِبَ مُوسَى- عليه السلام غضباً شديداً؟ لأنه تناوله وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْزِلَةَ مُوسَى- عليه السلام مِنْ بني إسرائيل وحفظه لهم لا يَعْلَمُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا أُمُّ مُوسَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ- عز وجل أَطْلَعَ مُوسَى- عليه السلام مِنْ ذلك على ما لم يطلعه عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَوَكَزَ مُوسَى- عليه السلام الْفِرْعَوْنِيَّ فَقَتَلَهُ وَلَيْسَ يَرَاهُمَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ- عز وجل والإسرائيلي. فَقَالَ مُوسَى- عليه السلام حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مبين) ثم قال (رب إني ظلمت) إلى قوله (إنه هو الغفور الرحيم) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ الْأَخْبَارَ فَأُتِيَ فرعون فقيل: إن بني إسرائيل قد قتلوا رَجُلًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ فَخُذْ لَنَا بِحَقِّنَا وَلَا تُرَخِّصْ لَهُمْ. فَقَالَ: ابْغُونِي قَاتِلَهُ وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ "فَإِنَّ الْمَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَفْوُهُ مع قومه لا يستقيم له أن يقيد بغير بينة ولا ثبت فَانْظُرُوا فِي عِلْمِ ذَلِكَ آخُذْ لَكُمْ بِحَقِّكُمْ. فبينا هم يطوفون، لا يجدون ثبتاً، إذا موسى- عليه السلام قد رأى من الغد ذلك الإسرائيلي يقاتل رَجُلًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ آخَرَ فَاسْتَغَاثَهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ فَصَادَفَ مُوسَى- عليه السلام قَدْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فَكَرِهَ الَّذِي رَأَى فَغَضِبَ الْإِسْرَائِيلِيُّ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْطِشَ بالفرعوني فقال للإسرائيلي لِمَا فَعَلَ أَمْسَ وَالْيَوْمَ:(إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) . فَنَظَرَ الْإِسْرَائِيلِيُّ إِلَى مُوسَى- عليه السلام بَعْدَمَا قَالَ لَهُ مَا قَالَ، فَإِذَا هُوَ غَضْبَانُ كَغَضَبِهِ بِالْأَمْسِ الَّذِي قَتَلَ بِهِ الْفِرْعَوْنِيَّ؟ فَخَافَ أن يكون بعد ما قال له:(إنك لغوي مبين) إِيَّاهُ أَرَادَ، وَلَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْفِرْعَوْنِيَّ فَخَافَ الْإِسْرَائِيلِيُّ فَحَاجَزَ الْفِرْعَوْنِيَّ فَقَالَ: يَا مُوسَى، أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بالأمس. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ مُوسَى- عليه السلام أَنْ يَقْتُلَهُ فَتَنَازَعَا فَانْطَلَقَ الْفِرْعَوْنِيُّ إِلَى قَوْمِهِ
فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا سَمِعَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيِّ مِنَ الْخَبَرِ حِينَ يَقُولُ: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ الذَّبَّاحِينَ لِيَقْتُلُوا مُوسَى- عليه السلام فَأَخَذَ رُسُلُ فِرْعَوْنَ الطَّرِيقَ الْأَعْظَمَ يمشون على هيئتهم يَطْلُبُونَ مُوسَى- عليه السلام وَهُمْ لَا يَخَافُونَ أَنْ يَفُوتَهُمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ مُوسَى- عليه السلام مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ فَاخْتَصَرَ، طَرِيقًا قَرِيبًا حَتَّى سَبَقَهُمْ إِلَى مُوسَى- عليه السلام فأخبره الخبر- فَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ - فَخَرَجَ مُوسَى- عليه السلام مُتَوَجِّهًا نَحْوَ مَدْيَنَ لَمْ يَلْقَ بَلَاءً قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِالطَّرِيقِ إِلَّا حُسْنُ الظَّنِّ بِرَبِّهِ- عز وجل فَإِنَّهُ قَالَ:(عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السبيل وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً من الناس يسقون) إلى تذودان - يعني بذلك حابستين غنمهما- فقال لهما: ما خطبكما مُعْتَزِلَتَيْنِ لَا تَسْقِيَانِ مَعَ النَّاسِ؟ قَالَتَا: لَيْسَ لَنَا قُوَّةٌ نُزَاحِمُ الْقَوْمَ وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ فُضُولَ حياضهم. فسقى لهما فَجَعَلَ يَغْرِفُ بِالدَّلْوِ مَاءً كَثِيرًا حَتَّى كَانَتَا أول الرعاء فراغاً، فانصرفا بِغَنَمِهِمَا إِلَى أَبِيهِمَا، وَانْصَرَفَ مُوسَى- عليه السلام فَاسْتَظَلَّ بِشَجَرَةٍ وَقَالَ:(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إلي من خير فقير) . فاستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطاناً. فقال: إن لكما اليوم لشأن فأخبرتاه، بما صَنَعَ مُوسَى- عليه السلام فَأَمَرَ إِحْدَاهُمَا أَنْ تَدْعُوَهُ لَهُ، فَأَتَتْ مُوسَى- عليه السلام
فَدَعَتْهُ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين، لَيْسَ لِفِرْعَوْنَ وَلَا لِقَوْمِهِ عَلَيْنَا سُلْطَانٌ وَلَسْنَا فِي مَمْلَكَتِهِ. قَالَ: فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ. فَاحْتَمَلَتْهُ الْغَيْرَةُ عَلَى أَنْ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكِ مَا قُوَّتُهُ وَمَا أَمَانَتُهُ؟ قَالَتْ: أَمَّا قُوَّتُهُ: فما رأيت في الدلو وحين سَقَى لَنَا لَمْ أَرَ رَجُلًا قَطُّ فِي ذلك المسقى مِنْهُ، وَأَمَّا أَمَانَتُهُ فَإِنَّهُ نَظَرَ إِلَيَّ حِينِ أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ وَشَخَصْتُ لَهُ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنِّي امرأة صوب رأسه، فلم يَرْفَعْهُ وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ حَتَّى بَلَّغْتُهُ رِسَالَتَكَ، ثُمَّ قَالَ لِي: امْشِي خَلْفِي وَانْعِتِي لِيَ الطريق، فلم يَفْعَلْ هَذَا إِلَّا وُهُوَ أَمِينٌ. فَسُرِّيَ عَنْ أبيها وصدقها وظن به الذي قالت، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابنتي هاتين) إلى قوله (من الصالحين) فَفَعَلَ فَكَانَتْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى- عليه السلام-
ثَمَانِي سِنِينَ وَاجِبَةٌ، وَكَانَتْ سَنَتَانِ عِدَّةٌ مِنْهُ فَقَضَى اللَّهُ- عز وجل عَنْهُ عِدَّتَهُ، فَأَتَمَّهَا عَشْرًا- قَالَ سَعِيدٌ: فَلَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي أَيُّ الأجلين قضى موسى- عليه السلام قلت: لا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ لَا أَدْرِي، فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ ثَمَانِيًا كَانَتْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ- عليه السلام وَاجِبَةً، لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ اللَّهِ لِيَنْقُصَ مِنْهَا شيئاً وتعلم أن الله- عز وجل كان قَاضِيًا عَنْ مُوسَى عليه السلام عِدَّتَهُ الَّتِي وَعَدَ؟ فَإِنَّهُ قَضَى عَشْرَ سِنِينَ. فَلَقِيتُ النَّصْرَانِيَّ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: الَّذِي سَأَلْتَهُ فَأَخْبَرَكَ أَعْلَمُ مِنْكَ بِذَلِكَ. قُلْتُ: أَجَلْ وَأَوْلَى. فَلَمَّا سَارَ مُوسَى- عليه السلام بِأَهْلِهِ كَانَ مِنْ أَمْرِ الناس مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي الْقُرْآنِ وَأَمْرِ الْعَصَا وَيَدِهِ فَشَكَا إِلَى رَبِّهِ- عز وجل مَا يَتَخَوَّفُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ فِي الْقَتِيلِ وَعُقْدَةِ لِسَانِهِ فَأَتَاهُ اللَّهُ- عز وجل سُؤْلَهُ وَحَلَّ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ وَأَوْحَى اللَّهُ- عز وجل إِلَى هَارُونَ- عليه السلام وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْقَاهُ، وَانْدَفَعَ مُوسَى- عليه السلام بِعَصَاهُ حَتَّى لقي هارون- عليه السلام فانطلقا جَمِيعًا إِلَى فِرْعَوْنَ فَأَقَامَا حِينًا عَلَى بَابِهِ لا يؤذن لهما، ثم أذن لهما، فقالا: إنا رسولا ربك. قال: فمن ربكما يا موسى؟ فَأْخَبَرَاهُ بِالَّذِي قَصَّ اللَّهُ عز وجل عَلْيَكَ فِي الْقُرْآنِ. قَالَ: فَمَا تُرِيدَانِ؟ وَذَكَّرَهُ الْقَتِيلَ وَاعْتَذَرَ بِمَا قَدْ سَمِعْتَ. وَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَأَنْ تُرْسِلَ مَعِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَبَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: ائْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَأَلْقَى عَصَاهُ، فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ عظيمة فارعة فَاغِرَةٌ فَاهَا مُسْرِعَةٌ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا رَآهَا فِرْعَوْنُ قَاصِدَةً إِلَيْهِ خَافَهَا، فَاقْتَحَمَ عَنْ سَرِيرِهِ، وَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى- عليه السلام أَنْ يَكُفَّهَا عَنْهُ، فَفَعَلَ، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ فَرَآهَا بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ- يَعْنِي مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ- فَرَدَّهَا فَعَادَتْ إِلَى لَوْنِهَا الْأَوَّلِ، فَاسْتَشَارَ الْمَلَأَ حَوْلَهُ فِيمَا رَأَى، فَقَالُوا لَهُ: (هَذَانِ لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم
…
) الآية، والمثلى ملكهم الذي هم فِيهِ وَالْعَيْشُ، فَأَبَوْا عَلَى مُوسَى- عليه السلام أَنْ يُعْطُوهُ شَيْئًا مِمَّا طَلَبَ، وَقَالُوا لَهُ: اجْمَعْ لَهُمَا السَّحَرَةَ فَإِنَّهُمْ بِأَرْضِكَ كَثِيرٌ حَتَّى تغلب بسحرهما وَأَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ فَحُشِرَ لَهُ كُلُّ سَاحِرٍ متعالم، فلما أتوا على فرعون قالوا: بمَ يَعْمَلُ هَذَا السَّاحِرُ؟ قَالُوا: يَعْمَلُ الْحَيَّاتِ. قَالُوا:
وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ يَعْمَلُ السِّحْرَ وَالْحَيَّاتِ وَالْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ الَّذِي نَعْمَلُ، فَمَا أَجْرُنَا إِنْ نَحْنُ غَلَبْنَا؟ قَالَ لَهُمْ: أَنْتُمْ أَقَارِبِي وخاصتي وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم فَتَوَاعَدُوا يَوْمَ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى- قَالَ سَعِيدٌ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ يَوْمَ الزِّينَةِ الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ اللَّهُ- عز وجل فِيهِ مُوسَى- عليه السلام عَلَى فِرْعَوْنَ وَالسَّحَرَةِ هُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ- فَلَمَّا اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ، قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هَذَا الْأَمْرَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ- يَعْنُونَ مُوسَى وَهَارُونَ عليهما السلام اسْتِهْزَاءً بِهِمَا. فَقَالُوا: يَا مُوسَى- لِقُدْرَتِهِمْ فِي أنفسهم بسحرهم- إما أن تلقي وإما نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ: بَلْ أَلْقُوا. فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ. فَرَأَى مُوسَى- عليه السلام مِنْ سِحْرِهِمْ مَا أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً، فَأَوْحَى اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ. فَلَمَّا أَلْقَاهَا صَارَتْ ثُعْبَانًا عَظِيمًا فَاغِرَةً فَاهَا فَجَعَلَتِ الْعِصِيُّ بِدَعْوَةِ مُوسَي- عليه السلام تَلْتَبِسُ بِالْحِبَالِ حتى صارت جرزاً إلى الثعبان تدخل فِيهِ، حَتَّى مَا أَبْقَتْ عَصَا وَلَا حَبْلًا إِلَّا ابْتَلَعَتْهُ، فَلَمَّا عَرَفَ السَّحَرَةُ ذَلِكَ قَالُوا: لو كان هذا سحراً لَمْ يَبْلُغْ مِنْ سِحْرِنَا كُلَّ هَذَا، وَلَكِنَّهُ أمر من الله، آمنا بالله وبما جَاءَ بِهِ مُوسَى- عليه السلام وَنَتُوبُ إِلَى اللَّهِ- عز وجل مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ، وَكَسَرَ اللَّهُ ظَهْرَ فِرْعَوْنَ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ وَأَشْيُاعَهُ، وَأَظْهَرَ الْحَقَّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ، وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ بَارِزَةٌ مُتَبَذِّلَةٌ تَدْعُو بِالنَّصْرِ لِمُوسَى- عليه السلام عَلَى فِرْعَوْنَ، فَمَنْ رَآهَا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ظَنَّ أَنَّهَا إِنَّمَا تَبَذَّلَتْ لِشَفَقَةٍ عَلَى فِرْعَوْنَ وَأَشْيَاعِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ حُزْنُهَا وَهَمُّهَا لِمُوسَى- عليه السلام فَلَمَّا طَالَ مُكْثُ مُوسَى- عليه السلام لِمَوَاعِيدِ فِرْعَوْنَ الْكَاذِبَةِ كُلَّمَا جَاءَهُ بِآيَةٍ وَعَدَهُ عِنْدَهَا أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِذَا مَضَتْ أَخْلَفَ موعده وقال: أهل، يستطيع ربك أن يصنع غَيْرَ هَذَا؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ الطُّوفَانَ، وَالْجَرَادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفَادِعَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَشْكُو
إِلَى مُوسَى- عليه السلام وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ أَنْ يَكُفَّهَا عَنْهُ، وَيُوَاثِقُهُ عَلَى أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِذَا كَفَّ ذَلِكَ عَنْهُ أَخْلَفَ مَوْعِدَهُ وَنَكَثَ عَهْدَهُ فَأُمِرَ مُوسَى- عليه السلام بِالْخُرُوجِ بِقَوْمِهِ، فَخَرَجَ بِهِمْ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ فِرْعَوْنُ وَرَأَى أَنَّهُمْ قَدْ مَضَوْا، أَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ فَتَبِعَهُمْ بِجُنُودٍ عَظِيمَةٍ كَثِيرَةٍ، وَأَوْحَى اللَّهُ- عز وجل إِلَى الْبَحْرِ أَنْ إِذَا ضَرَبَكَ مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَرِقْ لَهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً حَتَّى يَجُوزَ مُوسَى عليه السلام ومن معه، ثم التق عَلَى مَنْ بَقِيَ بَعْدُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَأَشْيَاعِهِ، فَنَسِيَ مُوسَى- عليه السلام أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِالْعَصَا، فَانْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ وَلَهُ قَصِيفٌ، مَخَافَةَ أن يضربه مُوسَى- عليه السلام وَهُوَ غَافِلٌ، فَيَصِيرَ عَاصِيًا لله- عز وجل فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ
وَتَقَارَبَا قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ افْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ- عز وجل فَإِنَّكَ لَمْ تكذِب وَلَمْ تُكْذَب. فَقَالَ: وَعَدَنِي رَبِّي- عز وجل إِذَا أَتَيْتُ الْبَحْرَ انْفَرَقَ لِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً حَتَّى أُجَاوِزَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَصَا، فَضَرَبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ حِينَ دَنَا أَوَائِلُ جُنْدِ فِرْعَوْنَ مِنْ أَوَاخِرِ جُنْدِ مُوسَى- عليه السلام فَانْفَرَقَ الْبَحْرُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ- عز وجل وَكَمَا وُعِدَ مُوسَى- عليه السلام فَلَمَّا أَنْ جَاوَزَ مُوسَى- عليه السلام وَأَصْحَابُهُ الْبَحْرَ، وَدَخَلَ فِرْعَوْنُ وَأَصْحَابُهُ، الْتَقَى عَلَيْهِمُ الْبَحْرُ كَمَا أُمِرَ، فَلَمَّا جَاوَزَ مُوسَى- عليه السلام الْبَحْرَ، قَالَ أَصْحَابُهُ: إِنَّا نَخَافُ أَنْ لا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه، فدعا ربه- عز وجل فأخرجه له ببدنه، حَتَّى اسْتَيْقَنُوا بِهَلَاكِهِ، ثُمَّ مَرُّوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا:(يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً) إِلَى (وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . قَدْ رأيتم من الْعِبَرَ وَسَمِعْتُمْ مَا يَكْفِيكُمْ وَمَضَى فَأَنْزَلَهُمْ مُوسَى- عليه السلام مَنْزِلًا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَطِيعُوا هَارُونَ- عليه السلام فَإِنِّي قَدِ اسْتَخْلَفْتُهُ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي- عز وجل وَأَجَّلَهُمْ ثلاثين يوماً أن يرجع إليهم فيها فلما أتى ربه وأراد أن يكلمه ثلاثين يوماً وقد صامهن ليلهن ونهارهن، كره أَنْ يُكَلِمَّ رَبَّهُ- عز وجل وَرِيحُ فَمِهِ رِيحُ فَمِ الصَّائِمِ، فَتَنَاوَلَ مُوسَى- عليه السلام مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ شَيْئًا فَمَضَغَهُ. فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ- عز وجل حِينَ لَقَاهُ: لِمَ أَفْطَرْتَ- وَهُوَ أَعْلَمُ بِالَّذِي كَانَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُكَلِّمَكَ إِلَّا وَفَمِي طَيِّبُ الرِّيحِ. قَالَ: أَوَ مَا عَلِمْتَ يَا مُوسَى أَنَّ رِيحَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدِي مِنْ ريح المسك ارجع حتى تصوم عشراً، ثُمَّ ائْتِنِي. فَفَعَلَ مُوسَى- عليه السلام مَا أُمِرَ بِهِ، فَلَمَّا رَأَى قَوْمُ مُوسَى- عليه السلام أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ لِلْأَجَلِ سَاءَهُمْ ذَلِكَ، وَكَانَ هَارُونُ- عليه السلام قَدْ خَطَبَهُمْ فقال: إنكم خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ وَلِقَوْمِ فِرْعَوْنَ عِنْدِي عَوَارِي وَوَدَائِعُ، وَلَكُمْ فِيهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ، وَأَنَا أَرَى أن تحتسبوا ما لكم عندهم، ولا أحل لَكُمْ وَدِيعَةً اسْتُوْدِعْتُمُوهَا وَلَا عَارِيَةً، وَلَسْنَا بِرَادِّي إِلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مُمْسِكِيهِ لِأَنْفُسِنَا- فحفر حفيراً، وأمر كل قوم عندهم شيء
مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ حِلْيَةٍ أَنْ يَقْذِفُوهُ فِي ذَلِكَ الْحَفِيرِ، ثُمَّ أَوْقَدَ عَلَيْهِ النَّارَ فَأَحْرَقَهُ فَقَالَ: لَا يَكُونُ لَنَا وَلَا لَهُمْ. وَكَانَ السَّامِرِيُّ رَجُلٌ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ جِيرَانٍ لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَاحْتَمَلَ مَعَ مُوسَى- عليه السلام وَبَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ احْتَمَلُوا، فَقَضَى لَهُ أَنْ رَأَى أَثَرًا، فَأَخَذَ مِنْهُ بِقَبْضَتِهِ، فَمَرَّ بِهَارُونَ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ- عليه السلام يَا سَامِرِيُّ أَلَا تُلْقِي مَا فِي يَدَيْكَ؟ وَهُوَ قَابِضٌ عَلَيْهِ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ طَوَالَ ذَلِكَ. فَقَالَ: هَذِهِ قَبْضَةٌ مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ الَّذِي جَاوَزَ بِكُمُ البحر ولا ألقيها، لشيء إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ اللَّهَ إِذَا أَلْقَيْتُهَا أَنْ يكون ما أريد، فألقاه ودعا له هارون- عليه السلام. فقال: أريد أن تكون عِجْلًا، وَاجْتَمَعَ مَا كَانَ فِي الْحُفْرَةِ مِنْ متاع أَوْ حِلْيَةٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ فَصَارَ عِجْلا أَجْوَفَ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ لَهُ خُوَارٌ- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ لَهُ صَوْتٌ قَطُّ، إِنَّمَا كَانَتِ الرِّيحُ تَدْخُلُ من دبره وتخرج من فيه، فَكَانَ ذَلِكَ الصَّوْتُ مِنْ ذَلِكَ- فَتَفَرَّقَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِرَقًا. فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: يَا سَامِرِيُّ، مَا هَذَا فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ؟ قَالَ: هَذَا رَبُّكُمْ- عز وجل وَلَكِنَّ مُوسَى- عليه السلام أَضَلَّ الطريق. وقالت فرقة: لا نكذب بهذا، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى، فَإِنْ كَانَ رَبَّنَا الم نكن ضيعناه، وَعَجَزْنَا فِيهِ حَتَّى رَأَيْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبَّنَا فَإِنَّا نَتَّبِعُ قَوْلَ مُوسَى عليه السلام. وقالت فرقة: هذا عمل الشَّيْطَانِ، وَلَيْسَ بِرَبِّنَا، وَلَا نُؤْمِنُ وَلَا نُصَدِّقُ، وَأُشْرِبَ فِرْقَةٌ فِي قُلُوبِهِمُ التَّصْدِيقُ بِمَا قَالَ السَّامِرِيُّ فِي الْعِجْلِ، وَأَعْلَنُوا التَّكْذِيبَ، فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ- عليه السلام يَا قَوْمُ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ هَكَذَا. قَالُوا: فَمَا بَالُ مُوسَى- عليه السلام وَعَدَنَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ أَخْلَفَنَا، فَهَذِهِ أَرْبَعُونَ قَدْ مَضَتْ. فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: أَخْطَأَ رَبُّهُ فَهُوَ يَطْلُبُهُ وَيَتَّبِعُهُ. فَلَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ- عز وجل مُوسَى- عليه السلام وَقَالَ لَهُ مَا قَالَ، أَخْبَرَهُ بِمَا لَقِيَ قَوْمُهُ بَعْدَهُ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا وَقَالَ لَهُمْ مَا سَمِعْتُمْ فِي الْقُرْآنِ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ وَأَلْقَي الْأَلْوَاحَ مِنَ الْغَضَبِ، ثُمَّ عَذَرَ أَخَاهَ بِعُذْرِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ، وَانْصَرَفَ إِلَى السَّامِرِيِّ، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: قَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ، وَفَطِنْتُ لَهَا وَعُمَّتْ عَلَيْكُمْ فَقَذَفْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ)
إلى قوله: (نسفاً) ولو كان إلهاً لم تخلص إِلَى ذَلِكَ مِنْهُ، فَاسْتَيْقَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالْفِتْنَةِ، وَاغْتَبَطَ الَّذِينَ كَانَ رَأْيُهُمْ فِيهِ مِثْلَ رَأْيِ هَارُونَ- عليه السلام فَقَالُوا بِجِمَاعَتِهِمْ لِمُوسَى- عليه السلام: سَلْ لَنَا رَبَّكَ- عز وجل-
أَنْ يَفْتَحَ لَنَا بَابَ تَوْبَةٍ نَصْنَعُهَا فَيُكَفِّرَ عَنَّا مَا عَمِلْنَا فَاخْتَارَ مُوسَى- عليه السلام قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِذَلِكَ لَا يَأْلُوا الْخَيْرَ خِيَارُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَنْ لَمْ يُشْرِكْ فِي الْعِجْلِ. فَانْطَلَقَ بِهِمْ لِيَسْأَلَ لَهُمُ التَّوْبَةَ، فَرَجَفَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ فَاسْتَحْيَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَوْمِهِ وَوَفْدِهِ حِينَ فُعِلَ بِهِمْ مَا فُعِلَ، فَقَالَ:(رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهاء منا) وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ كَانَ اللَّهُ- عز وجل اطَّلَعَ عَلَى مَا أُشْرِبَ قَلْبُهُ مِنْ حُبِّ العجل وإيمانه به، لذلك رَجَفَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ. فَقَالَ:(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شيء فسأكتبها للذين يتقون) إلى (في التوراة والإنجيل) فَقَالَ: رَبِّ سَأَلْتُكَ التَّوْبَةَ لِقَوْمِي فَقُلْتَ: إِنَّ رحمتي كتبتها لقوم غير قومي فليتك أخرتني، حتى تخرجني حيّاً فِي أُمَّةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَرْحُومَةِ. فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: إِنَّ تَوْبَتَهُمْ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَنْ لَقِيَ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ فَيَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ لَا يُبَالِي مِنْ قَتَلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ وَتَابَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانَ خَفِيَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونُ- عليهما السلام مَا اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، فَاعْتَرَفُوا بِهَا، وَفَعَلُوا مَا أُمِرُوا وَغَفَرَ اللَّهُ لِلْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ. ثُمَّ سَارَ بِهِمْ مُوسَى- عليه السلام مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَخَذَ الْأَلْوَاحَ بَعْدَ مَا سَكَتَ عنه الغضب وأمرهم بالذي أمر به أن يبلغهم من الوظائف، فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِهَا فَنَتَقَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَدَنَا مِنْهُمْ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ، فَأَخَذُوا الْكِتَابَ بِأَيْمَانِهِمْ، وَهُمَ يُصْغُونَ، يَنْظُرُونَ إِلَى الْجَبَلِ والأرض والكتاب بأيديهم وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى الْجَبَلِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ مَضَوْا إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَوَجَدُوا مدينة قوم جبارين خلقهم خلق مُنْكَرٌ، وَذَكَرَ مِنْ ثَمَارِهِمْ أَمْرًا عَجَبًا مِنْ عِظَمِهَا، فَقَالُوا: يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جبارين لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ وَلَا نَدْخُلُهَا مَا دَامُوا فِيهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ، قال رجلان من الذين يخافون مِنَ الْجَبَّارِينَ: آمَنَّا بِمُوسَى- عليه السلام فَخَرَجَا إِلَيْهِ، فَقَالَا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِقَوْمِنَا، إِنْ كُنْتُمْ إِنَّمَا تَخَافُونَ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ أَجْسَامِهِمْ وَعَدَدِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا قُلُوبَ لَهُمْ، وَلَا مَنَعَةَ عِنْدَهُمْ، فَادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ. ويقول أناس: إنها مِنْ قَوْمِ مُوسَى- عليه السلام وَزَعَمَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَّهُمَا مِنَ الْجَبَّارِينَ آمَنَا بِمُوسَى فقوله: (مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ) إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ مِنَ الذين يخافون بني إسرائيل (قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا
قاعدون) فَأَغْضَبُوا مُوسَى- عليه السلام فَدَعَا عَلَيْهِمْ وَسَمَّاهُمْ: فَاسِقِينَ. وَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا رَأَى، مِنْهُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَإِسَاءَتِهُمْ حَتَّى كَانَ يَوْمَئِذٍ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ عز وجل لَهُ فَسَمَّاهُمْ كما سماهم موسى- عليه السلام: فاسقين وحرمها عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ يُصْبِحُونَ كُلَّ يَوْمٍ فَيَسِيرُونَ لَيْسَ لَهُمْ قَرَارٌ، ثُمَّ ظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ فِي التِّيهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَجَعَلَ لَهُمْ ثِيَابًا لَا تَبْلَى وَلَا تَتَّسِخُ، وَجَعَلَ بَيْنَ ظَهْرِهِمْ حَجَرًا مُرَبَّعًا، وأمر موسى- عليه السلام فضربه بعصاه فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ ثَلَاثَةُ أَعْيُنٍ، وَأَعْلَمَ كُلَّ سِبْطٍ عَيْنَهُمُ الَّتِي يشربون منها، فلا يرتحلون من منزلة إِلَّا وَجَدُوا ذَلِكَ الْحَجَرَ مِنْهُمْ بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ أَمْسَ. رَفَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصَدَقَ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَمِعَ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْفِرْعَوْنِيُّ هُوَ الَّذِي أَفْشَى عَلَى مُوسَى- عليه السلام أَمَرَ الْقَتِيلِ الَّذِي قُتِلَ. قَالَ: كَيْفَ يَفْشِي عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ، وَلَا ظَهَرَ عَلَيْهِ إِلَّا الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي حَضَرَ ذَلِكَ وَشَهِدَهُ. فَغَضِبَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ بِيَدِ مُعَاوِيَةَ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، هَلْ تَذْكُرُ يَوْمَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتِيلِ مُوسَى- عليه السلام الذي قتل من آل فرعون الإسرائيلي أفشى عَلَيْهِ أَمِ الْفِرْعَوْنِيُّ؟ قَالَ: إِنَّمَا عَلِمَ الْفِرْعَوْنِيُّ لما سمع من الْإِسْرَائِيلِيَّ الَّذِي شَهِدَ ذَلِكَ وَحَضَرَهُ".
5760 / 2 - رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ: ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا أَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ
…
فَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ.
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ، وَبَاقِي رِجَالِ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
5761 -
قَالَ أحمد بن منيع: وثنا يزيد، أبنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ "فِي قَوْلِهِ عز وجل:(وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حاشرين) قال: الشرط".
5762 -
وقال: وثنا يزيد، أبنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"كان إذا خار سجدوا وإذا سكت رفعوا رؤوسهم".
5763 -
وَقَالَ مُسَدَّد: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عن النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه قَالَ:"الْمَعِيشَةُ الضَّنْكَةُ الَّتِي قَالَ عز وجل هِيَ: عَذَابُ الْقَبْرِ".
وَتَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ فِي بَابِ عَذَابُ الْقَبْرِ.
هَذَا إِسْنَادٌ
…
وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ ابن حبان.
5764 -
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا وكيع بن الجراح، عن موسى بن عبيدة عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: "نَزَلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضَيْفٌ فَبَعَثَنِي إِلَى يَهُودِيٍّ فَقَالَ: قُلْ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَكَ: بِعْنَا أَوْ أَسْلِفْنَا إِلَى رَجَبٍ. فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَبِيعُهُ وَلَا أُسْلِفُهُ إِلَّا بِرَهْنٍ. فَرَجَعَتْ إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَمَا والله إن بَاعَنِي أَوْ أَسْلَفَنِي لَقَضَيْتُهُ إِنِّي لَأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ أَمِينٌ فِي الْأَرْضِ، اذْهَبْ بِدِرْعِي الْحَدِيدِ. فَذَهَبْتُ بِهَا، فنزلت هذه الآية تَعْزِيَةً عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا منهم) .
رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، كلاهما من طريق موسى بن عبيدة به، وتقدم في كتاب....